}

موراكامي يغني لليابان تخفيفًا للعزلة

سناء عبد العزيز 19 مايو 2020
هنا/الآن موراكامي يغني لليابان تخفيفًا للعزلة
موراكامي في براغ بعد فوزه بجائزة كافكا(30/10/2006/فرانس برس)

أصعب ما يمر به المرء في ظل البيات الكوروني المفروض عليه بسلطة الخوف، أولًا قبل أن تتوسل به الدول كطوق نجاة، هو ذلك الوهن التدريجي في حواسه كافة، فلا عجب إذن أن تتضاءل قدرته بشكل ملحوظ على العمل والإنجاز، ويركن إلى حالة غير مسبوقة من الإحباط، لعلها الأخطر من بين تداعيات الوضع الكارثي الذي لا نعرف أبعاده، ولا حتى مداه. سيما أن العزلة محكمة الغلق داخل الحوائط مع غلق شامل لأي منفذ ترويحي، خلفت فراغًا يتعذر ملئه في الروح، ونوعًا من الثقل يجرب وطأته للمرة الأولى على عضلة القلب مباشرة. ولكنه الفنان في كل عصر ومكان، من يستطيع أن يستشعر بأمراض القلوب، ويبادر لاستنهاضها، متوليًا دوره في المسؤولية الجماعية، وهو ما قام به كثير من الفنانين بوسائل مختلفة، ومنهم الروائي الياباني الشهير، هاروكي موراكامي.

 

بث مباشر لمدة ساعتين
في محاولة منه لرفع الروح المعنوية لأبناء وطنه، قرر موراكامي، الكاتب المعروف بعزوفه الشديد عن الظهور، أن يحل ضيفًا على برنامج إذاعي خاص، الأسبوع المقبل. وبحسب ما نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، سيقوم موراكامي، الروائي الأكثر مقروئية في جيله، بتشغيل بعض الأغاني التي يفضلها، والإجابة على أسئلة المستمعين لمدة ساعتين، ويتم بثه في

كل أنحاء البلاد في 22 مايو/ أيار الجاري.
هذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها هاروكي موراكومي إلى جمهوره؛ ففي عام 2018، شارك في برنامج إذاعي مخصص للموسيقى، تحدث فيه عن الموسيقى العالمية؛ أكثر المواضيع تداولًا في رواياته. كانت مدة البرنامج ساعة واحدة على قناة "طوكيو إف إم Tokyo FM"، حيث عزف عشاق الموسيقى مجموعة مختارة من بين عشرة آلاف تسجيل في مجموعته، شملت موسيقى الجاز، وموسيقى البوب، التي يستمتع بها عداء الماراثون أثناء ممارسته الرياضة، ومنها Beach Boys، Joey Ramone، Hall، وOates.
كان لظهور موركامي أبلغ الأثر على معجبيه، فالكاتب الذي يفضل البقاء في عزلته، فاجأهم رغم عمره البالغ آنذاك 69 سنة، بصوته الشاب، ما جعل أحد معجبيه يكتب على تويتر "تأثرت للغاية حتى طفرت عيناي بالدموع"، وكتب آخر "هذه هي المرة الأول التي أسمع فيها صوته، يبدو شابًا من نبرته، وهو ما تفاجأت به بالفعل".

 

محاولات للخروج من العزلة
عرف موراكامي بولعه الشديد بالموسيقى الغربية، سيما المعزوفات الأميركية والبريطانية منها. ويحكي في سيرته الذاتية المعنونة بـ"ما أقوله حين أتحدث عن الركض" التي صدرت عام 2007، عن شغفه بالموسيقى في سباقات الركض على وجه الخصوص، فموراكامي عدّاء

ماراثون مولعٌ بالسباق الثلاثي (ترياثلون)، على الرغم من حقيقة أنه لم يبدأ رياضة الركض قبل سن الثالثة والثلاثين. ولكن موراكامي لم يكن يركض إلا على الإيقاع.. وفي البرنامج الإذاعي سالف الذكر، يقر المرشح الدائم لنوبل أن الموسيقى هي التي علمته الكتابة "لم أتعلم أصول السرد إلا بفضل الأنغام والإيقاعات".
لقد كانت هذه البرامج الإذاعية بمثابة دليل على أن المؤلف المتكتم، الذي آثر العزلة، بحاجة لمزيد من التفاعل مع معجبيه. وكانت هذه هي البرامج الأولى التي سمعه فيها العديد من المعجبين يتحدث بصوته. ولعله فعل ذلك بطريقه أخرى من خلال عمود نصائحه تحت عنوان Murakami's Place على موقعه على الويب.
وفي هذا يقول "لقد كانت هوايتي جمع التسجيلات والأقراص المدمجة منذ طفولتي. وبفضل ذلك، تكدست في بيتي مثل هذه الأشياء. ومع ذلك، كان يراودني في كثير من الأحيان شعور بالذنب تجاه العالم أثناء الاستماع إلى هذه الموسيقى المذهلة، وقضاء وقت ممتع بمفردي. كتب أيضًا قبل أول بث له في عام 2018 يقول "اعتقدت أنه قد يكون من الأفضل مشاركة مثل هذه الأوقات الرائعة مع غيري من الناس أثناء الدردشة على كأس من النبيذ، أو فنجان من القهوة".

 

حياة حافلة بالموسيقى
كان أول عمل له في متجر للتسجيلات، وما لبث أن افتتح المقهى المعروف باسم "بيتر كات"، الذي ظل يديره هو وزوجته ما بين عامي 1974، و1981. حتى التاسعة والعشرين من عمره، لم يكن موراكامي إلا شخصًا عاديًا، يتولى إدارة هذا المقهى. وفي أثناء مشاهدته لمباراة بيسبول، في اللحظة التي ضرب فيها هيلتون الكرة، أحس موركامي أن بوسعه أن يكتب رواية، ثمة شعور بالدفء غمره من رأسه حتى أخمص قدميه، وما يزال يحسه في قلبه إلى الآن: "قبل ذلك، لم أكتب أي شيء؛ كنت واحدًا من أولئك الأشخاص العاديين فحسب، أدير نادي لموسيقى الجاز، ولا أبتكر أي شيء على الإطلاق".
عقب انتهاء المباراة، في تلك الليلة، شرع موركامي في كتابة أول عمل له، في جلسات قصيرة

جدًا تبدأ بمجرد انتهائه من يوم عمله في مقهاه. هذه الجلسات القصيرة استمرت على مدى عشرة أشهر، حتى صدرت روايته الأولى عام 1979 تحت عنوان "اصغِ إلى أغنية الريح". ولحسن حظها وحظه، فازت بالجائزة الأولى في المسابقة الأدبية الوحيدة التي تقبل أعمالًا بهذا الطّول.
لكن صيت موراكامي لم ينتشر في أنحاء العالم إلا في عام 1987، بعد نشر روايته "الغابة النرويجية"،  وغيرها من الروايات التي حققت نجاحًا باهرًا، وتصدرت قوائم الأكثر مبيعًا على الصعيدين المحلي والعالمي، وترجمت إلى أكثر من خمسين لغة، وحصدت العديد من الجوائز، منها جائزة عالم الفنتازيا، وجائزة فرانك أوكونور العالمية للقصة القصيرة، وجائزة فرانز كافكا، وجائزة القدس.
ويفسر تميز أعمال موراكامي تأثره بالثقافة الغربية في الأدب والموسيقى، واهتمامه بقراءة فرانز كافكا، وغوستاف فلوبير، وتشارلز ديكنز، وفيودور دوستويفسكي، وجاك كيروك. ربما لأجل السبب نفسه، انتقدت أعماله التي تتسم بالسوداوية والقدرية، لبُعدها عن المنهج الأدبي الياباني. ولكننا نلحظ في معظم رواياته وحشة الانسلاخ الاجتماعي، والشعور المقبض بالوحدة، وغلبة الأحلام.
في تلك الظروف العصيبة، يخرج موراكامي، الكاتب الذي وصفته صحيفة الغارديان البريطانية بأنه "أحد أعظم الروائيين في يومنا هذا"، من عزلته للتخفيف من عزلة العالم قائلًا: "آمل أن تستطيع قوة الموسيقى التخفيف من بعض الكآبة التي ظلت تتراكم بسبب تفشي وباء كورونا". فعلى الرغم أنه من المقرر أن تستمر حالة الطوارئ على مستوى البلاد في اليابان حتى نهاية مايو/ أيار، صرح مسؤولون بأن بعض المناطق قد يكون في وسعها رفع بعض القيود في وقت مبكر هذا الأسبوع، إذا ظلت العدوى تحت السيطرة. وسبب ذلك أن مركز تفشي الأوبئة في اليابان سجل في طوكيو يوم الإثنين 15 حالة جديدة، وهي المرة الأولى منذ 42 يومًا ينخفض فيها المعدل اليومي إلى أقل من 20 حالة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.