}

ليس هكذا يُسرق الشعر!

حمزة قناوي 14 مارس 2020
هنا/الآن ليس هكذا يُسرق الشعر!
قناوي.. النصوص باقية لمبدعها لا لسارقها، وطريق الحق طويل
كنت في باريس أستعد للعودة إلى دبي، حين وصلتني رسالةٌ من شاعرةٍ تونسيةٍ معروفة، أخبرتني فيها أنها قرأت قصيدةً لي، تعرفها جيداً، على صفحة "شاعرة" أخرى تنسبها لنفسِها، هي قصيدة "حين فقدتكِ". كانت صدمتي كبيرة، فالقصيدة، عوضاً عن أنها منشورةٌ في ديواني الأول "الأسئلة العطشى"، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2001، برقم إيداعٍ دولي (5-8193-01-977) موجودةٌ أيضاً على موقع "يوتيوب" بإلقاء المبدع المصري حمزة الأغا، وشاهَدَها أكثرُ من خمسة آلاف مشاهد، وحصدت عشرات التعليقات. فكيف يمكن أن تُسرَق قصيدةٌ شاعرٍ هكذا في وضح النهار، بينما هي "منشورةٌ ومسموعةٌ ومقروءة ومُسجَّلة باسمه" منذ عشرين عاماً؟!

كانت صدمتي كبيرة- وإحباطي أيضاً- ولكني شكرت الشاعرة الصديقة التي أخبرتني بالأمر، وأكدت لي أن من اكتشف أمرَ السرقة أستاذٌ للفلسفةِ والآداب في الجامعة اللبنانية، وأنه يبحث عني ليستقصي الأمر. لم أتردد في مطالعة صفحة هذه "الشاعرة" المزعومة" على الفور، والتي لم أسمع بها من قبل، واسمُها "رامونا يحيى"، لأكتشف أنني أمامَ "جريمةٍ أدبيةٍ هائلِةَ"، فالسيدة رامونا، سرقت نحو خمسٍ وعشرينَ قصيدةً لي ونشرتها جميعاً باسمها في صحفٍ ومجلات محدودة لم أسمع بها من قبل!! إضافةً إلى صفحتها على فيسبوك، والتي امتلأت بنصوصي (المسروقة) وبإعجابات أصدقائِها الذين يُثنون على موهبتها الاستثنائية ويطالبونها بسرعةِ إصدار ديوانها "الذي تشتغل على تجميعه من قصائدي وتنوي إصداره تحت اسم "كلمات"! (ربما هذه التسمية كانت مثار الابتسامة المريرة الوحيدة في القصة كلها، فـ "الشاعرة" لديها من تفكُّكِ الرؤية وعدم القدرة على حبك وإحكام عنوانٍ متسقٍ مع جوهر القصائد التي سرقتها، لم تجد لها عنواناً أكثر ثراءً من مجرد الإشارة إلى جنسها النوعي: كلمات)! لم تحبطني السرقة فقط.. إنما أحبطتني الركاكة أيضاً!
أرسلت لها رسالةً هادئة، قائلاً" بموضوعية: "إن من يسرق الشعر يا سيدتي عليه أن يُنوِّعَ مصادره، لا أن يتعقّبَ قصائدَ شاعرٍ بعينه قصيدةً قصيدة لينسبها لنفسه"، فكان ردها الفوري أن أغلقت صفحتها سريعاً وحذفت كل ما طالته يداها من قصائدي- مع تعليقات معجبيها "وهم أبرياء ولا أدينهم.. فهم لا يعرفون شيئاً سوى الإشادة بنصٍ جميلٍ لا يعرفون أنه مسروق"-  واختفت من فضاء الفيسبوك إلى الأبد، هاربةً بكل ما يحمل اسمها مع تقاطعٍ مع قصائدي، وإن بقيت القصائد المنشورة في الصحف التي أدرجت "سرقاتها" موجودةً كما هي في هذا الفضاء الأزرق، مشهرةً كجريمةٍ لن تسقط بالتقادم..

ما أشعرني بالحيرة والدهشة أيضاً هو السادة رؤساء ومديرو التحرير الذين نشروا للسيدة رامونا يحيى.. كيفَ اختَرقَت صُحُفُهم وصفحات مجلاتهم بنصوصٍ مسروقةٍ دون أن يُفكّر أيٌ منهم في التأكد من صحة نسب النص الذي أرسل إليه (عوضاً عن أن يكون منشوراً من قبل أم لا، فقد أصبح هذا ترفاً على ما يبدو..) ألم يفكر أيٌ منهم في وضع قصيدة واحدةٍ مرسلة على محرك البحث (جوجل) ليطالع القصائد كلها منشورةً في موقع (أدب) وفي موقع (يوتيوب) وفي مواقع المجلات الثقافية العربية الذائعة وصفحات الأدب في الصحف الوازنة الكبيرة، باسم مؤلفها الحقيقي؟
هل صارت السرقات الأدبية سهلةً ومتاحةً إلى هذا الحد ويُشتغل عليها لتَذيعَ وتنتشر في الصحف أيضاً؟ وأين شرف الكلمة؟ وهل صارت مستباحةً إلى هذا الحد لمن لا يعرفون قدسيتها؟

قصيدة "أغنية الليل" للشاعر قناوي والنسخة المسروقة 


















وما وظيفة سكرتير التحرير إذاً، حين يمرر القصائد المسروقة واحدةً تلو الأخرى في جريدته ومجلته، دون تمحيصٍ ولا تدقيقٍ أو تأكد؟ وأين رئيس التحرير، وما مهمتُه؟
هذه بعضُ القصائِد التي سرقتها السيدة رامونا يحيى من دواويني العشرة الصادرة عن دورِ نشرٍ معروفةٍ وجهاتٍ حكوميةٍ وخاصة في مصر والإمارات ولبنان، أضعها أمام القراء إثباتاً لحقٍ انتُهِك في وضحِ النهار: قصيدة (في تيهِ الفردوس الضائع)، المنشورة في ديواني (أكذوبة السعادة المغادرة) سلسلة كتابات جديدة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، عام 2003، قصيدة (الوقت ليس بوقتنا)، المنشورة في ديواني الأول السابق الإشارة إليه (الأسئلة العطشى)، والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، والذي سرقت منه أيضاً قصائد (نهر الذكرى)، (غداً ربما تعلمين)، (موعدٌ في الظلام)، كما سطت على قصائد كثيرةٍ من ديواني الثالث (أغنيات الخريف الأخيرة)، الصادر عن دار (ميريت) بالقاهرة، في عام 2004، برقم إيداعٍ دولي، وأبرزها قصيدة (فلتعذري الغياب) الموجودة على موقع "يوتيوب" ومسجلة صوتياً وشاهدها واستمع لها أكثر من أحد عشر  ألف متابع!! وقصيدة "مرايا السنين"، وقصيدة (العيون).. و(في ليالي الحصار) أما ديواني السابع (في موعد الغيوم)، الصادر عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة عام 2012 برقم إيداع دولي (4- 850—04-9948) فلم يسلم بدورهِ من سَرِقَات السيدة رامونا، التي نشرت منه قصائد باسمها، هذه بعضها: (الحزن)، (أنشودة الفرح)، (وجهها والطريق)، (الصمت والعيون)، مرايا السنين)، (في تيه الفردوس الضائع)، (الليل والطريق)، (الوقتُ ليس بوقتنا)، (أقبلي كالنهار)، (موعد مع الصمت)، (قلبان وليلٌ من أحلام)، (لوّحي للنهار)، (نهر الذكرى)، (فلتعذري الغياب)، (كل ما لزم الرحيل).. وغيرها.

سرقاتٌ سرقاتٌ سرقات..
ما أدهشني أيضاً أن تقوم السيدة المذكورة بنشر هذه القصائد (بأخطائها المطبعية)، و(بالتشكيل)، وكما هي، قصٌ ولصق، دون أن تغير أي شيءٍ منها سوى العناوين التي حوّلتها من صيغة المنادى المؤنث إلى المنادى المُذكر ليبدو طبيعياً أن من كَتَبَ هذه القصائد امرأة!!
بينما أنا غارقٌ في ذهول هذه الصدمة المباغتة، أشارَ عليّ أصدقاءٌ لبنانيون كُتّابٌ وشعراء أن الحل الوحيد لمواجهة هذه "الكارثة اللاأخلاقية" التي تعرضت لها، أن أرفع دعوى أمام القضاء اللبناني لإثبات حقي في الملكية الفكرية وهو مصونٌ ومثبتٌ بصدور أعمالي المسروقة منذ وقتٍ طويلٍ في متونِ كتبٍ صادرةٍ بأرقام إيداع، وفي مجلاتٍ ثقافيةٍ ذائعةٍ وصحفٍ شهيرةٍ مثل (العربي الكويتي)، و(الرافد) و(دبي الثقافية)، و(بيت الشعر) و(الآداب)، و(القاهرة) (والقدس العربي) و(الأهرام)، و(الأخبار) و(الهلال) وغيرها.. وأن المسألة محسومة بشكلٍ بات لصالح الحق.. فقررت العمل برأيهم..

الديوان الأول للشاعر حمزة قناوي "الأسئلة العطشى"، صادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2001، برقم إيداعٍ دولي (5-8193-01-977)


















لكنني أحببتُ أن أطرحَ سؤالاً أخلاقياً على السادة القراء، ولعل السيدة رامونا- التي اختفت تماماً دون أن تنبس ببنة شفة أو تنطق بكلمة أمام مواجهتي لها بالسرقة- تقرأه الآن أيضاً:
هل يُدرك من يسرق نصاً لكاتب حجم الجريمة الأخلاقية التي يرتكبها وهو ينسب "روحاً حيةً" لنفسه بصورةٍ غير شرعية؟ وهل يعي هذا السارق مدى المكابدة التي يعانيها شاعرٌ يوقف حياته وعالمه على كتابة قصيدةٍ قد يعتزل الحياة والاختلاط بالناس ومدافعة ظروف الأيام، فقط من أجل كتابة هذه القصيدة باعتبارها هدفاً مقدساً لحياته؟ بينما يأخذها السارق ليكتبها على اسمه بجرة قلم، بل ويجد من ينشرها له ومن يصفق لسرقاته؟
وهل مطلوبٌ من الشاعر أن يقرأ كل الصحف والمطبوعات والمجلات ومواقع الإنترنت يومياً ليتأكد من أن نصوصه لم تُسرق وأنها في أمانٍ باسمه؟
هل هذا هو أقصى عملٍ أخلاقيٍّ استطاعت السيدة رامونا يحيى أن تقوم بهِ – أن تسطو على كتابات الآخرين- بدلاً من أن تنخرط في ثورة بلدها على الفساد وشعبها الذي يواجه فساد وسرقة النخب السياسية الحاكمة، فقررت أن تكون جزءاً آخر من فسادٍ ثقافيٍّ مستشرٍ في الوسط الثقافي بسرقة أعمالٍ منشورةٍ لشاعرٍ لم يتوقف عن الكتابة منذ اثنين وعشرين عاماً؟
أقول للسيدة رامونا، إن ما فعلتِه عارٌ عظيم، وإن النصوص باقيةٌ لمبدعها لا لسارقها، وطريق الحق طويل ولا بديلٌ عن السير فيه لنهايته، وتمنيت لو وجهت جهدك في السرقات إلى محاولة الكتابة، لربما خرج منكِ شيءٌ أفضل مما سرقتِهِ!

*شاعر وأكاديمي مصري مقيم في الخارج

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.