}

الشهرة.. هل يمكن أن تساهم في بشاعتنا؟

محمود عبد الغني محمود عبد الغني 21 مايو 2020
اجتماع الشهرة.. هل يمكن أن تساهم في بشاعتنا؟
وجوه اختارها الفنان أ.بالامبو تنبه للعنف الممارس على النساء
فقط لأنني امرأة

"فقط لأنني امرأة" هو عنوان حملة تحسيسية، في بداية يناير/ كانون الثاني، اتخذت وجوه نساء شهيرات دعامة فنية لها. هي وجوه اختارها الفنان الإيطالي أليساندرو بالامبو بهدف جلب الانتباه للعنف الممارس على النساء، لكنه أدخل عليها تعديلات بحيث ظهرت عليها آثار الجراح وكدمات الضرب العنيف. النساء الشهيرات هن: أونغ سان سو كوي، وزيرة الشؤون الخارجية ورئيسة حكومة برمانيا، أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، ألكسندريا أوكازيو- كورتيز، برلمانية أميركية، بريجيت ماكرون، عقيلة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ميشيل أوباما، زوجة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة وزوجة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون وصونيا غاندي، رئيسة حزب المؤتمر وابنة الرئيس الهندي الشهير غاندي. وقد أكّد أ. بالامبو، في خبر صحافي وزعه على وسائل الإعلام، أن الغرض من ذلك هو "رسم المأساة التي تلحق بملايين النساء في العالم بأكمله".

لم يصدر عن النساء الشهيرات، اللاتي ألحق الفنان الإيطالي الضرر بوجوههنّ فنيا، أي ردود فعل. خصوصًا وأن الجريدة الفرنسية "لوباريزيان" قد نشرت الخبر، يوم 16 يناير/ كانون الثاني، ومعه صورة للسيدة الفرنسية الأولى بريجيت ماكرون، زوجة الرئيس الفرنسي. والسؤال الذي يمكن تأطيره هنا ينبغي ألا يتجاوز حدود الشهرة وما يمكن أن ينتج عنها: هل أنت مشهور ولك كل الأدوات اللازمة للحفاظ على شهرتك؟ وإلا فأنت مشهور ولا تمتلك الأدوات اللازمة للحفاظ على شهرتك، بل حمايتها.
إن عالم السياسة والثقافة والفن هو ملعب متحرّك للشهرة والمشاهير، هو رمال متحرّكة عليك امتلاك تقنيات السير عليها. وإلا لكان على الرئاسة الفرنسية، أو الألمانية، أو الأميركية، أو الهندية، أو البرمانية، إصدار بلاغ تستنكر فيه استخدام صور نسائهن بعد أن لحق بهنّ التشويه من طرف فنان إيطالي نزوي، يشنّ حملة على الرجال، ويناصر النساء المعنّفات، المنتميات في الغالب إلى المجتمعات الذكورية أو البطريركية. لكن النساء المعروضة صورهن على جدار في الشارع مدينات بالشعور بالأمان إلى الشهرة التي تضمنه بدرجة عالية. لقد نسين أنهن صاحبات شهرة، فكانت الأحوال أفضل.


شُهرة الكاتب بعد أن تعبث به القرون
أيها الكاتب، ألا يمكن أن تنسى قليلًا أنك صاحب شهرة؟ إذا رأيت الشهرة تبتسم لك، فتأكّد أنها نصل سكّين. إن نسيان الشهرة، في اعتقاد الكاتب المشهور، هو نسيان لموهبته. هذا ما خمّنه روبرت فالزر (أديب سويسري 1878-1956) وهو يأمر مواطنه هيغو هوفمانستال (1874-1929)، المسرحي الغزير الإنتاج. كان فالزر عُصابيًا متشائمًا، وهو طباع غالب على كارهي الشهرة، في حين كان هوفمانستال شاعرًا تأمليًا كثير العمل، وهي لعمري خصيصتان تطبعان الأدباء الذين يرفضون نسيان شهرتهم. ويجد مواطنهما، الروائي كليمانس زاتس (1982-...)، في ثنايا سؤال الشهرة، احتمالًا في الضفة الأخرى من القضية: إذا نسي الأدباء شهرتهم، عزلاتهم، مواهبهم، أعمالهم الغزيرة، عملهم الدؤوب.. أي مطالبتهم، على نحو بطولي، بأن يظلّوا مجهولين، ما عسى غيرهم أن يفعل، ماذا لديهم يستوجب النسيان؟ ما عسى الأدباء المخفقون، الذين لا يكتسبون الشهرة، أن يفعلوا؟ هل يملكون شيئًا عليهم نسيانه؟ هذه الفئة تعتبر الشهرة مجرد استعارة، فيما ترى الفئة الأولى أنها حقيقة يحيون بها، خصوصًا بعد موتهم. لذلك نتخيّلهم كأنهم يصرخون في كل القرون، بنبرة راعب وصراخ رهيب، ويخاطبون القرون التي يكتظ فيها الناس: الشهرة كيسنا، ابنتنا البتول، احرسوها معنا، بكلابكم، وقناديلكم، وبنادقكم. احرسوا كل شيء يحوم حولها. الشهرة صوتنا بعد أن تعبث بنا القرون.

 روبرت فالزر (أديب سويسري 1878-1956) 


















أيها الكاتب، مع صدور كل مقالة أو كتاب جيّد، تتلقّى مكالمات هاتفية تهنئك على ما أنجزت وقدّمت، والقراء التأمليون يفضلون مخاطبتك عبر الرسائل، كما فعل أترابهم مع فلوبير وموباسان، وجبرا إبراهيم جبرا، وبابلو نيرودا، وعبد الرحمن منيف، وغبريال غ. ماركيز، وأمبرتو إيكو... وكلما تحدث الناس عن كاتب فاز بأرفع الجوائز، وكلما كتب ناقد أو صحافي عن عمل أديب ناضح، داخل أكبر اللغات وأعظم الآداب، تقول تلك رسالة وصلتني هذا الصباح، وتلك جوائزي وقد فزت بها، وتلك مقالات كُتبت عني أنا أيضًا، رغم أنها لم تذكرني بالاسم. هنا، ستظهر لطيفًا مع الجميع، في اليوم التالي. والذي يجعلك تؤمن بأنك الفائز، وأنك موضوع المقالات، أن وجهك لا يخونك أبدًا. أنت سعيد لأن كلّ الكُتّاب إخوة.


كل المشاهير يجتمعون في مؤتمر
تخيّلت ذات مرة أن كل المشاهير اجتمعوا في مؤتمر واحد. فما الذي سيحدث؟ فكرتُ وأجبتُ: تفكير جماعي.. مرح جماعي... لكن بعد وقت قليل عدت وأجبتُ: عليّ أولًا ترتيب المؤتمرين حسب التخصصات، الجوائز، العمر، الفترات الزمنية، المناخ، اللغات/ الثقافات/ الحضارات، الترجمات... هنا ستكون النتيجة مختلفة. وسيجري المؤتمر في عدّة جولات. وشيء آخر لا بدّ من توفّره: الترجمة، المترجمون. ستسلّط عليهم أسطع الأضواء. العالِم الشهير في الرياضيات، الأضواء على الرياضيات.. الأديب الشهير في الرواية، ستسطع الأضواء على الرواية.. المسرح.. السينما.. الفيزياء.. الشعر.. الفلسفة.. سيظهر كل شهير في مظهر من جاء إلى المؤتمر للظفر بأمجاد أخرى.





لكن الشهرة لا تخلو من كلام سيء في حالات من سورة الغضب التي تنتاب الأعداء. لنمثّل هنا برواية "لاعب الشطرنج" لستيفن تسفايغ، الرواية الأشد غموضًا من موضوعها نفسه كما وصفها مؤلفها، حيث "سيركو زينتوفيك"، البطل العالمي في لعبة الشطرنج، يُشاع عنه أنه جمع الجهل كله.  والرواية تصوره وهو يصعد سفينة متوجهة إلى الأرجنتين لإضافة مجد آخر إلى المجد الذي جمّعه طيلة مسيرة موهبته الخارقة. لكن شهرته جعلت منه رجلًا جلفًا، يقدّم له الناس أنفسهم فلا يتنازل ويمدّ يده لهم. هذا إضافة إلى أنه لا يلعب إلا مقابل أجر، وبذلك فلا مكان في عرفه للعب من أجل اللعب. والدليل أنه طلب من مولعين باللعبة الملكية، إذا أرادوا اللعب معه على ظهر السفينة، أن يدفعوا له مبلغ 250 دولارًا (نشرت الرواية في عام 1941) على الأقل في كلّ دور. وهكذا يمكن أن تساهم الشهرة في بشاعتنا. فهل يمكن أن نصدّق أن نقل قطعة من الخشب من مربّع أبيض إلى مربّع أسود يدرّ مثل هذا القدر الكبير من المال. وحتى من لا يطلب المال من المشاهير، فإنه يتأخر في مواعيده. فهل يمكن القول إن "سيركو زينتوفيك" يجمع في شخصيته كل طِباع الشخص المشهور؟

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.