}

أهداف سويف أمام النيابة..طالبت بإنقاذ المساجين من كورونا!

هشام أصلان 19 مارس 2020
هنا/الآن أهداف سويف أمام النيابة..طالبت بإنقاذ المساجين من كورونا!
المحتجات يقفن أمام مجلس الوزراء للمطالبة بالإفراج عن السجناء

"بعد إذن حضرِتك، بعد إذن حضرِتك"، سمعنا صوت أحدهم يقولها بعنف قبل أن ينتهي البث الذي أذاعته الناشطة السياسية المصرية منى سيف، صباح أمس عبر هاتفها، من أمام مقر مجلس الوزراء في قلب القاهرة، لنفهم أن صاحب الصوت العصبي أخذ الهاتف قبل أن تختفي هي وأسرتها ساعات لا يعرف أحد عنهن شيئاً، لتأتي بعدها الأخبار بأنهن غادرن قسم شرطة قصر النيل في اتجاه مقر النيابة. المقبوض عليهن هن منى ووالدتها الدكتورة ليلى سويف وخالتها الروائية المصرية الكبيرة والمعروفة محلياً وعالمياً أهداف سويف. والنسوة الثلاث هن أسرة المدون والناشط المعروف علاء عبد الفتاح، المسجون سياسياً منذ نحو ست سنوات غادر خلالها السجن مرات سريعة قبل عودته، حتى إن الواحد لم يعد يعرف الفروق بين القضايا التي يُسجن بسببها. ما أعرفه فقط، هو أن سجنه الأخير ليس نتيجة حكم قضائي ولكن على ذمة قضية بعدد من التهم السياسية التي بتنا نأخذها بالشبهة. ورافقت أسرة علاء عبد الفتاح المحامية والناشطة رباب المهدي.

الروائية أهداف سويف خالة المعتقل السياسي والمدون والناشط المعروف علاء عبد الفتاح
















هكذا، وببساطة قضت الكاتبة أهداف سويف ورفيقاتها يومهن، أمس، بين قسم الشرطة وسراي النيابة، للتحقيق معهن بعد توجيه عدد من الاتهامات، هي: "التحريض على تنظيم تظاهرة بقصد تعطيل مصالح المواطنين والتأثير على سير المرافق العامة وقطع الطرق والمواصلات، نشر وإذاعة أخبار كاذبة بسوء قصد وتكدير السلم العام وإثارة الفزع بين الناس وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة بأن تواجدت بقارعة الطريق حاملة لافتات يفيد مضمونها بإهمال مكافحة فيروس كورونا في السجون بما يهدد حياة من هم بداخلها، حيازة مُحررات تتضمن إشاعة الأخبار والشائعات".
والحكاية بدأت مع تزايد عدد المصابين بفيروس كورونا في مصر عبر أكثر من بؤرة، ما أصاب المهتمين بقلق كبير على القابعين في السجون، والخوف من عدم توافر مناخ صحي يحول بينهم وبين وصول الفيروس إليهم، الأمر الذي لو حدث ستكون نتيجته كارثية. من هنا بدأ المهتمون بمناشدة السلطة أن تفرج عمن ليس عليهم أحكام قضائية، هؤلاء الذين يقضون فترات طويلة من الحبس الاحتياطي على ذمة قضايا سياسية لا يتم الفصل فيها، امتد بعضها لسنوات، ما يعطي انطباعاً بأن الأمر تحول إلى نوع من العقاب لا التحقيق أو المحاكمة. هذا ما يحدث منذ سنوات، غير أن الأمر أصبح شديد الخطورة فيما يعيشه العالم من رعب، خصوصاً في سياق ظروف كتلك التي نسمع عنها داخل السجون.
وكنا تدريجياً، عبر سنوات ما بعد 2013، نسينا مسائل التظاهر والوقفات الاحتجاجية، أو حتى المجاهرة بإبداء رأي يعكر صفو أحدهم. نعم، استطاعت السُلطة أن تنسينا هذه الأمور، وتجعل ممن يتجرأ عبرة لمن يعتبر، وبينما اعتبرنا وترسخ لدى أغلبنا شعور بلا جدوى المخاطرة.

استيقظنا على البث الذي أذاعته أسرة علاء عبد الفتاح للمحتجات الأربع يقفن أمام مجلس الوزراء يرفعن اللافتات التي تطالب بالإفراج عن السجناء، وتوقعنا أن هذه الوقفة الاحتجاجية من المؤكد أنها لن تمر بسلام، وصحت التوقعات قبل مرور الساعة. في آخر الليل تنفسنا ارتياحاً لقرار النيابة بالإفراج عنهن بكفالة، ما يعني أن هناك قضية مفتوحة، إلا أنهن سيبيتن في المنزل، غير أنه، حتى وقت كتابة هذه السطور، لم يكن القرار قد تم تنفيذه.
وأنت، إذ تنظر لما لدى أسرة علاء عبد الفتاح من صبر وقدرة على التعامل مع حط الدنيا فوق رؤوس أفرادها، والمقاومة في وقت لا يرى لها الكثيرون جدوى، والشجاعة في الإقدام على مواقف مثل هذه فيما نعيش من لحظة مجنونة، ربما تستنتج ما كبر عليه علاء عبد الفتاح وصنع منه اسماً يتفرد بمكان شديد الخصوصية بين شباب النشاط السياسي المصري الذين عرفناهم حول ثورة يناير. هو من قليلين في شوارع الثورة لم أعرفهم بشكل شخصي، غير أنه من المُلهمين الذين صاروا، بالثبات، سبباً في تطوير الوعي تدريجياً، بينما يدفع الثمن سنوات وُلد خلالها ابنه الوحيد، ولم يره خارج السجن إلا ربما أياماً معدودة.

والده، أحمد سيف الإسلام، أحد الآباء الشرعيين لمحامي حقوق الإنسان في مصر، وصاحب المشوار المؤثر في أجيال من الطبقات المتنوعة للنخبة السياسية والثقافية، وواضع السطر اللامع في عدد من قضايا الحريات الثقافية والسياسية. ووالدته الدكتورة ليلى سويف من أعمدة الخيمة المُظللة على رأس شباب العمل السياسي، والتي يحول بأسها دون انهيار كثيرين، وخالته هي الروائية المعروفة أهداف سويف، إحدى أشهر وأهم الكاتبات المصريات منذ سنوات طويلة، وإن كتبت أعمالها بالإنكليزية.
وبشيء من خيال متشائم تدعمه لحظة كئيبة يعيشها الكوكب كاملاً، لا يستطيع المرء منا أن يبعد عن تصوراته ما يمكن أن يحدث إن مرت الكائنات الفيروسية من فوق أسوار السجون فيما نقرأ عن ظروفها غير الآدمية. أفكر أحياناً، وبرغم كل ما نعانيه، فيما يمكن أن تكسبه السُلطة، أو حتى تخسره، لو أنها اتخذت قراراً بالإفراج عن المسجونين السياسيين، هؤلاء الذين لم تعد لديهم أنفاس تساعدهم على إزعاجها. أسأل نفسي قبل الانتباه إلى غرابة فكرتي على معطيات لحظة بائسة، إلى غرابة أن نتعشم في أن ترسل السماء نوراً إلى بصيرة أحدهم، وإن قالت الطبيعة أننا سواسية في زمن الكورونا.

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.