}

حمّامات دمشق.. ملتقى المناسبات الاجتماعية

فيصل خرتش 23 مايو 2021
أمكنة حمّامات دمشق.. ملتقى المناسبات الاجتماعية
حمام نور الدين الشهيد في دمشق (كونا)

يرتاد الحمَّام أبناء دمشق والغرباء. بعضها يتبع لوقف معين، وكان المرء يستحم فيها من دون مقابل، بل يأكل قرصين من الصفيحة مجانًا. وبعضها كانت إيراداتها تصرف في وجوه مختلفة، على المدارس، والمنشآت الدينية، وترميمها بين فترة وأخرى.
والحمام مكان يلتقي فيه الأصدقاء والأقرباء، ويتم ذلك قبل الأعراس، وما بعدها. وبعد الولادة، وبعد البرء من المرض، أو غير ذلك من المناسبات الاجتماعية.
اختلف نمط بناء كل حمام عن الآخر، من حيث الزخرفة، والمواد المستخدمة، وطريقة بنائه، والمساحة التي بني عليها، إلا أن غالبها يتكون من (البراني ـ والوسطاني ـ والجواني). وقد أجمع السواح على تفضيل حمامات دمشق عن غيرها، لما فيها من الإتقان، ونظام الهندسة، وغزارة المياه، والكرم، والخدمة الجيدة، وبخس الأجر. كان الزبون يدخل إلى الدائرة الخارجية (البراني) من باب الحارة، فيخلع ثيابه، ويرتدي (المئزر)، ثم يدلف إلى القسم الجواني، وهو قسم خاص بالاستحمام، وفيه منافع، ومقصورات فيها أجران من الرخام، أو الحجر، تصب فيها المياه من فتحتي أنبوبين، حار وبارد، تتحكم فيهما قطعتان من الخشب، تسمى كل منهما (حنكة).



يجلس المغتسل على أرض الحمام في القسم الجواني، ويقوم "البلان" بتدليك جسمه عدة مرات، مع صبَ دفعات من الماء الساخن، ثم ينتقل المغتسل إلى الوسطاني، حيث ينشف جسمه بالفوطة، وينتقل بالقبقاب إلى الخارجي البراني، ليرتدي ثيابه.
أما النساء فكن يجلبن بقجاتهن من بيوتهن، وكانت المصاطب مكسوة بالسجاد والبسط، وفي الداخل نوفرة ماء تطوقها من كافة أطرافها، وفي وسطها بركة ماء كبير فيها فسقية ونافورة، وغالبًا ما تكون مزينة بتماثيل الأسود الحجرية التي تخرج المياه من أفواهها لتصب في البركة، كما في حمام نور الدين الشهيد في البزورية.
معظم الحمامات لها شبابيك علوية محكمة القفل من الزجاج، أما جدار البناء وأرضيته فغالبًا من الرخام، والسقف على شكل قباب فيها فتحات توضع عليها قطع زجاجية للإضاءة، ويطلق عليها اسم القماري. وتستمد الحمامات المياه من الطوالع القريبة التي تزود في دورها من الطالع الرئيسي، وينتقل الماء بأنابيب فخارية إلى مرجل ناري، وإلى صنابير المياه الباردة، ودورات المياه، والنوفرات، داخل برك الماء. وقد اتخذت للحمامات احتياطات هندسية خاصة من أجل استمرار تدفق الماء، وفي كل حمام خزانات خاصة للطوارئ.
أكثر الحمامات اتساعًا ونظافة كان حمام الخياطين، والقيشاني، والملكة، والنوفرة، الذي يقع بالقرب من باب الجامع الأموي الشرقي، وحمام المسك الذي يقع في حارة النصارى، وحمام الخراب، وحمام الناصري، في الشاغور، وحمام البكري، وحمام القيمرية، وحمام الشيخ، في باب توما، ثم حمام نور الدين الشهيد في البزورية.
يتألف طاقم الحمام من:
ـ المعلم: وهو صاحب الحمام، الذي يقوم بإدارة العمل بين العمال.
ـ الناطور: الذي يتعاطى كسوة الزبائن.
ـ المصوبن: ومهمته تغسيل الزبائن بالصابون والليفة، والدلك بالكيس الخاص لمن أراد.
ـ الأجير: وهو الذي يأخذ الأحذية من الزبائن، ويعيدها إليهم.
ـ القميمي: ومهمته إيقاد النار في القميم، والإشراف عليه، والحصول على الوقود والزبل، ونشره حتى يجف، كما يخرج الرماد من تحت القميم.
ـ الزبال: وتنحصر مهمته في جلب روث الحيوانات.
أما الصابون المستخدم فيها فكان من أنوع مختلفة، منها: البلدي، والمغشوش، والنابلسي، والجعفري. واستخدم الفلاحون نبات (الشنان) من أجل تنعيم الجسم، وجلي الأوساخ عنه.
والحمام يفتح لاستقبال الذكور من الفجر إلى الظهر، على حين يخصص من الظهر إلى المساء لاستقبال النساء، فيبدل طاقم تشغيله بالعنصر النسائي، وكان الطاقم يتألف من:
ـ الأسطة: ومهمتها تنحصر في تغسيل البدن والرأس للزبونة.
ـ البلانة: هي التي تقوم بتدليك البدن بالكيس، وتقوم بصبغ الشعر الشايب.
ـ زقاقة البارد: وتأتي بالماء البارد وتضيفه إلى الماء الساخن في الجرن حتى يصبح محتملًا.
ـ الناطور: وتنحصر مهمتها في حراسة الثياب، وتأتي بمناشفهن، وتلف أبدانهن.



وكانت النسوة يأتين بكامل زينتهن، وغالبًا ما يعد لهن الحمام مسبقًا، ويصطحبن معهن المغنيات والعازفات، وينطلقن بمرحهن من دون قيود، فالحمام ملتقى النساء، وهو مكان مناسب للأم التي تبحث عن شريكة لحياة ابنها. وكل امرأة تصطحب معها بقجة تحوي ملابسها النظيفة والمناشف، والكيس الذي يحوي على (الطاسة، والصابونة، والترابة الحلبية، والمشط، وكيس الحمام، والليفة، والحناء) وبعضهن كن يحضرن معجونًا لشد الجسد بعد الولادة.
وحمام العرس يتم توجيهه، بالنسبة للنساء، من قبل أم العروس، فهي تدعو أهل العروس والعريس، بعد أسبوعين من الزواج، سدادًا منها لحمام أم العروس. وهنالك حمام الولادة، الذي يقام في اليوم السابع بعد الولادة، وحمام الأربعين، وتكون بعد الولادة بأربعين يومًا.
وشهدت الحمامات العديد من حوادث السرقة، ويقوم السارقون بسرقة ما يقع في أيديهم من ثياب، ومناشف، وأحذية، وغير ذلك، ويتركون بديلًا عما سرقوه حاجياتهم البالية، والسرقة تحدث في حمامات الرجال والنساء على السواء، وكان يحصل ما هو أمر وأدهى، من ذلك تبديل الأطفال الرضع، حيث تقوم المرأة بتبديل الطفلة الأنثى بطفل ذكر لغيرها، وأحيانًا تقوم المرأة الزانية بترك ابنها غير الشرعي لمعلمة الحمام مقابل مبلغ من المال.



مراجع:
ـ منير كيال: الحمامات الدمشقية ـ دمشق 1966.
ـ يوسف نعيسة: مجتمع مدينة دمشق ـ دار طلاس 1986.
ـ ماري سركو: دمشق فترة السلطان عبد الحميد ـ وزارة الثقافة 2008.

مقالات اخرى للكاتب

يوميات
11 فبراير 2024
يوميات
5 يناير 2024
يوميات
25 نوفمبر 2023
يوميات
6 أكتوبر 2023

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.