اختارت دولة قطر المهندسة المعمارية اللبنانية لينا غطمة لتصميم جناحها الدائم في بينالي البندقية، في خطوة تاريخية تُمثل أول إضافة جديدة لقاعة جيارديني الشهيرة منذ ثلاثين عامًا. ويأتي هذا الاختيار ليضيف إنجازًا جديدًا إلى سلسلة مشاريعها العالمية المتميزة التي تشمل متحف العلا للفن المعاصر في السعودية، وجناح البحرين في إكسبو 2025.
وكانت غطمة قد حققت مؤخرًا إنجازًا مهنيًا بارزًا بعد اختيارها من بين 60 فريقًا متنافسًا لتولي مهمة إعادة تصميم المتحف البريطاني العريق في شباط/ فبراير 2025، مما يضعها في مصاف أبرز المهندسين المعماريين على الساحة العالمية.
وتمتلك غطمة، المقيمة في باريس، أسلوبًا معماريًا فريدًا تطلق عليه "علم الآثار المستقبلي"، حيث تسعى إلى استكشاف تاريخ المواقع التي تعمل عليها واستلهام روحها في تصاميم معاصرة تمزج بين الأصالة والحداثة. ويُعزى هذا النهج الفريد جزئيًا إلى نشأتها في لبنان خلال فترة الحرب الأهلية، حيث شكلت مشاهد الدمار وإعادة الإعمار وعيها المعماري وفهمها لأهمية الذاكرة في العمارة.
وبحسب متاحف قطر، فإن اختيار شركة غطمة جاء بناءً على تميزها في تصميم مشاريع تتسم بالمرونة والتناغم مع محيطها، بالإضافة إلى حساسيتها تجاه التاريخ والحرف التقليدية واهتمامها بالعمارة البيئية المبتكرة. وسبق أن عُرضت أعمال غطمة في المعرض الدولي السابع عشر للعمارة في بينالي البندقية عام 2021، مما يعكس مكانتها المرموقة في عالم العمارة المعاصرة.
وجاء الإعلان عن اختيار غطمة لتصميم الجناح القطري عقب توقيع بروتوكول تعاون بين متاحف قطر وبلدية البندقية في حزيران/ يونيو 2024، يهدف إلى تعزيز الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلدين. وقد أشادت الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني، رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر والمفوضة المسؤولة عن الجناح، بقدرة غطمة على مخاطبة مختلف الثقافات برؤية عالمية وحساسية اكتسبتها من موطنها لبنان.
وقالت الشيخة المياسة: "تتميز أعمال لينا غطمة بقدرتها على إلهام الجمهور بمختلف أطيافه، فضلًا عن حساسيتها تجاه الحالة الإنسانية وأسلوبها المبتكر والواثق". وأضافت: "يشكل بينالي البندقية أبرز تجمع عالمي للفن والعمارة، وتفخر قطر بمشاركتها في هذا المحفل الدولي الذي يعزز دورها كدولة رائدة في مجال الدبلوماسية الثقافية".
ويذكر أن بينالي البندقية يعد من أقدم وأعرق المعارض الفنية في العالم، حيث بدأ باستضافة الأجنحة الوطنية عام 1907. ويضم البينالي حاليًا 30 جناحًا تمثل 32 دولة إلى جانب مدينة البندقية، بالإضافة إلى مشاركة دول أخرى في صالات عرض "أرسنال" ومواقع مستأجرة في أنحاء المدينة.
وتتميز مشاريع غطمة بقدرتها على دمج العناصر المحلية والتقاليد المعمارية مع لغة معاصرة تراعي الاستدامة والابتكار. وقد سبق لها العمل على مشاريع متميزة في عدة دول عربية وأوروبية، حيث تولت تصميم متحف استون مارتن في لندن ومتحف الفن الإسلامي في برلين، إضافة إلى مشاريع سكنية وثقافية متنوعة.
وعلى الرغم من تعدد المشاريع التي تشرف عليها غطمة حاليًا، إلا أنها تبدي اهتمامًا خاصًا بمشروع جناح قطر في بينالي البندقية، نظرًا لأهميته في التعريف بالثقافة القطرية والعربية على الساحة العالمية. وتعمل غطمة مع فريق من المهندسين والمصممين القطريين لإنجاز هذا المشروع الذي من المتوقع أن يصبح معلمًا معماريًا مميزًا في قاعة جيارديني.
ويمثل اختيار مهندسة معمارية عربية لتصميم هذا الجناح المهم خطوة إيجابية نحو تعزيز حضور المرأة العربية في مجال العمارة العالمية، وإبراز إسهامات المنطقة في الحوار الثقافي والفني العالمي.