}

ماذا وراء تكاثر البرامج الدينية في زمن كورونا؟

هيفاء بيطار هيفاء بيطار 12 أبريل 2020
هنا/الآن ماذا وراء تكاثر البرامج الدينية في زمن كورونا؟
صلاة البابا فرنسيس بمدينة الفاتيكان أثناء طوارئ فيروس كورونا(Getty)

بداية أحترم كل الأديان وأحترم حق كل إنسان في معتقده، ولا أعترض على أن توجد بعض البرامج الدينية التنويرية التي تساعد الإنسان في تحمل قسوة الواقع ومآسيه. لكن ما استوقفني تكاثر تلك البرامج الدينية (المسيحية خاصة) في القنوات الفضائية اللبنانية بشكل كبير ولا يمكن التغاضي عنه وكل برنامج يستمر لأكثر من ساعة أو ساعتين، إضافة لعرض برامج عبارة عن ندوات حوارية بين رجل دين مسيحي وعدة مؤمنين أو أشخاص يتابعون كلامه بحالة انخطاف. تكاثر البرامج الدينية في زمن كورونا مبطن بأهداف بعيدة كلياً عن جوهر الدين، هي في حقيقة الأمر غايتها خدمة سياسيين فاسدين نهبوا مال الشعب وأذلوه في لقمة عيشه ورغيف خبزه وفي إذلاله على أبواب المصارف بعد أن سرقوا جنى عمره. وتتصف هذه البرامج الدينية، المتكاثرة كبذور البقلة في القنوات اللبنانية خاصة وعن الطوائف المسيحية خاصة (ربما لأن من يملكون هذه القنوات مسيحيون)، بما يلي:
أولاً: ترسيخ شعور الإثم والخطيئة لدى المؤمن (أو الذي يصغي لهذه البرامج) وبأن رب العالمين يعاقب البشرية على عصيانها لتعاليمه وخطاياها بما ينزله فيها من أوبئة وأمراض. وبأن الإنسان خاطئ منذ ولادته (الخطيئة الأصلية).

وبأن من واجبه التمرغ في الندم واستغفار الله على خطاياه، ويولد هذا الخطاب الديني شعوراً مازوشياً لدى المؤمنين (أو لمن يصغون لهذه البرامج) فيقعون ضحية تعذيب نفوسهم وجلد الذات باستمرار. وفي برنامج بعنوان (سلم على السما) يستفيض رجل الدين المسيحي في شرح الحكمة الإلهية في خلق الإنسان ناقصاً!!! كي يزيد في تقزيم الإنسان لنفسه ومسخ كرامته الإنسانية واعتزازه بنفسه.

ثانياً: هذه البرامج الدينية لا تشير على الإطلاق إلى طبقة الفاسدين والظلم الاجتماعي!!! فكل الناس متساوون أمام رجل الدين والطبقة السياسية الفاسدة مالكة المليارات والتي (قبل كورونا) ثار الشعب اللبناني ضدها ثورته ضد الطائفية والفساد والعبارة الرائعة (كلن يعني كلن). الخطاب الديني في هذه البرامج الدينية يساوي الظالم بالمظلوم، يضعهم جميعاً في سلة واحدة هي الإنسان الخاطئ الذي خلقه الله. تجرأ أحد الحاضرين وسأل بتردد رجل الدين: لماذا الله لا يعاقب الظالمين؟ فأجابه رجل الدين: بأن الله يمهل ولا يهمل، وبأن من الحكمة الإلهية أن يسمح أحياناً للأشرار أن يفحشوا في شرورهم لكن العقاب الإلهي قادم لا محالة، وإن لم يكن في شخصهم ففي شخوص أولادهم (أي أولاد الأشرار!!) فأي منطق هذا أن يُعاقب الله ابن الشرير والظالم!! وما ذنب هؤلاء الأبناء. أي تضليل خطير للعقل والمنطق، والإنسان حيوان عاقل، والإنسان سؤال كما قال أحد الفلاسفة. رجال الدين هؤلاء الذين يصرفون اهتمام الناس بظروفهم المعيشية ويخدرون عقولهم كي يتناسوا فساد الطبقة السياسية وتكون علاقتهم مع الله وحده هم خدم لتلك السلطة السياسية التي هي ذاتها تمول تلك البرامج والتي يكلف تمويلها الملايين وكلها من أموال الشعب المسكين الجائع العاجز عن دفع أقساط المدرسة لأولاده وعاجز عن علاجهم في المشافي والعاطل عن العمل، وهؤلاء الضحايا بدل أن يتعاطف معهم رجل الدين يرسخ عندهم الإحساس أنهم خطأة ويستحقون العقاب الإلهي وعليهم أن يتوبوا وبأن فيروس كورونا عقوبة من الله تصيب الأغنياء والفقراء (كما لو أن العدالة الإلهية تحققت بإصابة الأغنياء والفقراء) لكن ينسى صاحب الغبطة أن الغني لما يمرض بكورونا تُسخر له كل التجهيزات الطبية والمنفسة وغرف العزل المترفة وغيرها، أما الفقير الذي يعيش في خيمة فحين تصيبه كورونا يترك لمصيره غالباً ولن يحصل على العناية الطبية التي يحصل عليها الأغنياء.

ومع احترامي وتقديري للسيدة فيروز ومناجاتها لله قائلة: يا الله لماذا أنت بعيد، والتي نقلت كل القنوات اللبنانية (وغير اللبنانية) صلاتها عشرات المرات، والتي ختمت كلامها قائلة: ما إلنا غيرك يا الله. كل التقدير لشخص فنانة لبنان العظيمة فيروز لكن الإنسان اللبناني موجوع ومظلوم ومنهوب ومُروع من حكم الفاسدين وعليه ألا يتوقف عن ثورته عليهم لأن الله حق، ولأن الحق يحرر الإنسان. ولأن جوهر الدين المسيحي ليس كما يحاول معظم رجال الدين ترسيخ تلك الآية: من ضربك على خدك الأيمن فحول له الأيسر. ليس هذا هو المسيح الحقيقي، بل هو الذي رفع السوط على الفريسيين (وهم فئة من المسيحيين يطبقون الشريعة من صلاة وصوم لكن قلوبهم متحجرة وهم حاقدون ومتكبرون).. المسيح الثائر رفع السوط على الفريسيين في الهيكل، لأن جوهر أي دين هو ثورة ضد الفساد. لكن هذا التعتيم المقصود على الجانب الثوري وصوت الحق لدى المسيح مقصود تماماً لأن ثمة تواطؤ بين رجال الدين والسلطة الفاسدة (طبعاً مع استثناءات نادرة).
أصبحت هذه البرامج الدينية المتكاثرة بشكل كبير في زمن كورونا خطر على كرامة الإنسان، ويكمن خطرها الأعظم في أنها تعميه عن محاسبة الفاسد والظالم وتقويض ثورتهم ضد حكم الفاسد (كلن يعني كلن) لأنه لا ملاذ للإنسان سوى الله وهو الذي يعاقب، وهو الذي سينصف المظلومين والفقراء وهو من سيختار التوقيت المناسب.

انعطب منطق الكثير من الناس للأسف حتى الحاصلين على أعلى الشهادات الجامعية، لدرجة أنهم لا يعون التناقض حين يقول رجل الدين مستشهداً بآية في الإنجيل: لا تسقط شعرة من رؤوسكم إلا بعلمه (أي بعلم الله) أي أن الله عارف تماما كل ما سنمر به وينتظرنا. وبعد دقائق يقول صاحب الغبطة (المطران) الله خلقنا أحراراً تماماً لذا لا يتدخل في خياراتنا وقراراتنا!!! ألا يرى سيادته هذا التناقض بين (لا تسقط شعرة من رؤوسكم إلا بإذنه وبين أن الله خلقنا أحراراً تماماً نحن نحدد مصيرنا). مسكين الإنسان كيف وقع ضحية (الوجهين لعملة واحدة، رجال الدين والطبقة السياسية الفاسدة) فأصبح يتأمل بعدالة السماء وأهينت روحه بترسيخ شعوره بالخطيئة والإثم، حتى أن الهزة الأرضية الخفيفة التي حصلت في اللاذقية وامتدت إلى مناطق أخرى اعتبرها الكثيرون من خلال كتاباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي تنبيهاً من الله على خطايانا.

وثمة برامج لا تُعد ولا تُحصى عن عجائب القديس شربل، لدرجة أنني سميت القناة (تلفزيون القديس شربل). ما أريد قوله ولأنني أتابع بجدية ومصداقية وبسبب الحجر المنزلي القنوات الفضائية، إن هذه البرامج الدينية المسيحية التي هي أفيون للشعب اللبناني يمولها السياسيون بملياراتهم التي نهبوها من الشعب اللبناني. وثمة برامج دينية تستضيف رجال دين مسلمين وبرامجهم تماثل البرامج الدينية المسيحية في تخدير العقول (طبعاً هناك استثناءات قليلة) لكن لا مجال للتحدث عنها الآن. خسارة أن يستغل السياسيون وحلفاؤهم رجال الدين المسيحيون مرض كورونا ليحرفوا ثورة الشعوب ضد الفساد وطبقة ناهبي المال العام، ويصير عنوان الإعلام اللبناني: سلم على السما!

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.