}

دور النشر أكبر بيئة معادية للكتاب السود

سناء عبد العزيز 12 يونيو 2020
هنا/الآن دور النشر أكبر بيئة معادية للكتاب السود
إيفارستو (يمين) وإدو لودج تتصدران مبيعات الكتب في بريطانيا(Getty)
أدى مقتل المواطن الأميركي من أصل أفريقي، جورج فلويد، إلى كثير من التداعيات على مستويات عدة، كان منها المأزق التاريخي الذي تمر به دور النشر في ظل الأوضاع الراهنة، حيث أفضت المظاهرات وأعمال الشغب والعنف إلى الإغلاق التام للمكتبات ومنافذ التوزيع، وحذر الناشرون من مغبة ذلك للمرة الثانية، بعد أن سبق ووجهوا نداءً للجمهور منذ شهر تقريبًا لتمويل جماعي تحت رعاية مؤسسة الكتابة المستقلة Spread the Word بسبب جائحة كورونا، لأن دخولهم قد انخفضت إلى الصفر، وبات مستقبلهم في خطر.

مقتل فلويد يحقق قفزة في التبرعات
كان الهدف من المناشدة الأولى جمع مبلغ 100 ألف جنيه استرليني لضمان بقاء صناعة الكتاب، وبالتالي استمرار دور النشر في توفير خدماتها للقراء، الذين وجدوا في عزلتهم في

الكتاب خير رفيق، على أن تذهب 80 في المئة من التبرعات إلى المطابع، والـ20 في المئة المتبقية للناشرين المستقلين الآخرين في المملكة المتحدة. حققت الأسابيع القليلة الأولى من إطلاق حملة جمع التبرعات، ما قيمته 16 ألف جنيه إسترليني، الأمر الذي اختلف تمامًا مع احتجاجات مقتل فلويد، إذ تدفقت التبرعات على نحو غير مسبوق، وجمع الناشرون أكثر من 100 ألف جنيه إسترليني في أقل من أسبوع.
ولكن دور النشر ما لبثت أن عدلت هدفها من 100 ألف جنيه إسترليني إلى 150 ألف جنيه إسترليني، وهو ما حققوه بالفعل، ما جعل دار نشر الأطفال (نايتس أوف) توجه شكرًا للمتبرعين على تويتر: "شعرنا أن تحقيق ذلك مستحيل. ولكنكم جعلتموها ممكنة. نشكركم على تلبية ندائنا.. لم يكن طلب دعم النشر الشامل للأزمة هو الطريقة التي توقعها أي منا في عام 2020".

كيف تحقق أقصى استفادة من موقف ما
صرحت فاليري برانديز، مؤسسة دار نشر جاكاراندا، بأن مطبعتها الصغيرة كانت على شفا الهاوية عندما تعاونت مع دار (نايتس أوف) في حملة لجمع التبرعات. كان لديها خطط لنشر أعمال 20 من الكتاب البريطانيين السود في عام 2020، وهي مهمة "تبخرت على الفور

أمام أعيننا". وتابعت: "كانت الرسالة التي علينا أن نوصلها إلى الناس هي أننا هنا، نعمل بجد لإنشاء هذه المجتمعات وتوفير الفرص للكتاب الممثلين تمثيلًا ناقصًا، ونحن لسنا على ما يرام الآن". وأقرت برانديز بالهوة الشديدة بين تلك المناشدة والأحداث في الولايات المتحدة، قائلة: "من الواضح أنه تم لفت انتباه الناس إلى حقيقة وجودنا بسبب تلك اللحظة، لكنني لا أريد استغلالها بأي شكل، لأنها لا تعني الشيء نفسه. فقد شخص ما حياته، وما يجب أن يحدث لمعالجة ذلك يتجاوز مجرد دفع 10 جنيهات إسترلينية لحملة تمويل جماعي لناشرين في لندن، وأنا ممتنة حقًا لذلك".
غير أن ما يلفت الانتباه في تلك الحملة هو مدى الاستفادة التي تحققت بموت رجل أسود، إذ أعلن المتبرعون أنهم إنما فعلوا ذلك من أجل فلويد، واستشهدوا بحركة "Black Lives Matter". ولكن، وفقًا لتقرير حديث، فإن 5% فقط من المؤلفين الذين ينشرون في المملكة المتحدة هم من الأشخاص الملونين، وأقل من 4% من كتب الأطفال في المملكة المتحدة بطلها ملون، فضلًا عن ظهور هاشتاغ جديد يفضح الأجور المتفاوتة بين الكتاب البيض والملونين.

بيئة معادية للكتاب السود
مع استمرار احتجاجات Black Lives Matter في جميع أنحاء العالم، تحدث العديد من المؤلفين الأكثر مبيعًا ضد عالم النشر الأبيض في الغالب. وانتقدت الروائية الأكثر مبيعًا دوروثي كومسون، بدعم من بعض الكتاب، من بينهم نيي أيكوي باركس، وكورتيا نيولاند، النشر في المملكة المتحدة، باعتبارها "بيئة معادية للمؤلفين السود". كما انتقدت أولئك الذين يعملون في هذه الصناعة لنشرهم "منشورات تثير الشك على وسائل التواصل الاجتماعي".

دوروثي كومسون اتهمت صناعة النشر في بريطانيا بمعاداة الكتَّاب السود (the telegraph)

وفي خطوة جريئة، أطلقت كاتبة الفانتازيا السوداء (إل إل ماكيني) هاشتاغ #Publishingpaidme، الغرض منه أن يشارك المؤلفون ما دُفع لهم مقابل النشر، لتسليط الضوء على مظهر آخر من مظاهر التفرقة العنصرية، ومدى التفاوت بين ما يتقاضاه الكتاب السود والبيض من ناشريهم. بدأ الهاشتاغ بدعوة للمؤلفين البيض للمشاركة مع عديد من الأسماء التي لها وزنها. واستجاب له عدد من الكتاب بالفعل، منهم الكاتب البريطاني، مات هايغ، الذي استهل قوله بأن ذلك "غير مريح على الإطلاق"، قبل أن يكشف عن المبالغ التي حصل عليها مقابل نشر أعماله، إذ تقاضى مبلغ 5000 جنيه إسترليني مقابل كتابه الأول، وظل المبلغ في تصاعد مستمر منذ ذلك الحين، حتى وصل إلى 600 ألف جنيه إسترليني حصل عليها عن كتابه العاشر.
كتبت مالوري بلاكمان، الحائزة على جائزة الأطفال في المملكة المتحدة، ومؤلفة ثلاثية "الأصفار والصلبان"، تقول "لم أتلق في حياتي ما يوازي المبالغ التي يحصل عليها بعض

الكتاب البيض". ولكنها رفضت الإفصاح عن مبالغ بعينها، لأن بنود عقودها الأخيرة تنص على عدم الإفشاء، ولكنها تقول: "أنا في وضع أفضل من عدد من نظرائي [السود والأصليين والأشخاص الملونين]. وإن كان علي أن أتعايش مع دخلي أيًّا كان".
أما كاتب الخيال العلمي الأميركي الأبيض، جون سكالزي، فقد صرح: على ما أتذكر، حصلت على 6500 دولار مقابل أول كتابين لي في عامي 2005 و2006، ثم عدة مبالغ من خمسة وستة أرقام قبل صفقة بقيمة 3.4 مليون دولار مقابل 13 كتابًا في 2015 (2.2 مليون جنيه إسترليني في ذلك الوقت).
في المقابل، كشفت مؤلفة الخيال العلمي السوداء الحائزة على جائزة هوغو، نورا كي. جيميسين، أنها تلقت 40 ألف دولار لكل كتاب من ثلاثية "الميراث"، و25 ألف دولار لكل كتاب من ثنائية "Dreamblood"، و25 ألف دولار لكل كتاب من ثلاثية "الأرض الوعرة"، وكل منها فاز بجائزة هوغو.
تقول جيميسين: "بالنسبة للأشخاص الذين يقارنون بين دخلي، وبين دخل كتّاب الخيال العلمي من الذكور البيض، ويتساءلون عن التفاوتات... آه، نعم، أظن أن هذا هو الغرض من الهاشتاغ".
أيضًا، صرحت الكاتبة الأميركية السوداء، روكسان غاي، أنها تقاضت 12500 دولار، عن روايتها "الولاية الجامحة"، و15 ألف دولار عن كتابها الأكثر مبيعًا الذي يضم مجموعة من المقالات تحت عنوان "النسوية السيئة"، و100 ألف دولار عن "مذكرات الجوع"، و150 ألف دولار عن كتابيها "السنة التي تعلمت فيها كل شيء"، و"قفزة هائلة". وأعلنت الروائية الأميركية جيسمين وارد أنها كتبت روايتها الثانية، "إنقاذ العظام Salvage the Bones"، من دون أن تحصل على أي مبالغ مسبقة. لقد بيعت بمبلغ حوالي 20 ألف دولار بمجرد أن انتهت، وفازت لاحقًا بجائزة الكتاب الوطني.
تقول وارد "حتى بعد فوز "إنقاذ العظام"، لم ترغب دار النشر في إعطائي 100 ألف مقابل روايتي التالية. لقد حاربت أنا ووكيلي لتحقيق هذا الرقم". لهذا قررت وارد تغيير دار النشر عند نشر روايتها التالية، ودفع لها 100 ألف دولار، وفازت بدورها بجائزة الكتاب الوطني. تضيف وارد: "في حين أن هذا الاتفاق الجديد يزيد عن اتفاقاتي القديمة، إلا أنه كان بالكاد يتساوى مع بعض الأجور الجديدة لأصدقائي الكُتاب".

الناشرون لا يقدرون الكتاب السود
بينما يصطف المؤلفون السود لانتقاد النشر البريطاني بقسوة على أنه "بيئة معادية"، يحث موظفو سلسلة كتب ووترستون على التبرع لحركة Black Lives Matter في أعقاب

المبيعات المرتفعة للمؤلفين السود. فبرناردين إيفاريستو، وريني إدو لودج، أصبحتا أول امرأتين ملونتين تتصدران قوائم الكتب في المملكة المتحدة. إيفاريستو الحائزة على جائزة بوكر، بروايتها "فتاة، امرأة، أخرى"، ما يجعلها أول امرأة ملونة تأخذ هذا المكان. وإيدو لودج التي تصدرت مبيعات الكتب غير الروائية الورقية بكتابها الصادر عام 2017 "لماذا لم أعد أتحدث مع الأشخاص البيض عن العرق"، جاعلًا منها أول كاتبة بريطانية سوداء تحتل المركز. كما تصدر كل من باراك وميشيل أوباما جدول الكتب غير الروائية "هارد كوفر"، والشيف البريطاني لورين باسكال.
تقول إدو لودج إن هناك "لائحة اتهام رهيبة لصناعة النشر" استغرقت وقتًا طويلًا حتى يصبح المؤلف البريطاني الأسود رقم 1.
تخلص ماكيني من الردود الواردة على هشتاغ #Publishingpaidme إلى أن التناقضات التي تم الكشف عنها من قبل مئات المؤلفين الذين شاركوا أجورهم، من الأسماء الكبيرة إلى الأصوات الناشئة، أظهرت أن "النشر حرفيًا لا يقدّر الأصوات السوداء". مضيفة، "نحن هنا لأن النشر، مثل الكثير من هذه الصناعات والمؤسسات الأخرى، ليس لديه ما يقوله إلا عندما يظهر القرف"، مشيرة إلى "المنشورات الأدائية من الناشرين التي رأيناها بعد الاحتجاجات على فقدان حياة رجل أسود".
كما أظهر استطلاع أجراه في وقت سابق من هذا العام ناشر الأطفال Lee & Low Books أن 76% من العاملين في النشر الأميركي من البيض.
هكذا انتشر هاشتاغ #Publishingpaidme على نطاق واسع، وحثت بلاكمان المؤلفين والرسامين المحتملين على الاستمرار في سرد قصصهم، على الرغم من وفرة القصص التي تدعم النتيجة السابقة، قائلة "صوتك، عملك، قصصك، كلها مهمة. سوف يتحسن الوضع لا بد... نعم، هنالك تسويف، ونعم، هنالك إحباط، ولكن من فضلك لا تتوقف عن الكتابة. قد لا نفوز في هذه المباراة، لكن عدم اللعب هو خسارة بالتأكيد".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.