}

بالحنينِ للحرية وإنصافِ الأيقونات وَرَكْلِ الأصنامِ يَبْدَأُ عام 2025

محمد جميل خضر محمد جميل خضر 4 يناير 2025
إناسة بالحنينِ للحرية وإنصافِ الأيقونات وَرَكْلِ الأصنامِ يَبْدَأُ عام 2025
قتل التابو وخردقة الأصنام
رُغم أنفِ ليلى عبد اللطيف سقطت آخر معاقل العصابة المافياويّة الأسديّة التي حوّلت، خلال الـ 54 عامًا الماضية، سوريّتنا إلى مسلخٍ بشريٍّ وأقبيةِ خوفٍ لا تُشبِهُ الحياة. يذكّرني الإخفاقُ المدوّي للمنجّمةِ المدّعية بفكرةٍ طرحها المسلسل السوريّ التنفيسيّ "كسر عضم" (طبعًا الإصرار على تعجيم العربية الفصحى وفرض لهجاتها العامية على شاشات أبنائها، جزءٌ من المؤامرة على كل معنى يجمعُنا وقيمةٍ يُمكن أن نلْتقي حولَها)، حين، وعندَ مطالعِ كلِّ عامٍ، يستدعي فاجرٌ كبيرٌ من فجّار العصابة المجرمة منجّمًا، أو منجّمة، لِيَصيغا معًا ما الذي عليه/ا أن ي/تتوقّعه! نعم هذا هو واقع الحال؛ التنجيمات السنويّة هي أبعد ما تكونُ عن الاسم الذي تقْرنه الفضائياتُ ووسائلُ الإعلام بِها: فلكية! لا يا سادة إنها ليست توقّعات فلكيّة بل مخابراتيّة؛ هتلر ليس على قيد العيش، وصدّام حسين أعدمه الاستعمار الأميركي للعراق، والسيد حسن ليس حيًّا إلا بقدر ما نؤمنُ أن الشهداءَ (وأرْجو أنّهُ مِنهم) هم أحياءٌ عند ربّهِم يُرزقون.
على كلِّ حال؛ بمختلفِ ما كان منهُ وما كان عليْه، رحل عام 2024؛ وما كان منه جَلَل؛ وفاصِل، واصَلَ، من دونِ هوادةٍ، ما بدأه 2023، من أحداثٍ كبرى مفصليّة تحوّلية فارِقة فائِقة. وكما كُتِب لي ولأبناءِ جيلي عند أبواب الستين، ثم الدخول من تلك الأبواب مدجّجينَ بمعلومةِ أنّنا أبناءُ أمّة أعمارُها بين الستّين والسّبعين، أنْ نشهد الطوفان بمختلف اشتراطاتهِ الطاغيةِ الحاسمةِ المُلخَّصة بِجملةٍ لا أنفكّ أردّدها: "ما بعد السابع من أكتوبر 2023، لن يكون، ولا بأيّ حالٍ من الأحْوال، كما قبلَه"، فقد كُتِبَ لي ولإبناءِ جيلي، في النزيعِ الأخيرِ من عام 2024، شهود سقوط عصابة آل الأسد ممثّلةً في نسختِها الغابِرة بالابنِ الضّال الذي ورِث عند أبوابِ ربيعٍ عربيٍّ مغدورٍ كلَّ جرائمِ العائلة/ العصابة، وأسرارِها، وشرورِها، وتعفيشِها، وتطفيشِها، وسجونِها، ومقابرِها الجماعيّة. أما أهم ما ورثه الفارّ من وجهِ العدالة فهو شعار إنكاري توهّم أن بشرًا ما، يُمْكِنُ أن ينتزعوا الأبديةَ من خالقِها وصاحِبها... المتمسّك بِها بالعدلِ والحكمةِ والسّمو هُناك في العُلا؛ لا يفرِضُ جلالَه، ولا يستعجلُ الحسابَ في دفترِ يوميّات الخطايا. فإذا بشعاراتٍ من مِثل: "إلى الأبد يا حافظ الأسد"، "إلى الأبد يا بشار الأسد"، و"الأسد أو نحرق البلد"، تحلّ (حرفيًّا) مكان القدير المؤبّد الباقي السرمديّ المنزّه المترفّع عن فَتْحِ سجنٍ دنيويٍّ من طرازِ مسلخِ صيدنايا!

الحنينُ الأَنين...

يفرضُ الحنينُ نفسَه بوصفهِ عنوانًا جليلًا ناصعًا ساطعًا صادحًا للعام الجديد: (حانِن للحرية حانِن... يا شعب ابّيته مُش آمِن... كبار صغار منعرف إنّه ياللي بيقتل شعبه خاين... الحرية مطلب هالناس... حمص ودرعا وبانياس... والكرامة ما بتنداس... ويالّلي بيقتل شعبو خاين... الله يا ربّي الجبّار... فرّج عا كِل الأحرار... ورب الشبيحة بشّار ومالنا غيرك يا الله)... هذه الترويدةُ الحدائيّة المشلوعةُ للحريةِ بصوتِ الأيقونةِ عبد الباسط الساروت (سنفردُ لهُ في الفقرةِ الآتِية)، تُخبرنا، بما لا يضع مجالًا لأيّ شك، حول مدى توقِ الإنسان للحريّة، حول ارتباطها (الحرية) العضويّ المشيميّ (من المَشيمة) الوجوديّ بالحياةِ وأنوائِها وأحلامِها وتضاريسِها وتعاريجِها وتفاعلاتِها وتصادماتِها ومدِّها وجزرِها، وكلِّ ما يتعلّق بها وحولِها ومن أجلِها وفي سياقاتِها.

مي التي رحلت موقنة أنّها ابنة سورية العظيمة 

إضافةً إلى حنين الحريّة الذي لا يموت ولا ينتهي، ثمّة (أَحانين) كثيرة أُخرى تشغلُ بالَ ناسِنا ومجتمعاتِنا العربية المقهورةَ المُستهدَفة: الحنين للبيتِ في جَباليا يبثّه ساكن إحدى خيامِ المَواصي، حنينٌ إلى المدرسة يبكيه طفلٌ في غزّة كلِّ غزّة، وربما طفلٌ في خيام النزوح، أو اللجوء السوريّ، حنينٌ إلى الحياة من دون صوت (الزنّانة) الذي يلتقي حوله أهل القطاع أجمعين، الحنينُ إلى وقارِ حمّام البيوت (غزة نموذجًا، غزّة دائمًا)، إلى دفءِ البيوت (يخصُّ الكوانينَ وكل أحلام البردانينَ فيها)، إلى مرآةِ (البيرو) في غرفةِ النّوم المستقلّة (يخصُّ صبايا غزّة)، إلى ملعب كرة القدم المسوّر بالأمان (يخصُّ فتيانَ غزّة وشبابَها جميعَها)، إلى رحلةَ صيدٍ من دونِ دماءٍ وشهداء (يخصُّ بحّارة رفح، والحاراتِ، والخانِ، والوسْطى وديرَ البلح)، إلى موسمِ فراولة خصيب (يخصُّ بيتَ لاهيا وعديدَ المناطق في القطاع، كانت تبيع الفراولة لأربعِ جهاتِ الأرض)، إلى إطلالةٍ من دون عُدوان (يخصُّ بيت حانون)، إلى صلحةٍ عشائريةٍ في (السّجاعية)، وهديةِ امتنانٍ لكلِّ أبناءِ (أبو ستّة)، إلى محاضرةٍ في الجامعةِ يسلسلُ دقائقَها أكاديميٌّ مبدعٌ من طرازِ رفعت العَرعير. الحنينُ إلى تلّةِ المِنطار، حديقةِ الشاطئ، كرومِ الزيتون، زهوِ البرتقال، رملِ (الكورنيش)، دُمى الطفولةِ الواعِدة، صلواتِ الأمّهات الراحلاتِ من دون تشييعٍ يليقُ بقصيدةِ "أحنُّ إلى خبزِ أمّي وقهوةِ أمّي".





كل هذا الحنين يصبح رفاهًا، إِنْ علمنا أن أطفالًا كثرًا، اليوم، في غزّة ليس لديهِم أيّ وثائق تناسب أعمارَهم حول حياةٍ أُخرى غير تلك الحياة؛ كأني بحالِهم، هي حال الطفل السوريّ الذي قال لأمّه بعد خروجها من سجن صيدنايا (ماما تعالي نعود للبيتِ بَرَدِتْ...)، يظّن الحزينُ أن المسلخَ الذي كان بيتَه!! ثم يأتي من يقول لك لا تصرخ: يااااااااااااااا الله.

أيقوناتُنا بوصلاتُنا...
أَحْسَبُ، لا بَل أرجو، أن يكون عام 2025، عامَ إنصافٍ لائقٍ عميقٍ لأيقوناتِنا وهيَ كثيرة؛ سنمرّ في عُجالتِنا على أهمِّها...

أيقونيّة الساروت...

لا يمكن انفجارُ فرحِ انتصارِ الثّورةِ السوريةِ من دون تذكّر حارسِ تلك الثورة الشهيد الطّريد عبد الباسط الساروت؛ طموحُه نقلَ أسرتَه من الفقر إلى الاكتفاء، مغايرتُه جعلتهُ يغادرُ مقاعدَ الدراسة باكرًا نحو الاختلاف، نبوغُهُ في حراسة مرمى كلّ فريقِ كرة قدم انتسبَ إليه، جعله مطمعَ ومطلبَ أنديةٍ كُبرى في آسيا وأُوروبا... وفي اللحظة المفصليةِ الحاسمة بين أن تكون شخصًا عاديًّا، أو أيقونةً، أدارَ السّاروت الظهرَ لعرضٍ مغرٍ من نادي فيورِنتينا الإيطاليّ نحو العالميةّ والاحتراف، وقرّر أن ينخرط في ثورةِ شعبهِ التي تزامن انطلاقُها مع عرضِ النادي الأوروبيّ المحسوبِ على الدورياتِ الأوروبيةِ الخمسةِ الكُبرى. صعد بوجههِ وشجاعتهِ وملامحهِ التي باتَ يعرفُها السوريونَ جميعُهم؛ ريفُهم وبدوهُم وحضرُهم، مسيحيوهُم ودروزُهم وعلوييهُم وسنّتُهم، وباتَ يعرفُها أحرارُ العالمِ في كلِّ زمانٍ ومَكان. وحينَ اختلفَ مع أحمد الشرع وغيرَه (كان ما يزال الشرع، أيامها، أبو محمد الجولاني)، اختلفَ من أجلِ الثورة ولعيونِها. وحينَ قادتهُ مصائرُه نحوَ خياراتٍ صعبة، فلإنَّه رفضَ إلقاءَ السلاحِ بِوَجْهِ نظامٍ لا يتقنُ إلا لغةَ البطْشِ والقتلِ والسحلِ والطُّغيان. يحبّ الأطفالَ الذين حرّمتهُ خياراتُه الجذريّة أن يكون له مثلَهم، وهم يحبّونه. يحبّ الناس والناس يحبّونه... يحبّ الرياضةَ والفنِّ والحَياة... وهذه جميعُها تحبّه لأنّه الأمل... والفرحُ النّضيرُ في المُقَل... استشهد ولا يملكُ في جيبِه، بحسب قائد "جيش العزّة"، سوى ثلاث ليرات سورية! رغم أنه كاد يبلغ لقب (مليونير) عندما كانت تجود عليه أندية كرة القدم بالمال من دون حساب. الرائد جميل الصالح، قائد "جيش العزّة" يقول إن عبد الباسط كان يقسّم وقتَه إلى ثلاث: كان يقضي معظم النهار منذ الرابعة... الخامسة فجرًا... حافيًا... بتحصينِ دُشمِ وجودِ الجيشِ الذي انتسبَ إليه، وآمنَ بهِ، بعد غيبةٍ اسطنبوليةٍ وحيرةٍ وضَياع، ثمّ وحينَ كان جميل يعتقد أنّه تعب وأُرهِق وسوف ينام، كان الساروت يذهب إلى المعرّة والخرنبة، في الجزءِ الثاني من يومِه، إلى لعبِ كرة القدم (بدافعِ الحنينِ والحياة)، ثمّ، وفي (تالي) الليل، كان يقابل الأهالي والناشطين. يقول الصالح: "كان يستمر يومه من الساعة الرابعة صباحًا وحتى الساعة الثانية من بعد منتصف الليل". السّاروت لم يكن ليصبح أيقونة لولا أنه لم يكن ينام أكثر من ساعتيْن، وفي أحسن الأحوالِ ثلاث ساعات يوميًا. السّاروت لم يكن ليصبح أيقونة لو أنّه لم يحبّ باسل شحادة (المسيحيّ) ويعانقُهُ ويُنشد معه. وحين استشهاد باسل يبكيهِ بحرقةٍ، ويجعلُ من اسمهِ واستشهادهِ شعاراتِ ثورةٍ سوريةٍ كُبرى في البيّاضةِ وحِمص وسوريةِ جميعِها "بدنا نفرح بزيادة... باسل نال الشهادة" و"عالجنّة باسل شهيد".

سورية الحرّة الجديدة 

ابن النقاء الفطريّ بِأحلى تجلياتِه، والذّكاء الميدانيّ بِأوفى إحالاتِه... شقيق الشهداء... ابن أخت الشهداء... خال الشهداء... لا يستقيمُ أيّ معنى إنْ لم يصبح أيقونةً. وحين تكشفُ أمُّهُ عن وجهِها المنقّب لكيّ تقبلهُ في وداعِ الشهيد (الوداع غير المسبوق في التّجربة السورية)، فاعلموا أنّكم أمامَ ظاهرةٍ سوريةٍ عربيةٍ جنوبيةٍ عالميةٍ وجدانيةٍ فدائيةٍ لا تشبهُ غيرَها: انتصارُ الكفِّ على المِخرَز... الدمِ على السّيْف... الرفضِ على الخُنوع... الإباءِ على الخَواء... وفقراءِ سوريةَ على تجّارِها وفجّارِها. (عادت، وسط استقبالٍ شعبيٍّ بهيجٍ حاشِد، أمُّ الساروتِ لِحمْصِها وسوريّتها، ولم تنسَ عند أبوابِ عودتِها، أن توصيَ السوريينَ ثوارًا وحائرينَ، بقاءَ فلسطينَ بوصلتَهم الكبرى الحاكِمة... عادت خنساءُ سوريةَ بالنّقابِ فوقَ وجهِها، والثورةِ في مختلفِ آمادِها؛ السوريةِ والعربيةِ والإنْسانية، في أعماقِ وِجْدانِها)
أيها الأسمر... يااااا عبد الباسط... يا حاديَ الأمل، وحكايةَ الثورة، وصديقَ خالد أبو صلاح، وندمَ عبد الحكيم قطيفان الجماعيّ: "آه لو ترجع"... عن جَد: آه لو تِرجَع.

مي اسكاف...

أيقونةٌ نبيلةٌ يستحقُّ عام 2025 أن ينصفَها. إنها الفنانة الحُرّة الجميلة الصديقة مي اسكاف (1969-2018) التي هتفَت تنشدُ "سورية العظيمة"، فاطمئنّي يا صديقتي: سورية دائمًا عظيمة. لا أريد أن أخوض في تفاصيل رحيلها، وما قيل وما تم تداوله حول أسرارِ ذلك الرّحيل وفق نظرية الاغتيال، من دونِ نفيِ احتمالاتِ ذلك، ما أريدُ أن أجوسَ بِهِ هُنا، أنّها كانت ابنةَ بلدٍ أصيلةٍ مُحبّةٍ لسوريةَ من دونِ وريثٍ غيرَ شرعيٍّ لنظامٍ سفّاحٍ بمختلفِ ما تحمله المفردةُ من معانٍ. قالت للسجّان: "لا أريد لابْني أن يحكمه حافظ بشار الأسد".





علمًا أن حافظ (حفيد حافظ الجلاد الأول قاتل حماة واليسار واليمين والحياة)، نال الدرجة 594، من بين 595 متسابقًا في مسابقة رياضيات عالمية! (نفْسي أعرف من هو المتسابق الوحيد في العالم الأكثر منهُ غباءً).

فدوى سليمان...

من الساحلِ جاءت... من حلب... من كلِّ زاويةٍ وحارةٍ وشارِع لِتهتف مع عبد الباسط لسوريّة وحريّتها وخلاصِها من نظامٍ يُفترَض أنها تنتمي إليه طائفيًا. قادَتها نزاهتُها... إرهاصاتُ حريّة بدأتْ تشتمّ أنفاسَها... أما السرطان اللعين (رحلت بسبب السرطان الغاشم، في 2017 عن 47 عامًا) فقد عاجَلَها قبلَ أن توضحَ رسالَتها وتواصلَ فدائيتَها. في حمص (العديّة) صعدت، منذ بدايات إرهاصات الثورة، منصّة الفداء، وَهتفت مع عبد الباسط "جنّة جنّة جنّة... سورية يا وطنّا" و"إرحل... إرحل يا بشار"، و"واحد... واحد... واحد... الشعب السوري واحد"، فَعَنْ أيِّ تعدديّةٍ كان يدافع النظامُ البائدُ الهارِبُ الكاذِب؟

يحيى السنوار...

أيقونة الأيقونات... شهيدُ الشهداء... الشهيدُ المشتبِك... عرّاب الطوفان... مؤلّف الألحان... صانعُ المجدِ المستلِّ من وجعِ النّاس وتطلّعاتِهم... قد يختلفُ الحَيارى حول يحيى، ولكِن لا أحد يحقّ له أن يشكّك بما أرادَهُ يَحيى. ابنُ فلسطين... ابنُ خان يونس... ابنُ القبيلةِ الفلسطينيةِ المكوّنةُ من أَسرى ينتمونَ للفصائِلِ جميعِها... ابنُ سنواتِ الإعدادِ الأحمديةِ الياسينيةِ الكُبرى... ابنُ أوّل العمل... وأوّل الأَمل... وإعدامِ الخياناتِ جميعِها... المازجُ بين الإبداعِ والأحلامِ الرومانسيّة الواجِبة... ابنُ غزّةَ قبلَ (غوش قطيف) وغزّة بعدَها... ابنُ الخيمةِ والخيبةِ والرّوايةِ والمسدّس... ابنُ القُرُنْفلِ حينَ يدْحر الشّوك... وابنُ دوّار عينِ الشمسِ في وجهِ الضّلال... الفدائيّ الدّكتاتور الذي خدعَ الغُزاة، وجاهزٌ، دائمًا، لِخداعِ الطُّغاة. رفضَ أن يموتَ قبلَ أن يدوّن بأحرفٍ من مجدِ لحظاتهِ الأخيرةَ نصرةً للحقِّ والحقيقةِ وفلسْطين. ويبْقى سؤالُ الجُنون: نكونَ أوْ لا نَكُون؟

أيقونيّة الساروت تسكنُ عينيه 

رَكْلُ الأصْنام...

لو كان لحكّامِنا أن يعتبروا، لحطّموا بأنفسِهم أصنامَهم جميعَها، فما جرى لأصنامِ طُغاةِ سورية عبرةٌ، والله، لِمن يعتبِر؛ صنمٌ كبيرٌ للأسدِ الأبِ يحوّله الصغارُ إلى (رَكوبةٍ) ويهمزونَهُ بِالعصا... صورٌ يدوسُها الجميعُ الصغارُ والكبارُ و(المقمّط) بالدّثار... هَوَت كلُّ الأصنامِ أرضًا... فقدت بطرفةِ عينٍ كلَّ هيبَتِها الزّائفة... سقوطٌ ترافقَ مع أجواءٍ احتفاليةٍ بهيجةٍ كُبرى... ما كانت أصنامُكم يا طُغاةَ سورية لِلأبَد... فلا أبَدَ إلا للواحِدِ الأَحَد... لم يكُن وقارًا، بل خوفًا زرعتموه في وجدانِ كلِّ سوريٍّ حتى بات كابوسَ مناماتِهم... ورفيقَ أيامِهِم... ونديمَ سهراتِهِم... كان الصمتُ خوفًا... كان المرورُ من أمامِ كلِّ صنمٍ من دونِ التبوّل، قلّةَ حيلةٍ، وخنوعًا، و(حُكْمَ القويّ على الضّعيف)... وإلا لَكان هُتافُ السوريينَ جميعِهم: "سأبولُ عليهِ وأسْكَر... ثمّ أبولُ عليهِ وأسْكَر... ثمّ تبولينَ عليهِ ونسْكَر"، ففي الحانةِ القديمةِ لم ينتبِه ألبير كامو الذي رحل في مثل هذا اليوم من عام 1960، أن النّدامى كلّهم أحرار، وأنّ "الغريب" لن يفهم ولا مرّة أسرارَ جَمْرِ الغَضا، ولن يبْلغ آفاقَ زهرةِ الصبّار... عاش كامو بينَنا، وطَعَنَ عن سبقِ إصرارٍ وترصّدٍ عِشْرَتَنا... فسعرهُ بسعرِ طغاتِنا، لا نحنُ منهُم ولا هُم منّا... ولم يبقَ من قولٍ لي في هذا المُقامِ والمَقالِ إلا مسكُ ختامٍ ببعضِ نبيذِ مظفّر النّواب:
"يا غريبًا يطرقُ الأبْواب
والهَوى أبواب
نَحْنُ من بابِ الشَّجى
ذِي الزّخرف الرمزيّ والألغازِ والمغْزى
وما غنّى على أزمانهِ زِرياب
كُلُّنا قد تابَ يومًا
ثم ألْفى نفسَه
قدْ تابَ عمّا تَاب
كلُّ ما في الكونِ أصحابٌ وأيامٌ لهُ إلّا الهَوى
ما يومُهُ يومٌ...
ولا أصحابُهُ أصحاب".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.