}

مهرجان بعلبك الدوليّ 2020.. نقطة نور

ليندا نصار ليندا نصار 8 يوليه 2020
هنا/الآن مهرجان بعلبك الدوليّ 2020.. نقطة نور
"جاء هذا المهرجان احتفالًا بمئوية إعلان لبنان الكبير"
تواصل فعاليات مهرجان بعلبك الدولي 2020 في إعادة طرح السؤال الخاص حول الروح الوطنية التي ما زالت صامدة في محاولة للحفاظ على صورة لبنان من أشكال التفتت والعنف وقرصنته بسبب الفساد الذي أحدق به، ولا سيما في ظلّ تراجع هذا البلد على الصعد الاقتصادية والصحية والاجتماعية والسياسية. وعلى الرغم من شظايا الحمولات السياسية التي أصابت الوطن، عاد الأمل ولو للحظة إلى قلوب اللبنانيين الحالمين بغد أفضل خصوصًا تلك الأجيال الناشئة التي بدأت تكوّن حصنًا تحمي فيه لبنان، هذه الأجيال التي تربّت على قيم التسامح والاختلاف وتقبّل الآخر هي الأمل في نهوض وطن نخر الفساد عظامه.
وتشكل مهرجانات بعلبك الدولية نقطة نور لما لها من رمزيّة تاريخيّة. فقد افتتح المهرجان منذ منتصف القرن العشرين حيث بدأت فعالياته واتخذ اسم مهرجان بعلبك الدولي بسبب انفتاحه على العالم باستقدام فنانين من جميع الأنحاء إلى بعلبك، وهو مهرجان سنويّ يتضمّن حضورًا خاصًّا وجمهورًا كبيرًا. ويتمّ فيه عادة عرض للموسيقى الكلاسيكية والرقص والمسرح والأوبرا والجاز وكذلك الموسيقى العالمية الحديثة وذلك في شهري تموز/ يوليو وآب/ أغسطس، أمّا هذا العام فقد حدث يوم الأحد 5 تموز/ يوليو بدءًا من التاسعة مساء برعاية الرئيس ميشال عون. وقال وزير الثقافة عباس مرتضى لوكالة الأنباء اللبنانية إثر زيارته قلعة بعلبك: "على الرغم من كل الظروف الضاغطة في البلد، هناك ناس تحب أن تضحي وتقدم، لتدخل الفرح إلى قلوب اللبنانيين مهما كانت الظروف والتحديات". واعتبر رئيس بلديّة بعلبك أن مثل هذه الاحتفالات بعد افتتاح الأماكن الأثرية تؤثر إيجابًا في تحريك العجلة الاقتصادية، وقد أُطلق وسم عبر تويتر # علي_الموسيقى وكان يتصدّر التغريدات.
وبالرّغم ممّا حلّ بلبنان من انهيار اقتصاديّ ناتج عن الأزمات المتتالية والتي أدّت إلى فقدان معظم اللبنانيين أعمالهم وتعرّض البلد إلى أزمة سيولة حادّة بالإضافة إلى ما تسبّبت به جائحة كورونا من إغلاق للمطارات وتوقّف التجارة العالمية والتبادل الحيوي، إلّا أنّ اللّبناني الذي لا يعرف الاستسلام ومن باب الصمود ظلّ يحفر الصخر لتحصيل رغيف الخبز ولقمة عيشه، من هنا اتخذت الحفلة شعار "صوت الصمود" Sound of resilience في معبد "باخوس" من قلعة بعلبك، كذلك جاء هذا المهرجان احتفالًا بمئوية إعلان لبنان الكبير والذي كان من المقرر أن يقام بطريقة واسعة ومختلفة وقد تمّ الإعداد له بهذا الأسلوب بسبب جائحة كورونا للحفاظ على مبدأ التباعد الاجتماعي للأمن الصحي. وبحسب الوكالة الفرنسية جاء هذا المهرجان أيضًا احتفالًا بمرور 250 سنة على ولادة بيتهوفن الموسيقي العالمي.
من المختلف هذا العام صنع اللبنانيون تميّزًا من خلال اختصار المهرجان بحفلة واحدة خالية من الجمهور باتّباع نظام التباعد الاجتماعي الموافق عليه من قبل وزارة الصحة، وكانت التمارين قد بدأت منذ أيام ليكون العمل ناجحًا سواء على صعيد تنظيم طريقة جلوس الموسيقيين أم على صعيد التدريبات لإعداد برنامج الحفل. وتمّ نقل هذا الحدث العظيم على كافة وسائل التواصل الاجتماعي وعبر معظم المحطات التلفزيونية اللبنانية ووسائل الإعلام اللبنانية والأجنبية.

لهذا المهرجان دلالة خاصة تكمن في كونه بادرة أمل تجسد القدرة على ترميم نتوءات الروح اللبنانية المقهورة. إنه الأمل لبثّ مساحات واسعة من التفاؤل والإيجابية وهو الانفتاح على قيم الجمال والمحبة كذلك إنّه وسيلة الدفاع المثلى عن الهوية الوطنية والذاكرة الموثّقة لتاريخ هذا الوطن. فالموسيقى غذاء الروح وهي سلطة ضد القهر والألم وأداة مقاومة في مواجهة الحزن والمعاناة مهما كانت كبيرة، كما تعتبر الموسيقى فعل حياة لوطن بات جريحًا ولا حلول في الأفق لإنقاذه من أزمته.
لبنان الجريح تنفّس في هذا المهرجان ولو بشكل موقّت وكانت له وقفة بين أرواح الجمال. لبنان الذي أراده جبران خليل جبران مثاليًّا قويًّا في أدبه ولبنان الذي أراده الرحابنة أبيًّا من خلال عزفهم وموسيقاهم الصادحة بات مقهورًا واقعًا تحت وطأة مرض عضال يميته ببطء شديد جعله يحتاج إلى معجزة تنهضه من أزمته. فأين تضحيات أبنائه، أين لبنان اليوم من شهدائه ومن صموده في حرب دامت سنوات وسنوات. ألا يحقّ له بلحظة فرح وانفتاح وسلام يستمدّها من الموسيقى والفنّ؟




هذا الحفل الذي أقيم بتنظيم من "لجنة مهرجانات بعلبك الدولية" يتخطّى الوطن ويحلّق نحو الجغرافيات المجاورة، إنّه دليل على مجد لبنان من خلال مبدعيه الذين رسموا له صورة عظيمة عبر العالم.
تراقب هذا الحفل العظيم الذي بدأ بالألحان الكلاسيكية فتشعر وكأنك تنتقل إلى سماء أخرى تبعث السلام والقوة في روحك. نعم إنّها بعلبك التي دعت اللبنانيين للتمسك بصمودهم تمثّلًا بأعمدتها. إنّه لبنان الذي ينتصر دائمًا لقيم الحياة ويفتح إبداعه الحرّ على شرفات العالم.
أحيت الحفلة الأوركسترا الفلهارمونية الوطنية اللبنانية بقيادة المايسترو هاروت فازليان بمشاركة جوقة جامعة سيدة اللويزة وجوقة المعهد الأنطوني والصوت العتيق. بالإضافة إلى موسيقيين لبنانيين شباب، مع مشاركة النجم رفيق علي أحمد. أما السينوغرافيا، التي تتخلّلها صور من الأرشيف وإبداعات بصرية، فهي لجان لوي مانغي، وقد عمل على الإخراج باسم كريستو.
وفي حديث مع رئيسة المهرجانات نايلة دو فريج والتي استلمت المهرجان منذ عام 2011 قالت: "لا يمكن أن نبقى مكتوفي الأيدي. يجب أن تعود الثقافة لتأخذ حقها. قبل الجائحة كان من المقرر أن تقتصر مهرجانات بعلبك على حفلتين، محلية وأجنبية نثبت من خلالهما استمراريتنا، ولكن بسبب الأزمة الصحية بات يتعذر علينا استقدام فنانين من الخارج، وأخذنا باقتراح المايسترو فازليان إقامة حفلة موسيقية وغنائية من دون جمهور".
أمّا الذين شاركوا في هذا العمل فلم يتقاضوا المال مقابل هذه العروض ورسالتهم كانت إظهار الفن والحياة والأمل بالرغم من الظروف الصعبة التي يمرّ بها بلبنان. واعتبر فازليان أن الموسيقى تعطي أملا وهي لغة عالمية توحد الشعوب. واختتم الحفل بالسمفونية التاسعة لبيتهوفن "نشيد الفرح" للتعبير عن الوحدة والتضامن والفرح.







 #حفل "صوت الصمود": إرادة للحياة كطائر الفينيق تنبعث من الرماد

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.