}

الكتابة بين التجريب والتخريب وسؤال الحداثة (2)

أوس يعقوب 30 أبريل 2020
هنا/الآن الكتابة بين التجريب والتخريب وسؤال الحداثة (2)
أفروديت آلهة الحب والجمال اليونانية
أسماء كثيرة من الأديبات والأدباء العرب، ممن اقتحموا عوالم التجريب، تعيش نوعاً من القلق الإبداعي، يظهر في سعيهم لتجريب أساليب وأشكال مختلفة من الكتابة الشعريّة والسرديّة، واجتراحٍ الجديد على مستويات عدّة.
إنه تجريبٌ يرونه لا من باب التمرد على الأشكال الكلاسيكيّة، بل بدافع التجديد، رغم يقينهم بوجود ميراث كلاسيكي ضخم، وافر السطوة ويُنظر له بتبجيل بالغ، لكنّه التجريب، هذا المخاض الصعب الذي ارتبط تاريخياً بتحوّلات البنيّة المعرفيّة والجماليّة في سياق نسق الثقافة الغربيّة ومركزيّتها بخطاب الحداثة، وما يحمله هذا الخطاب من حمولات تاريخيّة وفلسفيّة وحضاريّة.
نسعى في هذا الملف للوقوف على ملامح التغيّرات التي يشهدها أدبنا العربي، وحدود المنجز التجريبي في الرواية والقصة والشعر حتّى يومنا هذا، والخوض في التحدّيات الكبرى التي تواجه كل محاولات الخروج على النمط السائد في الشعر والسرد العربي المعاصرين.

وقد توجهنا إلى عددٍ من الكتّاب والكاتبات من شعراء وروائيّين وقاصّين ونقّاد بالأسئلة التالية: مع ظهور الأجناس الأدبيّة الجديدة هل أنتم/نّ مع التجريب والحداثة في الأدب؟ وما هو الحدّ الفاصل بين التجريب والتخريب الأدبي برأيكم/نّ؟ وهل ترون أنّ النقّاد تجاهلوا التجارب الكتابيّة الأدبيّة الحديثة؟
هنا الجزء الثاني:

من اليمين : حامد، بكاري، شمس الدين، العتيق، باي، الشيمي
















أنور حامد (روائيّ من فلسطين مقيم في لندن): اختيار الشكل حقٌّ من حقوق المبدع

التجريب في الشكل والمضمون الإبداعي سمة حتميّة، أنتجت ما نراه من تعدّدية.
في البداية كانت هناك مقاومة للخروج عن السائد شكلاً ومضموناً، والمقاومة على أشدّها حتّى الآن في العالم العربي، حيث الوسط بشقيه (القارئ والناقد) شديد المحافظة، بالرغم من ادّعاء العكس، ويقاوم ما يرى فيه كسراً للنمط الذي اعتاده، والمحتوى الذي تجيزه حدود تسامحه. وربّما يساهم في تعقيد الوضع في العالم العربي غياب نظريّة أدب عربيّة، فالنقد فقير في أدواته النظريّة، يتعكز على خليط عجيب من بعض عناصر نظريّة الأدب الماركسية مع شذرات من نظريّات غربيّة من هنا وهناك، دون أدنى انسجام نظري.
ويزيد الطين بِلّة قلّة النقّاد المؤهلين لتناول الأعمال الإبداعيّة وفوضى النشر الذي يتيح لكل من توسم في نفسه الكفاءة أن يصول ويجول في الأعمال الإبداعيّة، غزلاً أو تقريظاً مجانياً غير مستند على أسس نظريّة متينة.

التجريب في الشكل والمضمون الإبداعي سمة حتميّة، أنتجت ما نراه من تعدّدية

















‎مفهومي الشخصي للنقد هو أن يكون منفتحاً على الإبداع ضمن شروط تضبط الأمور كما يجب، وهذه معادلة قد تبدو متناقضة، وسأحاول توضيحها. ‎ليس مطلوباً من الناقد أن يحاول حصر الأعمال الإبداعيّة في قوالب، لا من حيث الشكل ولا المضمون، لكن عليه محاكمة العمل ضمن قوانينه الداخليّة وشروطه الخاصّة. للمبدع الحقّ في صياغة قوانينه، والمحك النقدي يكون مؤسّساً على مدى تماسك العمل ضمن قوانينه الداخليّة. ‎وهناك ناحية أخرى أود التأكيد عليها، وهي تسبب إشكاليّات نقديّة للكثيرين: ليست للأشكال الحداثية أفضلية في القيمة على الأشكال الكلاسيكيّة.

معايير الجودة لا علاقة لها بمدى حداثة الشكل التعبيري: قد نجد عملاً إبداعياً كلاسيكي البنيّة واللغة ويتفوق في مستواه الفني على عمل يبدو حداثياً مغرقاً في التجريب لكنّه عديم التماسك، هش البنيّة، ضعيف اللغة، غير مقنع.
‎إذن اختيار الشكل هو حقٌّ من حقوق المبدع، ولا يضيف أو ينتقص من القيمة الإبداعيّة للعمل، وعلى الناقد أن يحاكمه كبنيّة لها قوانينها الداخليّة، فإمّا أن تكون البنيّة متماسكة ضمن قوانينها أو هشة.
ليس من المفروض إقحام قوانين خارجيّة على العمل، سواء قوانين نقديّة أو اعتبارات سياسيّة أو أخلاقيّة بمعنى، وسأختم هذه المداخلة بمثال استفزازي: لا يمكن القول إنّ عملاً أدبياً "سيء" لأنّه إباحي، مطبع، ملحد، فيه شخصيات إسرائيلية، فيه شخصيات لا أخلاقيّة... إلخ.
من حقّ القارئ والناقد أن يتّخذ موقفاً فكريّاً، سياسيّاً من المحتوى الفكري/السياسي للعمل، تتماهى مع موقعه، لكنّ هذا لا يعكس القيمة الأدبيّة/الفنيّة لذلك العمل.

 

منى الشيمي (روائيّة من مصر): الفكرة تخلق لغتها الخاصّة

صبري موسى لايزال أستاذ التجريب على الرغم من رحيله عن الحياة  

















لأنّي روائيّة سأخص الرواية بحديثي وإجاباتي، أظن في البداية تماماً، لم يكن هناك جنس أدبي يسمى رواية. ممَّ انحدر وتطوّر إذاً؟ ربّما من كتابة المذكرات أو اليوميّات، أو من رواة الأخبار! ربّما من جلسات النميمة الحميميّة خاصّة بين النساء! من دون تطوّر أصول الأجناس الأدبيّة ما كان للرواية نفسها أن تظهر، لهذا فانبثاق جنس آخر منها، أو تطوّر تقنيّاتها السابقة، تجريب لا بدَّ منه، وبالطبع الحكم على التجريب هنا مرتبط بالجودة وتكامل الشكل الجديد المنبثق.

التجريب الواعي من شأنه كسر ملل الأشكال السابقة. لقد بدأت كتابة الرواية من دون معرفة بقواعد الرواية التي أجتهد النقّاد والباحثون في وضعها! لم أهتم كثيراً بوضع نموذج سابق لرواية شهيرة مثلاً! ما حدث أنّني فاجأت القراء بكتابة مختلفة، بالطبع لم أكن أقصد ذلك بالمرَّة، لكنّني كنت أضع الحصان أمام العربة، في ظنّي أيضاً أنّ الفكرة التي نحن بصدد الكتابة عنها تخلق لغتها الخاصّة مثلما تخلق مجالاً يلائمها للتجريب.
بخصوص النقد والأعمال الحديثة. الحركة النقديّة أقل من أن تواكب كافة المكتوب. لم يتلفَّت النقّاد لأعمال نجيب محفوظ بالكثرة التي أولوها لأعماله بعد أن تناولتها السينما، وبالطبع ازدادت بعد حصوله على نوبل.
صبري موسى لايزال أستاذ التجريب على الرغم من رحيله عن الحياة، لهذا من الصعب الحكم الآن على الحديث من الأعمال.
نحن نكتب في أعمار مهما طالت تظل قصيرة، ربّما يأتي قارئ أو ناقد بعد سنوات. لم أهتم بموضوع النقد هذا!

 

فهد العتيق (قاصّ وروائيّ من السعودية):
الأدب يزدهر كلّما تمرد على القوالب الأدبيّة الجاهزة

في كلّ الأحوال نحن بحاجة أيضاً الى النصوص الأدبيّة المفتوحة الأفق على التجريب وبحاجة الى مراجعات نقديّة موازية لها 

















سؤالٌ مهمٌ ومحرك للمياه الفنيّة والنقديّة الراكدة قليلاً. على المستوى الفني والموضوعي أرى أنّ التجريب والحداثة في الأدب تحرك المياه الموضوعيّة والفنيّة في الكتابة وتعطيها روحاً تجديديّة حين تبتعد بالنصّ قليلاً عن الأنماط التقليديّة المستهلكة وتبحث له عن طرائق فنيّة مميزة وجديدة.
لكن بشكلٍ عامّ لا أرى أنّ هناك حدوداً فاصلة بين التجريب والتخريب، ولا أرى أنّ هناك إمكانية تخريب في الكتابة الأدبيّة. لأنّ الكتابة حقٌّ مشروع للجميع ضمن حقوق حرّية التعبير للجميع.
كل كتابة في كلّ أمة في العالم وفي أيّ مرحلة من مراحلها عادة تكون إصداراتها الأدبيّة السنويّة متعدّدة المستوى بين أدب رفيع وجيد ومتوسط المستوى وضعيف، هذه المستويات موجودة في الرواية والقصة والقصيدة وحتّى في النصوص الحداثيّة التجريبيّة. ومثل هذه النصوص الأدبيّة المتوسطة والضعيفة على سبيل المثال تساعد نقديّاً في إبراز وكشف قيمة ومعنى الأدب الرفيع. وهذه النصوص المتفاوتة المستوى لها علاقة بمستوى موهبة وقدرات ووعي الكاتب وهذه المستويات متفاوتة كما نعلم جميعاً.

الأدب نشاط ثقافي فردي له علاقة بالموهبة والقراءة وتراكم التجارب. وهذا النشاط الأدبي الفردي يستفيد دائماً من تراكم التجارب الأدبيّة في معظم الأمم على مدى عقود وقرون طويلة.
هذا الأدب يزدهر كلّما تمرد على القوالب الأدبيّة الجاهزة وأبدع في أن يخط لنفسه دروبا فنيّة حديثة وموضوعيّة وفكريّة جديدة تستفيد من المنجزات التي سبقته وتتجاوز وتكسر التقاليد الفنيّة السابقة لها.
إذاً فكلّ أدب في العالم وعلى مر العصور تكون فيه حركة تطوّر وتنوّع في اللغة والموضوعات والأفكار والطرائق الفنيّة بما أنّه جهد فردي له علاقة كبيرة بموهبة الكاتب. لكنّ هذه الإصدارات الأدبيّة السنويّة الكبيرة في أيّ بلد أو أمة لا تكفي، لأنّها تحتاج كلّ عام الى مراجعات نقديّة جادة ومثابرة من مختلف وسائل الإعلام الثقافيّة وتسليط الضوء الإعلامي النقدي الثقافي على الأدب الرفيع المتجدد والمختلف ذي القيمة الفنيّة والفكريّة العاليّة وكشف مناطق إبداعه.
في كلّ الأحوال نحن بحاجة أيضاً الى النصوص الأدبيّة المفتوحة الأفق على التجريب وبحاجة الى مراجعات نقديّة موازية لها.
أتذكر بهذا الصدد النصوص الأدبيّة التجريبيّة التي نشرها الكاتب الكبير الراحل إبراهيم أصلان في كتابيه: «شيء من هذا القبيل» و«خلوة الغلبان»، والكاتب الإسباني خوان خوسيه مياس في مجموعته القصصية «الأشياء تنادينا».

كانت كتابة تجريبيّة وحديثة ومتقدّمة وعابرة لنوعيّة الأجناس الأدبيّة ويمكن اعتبارها مقالات قصصيّة حديثة على طريقة التخييل الذاتي. وقد كان لي تجربة كتابة مثل هذه النصوص المفتوحة في كتابي «كمين الجاذبية»، الذي صدر عن المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر في بيروت عام 2007، وكتب عنه الناقد المغربي حميد ركاطة مقالة بعنوان: "قراءة في المجموعة القصصية «كمين الجاذبية»". كما نشر الناقد المصري شعبان يوسف مقالة نقديّة بعنوان: "العتيق يوقعنا في «كمين الجاذبية»". ومقال ثالث للناقد جورج جحا بعنوان: "«كمين الجاذبية».. المهارة في تطريز الأحلام".

 

بسام شمس الدين (روائيّ من اليمن): الصوت الداخلي للنصّ..

 من الممكن ابتكار نصوص تجريبيّة مختلفة خارج سياقات وأطر السرد القصصي


















هناك أعمال كثيرة نقرأها تتصف بالتجريب، تبدو خطوط السرد فيها مقطوعة، بحيث تصبح مثل أكوام متناثرة على طول الرواية، ولا يصلها ببعضها أيّ رباط أو خط سردي إن جاز التعبير. بينما يكون من اللائق أن تجمعها ثيمة أو حبكة سرديّة موحدة، وأظن أنّ بوسع كاتب التجريب أن يضع لكل "كوم" منها عنواناً، لتصبح قصصاً قصيرة، وبما أنّ هذا العالم الواقعي مترابط ببعضه، فإنّ عالم الخيال يتحتم أن يكون كذلك، ما يجعله متقاطعاً بشكلٍ ما بحدث واحد أو عدّة أحداث، وعليه يتم تطبيق أدنى شروط السرد على النصّ الروائيّ.
أظن أنّ ما بوسعنا ككتّاب أن نقوم به للتجريب، هو في الأسلوب، وبما يسمى الصوت الداخلي للنصّ، ونوع الراوي، وبهذا نستطيع أن نختلق أسلوباً مغايراً، أو صوتاً مختلفاً، أو راوياً أو عدّة رواة في النصّ، لكن ليس بمقدورنا التجريب بشكلِ وشروط النصّ السردي، وإخراجه من مساره وتطوّره المألوف.
من الممكن ابتكار نصوص تجريبيّة مختلفة خارج سياقات وأطر السرد القصصي، بحيث يمكن أن تطلق عليها أسماء أخرى غير مسمى رواية، مثل نصّ سردي حرّ أو غير ذلك.



طارق بكاري (روائيّ من المغرب): التجريب وصل إلى الطّريق المسدود

ينبغي أن نعترف بأنّ الرواية العربيّة في حاجة إلى واقعيّة جديدة 

















في البدء تجدر الإشارة إلى أنّ أيّ حديث عن حداثة أدبيّة عربيّة ينطوي على مغالطة حضاريّة كبيرة، فمعلوم أنّ هذا المفهوم وليد الحضارة الأوروبيّة، وقد جاء نتيجة مخاض سوسيوسيّاسي واقتصادي طويل، من الصّعب إسقاطه هكذا دفعةَ واحدة على الحضارة العربيّة. كما أن تبني مفاهيم كالحداثة أو التجريب يفترض وجود كلاسيكيّة روائيّة عربيّة، وهو أمر محط تساؤل وشك فغالباً ما يتم التعامل مع طفولة الرواية العربيّة على أنّها " كلاسيكيّة"، وخوض صراع وهمي دونكيشوتي ضدّها باسم الحداثة والتجريب.

أما الحديث عن أشكال أدبيّة جديدة تفرض نفسها كأجناس أدبيّة، أو تتجاوز مقولة الجنس الأدبي فطامّة كبرى، ابتليت بها الثقافة لأنّها تفتح الباب لكلّ من هب ودب لخوض تجربة الكتابة، كما أنّها تجر خلفها موجة استسهال للكتابة الأدبيّة باسم الشكل الجديد، الحرّية، التجريب، المغامرة... وكل تلك الكلمات البرّاقة التي يخفي البعض فشلهم خلفها.
ينبغي أن نعترف بأنّ الرواية العربيّة في حاجة إلى واقعيّة جديدة، وأنّ التجريب وصل إلى الطّريق المسدود لأنّه انطلق أساساً من سوء فهم لجوهر التجريب وجذوره. إنّ تعامل الكثير من الروائيّين مع الحداثة تمّ بمعزل عن إطارها النّظري الفلسفي وأبعادها الجماليّة وتمّ الاقتصار على مستويات شكليّة مختلفة، فكثير من الروائيّين العرب اعتبروا الحداثة كرديف للهدم المجاني وتقويض لمعمار الرواية أو تلغيم للحبكة أو ميل إلى خلط الأحداث والتّلاعب بينها وصهر البنى الزمانيّة والمكانيّة أو تصميم هندسات جديدة والحال أنّ التجريب أبعد من ذلك بكثير.
على أنّ الكثير من النقّاد احتفوا بالتجريب بل إنّ الكثير من الكتّاب التجريبيّين انتقلوا من حقل النقد إلى الرواية مدجّجين بعتاد نظري حاولوا إلباسه قصراً للرواية.
إنّ الحداثة لا تعني الشكل والمعمار فقط بل هي تمثّل جمالي يستلزم طرح ثيمات جديدة، كما أنّها مختبر للمعارف ويجدر أن تعكس الزخم الرؤيوي في ثقافتنا الخصيبة. 

 

أيمن باي (ناقد أكاديميّ من تونس): أهو بدعة أم ضرورة؟

ظهور الأجناس الأدبيّة الجديدة لا يخضع لجدليّة القبول والرّفض لأنّه حقيقة فرضها الواقع 

















كثيراً ما يقع التعامل مع الأجناس الأدبيّة الجديدة على أنّها عنصر ثقافي هجين ودخيل، وجب استئصاله أو الحدّ منه لحماية موروثنا الأدبي من أيّ تغيير قد يمسّ معياريّته التي تشارف أن تضعه موضع المقدّس، غير أنّ هذا التصوّر يُعدُّ ضرباً من ضروب الوهم وشكلاً من أشكال العبث المعرفي.. فانفتاح الثقافة العربيّة على العالم بفضل عوامل عديدة لعلّ أهمّها الترجمة وبروز جيل جديد من الأدباء له تكوين معرفي كوني، جعل من تطوّر الأدب العربي في سياق تفاعله مع الأدب العالمي أمراً محتوماً، زد على ذلك قلق الذات العربيّة المبدعة من الرّاهن السياسي والاجتماعي، وتِيِهها في الطريق إلى الخلاص جعل منها ذاتاً تحتاج إلى مضامين جديدة وأدوات فنيّة مختلفة لم تعد الأجناس الأدبيّة التقليديّة قادرة على أن توفّرها لهذه الذات المبدعة الحداثيّة التي تفتح ذراعيها، بكلّ شغف، إلى العالم، ومن هنا ظهرت الأجناس الأدبيّة الجديدة من القصة القصيرة جداً والرواية الرقميّة وقصيدة النثر... وصولاً إلى الكتابة الجديدة، مشروع أدونيس الإبداعي الذي يعصف بالحدود الفاصلة بين الأجناس الأدبيّة ويجعل من الكتابة الإبداعيّة نصّاً منفتحاً على الكلّي والمطلق.

إنّ ظهور الأجناس الأدبيّة الجديدة إذاً، لا يخضع لجدليّة القبول والرّفض لأنّه حقيقة فرضها الواقع.
برأيي أنّ كلّ كتابة إبداعيّة تمارس الفعل الأدبي بجهل لطبيعته وتاريخه وخصائصه هي مجرّد تعويض نفسي وممارسة خارجة عن أيّ تجنيس ذلك أنّ التجريب الإبداعي يمارس كخيار فنّي استوجبته الذات المبدعة في حالة ما وليس استسهالاً لجنس أدبي.
إنّ كلّ كتابة إبداعيّة أيضاً، توغل في الغموض حدّ التطرّف أو كتابة تمارس دون وعي أجناسيّ من كاتبها.. هي كتابة سلبيّة لا صلة لها بالتجريب.
يحاول النقد، دائماً، أن يواكب التجارب الأدبيّة الحداثيّة بالقراءة والتفسير والتحليل الأمر الذي يزيد من مشروعيّة هذه الكتابات الجديدة ويدفع بها أكثر نحو البروز والتطوّر والنضج وهو أمر لا يمكن له أن يتعزّز إلّا بتطوّر النقد ذاته واكتساب النقّاد مناهج التحليل الجديدة وأدوات قراءة مختلفة الأمر الذي يزال غير متاح إلّا لقلّة قليلة من نقّاد الكلام عندنا. ومتى كان النقد في حاجة إلى تحديث سيظلّ التجريب الأدبي في الضفة الأخرى، ينتظر نصيبه من الحياة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.