}

كنوز مصرية تعود إلى الوطن

14 يونيو 2025
آثار كنوز مصرية تعود إلى الوطن
تحتوي هذه المجموعة المستردة على كنوز لا تقدر بثمن
في إنجاز جديد ضمن مساعي مصر المتواصلة لاستعادة تراثها الحضاري المسلوب، نجحت السلطات المصرية في الحصول على إحدى عشرة قطعة أثرية ثمينة كانت قد غادرت أراضي البلاد بصورة غير مشروعة، ووصلت إلى الأراضي الأميركية عبر شبكات تهريب. وقد تسلمت القنصلية المصرية في مدينة نيويورك هذه المجموعة الأثرية المتميزة، التي تمتد جذورها عبر حقب زمنية متعاقبة من التاريخ المصري العريق.
تحتوي هذه المجموعة المستردة على كنوز لا تقدر بثمن، يأتي في مقدمتها إناء فريد مصنوع على هيئة الإله "بس"، ذلك المعبود المصري القديم الذي اشتهر بدوره كحامٍ للمنازل والأطفال. يعود تاريخ هذا الإناء النادر إلى الفترة الممتدة من 650 إلى 550 قبل الميلاد، مما يجعله شاهدًا على براعة الحرفيين المصريين في تلك الحقبة المتأخرة من التاريخ الفرعوني. كما تضم المجموعة قناعًا جنائزيًا يعكس ملامح شاب من العصر الروماني، عندما كانت مصر تحت الحكم الروماني وتمتزج فيها التقاليد المصرية مع التأثيرات الرومانية.
ومن بين القطع البارزة أيضًا لوحة جدارية رائعة تنتمي إلى عصر الدولة الحديثة، وهي مزينة بالنصوص الهيروغليفية المقدسة التي تحكي قصصًا من الحياة المصرية القديمة وطقوسها الدينية. وتشتمل المجموعة كذلك على شاهد قبر يرجع تاريخه إلى الفترة المسيحية المبكرة في مصر، تحديدًا ما بين القرنين الثالث والرابع الميلاديين، عندما بدأت المسيحية في الانتشار على ضفاف النيل. ولا يمكن إغفال الإناء المزخرف بالكتابات العربية الجميلة الذي يعود إلى القرن التاسع عشر، مما يُظهر استمرارية التقاليد الفنية عبر العصور الإسلامية.
وأوضح الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن نجاح عملية الاسترداد هذه كان ثمرة تحقيقات جنائية دقيقة أجرتها الأجهزة الأمنية الأميركية المختصة، والتي أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن هذه الكنوز الأثرية قد خرجت من الأراضي المصرية بطرق مخالفة للقانون. وإثر هذه النتائج، بادرت السلطات الأميركية بالتعاون مع نظيرتها المصرية لإعادة هذه القطع إلى موطنها الأصلي.
يأتي هذا الإنجاز في سياق جهود مصرية منهجية ومتواصلة لمكافحة عمليات التنقيب السري عن الآثار والتصدي لشبكات التهريب الدولية. فخلال العقد الماضي، تمكنت مصر من استرداد ما يزيد عن تسع وعشرين ألفًا وثلاثمائة قطعة أثرية من مختلف دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وكندا وغيرها. وفي العام الماضي وحده، نجحت السلطات في استعادة أكثر من خمسة آلاف وثلاثمائة قطعة أثرية، مما يعكس نجاح الاستراتيجية المصرية في هذا المجال.
ولا يقتصر الأمر على الجهود الأمنية والقانونية فحسب، بل تعتمد مصر أيضًا على الدبلوماسية الثقافية والتعاون الدولي لاستعادة تراثها المنهوب. فقد وقعت الحكومة المصرية اتفاقيات ثنائية مع العديد من الدول في أوروبا وأميركا الشمالية واللاتينية تهدف إلى تسهيل عمليات استرداد الآثار المهربة ومنع الاتجار غير المشروع في التراث الثقافي.
وفي هذا السياق، تستعد مصر لحدث ثقافي عالمي مرتقب، وهو الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير في الثالث من تموز/ يوليو 2025، والذي سيكون أكبر متحف أثري مغطى في العالم. يقع هذا الصرح الحضاري الضخم بجوار أهرامات الجيزة الخالدة، وسيضم أكثر من مائة ألف قطعة أثرية نادرة، بما في ذلك مجموعة كنوز الملك توت عنخ آمون كاملة لأول مرة منذ اكتشاف مقبرته في عام 1922.
يمثل افتتاح المتحف المصري الكبير نقطة تحول مهمة في خريطة السياحة الثقافية العالمية، حيث يُتوقع أن يجذب ملايين الزوار سنويًا من مختلف أنحاء العالم. وقد أرسلت الحكومة المصرية دعوات رسمية إلى قادة العالم وملوك ورؤساء الدول لحضور حفل الافتتاح، الذي سيكون بمثابة رسالة قوية تؤكد مكانة مصر كحارسة للتراث الإنساني العالمي.
إن نجاح مصر في استرداد آثارها المنهوبة لا يقتصر على استعادة القطع المادية فحسب، بل يمثل أيضًا استردادًا للهوية الثقافية والذاكرة الجماعية للشعب المصري. فهذه الآثار ليست مجرد قطع متحفية، وإنما هي شواهد حية على عبقرية الحضارة المصرية وإبداعاتها عبر آلاف السنين. ومع كل قطعة تعود إلى موطنها الأصلي، تستكمل مصر فصلًا مهمًا من قصة كفاحها للحفاظ على تراثها وحمايته من التبديد والضياع.
وتواصل السلطات المصرية عملها الدؤوب على عدة جبهات، فبينما تعمل إدارة الآثار المستردة بوزارة السياحة والآثار على متابعة قضايا الاسترداد المختلفة حول العالم، تقوم وزارة الخارجية بتوظيف قنواتها الدبلوماسية لتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال. وفي الوقت نفسه، تشدد الأجهزة الأمنية من حراستها للمواقع الأثرية داخل البلاد لمنع عمليات النهب والتهريب من المصدر.
يشكل استرداد هذه المجموعة الأثرية النادرة من نيويورك رسالة واضحة إلى شبكات التهريب الدولية بأن مصر لن تتوقف عن مطاردة تراثها المسلوب أينما كان، وأنها ستستخدم كافة الوسائل القانونية والدبلوماسية المتاحة لاستعادة كنوزها الحضارية. كما تؤكد هذه الجهود على أهمية التعاون الدولي في حماية التراث الثقافي للإنسانية جمعاء، فما يُسرق من مصر لا يُعتبر خسارة لمصر وحدها، وإنما أيضًا خسارة للتاريخ الإنساني كله.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.