عديدة هي الجوائز العربية والدولية المخصصة للإبداع الروائي العربي، بدءاً بجائزة نجيب محفوظ للرواية العربية في القاهرة، وصولاً إلى الجائزة العالمية للرواية العربية في لندن، مروراً بجائزة كتارا للرواية العربية ومؤتمر الرواية، وغيرها.
وضعت جوائز الرواية، في العقد الأخير، هذا الفن الأدبي أمام اهتمام محلي وعربي وأجنبي: زاد جديد الرواية السنوي على نحو لافت، ومعه عدد كتابها، كما تضاعف حجم قرائها في طول العالم العربي وعرضه، وكثرت ترجماتها إلى اللغات الأجنبية.
ترافق هذا النهوض الروائي مع تقاليد جديدة في هذا البلد العربي أو ذاك: روايات تتحول إلى دراما تلفزيونية، قوائم الروايات الفائزة في هذه الجائزة أو تلك، تصير على لائحة مطالعة أندية الكتب والثقافة، والروائيون الفائزون بالجوائز يصبحون في دائرة الضوء وتحت أنظار القراء.
لكن هذا النهوض كان مصحوباً، برأي نقاد وصحافيين عرب، بظواهر ملحوظة: صارت كثرة العدد تنافس النوع وتحاصره، وألقت الجوانب المالية للجوائز ظلالها على "براءة" الإبداع الأولى، فضلاً عن السجالات وحملات التشكيك التي تطاول لجان التحكيم ودور المانح في توجيه الجوائز.
ما سبق يطرح علينا التساؤلات التالية: كيف نصف المشهد الروائي العربي اليوم؟ وهل كثرة جوائز الروايات والروائيين والروائيات يعد تطوراً طبيعياً في مشهدنا الأدبي، أم قفزة مفتعلة أحدثتها الجوائز وما تعنيه من شهرة ومكاسب مادية؟ وما هو دور النقد في الوضع الحالي للرواية العربية، وهل يمشي وراء الاتجاهات التي قد تفرزها الجوائز، أم يلعب دوراً سابقاً على ذلك؟ للإجابة عن هذه الاستفسارات تحدثنا إلى مجموعة من الروائيين والمؤلفين:
فيصل دراج:
مشهد كتابي أم سوق روائية؟
ربما يكون الاحتفاء بالكم السريع هو ما يميّز المشهد الروائي العربي اليوم عما سبقه. ففي زمن سبق، وحتى نهاية تسعينيات القرن الماضي، تميّزت الرواية العربية بالاجتهاد والبحث عن تنوّع مبدع، يفصل بين روائي وآخر، ويقيم بين الروائيين حدوداً واضحة: كان لنجيب محفوظ إنتاجه الطليق الأشكال، ولحنا مينة واقعيته المفترضة، ولإدوار الخرّاط "حساسيته الجديدة"، ولمحمد البساطي اقتصاده اللغوي المدهش، وكان لجمال الغيطاني مشروعه الروائي الخصيب، المهجوس "بهوية الرواية العربية"،...
لا شيء من هذا في السنوات الأخيرة، باستثناء قلة مبدعة لا ترى في الرواية سلعة، ولا في السوق مرجعاً فنياً، ولا تلغي الحدود بين الإنتاج الروائي و"الربح السريع". وبسبب ذلك أصبحت اللغة الروائية، غالباً، متاعاً مبذولاً، يقصد "التوصيل"، ولا يرى في الأسلوب بعداً أساسياً من أبعاد الإبداع، ذلك أن الأدب، في النهاية، عمل في اللغة، بقدر ما أن الإنتاج الروائي ممارسة لغوية مبدعة يحملها متخيّل يرى الواقع بصيغة الجمع، ويستولد منه أكثر من واقع لا يُرى.
غير أن تكاثر جوائز الرواية العربية حمل معه، لزوماً، أمراض التكاثر الضرورية التي تكشّفت، في غلبة الكم على الكيف، التي قلبت دلالة "الأولوية" في الكتابة الروائية، حيث استعيض عن طموح الإبداع بطموح الجائزة، وغدا موعد تسليم العمل إلى طقوس الجائزة (أي المشاركة) موعداً مقدساً لا بدّ منه، لا فرق إن كان العمل جديراً بها أم لم يكن صالحاً للقراءة. وساعد على ذلك ناشرون يبحثون بدورهم عن "الكسب" والشهرة.
والسؤال هنا: ما العلاقة بين النقد الروائي والسوق العتيدة؟ والجواب هنا بسيط: إذا كانت آليات السوق الإعلامية تمثّل المرجع النقدي المسيطر، فإن النقد الروائي، بالمعنى الحقيقي للكلمة، لا معنى له ولا أهمية. وإذا كانت العلاقات الشخصية، ربما، تحتاج إلى نقد على صورتها، فإنّ ما يخالف هذه الصورة لا مصداقية له، ما يجعل الأشخاص بديلاً عن المفاهيم، وما يُشَخْصن النقد الروائي ويلغيه. والمؤسف أن هذا جاء في فترة غياب، أو احتجاب، أو تعطيل "المجلات الأدبية" المسؤولة، ما جعل النقد "سائباً" ولا مراجع له، إلا بقدر،..
يجب، أولاً، تأكيد احترام جميع الأطراف التي تحاول "بجوائزها" الارتقاء بالرواية العربية، لا فرق إن سبقت "جائزة القاهرة للرواية"، أم جاءت بعدها. بيد أن هذا يأمر بإشارتين: التعامل المسؤول في اختيار لجان التحكيم، ذلك أن مرآة الجائزة من مرآة القائمين على أمرها. والأمر الثاني هو الابتعاد عن الأعراف "الشكلانية"، التي تنهي كل عام بجوائز كل عام. فلا ضير في أن تحجب "الجوائز" في بعض الدورات، أو أن تُعطى إلى روائي لا يريد أن يتسابق، ولا أن يدخل إلى السباق، أو أن تعطى إلى روائي غير عربي، جدير بالتكريم.
*ناقد فلسطيني
إلياس فركوح:
فلندَعْ للزمن أن يفرز، وبهدوء
تحضرني حيال هذا السؤال، ربما لأنه تضمن كلمة "مشهد"، صورة اكتظاظ وازدحام لأجسام تتحرك داخل حيّز مكاني يكاد لا يتسع لنصف العدد الموجود، ما يستتبعها من أصوات تختلط ببعضها وكأننا في "برج بابل"! ثمّة وفرة غير مسبوقة من الروايات لم نألفها، ثمة أعداد منها تصدر سنوياً قد تقارب ما كان يصدر خلال خمس سنوات أو أكثر في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وحتى الثمانينيات منه. وإني، حين تأملي لهذا الحشد غير المسبوق، وعجزي المبرر عن الإحاطة بنسبة معقولة منها – حيازةً وقراءة؛ فإنّ إجابتي عن سؤال إنْ كان هذا يشكل بذاته علامة إيجابية أم سلبية تتناول التجديد داخل الجنس الكتابي، كمحصلة، (وهذا ما يشغلني ككاتب)؛ ستكون التالي: فلندَعْ للزمن أن يفرز، وبهدوء.
مع ذلك، سطح المشهد يوحي بحراكٍ مطلوب ومرغوب؛ إذ إنّ نسبة ليست بسيطة من الإصدارات كُتبت وصدرت خارج المراكز التقليدية التي رفدت الرواية العربية بنصوص تأسيسية وما تبعها بسنوات، وبدأت تلك "الأطراف" تنافس ما كانت تُعد مراكز على مستوى الكم، والكيف. إضافة إلى ارتفاع ملحوظ في عدد الروايات المكتوبة من نساء، ومنهن يكتبن للمرة الأولى. وإذا كانت قوائم الروايات التي تضمنتها الجهات المانحة للجوائز، الطويلة والقصيرة، ما يشير إلى أمر؛ فهو توسع خريطة الإنتاج شاملة أقطاراً نُظر إليها كـ"هوامش"! والبعض من تلك الروايات حظيت بالجائزة. وإنه لمؤشر إيجابي في قراءة أولى.
ما يحدث عند فرز الجوائز يدعو للأسى؛ فتحت ذريعة المراجعة النقدية نقرأ، غالباً، كتابات مشحونة بالاحتجاج العنيف والعدوانية الصارخة، روحاً ولغةً، يصل مستوى التشهير والشتيمة! وهذا، بصرف النظر عن الحُجَّة وصوابها، ليس نقداً بأي حال من الأحوال. لكنّ الخطير في أمر الجوائز (أعني الجانب السلبي)؛ يتمثّل في توجيه الذائقة العامة وتسييرها باتجاه "جزء كتابي فني مقتطع" من مشهد إبداعي متسع ومتعدد، واعتباره نموذجاً وقدوة وأفضل!
بصراحة؛ إني من الذين ينظرون إلى النقد بوصفه الغائب الأعظم في المشهد الثقافي/ الإبداعي العربي ككل، وبالتالي هو متوارٍ وخجول أمام الدفق الروائي (الكمي) الكبير. وإذا كانت ثمة مراجعات نقدية مواكبة؛ فإنها تُنْسَب إلى حقيقة "أقلّ القليل" عدداً، وتتسم بروحية المتابعة القارئة بمواضعات الصحافة اليومية أو الأسبوعية – ومن قِبَل كُتّاب لا يدّعون النقد عنواناً لهم.
*كاتب وروائي أردني
أمير تاج السر:
عناوين براقة بلا محتوى جيد
المشهد الروائي العربي اليوم، فيه كثير من الفوضى، بمعنى أنه امتلأ بكتاب الرواية الذين يكتب بعضهم بموهبة ووعي حقيقي، ومعظمهم بلا ثقافة ولا مقومات تتيح لهم كتابة الرواية، وقد نوهت كثيراً في مقالاتي إلى تلك الفوضى التي حدثت خاصة في السنوات الخمس الأخيرة، توجد عناوين براقة بلا محتوى جيد وقطعاً توجد كتابات جيدة وسط تلك الأكداس من الروايات لكن من الصعوبة العثور عليها.
الجوائز في حد ذاتها ليست عيباً من عيوب المشهد، بل بالعكس، نعتبرهاً مكسبا كبيراً للكتابة التي ظلت سنوات بلا أي مكاسب، وقد تحدثت كثيراً عن آلية منح تلك الجوائز، وارتباطها في معظم الحالات بالذوق العام للمحكم، وبالتالي قراره لمن يمنح الجائزة؟ من المرشحين لها، وعملت محكما في جوائز عديدة وشاهدت كيف تختلف أساليب الكتابة، وفي أحيان كثيرة لا توجد أساليب، وبرغم ذلك هناك من يمنح جائزة، لأحد ما ويصر على أن تمنح له، مهما اختلف معه الآخرون. خلاصة الأمر، أن هذه الجوائز، أصدرت نداءات عالية الصوت للجميع، وأعني من كانوا موهوبين وغير موهوبين، وكانت النتيجة أن الكل يكتب، الذي يعرف والذي لا يعرف، الذي قرأ من قبل والذي لم يقرأ.
النقد يبدو في معظم حالاته متأخرا جدا، أو بالأصح، بعيدا عن هذه الفوضى، لأن النقاد الذين كانوا يتعرضون للكتب من قبل، ويعددون محاسنها ومساوئها، ويطرحونها على القراء، لم يعودوا قادرين على فعل ذلك، وينتج يوميا آلاف الكتب، لذلك تجد قراءاتهم إما لكتاب يعرفونهم، أو كتاب عثروا على نتاجهم مصادفة.
*روائي سوداني
عاطف أبو سيف:
البعض لا يكتب إلا من أجل الجائزة
شهدت الرواية العربية، من جهة، نمواً كبيراً وزيادة ملحوظة كمياً؛ كما لا يمكن إغفال التطورات الكيفية سواء على صعيد الموضوعات أو التكنيك. ويمكن الجزم أن ثمة دور قامت به الجوائز في ذلك. حيث إن الكثير من الكتابات الروائية يتم العمل عليها لتلائم شروط الجوائز أو رغبة في الحصول عليها. لكن لنلتفت أن هذا أمر صحي في بعض جوانبه وهو يمكن له أن يعتبر من التأثيرات الإيجابية لظاهرة شيوع الجوائز الأدبية. لكونه في السياق الذي نحن بصدده، له الكثير من التأثيرات الجانبية غير الصحية، حيث إن البعض بات لا يكتب إلا من أجل الجائزة. والكثير من الكتاب يمكن لهم أن يستخدموا منصاتهم الإعلامية وما يتوفر لهم من علاقات في تعزيز حضورهم وفرص حصولهم على الجائزة، فيما يمكن لشاب موهوب يكتب رواية في أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين أو في إحدى القرى المغربية ألا يعرف كيف يصل للجائزة ولا للترشح لها. بعض الجوائز تضع شروطاً قاسية وهي بحاجة لوجود شبكة علاقات عامة. هناك فرق بين الأدب الجيد والأدب السائد. وأظن أن الجوائز يمكن لها أن تعزز الأدب السائد فيما الأدب الجيد لا يحتاج لجوائز. الكثير من كبار كتاب الرواية في العالم ماتوا ولم يحصلوا على نوبل، ولم ينتقص هذا من مساهماتهم الروائية.
يصعب الحديث عن نقد عربي جاد بالمعنى المهني للكلمة. ثمة نقد أكاديمي ربما لغايات البحث العلمي لكنه لا يساهم في توجيه الذائقة العامة. وربما باستثناء بعض المساهمات الجادة، وتلك التي تقوم بها الصحافة الأدبية في بعض الصحف والمواقع، فإن النقد العربي متخلف كثيراً عن مواكبة الانتاج الأدبي، وهو لا يسهم في اكتشاف الاتجاهات الجديدة في الفن الروائي.
*روائي فلسطيني
زهور كرام:
غياب مفهوم المركز الروائي
تحديد المظاهر التي تميز المشهد الروائي العربي اليوم، يسمح بإنتاج وعي معرفي بموقع الرواية في التحولات التاريخية في العالم العربي. من هذه المظاهر ارتفاع نسبة الاهتمام بالرواية كتابة وإبداعاً، وهو الأمر الذي بدا واضحاً في نسبة المشاركات في الجوائز الأدبية، غير أن الأهم، هو التحول الذي يُحدثه اليوم هذا التراكم الروائي في طريقة الكتابة، وخطابها السردي وبنائها الفني.
لا شك في أن الجوائز الأدبية تُعد عاملاً مُساعداً لتشجيع الكتابة في الرواية، إضافة إلى ما تقترحه من شهرة للكاتب، وتوسيع مساحة قراءته، هذا واقعٌ، لابد من الاعتراف به، واستحضاره عند التفكير في سؤال المشهد الروائي العربي، لكن هذا الواقع لا يجب أن يجعلنا نعتقد بقدرة الجوائز على تطوير الكتابة الروائية، لأن هناك فرقاً بين أن تساهم في خلق التراكم، وتعمل على تخصيب شرط المنافسة، وتسمح بالتعرف إلى التجارب الروائية من كل البلدان العربية، وتًضيء البعض منها، وبين أن تكون عاملاً بنيوياً في تطوير خطاب الرواية، لأن العنصر الأخير له علاقة بإمكانات كثيرة، ذات علاقة بالتحولات التاريخية والسياسية والاجتماعية التي يعرفها الواقع والتي تُساهم في تغيير طريقة تشخيص القضايا والمواضيع.
لم نعد نلتقي بالنموذج المشترك للرواية العربية، أو مفهوم المركز الروائي، إنما باتت كل تجربة تُؤسس لخصوصية معينة. من هنا، وجدنا تحولات في علاقة التاريخ والسياسة والذات بالرواية. يُساهم الجيل الجديد من الشباب العربي في إنتاج تجارب روائية مختلفة عن السابق، تُعبر عن رؤيته الخاصة. لهذا، فالرواية العربية تشهد تحولات مهمة في خطابها، والجوائز تُساهم في منح فرصة للتعرف على هذه التجارب، لكن المسؤولية تبقى هنا على النقد الذي من المفروض أن يُرافق هذه التجارب، ويبحث في خطاباتها، ويُنتج وعيا معرفيا بطبيعة الرواية العربية، ويقف عند التجارب الضعيفة التي تتسلل إلى المشهد بدون سند روائي.
*ناقدة وكاتبة مغربية
مها حسن:
النقد تجريبي واعتباطي
أستطيع اختزال المشهد الروائي الحالي بأنه ثري. هناك كمّ مهمّ من الإصدارات التي تزداد من سنة لأخرى، وهناك أسماء روائية جديدة تدخل الساحة الروائية، سواء أسماء آتية من أجناس إبداعية أخرى، كالشعر والقصة بل وفن التمثيل، أو أسماء جديدة تماماً على المشهد. وهذا كله يقدم إضافة لتاريخ الرواية العربية، ويحررها من الرتابة والتنميط.
ربما ساهمت الجوائز في تحفيز أشخاص لم تسبق لهم كتابة الرواية، فدخلوا الساحة من أجل الشهرة والمال. ولكن هذا لا يضرّ بالرواية. لتُفتح الأبواب أمام الجميع، وليقدم كل شخص ما لديه من إبداع، أو من كتابة لا تصل إلى سوية الإبداع. القارئ العربي اليوم مطّلع ومتابع إلى حد غير متوقع ومع الوقت سيتم الفرز.
أما كثرة الجوائز والروائيين والروائيات، فهذا كله يساهم في دفع المشهد الروائي العربي، الذي أراه شخصياً صدىً لحالة الحراك الاجتماعي والسياسي والتقلّبات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وباعتقادي إن الرواية أحد أهم الأنواع الإبداعية تعبيراً واقتراباً من هذه الانعطافات والمفاجآت.. لهذا فمن حق الرواية أن تذهب في اتجاهات كثيرة، وتتحول إلى ساحة إنتاج، والزمن كما ذكرتُ للتو، كفيل بفرز الأصيل عن الطارئ. النقد في العالم العربي غالباً تجريبي واعتباطي. هناك أسماء جادة ترصد الحراك الثقافي، وتحاول الإلمام بالنتاج الروائي، واكتشاف الجديد والمختلف، وهذه أسماء قليلة، وهناك بالمقابل نقد عاطفي انفعالي، تفرزه الحاجة اليومية لملء صفحات ثقافية، بعضها لا تتسم بالجهد الكافي لتقدير الجديد وتتبّعه، فتكرّس أسماء لامعة، تم الاتفاق على نجوميتها، بحيث لا تُسبب صداماً بين الناقد وبين الروائي أو جمهوره وأصحابه.
*روائية سورية
حجي جابر:
في النهاية لا يصمد إلا الكتاب الجيد
المشهد الروائي العربي يشهد ما يُشبه الانفجار من حيث وفرة الإنتاج في معظم البلدان العربية، بعد أن كانت الكثافة في بلدان بعينها دون أخرى. وهذا أمر تثبته أقصر زيارة لأي معرض كتاب عربيّ. هناك أيضاً جيل عربيّ شاب يتسلّم من آخر، أو يزاحمه أو يقترب منه على مستوى الجودة والحضور والأضواء. لكن في المقابل لا تزال دوائر العلاقات نشطة وهي تحاول وسعها احتكار الاعتراف والضوء والجوائز.
هذا أمر جيد في نهاية المطاف. الجوائز تجلب الضوء، وتلفت انتباه القراء، وتُعلي من شأن الكتابة. الوفرة في الإنتاج ستخلق مساحة اصطفاء وانتقاء وفلترة أكبر. صحيح أن رؤية كثير من الأعمال الرديئة أمر مزعج، لكن في النهاية لن يصمد إلا الكتاب الجيد والكاتب الحقيقي، والقارىء وحده هو الحكم في هذه المسألة. وبرأيي أنّ الإشكال حقيقة ليس في الجوائز بقدر كونها وسيلة الاعتراف والتقدير الوحيدة عربياً، في ظلّ غياب أو ضعف تأثير المكتبات الكبرى، وأقسام الأدب في الجامعات، والملاحق الثقافية، والنقاد أصحاب الصوت المسموع.
للأسف أغلب النقد يتبع الضوء، حاله حال القارىء الكسول، فلا يكتشف أسماء جديدة أو يضيء على تجارب مختلفة. كما أن النقد لا يزال يسيطر عليه التيار الكلاسيكي الحذر كثيراً مع أي تجريب وخروج عن السائد. هذا الأمر له استثناءات ولا شك، لكنه يبقى الغالب. ويبقى الإشكال أنّ دخول أسماء روائية شابة لا يقابلها الأمر ذاته في النقد، وهذا يخلق فجوة ما، ويجعل المرونة في جانب واحد دون آخر.
*روائي إريتري
جنى الحسن:
الكاتب ليس نجماً
الدول العربية بما يجري فيها من أحداث وبكل الاضطرابات والإشكاليات الدينية والاجتماعية والسياسية التي تضمّها مادّة روائية واقعية دسمة. باعتقادي، هناك كمّ هائل من القصص والتعقيدات الشخصية والتعقيدات في العلاقات الإنسانية التي يمكن أن تنتج قصصاً كثيرة أو ربما يصح القول إنّه يمكن لهذه القصص أن تنتج روايات مهمّة.
الجائزة أو المكافأة المادية هي لحظة واحدة، بينما الكتابة هي زمن مستمر. حتّى حين لا نكتب، ترافقنا بكل ما تحمل من قلق وهواجس وتوتر. المشكلة في مسألة الجوائز والنقاشات التي تدور حولها هو كونها تبتعد عن التعامل مع العمل وتركز على الجائزة كأنها الحدث الأدبي وهي ليست كذلك. وأظن أن هذا جزء من أزمة المشهد الثقافي العربي الذي يتعامل مع الأدب بشخصانية أحياناً، أي أنّه يتعامل ويتفاعل مع الكاتب كشخص وليس عمله. والأهم بكثير، من وجهة نظري هو العمل.
أما النقد الأدبي فهو مرتبط بالذائقة الشخصية والنهج الذي يتبعه الناقد. لا أعرف مدى ارتباط النقد بالجوائز، ربما الجوائز تضع الأعمال بشكل أكبر تحت المجهر فيعرضها عدد أكبر من النقاد. النقد أيضاً مرتبط في مشهدنا الأدبي أحياناً بالشخصانية والعلاقات الشخصية. فمن المؤسف مثلاً أن تجدي من يتناول عملاً أدبياً ربما لم يقرأه حتى سواء بالذم أو المديح. وأظن أن هذا يحدث كثيراً!
*روائية لبنانية