}

دعوة لقراءة إدوارد سعيد بمداخل أخرى

عمار فارس 1 أكتوبر 2017

يرى أستاذ الفلسفة الجزائريّ البشير ربوح في محاضرة له في العاصمة الأردنيّة عمان بعنوان "سؤال الهوية ومسار التاريخ عند إدوارد سعيد"، أنَّ تغيير مداخل النظر في مشروع إدوارد سعيد من غير المداخل المألوفة (الاستشراق والنقد الثقافيّ) بات ضرورة، وخاصة أنَّ مشروع سعيد يحمل بعض المداخل التي يُمكن النظر إليه من خلالها: النقد الأدبيّ، الألسنيّة، الإمبرياليّة، الكولونياليّة، الدين، المثقف، وذلك للوصول إلى مسائل جديدة طُمست ولنّ تظهر إلَّا بتغيير هذه المداخل. 

 

يقدّم ربوح مدخله (الجديد) في قراءة مشروع إدوارد سعيد؛ إذّ يقسّم النصوص الفكريّة العربيّة إلى: نضاليّة وأخرى تأسيسيّة، وفي حين لم يكن نصّ إدوارد سعيد يوماً تأسيسيّاً (رغم أنَّ كثيراً من مشروعه يحمل تعقيدات إبستيمولوجيّة) فإنّ نصّه ينتمي إلى حيّز النص النضاليّ وهو نصٌ يقول فيه ربوح "غير مؤسس إنما نصٌّ محرّض يدفع ويحثّ"، غير أنَّه لم يصل إلى مرحلة النص التأسيسيّ.

 

يقول ربوح بشأن هذا التقسيم: "الجابريّ رغم استعانته بالجانب الإبستيمولوجي ومحمّد أركون رغم استعانته بالمنجز الحداثي الغربيّ لقراءة التراث العربيّ وطه عبد الرحمن في تناوله موضوع القيم، أصحاب نصوص نضاليّة لا تأسيسيّة، وذلك ليس عيباً فيها، إنما لأنَّ الظروف المحيطة والتاريخيّة تجعل الأفق في هذه النصوص نضاليّاً".

 

الهويّة

يتتبع ربوح سؤال الهويّة القديم في الفلسفة (يُطلق عليه سؤال الهويّة لا مفهوم الهويّة، ويقول في ذلك إنَّ اعتبار الهوية مفهوماً يُوقع في مزالق المنطق)، يتتبعه حين ظهر مع سؤال الذات عند ديكارت والذي كان يحمل سؤال الهوية بداخله. ثم سؤال الذات عند فرويد ونيتشه وصولاً إلى انبثاق سؤال الهوية بعد ظهور مفهوم الدولة والفلسفة النسقيّة (هيغل).

 

يقدّم ربوح ذلك قبل التعرض لسؤال الهويّة عند إدوارد سعيد وعلى المستويين: الشخصيّ؛ حيث عاش سعيد في أماكن بين الشرق والغرب، نشأتهُ الغربيّة (التي كان يُمكن أن تفرزه كمفكّر غربيّ)، وبحسب الناقد البلغاري تزفيتان تودوروف، فليست حياة سعيد وحسب إنّما اسمه (إدوارد سعيد) كان يحمل تعدداً، الأمر الذي دفعه إلى البحث عن سؤال الهويّة.

 

يقول ربوح في المحاضرة التي تأتي ضمن برنامج مُلتقى الثلاثاء الفكريّ في الجمعيّة الفلسفيّة الأردنيّة، إنَّ سعيد يرفض في الهوية انغلاقها أو يرفض التواجد داخل هويّات منغلقة، لأنَّ مآلها في النهاية الموت؛ فالهوية عنده ليست هوية واحدة نقيّة مبنيّة على الأصل أو الثبات، إنّما يقول بهويّة ذات تعدد لا يمكن قياس مصداقيّتها إلّا بوجود الهُجنة (التعدد). يتشارك سعيد مع محمَّد أركون في نظرته لسؤال الهويّة في أنَّه منجز تاريخي يتعرض للاضمحلال والبقاء ويرتبط "بالحامل الاجتماعي".

 

النصّ والنصيّة

يستعين ربوح هنا في قراءة مشروع سعيد بمقولة لفتحي المسكينيّ مفادها أنَّ الاستشراق هو (الوجه المنسيّ من الحداثة)، ليدلل على أنَّ سعيد استخدم أدوات الحداثة (المُنتجة غربيّاً) لتحليل مفهوم التفكير الغربيّ في مسألة الاستشراق. بعدها يستعرض ربوح تمييزات إدوارد سعيد في رؤيته للتاريخ بين "النصّ والنصيّة". يرى أنَّ النص من يصنع الواقع وليس العكس؛ فالنصوص الكبرى هي من تصنع التاريخ لكن المشكلّة في الواقع العربيّ تكمن في تقديس النصوص الذي يُخرج النصّ من التاريخ (النصيّة إخراج النصّ من التاريخ بحسب ما يراه ربوح).

 

لماذا إدوارد سعيد في محاضرة بالفلسفة؟

"الفلسفة لكي تستمر يجب أن تكون لها مصادر غير فلسفيّة"، بهذه المقولة يبرّر ربوح كيف أنَّ كبار الفلاسفة كانت لهم خلفيّات غير فلسفيّة، أتوا من خارج الفلسفة في البداية، الأمر الذي منح مشاريعهم الفلسفيّة لغة جديدة على لغة الفلسفة التي يصفها بأنَّها "تتكّلس في كثير من الأحيان". كذا يُمكن قراءة مشروع إدوارد كمزوّد الفلسفة بلغةٍ ومواضيع وروح وإشكاليّات وإشكاليّات بينيّة جديدة.

 

يُعدد المُحاضر مرجعيّات إدوارد سعيد في مشروعه؛ غولدمان، بارت، شتراوس، فوكو، غرامشي، ومصادر أدبية أيضاً (كونراد). فيما كانت مصادره الأخرى من الحياة: نكسة 1967 وطريقة استقبالها في أميركا، حيث نبَّهت إدوارد سعيد إلى مسألة الهويّة، حرب 1973 والتي نبّهته إلى مسألة الاستشراق، حرب 1990 إلى مسألة النهايات.

 

يُذكر أنَّ المُحاضر البشير ربوح هو أستاذ للفلسفة في جامعة باتنة الجزائريّة، له عدّة مُساهمات في حقليّ الفلسفة والفكر، منها: مطارحات في العقل والتنوير: عبد الوهاب المسيري انموذجاً. تناول أكثر من بحث له مشروع إدوارد سعيد. له كتاب بعنوان استشكالات ودروب في قضايا الفكر الفلسفي المُعاصر حمل فصلاً عن مسارات الفكر عند إدوارد سعيد: إدوارد سعيد والفلسفة، النقد الدنيوي للدين عند إدوارد سعيد، الفلسفة والتحوّل الإمبرياليّ في الوطن العربي قراءة في فكر إدوارد سعيد، سؤال المثقف النقدي عند إدوارد سعيد.

 

 

 

 

 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.