}

حصاد 2019.. جديد الحياة الثقافية العربية (4)

عماد الدين موسى عماد الدين موسى 8 يناير 2020
هنا/الآن حصاد 2019.. جديد الحياة الثقافية العربية (4)
"الثقافة فعل إنساني للتقارب بين الشعوب"
تبقى الثقافة فعلاً إنسانياً قد يكون الأمثل للتقارب بين الشعوب، سواء عبر الفعاليّات الثقافيّة، أو من خلال الترجمة بوصفها جسر عبور للثقافات. عامٌ آخر مرّ ولا تزال منطقتنا في أوج الاشتعال، وعلى الرغم من كل ذلك، ثمّة نافذة مضيئة هنا أو هناك، كتب عديدة صدرت، وفعاليّات ومهرجانات ثقافيّة تقام في شتى العواصم والمدن.

في هذا الاستفتاء السنوي نستطلع آراء مجموعة من الكتاب والمثقفين حول أبرز الكتب التي صدرتْ أو قرأوها في العام 2019 وكذلك حول أهم الفعاليّات من معارض ومهرجانات ونشاطات أخرى، أدبيّة أو ثقافيّة.
هنا الجزء الرابع:

علياء الداية (كاتبة وأكاديمية سورية): المنتج الروائي له تأثير تراكمي

إصدارات عديدة مهمة كانت من نصيب 2019، قرأت منها خلال العام رواية "سفر برلك" للروائي مقبول العلوي، ومنذ أيام طالعنا خبر ترشح هذه الرواية للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية- بوكر. ويتميز أسلوبه في مجمل رواياته بالسرد المتتابع والسلس، والإيجاز في عرض الفكرة وعدد الصفحات، والقرب من تلقي القارئ من دون إرباك أو إثقال للصورة والخيال.
ومن الكتب المترجمة قرأت الروايتين: "البنت التي لا تحب اسمها" لأليف شفق، وهي ذات أسلوب بسيط، مليئة بالفانتازيا وأجواء اكتشاف الجديد واختبار المجهول، ولعل العنوان هو أول ما يشد لقراءة هذا العمل. ورواية "زليخة تفتح عينيها" للكاتبة غوزال ياخينا، ترجمها عن الروسية الدكتور فؤاد المرعي، وتنفرد الرواية بأجواء الطبيعة التي يحيطها الشقاء والشظف، وتنجح في التمحور حول مسار حياة البطلة زليخة على الرغم من كثرة الشخصيات المهمة من حولها.
وإلى جانب إصدارات العام كانت لدي قراءات لكتب من إصدارات سنوات سابقة. إن المنتج الروائي له تأثير تراكمي على صعيد الاهتمام الأدبي أولاً والنوعية لاحقاً، فالعام 2019 لا يحمل انفصالاً عما سبقه أو نزوعاً مغايراً. ومما قرأت في الرواية كل من روايتي وجدي الأهدل: "بلاد بلا سماء"، و"حمار بين الأغاني"، بما فيهما من تخييل كبير، وشخصيات محاطة بالغموض في أجواء يمنية خالصة. ورواية "مزار محيي الدين" لمحمود حسن الجاسم، وتدور أحداثها الرئيسية في قرية سورية، حيث يجتذب أحد المزارات فضول شخصيات تأتي من أماكن وبلدان متنوعة ولها أهداف مختلفة. ومما قرأت في أدب الرحلة كتاب "جنائن الشرق الملتهبة - رحلة إلى بلاد الصقالبة" لسعيد خطيبي، الذي ترشحت إحدى رواياته كذلك إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية- بوكر هذا العام، ويتسم أسلوبه في "جنائن الشرق" بالوضوح والتنويع في رؤية السارد وشموله شرائح متنوعة في المجتمعات التي يزورها، وبالجدة والتركيز على الجانب الشعوري. ومن الكتب الطريفة كتاب "أشياء غريبة يقولها الزبائن في متجر الكتب"، وأتيح لي في هذا العام قراءة الجزء الثاني منه مترجماً، وهو يشبه الجزء الأول في احتوائه مقاطع من سطور قليلة، معظمها حوارات غير متوقعة في متاجر الكتب، تحمل في طياتها ملامح كوميدية.
الفعاليات الثقافية أجد من أبرزها نشاطات مكتبة تكوين في الكويت بإدارة الروائية بثينة العيسى، من اهتمام بقراءات الأطفال، والماراثون الخيري السنوي، والإضاءات الإبداعية، مما يسهم في رفد الفعاليات الأدبية في الساحة العربية.

عبد الله شيخو (كاتب ومترجم كُردي): مؤسسات مختصة بالترجمة

كان أكثر ما لفت نظري في إصدارات عام 2019 مجموعة من الأعمال الأدبية المترجمة إلى العربية، خاصة أعمال بول أوستر، وبروز دور نشر ومؤسسات عربية جديدة مختصة بالترجمة. أذكر هنا على سبيل المثال دار الخان الكويتية التي تعمل كدار عربية مختصة في مجال الترجمة عن مختلف اللغات العالمية، والتي تولي اهتماماً جيداً بالترجمة عن لغات شعوب لم يتعرّف القارئ العربي على آدابها بشكل وافٍ.
كمهتم بالترجمة عن الكردية وإليها، كانت هناك ترجمة لعددٍ من الأعمال الأدبية الكردية إلى العربية، خاصة روايات بختيار علي، وهي في نظري خطوة جيدة في التعريف بالأدب الكردي عربياً، وهي رحلة تحتاج إلى جهود أكبر وانتقاء أفضل وأوسع من قبل الناشرين والمترجمين على حدٍ سواء.
كما لفت نظري الإصدارات المهمة والأنيقة لدار المتوسط، والتي أضافت بصمة خاصة إلى صناعة الكتاب العربي.
فيما يخصّ الفعاليات الثقافية؛ أخشى أنني لا أستطيع الإحاطة بهذا الموضوع بشكل كافٍ، فأنا أعيش في أقصى شمال شرق سورية، ضمن منطقة حروب وصراعات لا تنتهي. وكانت الفعالية الوحيدة التي شهدتها هذا العام هي الدورة الأولى من معرض السليمانية الدولي للكتاب في كردستان العراق. كانت تجربة مثيرة لشخص لم يتمكن طيلة الأعوام المنصرمة من الخروج من مدينته ونواحيها وقراها.
جميع الفعاليات التي تُقام في منطقتنا هي فعاليات محلية محدودة، وكان أبرزها الدورة الثالثة لمعرض هركول للكتاب في مدينة قامشلي.

محمد خضر (شاعر سعودي): للشعر نصيب لا بأس به

هذه سنة القراءات الأقل بالنسبة لي، لكنها كانت قراءات منوعة وفي أكثر من مجال، وكان للشعر نصيب لا بأس به، منه مجموعة شعرية "تباً كخطأ مقصود في ترجمة الأفلام" للشاعر عبد الله العقيبي و"الجريمة الخالدة ذات الأقراط" للشاعرة نجلاء التوم وأكثر من مجموعة شعرية جديدة من دار رواشن لمعتز قطينه وهدى أشكناني وهدى المبارك ومحمد الصادق الحاج ويزيد التأملات وأمل إسماعيل، وديوان لعبد العزيز المقالح صدر عن الباحة الأدبي. وكانت أغلب القراءات هي عودة لبعض ما فاتني قراءته أو ما يتوفر في المتناول. قرأت مثلاً لعبد الرحمن منيف ولطيفة هيف ومحمد عبد النبي، وقرأت في المترجمات أعمالاً رائعة لأليف شفق وسلمان رشدي.
كما قرأت كتباً مهمة في الفكر وإن كانت قد صدرت من سنوات، مثل نهاية الداعية لعبد الإله بلقزيز وذهنية الإرهاب لجاك دريدا وكتاب مترجم عن رولان بارت ضمن سلسلة مقدمة قصيرة جداً ترجمة جونثان كولر.
وفي التراث العربي قرأت كتباً منها "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" لعبد الرحمن الكواكبي و"من بعيد" لطه حسين.
هناك كتاب شيق أيضاً ومهم عنوانه "السينما الجديدة" للكاتب حسين الحجيلي. هذا العام أيضاً لم أحضر فعاليات ثقافية أو أدبية كثيرة. وأبرز ما حضرته معرض الرياض للكتاب، وملتقى الفيديو آرت في الدمام.

كاميران حوج (كاتب ومترجم كُردي سوري): السرد الواقعي كفانتازيا

تشرفت في عام 2019 بالحصول على عدد لا بأس به من إصدارات الأصدقاء التي أسعدتني قراءتها بل وتمنيت الكتابة عنها والتطرق إلى عوالمها في مقالات أخصصها لها لو أسعفني الوقت قليلا. لكني هنا أذكرها شكرا للكتاب الذين أورد أسماءهم حسب تسلسل الحروف.
أحمد إسماعيل: ليل القرابين، ست مسرحيات قصيرة، دار أوراق. يتعرض إسماعيل إلى المأساة السورية بلغة مسرحية شفافة وبسيطة، مبتعدا عن الحكم على ما يجري هناك من حروب وتقتيل.
رائد وحش: عام الجليد، منشورات المتوسط. رواية الهرب من الواقع المحبط إلى عالم الفانتازيا لتجاوز الحدود بينهما كما على حاجز تفتيش والشعور بالنجاة باللجوء إلى الحلم، الرغبة في الخلاص من القيود المفروضة على الإنسان الذي يعرف أنه غير قادر على القيام بالفعل فينحو نحو اللافعل.
عبد الحميد محمد: مخطوط البحث عن الألفة، كتاب نقدي عن أعمال الشاعر والروائي سليم بركات، يستعرض فيه الناقد أعمال الكاتب من وجهة نظر مختلفة عن السائد ويحاول الخوض في زوايا غامضة لم يدخلها أحد بعد في ذلك العالم الخصب إنتاجا ولغة وخيالا.
مازن عرفة: سرير على الجبهة، منشورات نوفل. رواية أخرى تلجأ إلى الغريب والفانتازيا في محاولة لتشريح الحرب العبثية وآثارها الكارثية على الإنسان السوري، حيث يتحول البيت، الملجأ الآمن، إلى ساحة يجرب فيها العسكر قدراتهم على خوض الصراعات وممارسة الإرهاب بحق المدنيين.
محمد المطرود: آلام ذئب الجنوب، منشورات ميسلون. الخلط بين الخيالي والواقعي نجده أيضا في نصوص ميتاورائية تعالج بدورها عالماً مهملاً من الجغرافيا التي تسمى سورية، عالم القرى المرهقة بالنسيان والإهمال.
الملاحظ أن القاسم المشترك بين جميع هذه النصوص الإبداعية هو السعي الحثيث للخروج من الواقعي إلى التخييلي. ويبدو أن الواقع السوري بحد ذاته صار خيالا لم يكن أحد يتصوره ولهذا يأتي السرد الواقعي بمثابة الفانتازيا.
على الصعيد الشخصي نشرت لي هذا العام ترجمة وحيدة بعنوان "فاس، الطواف سبعا"، للمؤلف شتيفان فايدنر عن منشورات المتوسط. خلال رحلة يقوم بها المؤلف في المغرب يستكشف مستويات متعددة من الحياة الثقافية والطبيعية لبشر يعيشون على الهامش وآخرين يحملون هم التلاقح الحضاري. وعلى هذه الترجمة نلت جائزة ابن بطوطة، وهي الجائزة التي تمنح سنويا لأعمال الرحلات، مكتوبة بالعربية أو مترجمة إليها وتمنحها دارة السويدي الإماراتية ويشرف عليها الشاعر السوري نوري الجراح.
من ناحية أخرى لم أتمكن للأسف من إتمام ترجمة رواية للكاتب إلياس كانيتي، حيث اتفقت مع دار المتوسط على ترجمتها خلال 2019، لأنها أولاً طويلة حيث يتجاوز عدد صفحاتها من القطع الكبير الستمئة وتتعرض لموضوعات شائكة كالسلطة، الخنوع، التنمر وضياع المثقف بين براثن الجهل، بلغة دقيقة تنهل من ثقافة المؤلف الواسعة وتعرض لثقافات شتى بحيث أضطر لكثير من البحث عن فرضيات ومقولات فلسفية غير معروفة كثيرا. ونالت صاحبها جائزة نوبل للآداب 1981 بعد ثلاثين عاما من نشرها.

صابرين فرعون (روائية فلسطينية): جائزة كتارا للرواية

هذا العام كانت قراءاتي أقل من المعتاد، وقد لفتتني بعض الروايات العربية على قائمة جائزة كتارا للعام 2019 وهي الحدث الثقافي الأبرز لهذا العام. قرأت رواية "شمس بيضاء باردة" لكفى الزعبي، بينما منحت اهتماماً في بداية العام للأدب الياباني وقرأت لهاروكي موراكامي وياسوناري كواباتا ويوكو أوغاوا، ثم أخذت قراءاتي تتراوح بين عوالم الشعر والروايات العربية والمترجمة، فقرأت مثلاً لأليس مونرو وأيمن الدبوسي وجودي بلانكو وأمل الجراح ود. نوال السعداوي وستيفاني ماير ورانيا السعد وإبراهيم الحجري وبول أوستر وسيلفيا بلاث وإبراهيم نصر الله.

سامي داود (ناقد سوري): مقبرة توت عنخ آمون

خصصت النصف الأول من هذه السنة للقراءات الحديثة المتعلقة بالعلمنة، كتجربة طلال أسد وتشارلز تايلر وصبا محمود وأركون وسورش.. إلخ. وقاربتها بقراءات أخرى مغايرة، كرؤية لوك فيري لتأليه الإنسان ونقده للتصور النمطي للمواطن الأوروبي في علاقته مع ما يمكن تسميته بأوهام العلمانية ورشاقته التحليلية في رسم شبكة السياسات المهيمنة على حالات العلمنة الأوروبية وعلاقتها بمنظومة القيم التي تحكم حياتنا الحديثة. وفي السياق ذاته، ولكن من منظور مختلف كليا، استمتعت برهافة اللغة والرؤية التي توفرها قراءة روجيه كايو وتناولها للعنف في مدار المقدس؛ إذ ثمة شاعرية في تأويله لهذه العلاقة المعقدة التي تجعلنا نضفي القداسة على معانٍ لا يستسيغها المنطق، لكنها معانٍ معقولة وضرورية لتماسك ليس فقط القيم المتعلقة بالبعد القدسي، بل وأيضا بتماسك نظرة الجماعة البشرية إلى نفسها عبر تلك القيم. وتوجد بين قراءة كايو وفيري تقاطعات في نقدهما للحداثة والعلمنة، بكونها تجارب جعلت من الشكوكية المفرطة مدخلا لنوع حديث من العدمية حيث لا نعثر على قيم تمنح المجتمع المعولم مبدأه الأخلاقي.
لقد فرضت الكارثة التي أحلت بسورية شروطها على مسار القراءة لدي. وبات سؤال العنف جوهريا. والبحث فيه عبر منهجية مغايرة عن تلك التي جعلت آرندت تكتب ما كتبته حول العنف ولم أجد فيه ما أردته. والمراجعة الموسوعية التي قدمها آريك هوبسباوم في قراءته للعولمة والإرهاب، توفر بيانات كثيرة حول المصادر التي تنتج العنف المعاصر وتوجهه، وكذلك لعبة الدول الحديثة التي جعلت من العنف حاجة لتوفير الذرائع لما يطلقون عليه "سياسة الردع والتدخل". لكنني أعتقد بأننا مطالبون بنزعة بحثية مغامرة، قادرة على إنتاج قراءة مؤلفة من حزمة قراءات، يمكنها أن توفر لنا معرفة راهنة، متعلقة بالتحولات التي أدخلتها التقانة والعولمة والسبل الحديثة للهيمنة، ودورها في هذا الانهيار السريع للقيم الإنسانية التي تراكمت تاريخيا لتجعل من العدم كائنا ذا خصال.
أما كحدث ثقافي، فبدون تردد، هو مقبرة توت عنخ آمون، التي حظينا برؤيتها هنا في باريس. وبعدها مباشرة جاء العرض المميز لتاريخ الأواني الذي قدمه متحف هامبورغ للفن والتاريخ، والذي بدأ بأوان طينية منذ 6000 سنة. بالنسبة لي كباحث في نظرية الفن، حينما نتناول من وجهة نظر جشطالتية، محتويات مقبرة توت عنخ آمون والأواني التي ابتكرتها الحضارات القديمة، ونقارنها بالمفاهيم المتعددة التي نتناولها عن الحداثة فنيا ومعماريا، تكون النتيجة هي الضحك على هذه المفاهيم. إذ كيف وقياسا إلى ماذا تكون أشكالنا حديثة، الشكل كحامل لمحتوى عقلي وانفعالي معاً؟ لن نحصل سوى على فكرة التجاوز المتعلقة بالزمن التقويمي. رغم أنه حتى فكرة التجاوز، تجدها مستهجنة لدى جون كافاياس الذي وصف التقدم بأنه مراجعة مستمرة للمضامين بالتعمق والتشطيب.

عزة حسين (شاعرة مصرية): عام نشر الشعر

في مصر يظل معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي يتصدر الفعاليات الثقافية مفتتح كل عام، مركزاً للحراك الثقافي، حيث يحرص أغلب المبدعين على مزامنة إطلاق كتبهم مع انطلاق فعالياته. ورغم انتقاد كثيرين لهذا، لما قد يسببه برأيهم من زحام وتشتيت للانتباه عن أعمال هامة، أو التورط في اقتناء أعمال رديئة نتيجة الخضوع لسطوة الدعاية الموسمية التي تستهدف القارئ النوعي والعادي خلال تلك الفترة، يظل المعرض وفعالياته وصداها الذي تعكسه منصات الإعلام ووسائل التواصل مؤشراً ومعياراً للقيمة، ذا أثرٍ قد يمتد لبقية العام.
في هذا السياق كان ملاحظاً مع بداية عام 2019 حدوث طفرة في عدد العناوين الشعرية الصادرة خلاله، طفرة كانت قد بدأت إرهاصاتها نسبياً خلال السنوات القليلة الماضية، لكنها بلغت ذروتها أوائل هذا العام، بشكل جعل البعض يسميه عام "عودة الشعر"، وإن كنت أرى أن التسمية الأدق هي "عام نشر الشعر"، هذا الفن الذي لم يخفت إنتاجه أبداً، ولم تتراجع مقروئيته، بدليل حالة الاحتفاء الشديدة به على مواقع التواصل الاجتماعي وتعدد وتوالد المنصات والصفحات المخصصة له، سواء كان عربياً أم مترجماً.
لهذه المنصات الفضل في تذويب الحدود بين شعراء مختلف البلدان العربية، وتحقيق حالة من الانفتاح وإثراء القاموس الشعري والنقدي، واكتساب أرض جديدة، وقراء جدد بذائقات أكثر تطوراً وتجربة، أفرزتهم ميادين الحراك السياسي، الذي اشتعل قبل عشر سنوات. ولهذه المنصات وحراكها يعود الفضل أيضاً في إنعاش حركة نشر الشعر "ورقياً" بعد سنوات من تهميشه مقابل الرواية، بوصفه "سلعةً لا تبيع".
بالإضافة للشعر شهد العام الحالي - ويبدو أن هذا سيستمر - انتعاشاً في صدور كتب الـ Non fiction، وبالنسبة لي كان صدور كتاب "في أثر عنايات الزيات" للشاعرة إيمان مرسال ضمن أجمل وأهم إصدارات العام، فهذا الكتاب الذي يشير غلافه إلى انتمائه لكتابة "بلا ضفاف" يمنح قارئه حالة من الإشباع مصدرها لغة إيمان الشاعرة الذكية صاحبة الأثر الشعري في كل ما تكتب، بالإضافة إلى دقة البحث العلمي، وشغف التاريخ، وإغراء النميمة في واحد من أكثر الأوساط عزلةً واشتباكاً مع العديد من الأوساط الأخرى كالوسط الثقافي المصري ما بعد منتصف القرن الفائت.
يحيل كتاب مرسال إلى كتابها السابق الصادر قبل عامين "كيف تلتئم.. عن الأمومة وأشباحها" الذي اجتمع فيه الشعر مع البحث الأكاديمي والسيرة الذاتية، وحقق صدى واسعاً؛ كونه حفر عميقاً في واحدة من أكثر مناطق المسكوت عنه التباسا وجدلاً وهي الأمومة.
وفي سياق الـ Non fiction ـ أيضاً يأتي الكتاب الجديد للكاتب محمد شعير "أحجار ونياشين.. حكايات من أرشيف الصحافة والثقافة والفن"، من منطقة قريبة من كتابه المهم "أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة"، والذي تتبع رحلة كتابة ونشر أهم روايات نجيب محفوظ وكشف كواليس اشتباك وتداخل الظرف الثقافي بالسياسي والديني في تلك الفترة.
وتجدر الإشارة إلى أن العام الحالي شهد حالة من الغزارة والتنوع في الكتب التي تناولت سيرة وكتابة نجيب محفوظ، وهو العام الذي افتتح خلاله أخيراً متحفه بمنطقة تكية أبو الدهب بالقاهرة الفاطمية.
أيضاً تزامن العام الحالي مع الاحتفال بالمئوية الأولى لثورة 1919، وهي الثورة الأثيرة والأكثر شعبية بالنسبة لعموم المصريين، وصاحب ذلك صدور عدد هائل من الإصدارات المعنية بالتأريخ لهذه الثورة وزعيمها سعد زغلول وظرفها السياسي والثقافي والاجتماعي.

ضاهر عيطة (كاتب سوري): بوادر ثقافية وفنية منبثقة من رحم الدمار والخراب على الأراضي السورية

كثيرة ومتنوعة النشاطات الثقافية التي حفل بها عام 2019 ومن ضمنها ما يشتغل عليها السوريون في دول اللجوء، من مسرح وسينما وفن تشكيلي وروائي وأمسيات شعرية وموسيقية، غير أن أكثر ما يلفت الانتباه، تلك البوادر الثقافية والفنية المنبثقة من رحم الدمار والخراب على الأراضي السورية، وإن كانت محاولات جنينية، إلا أنها تسعى لتحدي آلة الخراب والدمار التي تديرها عصابات الأسد، والتشكيلات الجهادية، وربما كان من أبرزها، حسب علمي، العروض المسرحية التي يشرف عليها وليد أبو راشد في ريف إدلب، فما يثير الانتباه في تجربة أبو راشد أنه شاب غير أكاديمي، وقد رهن جل وقته ومستقبله، لرسم البسمة على شفاه الأطفال، الفارين مع ذويهم، من براميل الأسد، من خلال تجارب مسرحية، تعتمد على الدمى وخيال الظل. وقد حصل أبو راشد على جائزة أفضل ممثل مسرحي على مستوى إدلب وريفها في عام 2011 قبل انطلاق الثورة بأشهر قليلة، وكان يراوده حلم الدخول إلى المعهد العالي للفنون المسرحية، غير أن أحداث الثورة السورية شغلته عن كل طموحاته، ليتفرغ للعمل في فن المسرح الشعبي، كأداة تحاول التخفيف من وطأة القتل والدمار.          انضم أبو راشد في عام 2013 لفرقة "الماجك كرفان مع الأطفال" واستمر يعمل مع هذه الفرقة لغاية 2018 حيث أسس بعدها مسرح العرائس الخاص به، ومن حينه بدأ يقدم عروض خيال الظل، والدمى المتحركة، وقد عنون تجربته بـ"مسرح تلفزيون الحارة" حسب رغبة الأطفال الذين كانوا يحضرون عروضه، هذه العروض التي كانت بمثابة يد حنونة تسعى لمداواة جراح وآلام الأطفال التي أحدثتها آلة الخراب والدمار في نفوسهم وأجسادهم، عساها تحررهم، ولو لساعات قليلة، من بؤس الحصار والجوع، ومن رعب القصف والدمار، حاملاً معه لوحاً خشبياً وقطعة قماشية، وضوءاً يعمل على بطارية شحن، وشخصيات "كراكوز وعيواظ" مع هدايا متواضعة للأطفال، يطوف بها في ريف إدلب وحماه واللاذقية، وينتقل بين المخيمات الواقعة على الحدود السورية التركية، ومخيم الأناضول في "كفر لوسين" حيث أقام عدة ورشات وجلسات حوارية مع الأطفال، تناول فيها أحلامهم، وحولها إلى عرض خيال الظل في ريف إدلب، وكفرنبودة بريف حماه، قبل دخول شبيحة الأسد إلى هناك. وقد اختارت صحيفة نيوزويك صورة لواحدة من تجاربه المسرحية التي تقام في العراء في اليوم العالمي للمسرح في 27/3/2019.
وفيما يخص الكتب الصادرة في هذا العام، تعرفت على تجارب روائية لشابات وشباب سوريين، بعضهم يخوض مضمار العمل الروائي ربما للمرة الأولى، وكانت معظمها تجارب متميزة، وتستحق التأمل، من ضمنها رواية "ساعة في ضوء النهار" لمضر عدس، و"أعياد الشتاء" لنغم حيدر، و" كوابيس مستعملة" لعبد الله القصير، ورواية" زجاج مطحون" لإسلام أبو شكير وغيرها الكثير.

شريف صالح (قاص وصحافي مصري، الكويت): أدب الطفل والناشئة

إن فكرة "الحصاد" أصبحت شأناً ذاتياً؛ فمن الصعب أن أتخيل نفسي قيماً على بستان الإبداع العربي كله، فأعرف أروع زهور وأخبث النباتات لهذا العام، طالما أن كم ما يكتب ويترجم يفوق احتمال أي منا على الملاحقة وإبداء الرأي. فمن الحماقة أن أدعي بأن تلك الرواية العربية كانت الأفضل، أو بأن تلك المجموعة الشعرية كانت الأروع.
سأتكلم عن ظواهر استوقفتني، وأبدأ بالإيجابي، وأهمها ترشح مجموعتي "مدن تأكل نفسها" للقائمة القصيرة لجائزة الملتقى للقصة العربية القصيرة، بصحبة كتاب مبدعين مهمين. وأعتقد أن مجموعة المبدعة العزيزة شيخة حليوى "الطلبيةC345 " التي فازت بالجائزة هي من أفضل نتاجات القصة العربية لهذا العام. وتتمتع بذلك الوعي الحاد والماكر بماهية القصة القصيرة، والبعيد عن مناطق الكتابة النسوية المعتادة.
أيضاً كنتُ محظوظاً في حصادي الذي يعنيني قبل أي أحد، بأن تعيد مكتبة الأسرة في مصر طباعة روايتي الأولى للناشئة "سوشانا والحذاء الطائر" بطبعة ثانية، وفي الوقت نفسه يرشح مخطوط روايتي الثانية للناشئة "سرقة مخ أذكى رجل في العالم" للقائمة القصيرة لجائزة شومان لأدب الطفل.
لكن للأسف أدب الطفل والناشئة قلما يحظى بانتباه أحد في أي حصاد ثقافي!
كما سأختار كتاب إيمان مرسال الجديد "في أثر عنايات الزيات" بوصفه أحد كتب العام، وإن لم أطلع عليه بعد للثقة في أن كتابا جديدا لشاعرة بقيمة إيمان سيكون إضافة مهمة. إلى جانب طبيعة الكتاب المتجاوزة لصرامة النوع، فهو سيرة وتوثيق ونص وشعر، يستلهم روح كاتبة شابة انتحرت قبل عقود وطواها النسيان.
ولأن الثقافة ـ بالنسبة لي ـ لا تقتصر على الأدب، سأسمح لنفسي باختيار أهم إصدارين سينمائيين في مشاهداتي لهذا العام، وهما الفيلم الأميركي ـ السويدي "منتصف الصيف" للمخرج آري آستر، والفيلم الإسباني "ألم ومجد" للعظيم بيدرو ألمودفار.
أما ما أعتبره جوانب سلبية، فأبرزها المزيد من التهميش للرواية المصرية في جائزة البوكر هذا العام. وهو ترسيخ لتوجه دأب على استبعاد نصوص مصرية بها جرأة وتجريب، لمصلحة نصوص قليلة تُرشح كي لا تفوز. لا أدعي أن ثمة مؤامرة على الرواية المصرية التي أراها بخير ولا غبار عليها، لكن من الواضح أن ثمة توجيهات مضمرة، قد تكون نتيجة هيمنة دور نشر معينة على مسار الجائزة كل عام، ما جعل لعبة القائمة الطويلة والقصيرة تفقد بريقها، وتفقد شغفنا بها، وباتت أسماء دور النشر التي ستظهر فيها محسومة، بغض النظر عن جودة الروايات.
وهذا لا ينسيني الخطيئة واللغط اللذين صاحبا منح الجائزة هذا العام لرواية "بريد الليل" للكاتبة هدى بركات.
ثمة جانب آخر تمثل في وفيات مبدعين ومفكرين عرب كان لهم تأثير شخصي عليّ، وأستذكر منهم المترجم صالح علماني، والمفكر محمد شحرور. ومن الفنانين أسماء مثل محسنة توفيق وعزت أبو عوف ومحمود الجندي.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.