كشفت البعثة الأثرية الفرنسية السويسرية المشتركة عن اكتشاف مثير في جنوب منطقة سقارة في محافظة الجيزة بمصر، حيث عثرت على مصطبة فريدة تعود إلى طبيب رفيع المستوى عاش خلال عهد الملك بيبي الثاني في عصر الدولة القديمة. وتكمن أهمية هذا الاكتشاف في الكشف عن تفاصيل حياة النخبة الطبية في مصر القديمة.

المصطبة، وهي نموذج معماري يتميز بشكله المستطيل المسطح، تخص طبيبًا يدعى "تيتي نب فو" جمع بين مناصب طبية وكهنوتية مرموقة، من بينها "كبير أطباء القصر" و"كاهن الإلهة سركت". وكان منصبه ككاهن للإلهة سركت يشير إلى تخصصه في علاج لدغات العقارب والثعابين، كما حمل لقب "عظيم أطباء الأسنان" و"مدير النباتات الطبية"، مما يكشف عن تطور الممارسات الطبية في ذلك العصر.

وأوضح رئيس البعثة، فيليب كولمبير، أن المصطبة تعرضت للنهب في العصور السابقة، لكن جدرانها ظلت محتفظة بنقوشها وألوانها الزاهية. وتضم المقبرة بابًا وهميًا مزينًا برسوم ملونة، إضافة إلى مناظر تصور قطع الأثاث الجنائزي وقائمة بالقرابين المقدمة للمتوفى. كما عثرت البعثة على تابوت حجري نُقش من الداخل بنصوص هيروغليفية تحمل اسم وألقاب صاحب المقبرة.

ويأتي هذا الاكتشاف ضمن سلسلة اكتشافات مهمة في منطقة سقارة، حيث نجحت البعثة نفسها في الكشف عن مصطبة الوزير وني من عصر الدولة القديمة عام 2022. وتعد منطقة سقارة، التي تضم أقدم هرم مدرج في التاريخ، موطنًا لمقابر كبار رجال الدولة في عصر الأسرات المصرية القديمة.

وكشفت دراسات حديثة أن الطب في مصر القديمة كان متقدمًا للغاية، حيث عرف المصريون القدماء تخصصات طبية دقيقة، وطوروا علاجات متنوعة باستخدام النباتات الطبية. وتشير النصوص الطبية المكتشفة إلى أن منصب كاهن سركت كان يتطلب معرفة واسعة بالسموم ومضاداتها.

ويذكر أن الملك بيبي الثاني، الذي عاصره الطبيب تيتي نب فو، حكم مصر لفترة طويلة امتدت لأكثر من 90 عامًا، وهي أطول فترة حكم موثقة في التاريخ القديم. وقد شهد عصره تطورًا كبيرًا في مختلف المجالات، بما فيها الطب والعمارة الجنائزية.

وأكد محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن هذا الاكتشاف يضيف أبعادًا جديدة إلى فهمنا للحياة اليومية في عصر الدولة القديمة، خاصة في مجال الممارسات الطبية والمعتقدات الدينية المرتبطة بها.