}

في الخلاف حول الحجاب والاندماج المحلي في سورية

سميرة المسالمة سميرة المسالمة 26 يناير 2025
اجتماع في الخلاف حول الحجاب والاندماج المحلي في سورية
تعمل النساء السوريات على إعادة تموضعهن (Getty)
في أوقات الحروب والمراحل التي تسيطر عليها المظاهر المسلحة، تميل المرأة غالبًا إلى اختيار اللباس المحتشم كوسيلة لحماية نفسها من أي اعتداءات محتملة، حيث يفرض الخوف والاضطراب الأمني أنماطًا محددة من السلوك والظهور في الأماكن العامة. ولكن مع عودة السلام إلى المدن، تبدأ هذه الأنماط بالتحول تدريجيًا، متأثرة بثقافة المنطقة وتقاليدها.
في سورية، يعكس التنوع الثقافي بين المدن والمناطق اختلافًا واضحًا في أنماط اللباس، مما يجعل فرض نوع معين من اللباس على النساء أمرًا غير مقبول. هذا التباين ظهر جليًا في شعارات تؤكد على خصوصية بيئة دمشق مقارنة بالمناطق التي جاء منها معظم أطياف الإدارة الجديدة الحاكمة للمدينة، حيث تتجلى الاختلافات الثقافية والاجتماعية في تفاصيل الحياة اليومية، ومنها اللباس الذي يبقى جزءًا من الهوية الفردية والجماعية.
في إحدى قنوات التلفزيون، سألت مذيعة أحد المسؤولين عن أمن التجمعات والاحتفالات في دمشق، إذا كان قد حضر مثل هذه المناسبات سابقًا. فكان جوابه أنها المرة الأولى التي يشاهد فيها احتفالًا شعبيًا برأس السنة الميلادية، وقد تجمعت شابات من مختلف الأطياف حوله. كانت دهشته واضحة، وبخاصة أنه يعتقد أن الاحتفال يخص مسيحيي سورية فقط، لكنه وجد نفسه وسط حشد متنوع بين نساء حاسرات الرأس ومحجبات. هذا المشهد يؤكد أن السوريين يعيشون فترة اندماج محلية جديدة، تحتاج لوقت مماثل لما عشناه في غربتنا مع المجتمعات الغربية.
النزوح الداخلي والخارجي نتيجة الصراعات يُظهر عادات جديدة تعكس محاولات الناس للتكيف مع ظروف اللجوء أو العودة إلى مجتمع مختلط من الثقافات المحلية. وكما يحمل اللاجئون والمُهجرون عاداتهم وتقاليدهم معهم ويحاولون الحفاظ عليها في أماكن النزوح، فإن هناك من المقيمين أو من أهل المدن من يحافظ على ما تعود عليه في مدينته ومجتمعه. هذا يؤدي إلى خلق مزيج ثقافي مع المجتمعات المضيفة، وهو ما يحدث الآن بأوضح صوره في العاصمة دمشق.
في الفترات الانتقالية، تظهر انقسامات اجتماعية تعكس تأثير التغيرات السياسية والثقافية. تختلف العادات بين المناطق بناءً على تأثير القوى المسيطرة والسياق المحلي، ومنها الألبسة الفولكلورية المعتادة عليها. هذا يؤدي إلى تنوع في التعبيرات الثقافية، واللباس أحدها، خاصة للنساء. ومع ذلك، تُظهر بعض العادات مرونة كبيرة، حيث تتكيف مع الظروف الجديدة وتساهم في تقليل الفجوة بين الفئات المختلفة. مثال ذلك ما شاهدناه في إدلب، عندما التزمت النساء بشكل محدد للباس الشرعي الذي أقرته حكومة الإنقاذ خلال الصراع المسلح مع النظام السوري. ومع التفاعل المجتمعي بين الحاكم والمحكوم، تخففت شروط فرض الحجاب، مما وفر الكثير من الارتياح الشعبي للفئات المتنوعة في المحافظة.
وسائل التكيف مع الحياة تتغير في أوقات الحرب والفترات الانتقالية على حد سواء، وتعكس العادات الاجتماعية خلال فترات احتدام الصراع وما يليه من فوضى التغيرات العميقة التي تطرأ على المجتمع نتيجة الظروف السياسية والاجتماعية المتقلبة. تصبح العادات وسيلة للتكيف مع الظروف الصعبة وللحفاظ على الهوية الجماعية، بينما في الفترات الانتقالية، تعكس هذه العادات تفاعل المجتمع مع التغيرات ومحاولاته لإعادة بناء نفسه.




وضمن ذلك، تعمل النساء السوريات على إعادة تموضعهن ضمن منظومة العمل خلال الفترة الحالية، على الرغم من ضبابية طبيعة النظام التي تتفاوت بين التصريحات المشجعة على الحريات العامة وبناء دولة مواطنة وحقوق متساوية، وبين بعض الأفعال التنفيذية التي يقوم بها أحد الأطراف الميدانية المسؤولة، والتي تخالف التصريحات الرسمية للحكومة.
من المطمئن أن تعترف حكومة أحمد الشرع بالدور الكبير الذي لعبته المرأة منذ اندلاع الثورة وخلال فترة الحرب، فما صرح به وزير الخارجية أسعد الشيباني في مؤتمر دافوس عن دور المرأة المأمول مبشر، لكنه يبقى في إطار الوعود ما لم يعتمد دستوريًا وتنفيذيًا، خاصة أنه يتماشى مع ما هو متعارف عليه في تجارب الدول التي مرت بظروف مماثلة وتعافت: "إن الفترات الانتقالية تلعب دورًا في تعزيز دور المرأة والشباب في المجتمع" حيث يزداد اعتماد الأسر على النساء في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية نتيجة غياب الرجل لأسباب متعددة خلال فترة الحرب، مما يؤدي إلى تغييرات في توزيع الأدوار داخل الأسرة.
هذا يعني أن الدور المنوط بالمرأة عمليًا هو سابق على الأدوار التنظيرية لها، وبالتالي ليس ترفًا القول إنها شريكة بالتساوي في عملية بناء سورية ولها الحق في التنافس على كل مناصبها التنفيذية.
صحيح أن الفترات الانتقالية تشهد تغيرًا في العادات الاجتماعية لتعكس حالة الترقب وعدم اليقين، ويعيد الناس تعريف بعض العادات لتتناسب مع الظروف الجديدة، ومنها قضية المرأة السافرة أو المحجبة. ولكن أن تصبح قضية لباس المرأة هي الشغل الشاغل للسوريين، سواء السافرة منهن أو المنقبة والمحجبة، فهذا يعني أننا نبدأ بناء الدولة من زمن ما قبل الدولة الوطنية، وليس من زمن شرعة حقوق الإنسان. هذه الاهتمامات تقلل من شأن دور المرأة وطموحاتها المشروعة في مواطنة كاملة، وحقوق متساوية مع الرجل، وتغرقها في حوار المسموح والممنوع في ملابسها.
في خضم هذه التحولات، تظل العادات الاجتماعية في سورية رمزًا للمرونة والصمود، سواء في فترات الصراع أو الانتقال، وتعكس هذه العادات قدرة المجتمع على التكيف مع التحديات والحفاظ على هويته الثقافية، ورغم كل الصعوبات، يظل التراث الثقافي والسلوكيات الجماعية جزءًا لا يتجزأ من حياة السوريين، يشكلون من خلالها معاني جديدة للأمل والانتماء، والتساوي في الحقوق والواجبات.

*كاتبة سورية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.