}

كيف تنقذ المبادرات المجتمعية السوريين؟

سميرة المسالمة سميرة المسالمة 27 فبراير 2025
عادة ما تتجدد قيم التضامن والتكافل الاجتماعي في المجتمعات الإسلامية خلال شهر رمضان، وهي لطالما كانت جزءًا أصيلًا من الثقافة السورية وفي ظل الواقع الصعب الذي يعيشه السوريون بعد 14 عامًا من حرب همجية شنها نظام بشار الأسد عليه. لم تعد المبادرات المجتمعية في سورية خيارًا تكميليًا، بل أضحت ضرورة حتمية لمواجهة الأزمة الإنسانية العميقة والمتفاقمة.

لقد دمرت الحرب الطويلة التي شنها النظام الأسدي كل مقومات الحياة في سورية، مما جعل البلاد أقرب إلى مريض في العناية المشددة، فبات أمام خيارات متساوية بين الموت والحياة، مما يضعنا أمام تساؤل حول أدوار الجمعيات الإغاثية التي كانت موزعة بين المجتمعين المعارض والموالي، وكيفية التنسيق بينهما بعد تحرير البلاد وتوحيد المجتمع بعيدًا عن التصنيف السياسي، وما هي نوافذ العمل المفتوحة بينها وبين وفود رجال الأعمال السوريين، الذين فتحت لهم أبواب القصر الجمهوري في دمشق لتقديم رؤاهم إلى الحكومة الجديدة، وليكونوا شركاء في عملية الإنعاش التي يتطلبها الواقع المدمر، وصولًا إلى تشكيل الأرضية اللازمة لما تتطلبه البيئة الجاذبة لاستثماراتهم وتطويرها؟ فالتعويل الأساسي في الوقت الراهن يقع على المجتمع نفسه، عبر مبادرات أبنائه، التي يمكن أن تشكل طوق نجاة للسوريين حتى يتمكنوا من تجاوز هذه المحنة.

من ناحية أخرى، يعد الاستثمار في الزيارات الكثيرة التي جرت ولا تزال من صناع المحتوى في وسائل التواصل الاجتماعي - بلوغر وتكتوكر وغيرهما-، فرصة مهمة لتسويق وتنظيم مبادرات مجتمعية، تهدف إلى مساعدة الفقراء وتحسين أوضاعهم المعيشية. فمن خلال التأثير الواسع الذي يمتلكه هؤلاء، أصحاب الشهرة والمتابعات، يمكنهم تسليط الضوء على القضايا الإنسانية وجذب الدعم والتبرعات من جمهورهم. ومع ذلك، يجب أن يكون هناك وعي بأهمية حماية المحتاجين من الاستغلال، حيث قد يلجأ بعض صناع المحتوى إلى استخدام صور الفقراء ومآسيهم فقط لجمع المتابعين وتحقيق الشهرة. لذلك، من الضروري أن تدار هذه المبادرات بشفافية وأخلاقية، مع احترام كرامة المستفيدين والتأكد من أن المساعدات تصل إليهم بطرق تحفظ حقوقهم وتصون إنسانيتهم.

دمرت الحرب الطويلة كل مقومات الحياة في سورية (Getty)

من المعلوم أن البرامج الترفيهية هي ما تشغل المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة، خاصة خلال شهر رمضان، إلا أنه في سورية، ومع اشتداد الأزمات خلال السنوات الأخيرة، وتدمير البنية التحتية الممنهج الذي مارسه نظام الأسد، فإن أولويات السوريين تتمثل في كيفية أداء فرض الصيام، وتجاوز محنة الفقر المدقع، وهذا ما يجعل الأمل بالمبادرات المجتمعية هذا العام يفوق ما كان عليه في الأعوام السابقة، لا سيما في ظل التطوّرات الأخيرة التي استطاعت الحكومة إنجازها، والتي ساهمت في رفع العقوبات ولو جزئيًا، عن سورية وانفتاح حركة النقل مع بعض البلدان العربية وغيرها قريبًا، وانسياب المساعدات القطرية والسعودية والخليجية إلى سورية، مع الحاجة الماسة إلى تنظيمها بما يضمن توزيعها العادل والشفاف على المحتاجين كافة.

فالمبادرات المجتمعية المنظمة تلعب دورًا هامًا في التخفيف من المآسي، وذلك من خلال الإغاثة المباشرة، مثل توفير الغذاء والدواء والمأوى للنازحين والمحتاجين. بالإضافة إلى ذلك، فإن المطلوب منها أيضًا الدعم التعليمي، والصحي والعمراني، ودعم الأسر المنتجة، وتمويل المشاريع الصغيرة، ما يسهم في خلق فرص عمل مستدامة، تتجاوز فكرة إنعاش حالة، بل علاجها الكامل والمستدام. ومن المفيد التذكير أن سورية ليست الدولة الأولى التي تواجه دمارًا شاملًا نتيجة الحرب، إلا أن خصوصيتها تنبع من أن من دمرها هو نظام الأسد الذي حكمها لما يزيد عن خمسة عقود.

كثيرة هي التجارب التي يمكن الاستفادة منها لمجتمعات استطاعت أن تنهض مجددًا عبر التكافل الاجتماعي، فعلى سبيل المثال، تمكن اللبنانيون، بعد الحرب الأهلية، من إعادة بناء مدنهم وشبكاتهم الاقتصادية، من خلال المبادرات المجتمعية، بالرغم من غياب الدولة الفاعلة لفترات طويلة. أما في البوسنة، فقد اعتمد المجتمع على الجمعيات المحلية لإعادة الإعمار، وتوفير الخدمات الأساسية بعد الحرب. وكذلك في ألمانيا، بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كان المجتمع يعتمد على العمل الجماعي، والمبادرات المحلية، لإعادة الحياة إلى المدن المدمرة، وهذا ما نحتاجه اليوم في سورية، بعيدًا عن المساومات السياسية والمحاصصات الطائفية.

إن نجاح السوريين في تجاوز هذه المحنة لن يتحقق عبر انتظار حلول تأتي من الخارج، على أساس التبعيات أو الاصطفافات، بل عبر الاعتماد على أنفسهم أولًا واستعادة روح التضامن والتكافل، التي لطالما ميّزتهم، وكما قال غاندي: "أنت التغيير الذي تود رؤيته في العالم"، فإن التغيير الحقيقي يبدأ من المجتمع ذاته، بأفراده ومبادراته، قبل أن يمتد إلى السياسات الاقتصادية والاستثمارات المستقبلية. فهل فكرت أي دور يمكن أن يلعبه كل فرد فينا أمام هول هذه الكارثة الإنسانية التي خلفها النظام المخلوع؟ تلك هي قضيتنا وهذا هو دورنا.

*كاتبة سورية. 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.