}

المُترجم والناشر.. علاقة ودّ أم خصام؟

ضفة ثالثة ـ خاص 10 نوفمبر 2021
هنا/الآن المُترجم والناشر.. علاقة ودّ أم خصام؟
(إبراهيم جوابرة/ فلسطين)

 

 

بالرغم من تبيان عمل دور النشر في مجال الترجمة بوتيرة أفضل من نشرها للأعمال الإبداعية المحليّة، إلا إن ذلك لا يُعدّ دليلًا على عدم وجود نواقص أو مشاكل تواجه تلك الدور ومن يتعامل معها أيضًا، فيما العلاقة لا تزال ملتبسة إلى حدٍّ ما بين المُترجم والناشر في العالم العربي، من المحيط إلى الخليج، سواء من جهة تدخّل الناشر في العمل الأدبي من الألف إلى الياء أو من الناحية المادية وتهرّب الناشر من دفع مستحّقات المترجم أو تأخيرها.

ثمة أسئلة عديدة نطرحها في سياق هذا التحقيق على عدد من المترجمين العرب من أغلب اللغات العالميّة الحيّة؛ بدءًا من علاقة المُترجم مع الناشر، مرورًا بالحديث عن تدخّل الناشر في عمل المترجم وكذلك عن واقع الترجمة في العالم العربي، كما نتطرّق إلى أمر جوهريّ حول تواصل دور النشر العربية مع المؤلف أو ورثته، وصولًا إلى تهرّب الناشر من دفع مستحقات المُترجم.

 

[عماد الدين موسى]

 

عبد الرحيم يوسف 



عبد الرحيم يوسف
(مصر): السنوات الأخيرة تشهد ازدهارًا في مجال الترجمة

من خلال تجربتي المتواضعة في نشر الشعر (سبعة دواوين بالعامية المصرية) والترجمة (اثنان وعشرون كتابًا) تعاملت مع عدد من الناشرين، تعاملت في نشر الشعر مع دور نشر خاصة وأخرى حكومية، أما ترجماتي فكلها في دور خاصة. حين تتعامل مع دار نشر حكومية، وفي حالتنا المصرية وحالتي تحديدًا كانت مع الهيئة العامة للكتاب والهيئة العامة لقصور الثقافة، أنت تتعامل مع نظام روتيني لا مع أشخاص. حتى الأشخاص الذين أتعامل معهم، سكرتير تحرير أو مدير تحرير سلسلة أو مسؤول النشر، هم في نهاية الأمر موظفون يقومون بعملهم مشكورين لكنهم لا يملكون من أمر الكتاب شيئًا؛ فهناك لجنة قراءة ومصحح لغوي -غالبًا يحتاج عمله لتصحيح- ثم دور في النشر إلى آخر هذه الدائرة الجهنمية التي تجعل الكتاب ينتظر سنوات: في حالتي انتظرت أربعة أعوام في حالة الهيئة العامة للكتاب وتسعة أعوام في حالة الهيئة العامة لقصور الثقافة! وهذا ليس معيارًا.. فيمكن لشخص آخر أن ينشر بعد تسليمه عمله بأيام أو شهور، الأمر خاضع لملابسات كثيرة لا مجال لذكرها هنا.

دور النشر الخاصة التي تعاملت معها بعضهم أصدقاء أعزاء يكون التعامل معهم سلسًا وممتعًا، وبعضهم الآخر يكون العمل رسميًا قائمًا على اتفاق بين الطرفين. أحاول دائمًا أن ألتزم به وتتباين أشكال التزامات الطرف الآخر، وهكذا تسير الأمور.

في حالتي لم يحدث أن تدخل أحد من الناشرين في عملي. كثير من الأعمال التي ترجمتها كانت باقتراح من الناشر، وبعد موافقتي عليها واتفاقنا على الجدول الزمني والمقابل المادي وما إلى ذلك أقوم بالترجمة ومراجعتها، ثم أراجع نسخة الطباعة حتى بعد أن يقوم المراجع اللغوي، إن وُجد، بالمراجعة.  

أعتقد أن السنوات الأخيرة تشهد ازدهارًا في كمية الكتب المترجمة وفي اهتمام دور النشر الخاصة الكثيرة التي تظهر بوتيرة سريعة بالترجمة. قد لا تكون كل الأعمال المترجمة أعمالًا هامة وقد يكون مستوى الترجمة متفاوتًا، لكن الأكيد أن هناك طفرة رقمية واهتمامًا واضحًا يلحظه أي مراقب لسوق الكتب.

في حدود تجربتي تعاملت مع دور نشر تشتري حقوق الترجمة من المؤلف أو من الناشر غالبًا، وأنا في حالات كثيرة أحصل على وسيلة اتصال بالكاتب عن طريق الناشر أو بمجهودي الشخصي لمراجعته في بعض النقاط والاستفهام منه عما أجده يستحق الاستفهام.

أما بخصوص عدم وضع اسم المترجم على الغلاف، للأسف هذا عرف منقول عن تقليد قديم لدى دور النشر الأجنبية، الأنجلو أميركية غالبًا، بدأت تتخلى عنه حاليًا. بينما في تراثنا العربي كان هناك دائمًا احتفاء باسم المترجم. هذا الأداء للأسف يعكس ما يسميه لورانس فينوتي الإصرار على اختفاء المترجم، وكأن العمل المترجَم هو ذاته العمل الأصلي فيُنسب إلى مؤلفه فقط لا إلى ناقله الحقيقي إلى اللغة المنقول إليها. كل كتبي التي ترجمتها تحمل اسمي على الغلاف، لكن مؤخرًا تعاونت مع دار نشر "جديدة" في دولة عربية شقيقة، أعجبني الكتاب ووافقت وسألت عن سياستهم في وضع اسم المترجم على الغلاف واعتذروا بأنهم سيضعونه في الصفحة الداخلية، وبعد نقاش قصير لم أجد فائدة من الجدال ووافقت حرجًا أو طمعًا في التجربة.

حدث مرة واحدة، لم يدفع الناشر مستحقاتي، تعاونت مع دار نشر مرموقة عرضت عليّ ترجمة كتاب أعجبني جدًا ووافقت على المبلغ المعروض رغم ضآلته. وانتهيت من ترجمة الكتاب قبل الموعد مع إلحاح الدار وتعجلها، ثم... لم يُطبع الكتاب حتى الآن ولم أحصل على مستحقاتي. وحقيقةً وليس ادعاء لا تهمني المستحقات، لأنها كانت ضئيلة على أي حال، بقدر ما كان يهمني أن يصدر هذا الكتاب. مفارقة محزنة، كما ترى!!.
 

مأمون الزائدي 



مأمون الزائدي (ليبيا): نتعامل فكريًا وثقافيًا وأدبيًا

علاقتي بالناشر من جيدة جدًا إلى ممتازة. فكما هي العلاقات عمومًا على الطرفين قطع نصف المسافة حتى يلتقيان، وبصورة أوضح قيام كل طرف بما يتوجب عليه في حده الأدنى على الأقل، كذلك الحال في علاقتي بالناشر. أقوم بما هو مطلوب مني تحديدًا وأزيد عليه لكي أزرع الثقة والتي تنتج بالتالي العلاقة الجيدة. طبعًا ليس كل الناشرين هكذا. ولكن أقصد الناشر الصادق والملتزم. فبعض الناشرين وقع معي عقدًا ثم نكث بما وقع عليه بعد أشهر. وهناك من يطلب كتابًا ثم يجعلك تنتظر شهورًا الأمل في طباعته ليعود ويبلغك بتراجعه. وهناك أيضًا من لا يحترم جدول عملك ويطالبك بالعمل معه فورًا رغم التزامك المسبق وحين تبلغه بتعذر ذلك يقطع علاقته معك. والأمر يختلف مهما بدت العناوين براقة والأسماء مرموقة. لا أنسى أن أقول إني مع تخيّر الناشر الذي يستحق ثقة المترجم ويثمن جهده ويتعرّف على طريقته وأسلوبه. فالعلاقة تحتاج إلى بناء في الجهد والزمن وفي الاتجاه الصحيح لكي تكون مثمرة للطرفين. ومن أكثر من الناشرين أضاع خيارهم. 

بحسب تجربتي لا يتدخل الناشر في عمل المترجم كثيرًا والأغلب في اختيار العناوين التي أجتهد مسبقًا في إعدادها استعدادًا للنقاش حولها.

أما بالنسبة لواقع الترجمة في العالم العربي اليوم، فهناك نشاط ملحوظ، أعتبره صحيًا وإن اختلط فيه الجيد بالرديء فهكذا هو الحال في البدايات لكنه مع استمرار النشاط وترسّخه يتغربل تلقائيًا ويصبح أكثر جودة ومرانًا. السيء هو اتجاه الترجمة لأن تكون حسب السوق. هذا غير جيد، فالترجمة نشاط ثقافي معرفي لا يفترض أن يكون موجهًا بأي شكل من الأشكال.

بعض دور النشر المعروفة، والتي نستطيع أن نقول عنها "مرموقة" أيضًا، لا تضع اسم المترجم على الغلاف، وهذا ما اعتبره خطأ جوهريًا. لأن في طبيعة الترجمة عملية فهم وتفسير حتى وان كانت جماعية. وهذه تختلف بالطبع من شخص لآخر. الأجدر بهذه الدار أن تكتب اسم المترجم لأن هذا حقه الأدبي والقانوني ثم تتبعه بما شاءت من أسماء المراجعين أو المصححين أو المدققين والمنقحين.

لم يسبق أن قام ناشر ما بعدم دفع مستحقاتي، لكن هناك من انتظرته طويلًا وهناك من جعلني أطارده حتى أستوفي أتعابي. لكن بتطور العلاقة مع الناشر يقل هذا الاحتمال إلى أدنى مستوياته الممكنة. لا أستطيع تصديق أن يحدث ذلك ونحن نتعامل فكريًا وثقافيًا وأدبيًا، بصورة راقية بعيدًا عن الابتذال والنذالة.
 

سمير جريس 



سمير جريس (ألمانيا): لا أعمل مع ناشر يقرصن حقوق المؤلف

أعمل مع ناشرين محترمين جدًا يحرصون على العمل معي مثلما أحرص على العمل معهم. من ناحية أخرى عملت مع ناشرين أوقفت تعاوني معهم بعد عمل أو عملين، لأسباب مختلفة. لا يمكن التعميم.

هناك تدخلات مشروعة، وتدخلات غير مشروعة. أقصد بالفئة الأولى ما يمكن أن نطلق عليه عمومًا "المراجعة والتحرير"، وهذا شيء أرحب به جدًا طالما أن الهدف هو أن يكون النص واضحًا ومفهومًا وخاليًا من الأخطاء. لكن هناك طبعًا تدخلات غير مشروعة، وتجربتي في هذا المجال محدودة. كل الناشرين الذين عملت معهم تقريبًا لم يتدخلوا بالحذف أو التغيير في ترجمتي إلا دار نشر واحدة في أبو ظبي ترجمتُ لها أربعة كتب، لم يُنشر منها حتى الآن سوى كتاب واحد! لماذا؟ لأسباب رقابية بحتة. اقترحوا عليّ ترجمة كتاب منذ ما يزيد عن عشر سنوات. بعد أن اطلعت على الكتاب، وهو مذكرات الشاعر النمساوي إريش فريد عن فترة طفولته وصباه في فيينا، وافقت. وبالفعل، أتممت الترجمة في المهلة المحددة وسلمتهم الكتاب وتقاضيت أجري. لكن الكتاب لم ينشر حتى الآن بدون أي أسباب معلنة. قبل ذلك نشرتُ ترجمة رواية للكاتب الألماني دانييل كيلمان، وفوجئت بعد نشرها بإسقاط إحدى العبارات من الرواية لأن بها شبهة التجديف على الله، رغم أنها – حتى لو صحت التهمة – تعبر عن الحالة النفسية والعقلية لبطل الرواية، وبالتالي فهي مهمة في السياق الروائي. وفي العامين الأخيرين ترجمت كتابين للدار نفسها لم يُنشرا حتى الآن. الترجمة الأولى هي لكتاب "فهرس بعض الخسارات" للكاتبة يوديت شالانسكي، وقد سلمتها في ربيع العام الماضي. و"فهرس بعض الخسارات" كتاب متميز حقًا، وقد استمتعت بترجمته رغم صعوبته، ولم أستغرب عندما وصل الكتاب في ترجمته الإنكليزية إلى القائمة الطويلة لجائزة مان بوكر الدولية عام هذا العام. ورغم أنه تم صف الكتاب، وأُرسلت لي بروفة طباعة بعد تسليم الترجمة بفترة بسيطة، إلا أن الكتاب لم ينشر حتى الآن. بعد شهور طويلة أرسلوا لي بعض العبارات والفقرات لكي أغيرها، أو "أخفف منها" – والمقصود عبارات تقترب أو تحوم حول موضوع الجنس، ومنها فقرات طويلة في أحد الفصول. بالطبع رفضت التدخل في أسلوب الكاتبة أو محتوى الكتاب، لأن هذا ضد مبدأ الأمانة في الترجمة. وحتى الآن لم يُنشر الكتاب. وهنا أيضًا لا بد أن أذكر أنني حصلت على مستحقاتي المالية كاملة. لكن المترجم الأدبي لا يعمل من أجل المكافأة فحسب. الترجمة الأدبية عمومًا غير مجزية ماديًا، لا سيما لمن يعيش في أوروبا مثلي. لولا الشغف والرغبة في ترجمة ما أعتبره جديرًا بالترجمة، لتوقفت منذ فترة طويلة عن الترجمة الأدبية.

أؤكد مرة أخرى: هذا مثال واحد صادفني خلال عملي الطويل في الترجمة، ولا يمكن تعميمه على كل الناشرين.

بالنسبة لمسألة تواصل دور النشر العربية مع المؤلف أو ورثته، أعتقد أنها تتواصل، طالما هناك حقوق للكاتب أو ورثته (50 عاما بعد وفاته) فلا بد من التواصل مع صاحب الحقوق والحصول عليها قبل الشروع في الترجمة. وأنا لا أعمل مع ناشر يقرصن حقوق المؤلف.

هناك اتجاه لدى بعض الدور لعدم وضع اسم المترجم على الغلاف أسوة بتقاليد النشر الغربية. وأقول دائمًا: في النشر العربي سلبيات كثيرة، لكن وضع اسم المترجم على الغلاف هو إحدى الإيجابيات التي يحسدنا عليها المترجمون في الغرب. أرى أن اسم المترجم على الغلاف مهم، خاصة مع تفاوت مهارات المترجمين. كثير من القراء في العالم العربي يشترون الترجمة لثقتهم في ذائقة المترجم وجودة ترجمته، أي أن الناشر هو الخاسر في هذه الحالة عندما يغفل اسم المترجم على الغلاف. إذن، أنا مع وضع اسم المترجم على الغلاف، وآمل أن تقتنع كل دور النشر بأن ذلك في مصلحتها أيضًا.
 

يوسف نبيل  



يوسف نبيل (مصر):
سوق النشر مثل أي سوق أخرى

تختلف علاقتي بالناشرين بحسب شخصياتهم. أميل شخصيًا إلى عقد علاقات طويلة الأمد مع ناشرين، والدخول في مشروعات متتالية مع ناشرين بعينهم، لكن الصدفة والظروف تقود بالطبع إلى التعامل مع ناشرين مختلفين. أحب أن أكون على علاقة مباشرة بالناشر، وأحب أن أتابع خطوات العمل خطوة خطوة، وأكره بشدة التعاملات البيروقراطية التي ينحصر فيها التعامل مع موظفين بعيدين عن العملية الإبداعية، كما هو الحال في بعض المؤسسات الكبرى. كوَّنت شخصيًا بعض الصداقات مع بعض الناشرين، وقطعت علاقتي بناشرين آخرين. هي علاقة بشرية تمامًا تخضع لطبائع الشخصيات وتوافقها وتنافرها.

لم أمر تقريبًا بأي تجربة تدخل فيها الناشر في عملي بصورة مباشرة. قد يكون للناشر بعض الاقتراحات بخصوص العنوان أو بخصوص خطة نشر العمل، أو يقترح إضافة عمل آخر للكاتب نفسه أو ما إلى ذلك، لكن عادة لا يتدخل الناشر في عملية الترجمة ذاتها. تستعين بعض دور النشر بمحررين، وهم الذين يتدخلون في العمل، وبالطبع هذا عملهم. ما يهم هنا هو إيجاد الصيغة الملائمة التي تجعل تدخل المحرر يصب في صالح العمل.

أظن أننا إذا نظرنا إلى واقع الترجمة في حد ذاته بمعزل عن الظروف المحيطة به فلا شك أن هناك تحسنًا ملحوظًا من حيث عدد الأعمال المترجمة المنشورة ومستواها، وجوائز الترجمة التي ظهرت مؤخرًا، وتحسن أجور المترجمين بصورة نسبية... كل ما فات عوامل تشير إلى وجود بعض التحسن. لكن إذا نظرنا إلى الصورة الكلية التي تضم عوامل أخرى كثيرة؛ سنجد بلا شك أن الوضع بائس إلى حد كبير بسبب قلة حجم القراءة بوجه عام، وصعوبة العوامل الاقتصادية التي تُقلِّل من القدرة الشرائية للقارئ العادي، بالإضافة إلى التدهور المريع لما يتعلق بتزوير الكتب وحقوق الملكية الفكرية؛ الأمر الذي صار يؤثر على الأسواق بصورة ملحوظة. هذه عوامل تتعلق بعملية النشر بصورة عامة؛ لا بعملية الترجمة بوجه خاص، لكنها تؤثر بالطبع عليها.

تتواصل دور النشر العربية مع المؤلف أو ورثته بالطبع. في الظروف الطبيعية لا تستطيع الدار أن تنشر عملًا لم يصر في حق الملكية العامة إلا بعد شراء حقوقه سواء من المؤلف أو من ورثته، ولذلك تفضل دور نشر كثيرة نشر الأعمال التي صارت في حق الملكية العامة بعد مرور الفترة المقررة على وفاة الكاتب، توفيرًا للمصروفات.

شخصيًا لا أظن أنني سأقبل بأن أتعامل مع دار نشر لا تضع اسمي على الغلاف مهما كان العائد المادي. هذه الدور تستحق النقد اللاذع، وتستحق الهجوم الحاد عليها لأنها غالبًا تلجأ إلى تبريرات واهية وسخيفة.

سبق للأسف أن تعاملت مع ناشر لم يدفع مستحقاتي. سوق النشر مثل أي سوق أخرى، يوجد به ناشرون في غاية الالتزام والاحترام، وناشرون آخرون يستحلون سرقة تعب الغير.
 

تحسين رزاق عزيز  









 


تحسين رزاق عزيز (العراق): الترجمة في عالمنا العربي محاولات فردية

أتعامل، في الوقت الحاضر، مع دور نشر محترمة، مهنية، بعد أنْ مررتُ ببعض الإخفاقات في بداية عملي الترجمي ومحاولتي النشر. لهذا علاقتي جيدة جدًا بالناشر، وحتى يمكن أنْ نسميها علاقة ودية مبنية على المصلحة المشتركة.

الناشر لا يتدخل في طبيعة عملي ولا يفرض أي صيغ معينة، وفي أكثر الحالات، أنا مَن يختار الكتاب للترجمة. ولكن بعض دور النشر الحكومية، التي تتحكم في عملها ضوابط محددة، يطلبون معالجة المقاطع التي فيها إشارة مباشرة إلى الجنس أو فيها تعدّ على حرمة الذات الإلهية، وهذا، في حد ذاته، تشويه للنص. وغالبًا ما أرفض التعامل معهم، برغم ارتفاع أجور الترجمة لديهم. وحتى إنَّ إحدى دور النشر الحكومية طلبت أنْ أضع بدلًا من أسماء المشروبات الكحولية المُحدَّدة، كالفودكا أو الكونياك، كلمة "خمر" فقط.

لا يمكن أنْ نقول إنَّ الترجمة بخير. الترجمة، في عالمنا العربي، محاولات فردية، ولولا حبّ المترجمين لعملهم لما كانت لدينا ترجمة على الإطلاق. ولا توجد لدينا معاهد تخصصية بالترجمة، سوى بعض الأقسام البسيطة في كليات الألسن واللغات في الجامعات العربية التي تُدَرَّس فيها مادة الترجمة، بوصفها مُقرَّرًا لتعليم اللغة، لا لتعليم الترجمة. أما المؤسسات الترجمية الحكومية، ففي الغالب، يتحكم بها موظفون بيروقراطيون بعيدون عن العملية الإبداعية، إلا في حالات نادرة. والمؤسسات الأهلية تهتم بالجانب الربحي فقط، برغم اهتمام القارئ العربي بالكتاب المُتَرجَم. ومن خلال متابعتي لما يُنشر من ترجمات للأدب الروسي في بعض دول الجوار، كما في تركيا أو إيران، رأيتُ أنهم يُترجمون أضعاف ما يُترجم في عالمنا العربي كله في المشرق والمغرب. ومع هذا، لدينا شباب متحمس للترجمة.

الآن دور النشر محكومة بقانون الملكية الفكرية. والناشرون الذين أتعامل معهم يحصلون على حقوق الترجمة قبل أن يحيلوا الكتاب إلى المُترجم.

أرى إنَّ عدم وضع اسم المترجِم على الغلاف يُعَد سلبًا لحقه. ودور النشر هذه بالذات، التي لا تضع أسماء بعض المترجمين، هي نفسها تضع على الغلاف أسماء المترجمين المشهورين الذين يتمتعون بسمعة طيبة لدى القارئ العربي.

في بداية عملي الترجمي تعرضت إلى عدم دفع مستحقاتي، وحتى أنَّ أحد الناشرين الصغار وضع على غلاف الكتاب اسم مترجم ثانٍ بالغلط وعندما رأيت ذلك صححوا الاسم على موقعهم على النت فقط، ولكن تبيّن أنهم لم يصححوه على الكتاب الورقي.
 

ميسرة صلاح الدين  



ميسرة صلاح الدين (مصر):
قطاع الترجمة يتطوّر بشكل ملحوظ

بدأت التعرف إلى عالم الترجمة في عام 2014 وكنت سعيد الحظ بالدخول إلى ذلك العالم الرائع بترجمة بكتاب "الجبل العميق" للمؤلفة التركية إيجي تملكران والذي يتناول من وجهات نظر معاصرة تاريخ المذابح التي ارتكبتها القوات العثمانية خلال فترة الحرب العالمية الاولي في حق الأرمن.

وقد كان الناشر شديد التعاون ومهتم بنجاح التجربة وقدّم لي كل الدعم المطلوب ولم يتدخل في سير عملي أثناء الترجمة واهتم بالمراجعة والتحرير بنحو طيب لا يخلو من الدقة والاحترافية وهو ما كان بداية تعاون مثمر مع دار النشر ثم توالت الأعمال مع نفس الدار وتعاونت مع دور نشر أخرى لم تخلُ التجربة معهم من الاحترافية والدقة.

لم تعد هناك أسرار في عالم الرقمنة والإنترنت، ولذلك فقد أصبحت جميع سمات الناشرين وطرق دور النشر المختلفة في إدارة المشاريع الخاصة بهم والتعامل مع المؤلفين والمترجمين معروفة لدى الجميع. وأصبح لازمًا على المترجم والمؤلف على حد سواء أن يجمع القدر الكافي من المعلومات قبل أن يمضي قدمًا في مشروع إبداعي مع دار نشر لم يتعامل معها في السابق.

بالطبع العديد من دور النشر لديها ما يمكن أن نطلق عليه توجهات أو تفضيلات أو محاذير فيما يخص النصوص التي تنشرها وخاصة الأجنبية التي يحاولون ترويضها وفقًا لرؤيتهم الشخصية واعتباراتهم الخاصة، وإن كان ذلك في بعض الأحيان ينتصر لاعتبارات السوق والتجارة ولكنه يتناقض بشدة مع اعتبارات الترجمة ورسالتها القائمة على قبول الآخر والتعرّف على ثقافته واحترام خصوصيتها. 

أعتقد أنه برغم كل العوائق التي لا تخفى على أحد فإن الترجمة في العالم العربي تمر بفترة ازدهار كبيرة، فقد زاد عدد المترجمين في الفترة الأخيرة وبدأ العديد من الشباب الواعي يبرز في المجال ويكرس وجوده في دأب وإخلاص وهي مؤشرات طيبة.

وبالطبع سوق النشر والترجمة يحكمها واقع اقتصادي واجتماعي يفرض العديد من القيود والمحددات عليها ولكن قطاع الترجمة من القطاعات التي تنمو وتتطور بشكل ملحوظ وتكسب في كل يوم مكاسب جديدة. ولكن الطريق ما زال مليئًا بالعوائق والتحديات التي لا يمكن إنكارها. على كل حال هناك علاقة حقيقية وعميقة تقوم بمرور الوقت بين المترجم وبين القراء الذين يثقون في اختياراته ويتابعون أعماله، هذه العلاقة هي ثمرة رحلته في البحث والاختيار عن الأعمال التي يتصدى لترجمتها ثم رحلته الأخرى في الترجمة والتحرير. وأظن أن المترجم يجب أن يهتم بتلك العلاقة مع القراء وينمّيها بمرور الوقت ويعتبرها أحد المكاسب الأساسية التي يحصل عليها نظير أعماله. ولذلك لا أتفهم السياسات التحريرية التي لا تضع اسم المترجم على غلاف أعماله أو تضع بعض أسماء المترجمين وتحرم البعض الآخر من ذلك الحق.

لم يسبق لي أن قام ناشر بعدم دفع مستحقاتي، وإن كنت سمعت عن وقائع مماثلة ارتكبها بعض الناشرين في حق بعض المؤلفين والمترجمين على حد السواء.

 

هاتف جنابي 


هاتف جنابي
(بولندا): خذْ مكافأتك وارحلْ!

إذا اتفقنا على أن علاقة الناشر بالمؤلف الذي يكتب باللغة العربية ملتبسة في مجملها خلصنا إلى نتيجة واضحة مؤداها أن المتحكم بهذه العلاقة ليس الناشر فحسب إنما هي عبارة عن شبكة من الأسباب، بعضها يتعلق بالناشر مباشرة والآخر بالدولة والمجتمع وسوق الكتاب أصلًا التي تفتقر إلى الاحتراف في مجال النشر والطبع والتسويق. لو بدأنا من النهاية للاحظنا عالمًا معقدًا وملتبسًا من الأسباب ونتائجها. فالمجتمعات العربية تعاني من الفقر، والأمية وعدم الاستقرار السياسي وبالتالي الثقافي. وعليه فنسبة القراء وعدد النسخ المطبوعة من الكتاب الفلاني (عادة ما تكون غامضة) يتناسبان فيما بينهما طرديًا، مضافًا إلى هذه الجدلية البُعد المعيشي وبالتالي القوة الشرائية لمواطني هذا البلد العربي أو ذاك. في خضم هكذا ظروف وملابسات شائكة تطفو على السطح العلاقة بين الناشر والمؤلف وسنركز في هذا المقام على ما يخص العنوان. رغم ما يشاع من تحسن مجال الحفاظ على حقوق المؤلف والمترجم إلا أن واقع الحال ما زال بعيدًا كثيرًا عن سواه في البلدان المتحضرة الأخرى. هناك تلميع لـ "الحفاظ على حقوق المؤلف والمترجم" في البلدان العربية لأنه للاستهلاك الخارجي والهدف منه هو التخلص من الضغوط العالمية على الناشرين في اللغة العربية. دعونا نفصّل أكثر من خلال رسم خارطة للعلاقة بين المترجم والناشر. هذه معادلة أطرافها: المؤلف الأجنبي وحقوقه، المترجم وحقوقه، والناشر الذي يسعى إلى الربح، والكلام يخص العناوين المترجمة من اللغات الأخرى إلى العربية وليس العكس.

من المفارقات العجيبة أن الناشر العربي عادة ما يخصم شراء حقوق المؤلف (إن وجدت) من مكافأة المترجم وبالطرق التالية: الالتزام بدفع أقل مبلغ ممكن للمترجم "المسكين" وعادة ما يجري تسويف عملية الدفع بعد إنجاز العمل! ثانيًا، لا يضع الناشر، في أغلب الأحيان، اسم المترجم على صفحة الغلاف الداخلية جنبًا إلى جنب مع المؤلف والناشر فيما يخص حقوق النشر والتأليف "كوبي رايت- copyright". ثالثًا، لا يوجد في العقد ما يشير إلى عدد النسخ المنوي طبعها. رابعًا، يوقع الناشر معك عقدًا "كأنه نهائي" ومثل هذا العقد لا يسمح للمترجم عادة بالحصول على نسبة من البيع الذي لا يبدو ضعيفًا بالنسبة إلى العناوين المهمة التي يعاد طبعها من دون ذكر رقم الطبعة. وهذا يعني: خذْ مكافأتك وارحلْ!، بينما في الغرب يدفع الناشر نسبة من مكافأة العقد قبل شروع المترجم بالترجمة. أما في ما يخص حقوق المترجم في حصوله على نسخ من الكتاب المترجم فحدّث ولا حرج، قد تصل بعد معاناة طويلة وقد لا تصل أبدًا وكأنها في رحلة مكوكية بين كوكبين! عادة ما يتظاهر الناشر بارتفاع تكاليف البريد ناهيكم عن سبب جديد منذ سنتين يتعلق بكوفيد وما خلقه من معوقات على صعيد التواصل بين الدول. أما استلام حقوق الترجمة فهي مسألة شائكة أيضًا خاصة إذا كان المترجم يقيم خارج بلد إقامة الناشر الذي يفترض بك أن تكون قريبًا منه! هناك فصل ضائع في العلاقة بين المؤلف والناشر يتمثل في غياب "الوكيل الأدبي" في البلدان العربية، هذا الوكيل الذي له من الحياة (150) سنة تقريبًا في بلدان الغرب "الكافرة"!

خلاصة الكلام، يعتبر أغلب الناشرين العرب المترجم وسيطًا تنحصر حقوقه في نقل الكتاب الفلاني إلى اللغة العربية ليس إلا ولا حقوق له خارج نطاق مبلغ يحدده الطرف الأول في أغلب الأحيان، ولكل قاعدة استثناء.
 

أمينة الحسن  


أمينة الحسن (السعودية): الترجمة عمل فردي

أعتبر أن تجربتي مع الناشر محدودة، فلم أتعامل سوى مع ثلاثة دور نشر تقريبًا، وكانت علاقتي بهم جيدة فيها الكثير من الاحترام والتعامل الجاد والوضوح. برأيي للناشر الحق في تقييم عمل المترجم ما دام يمتلك المؤهلات لنقد العمل الترجمي أو يعمل عنده محررون قادرون على تحرير العمل وتعديله بما لا يخل بعمل المترجم أو النص الأصلي. كما يتوجب الأخذ برأي المترجم في حال رفضه لتعديل ما في العمل. هي عملية مشتركة ونجاح أي عمل مترجم هو نجاح للمترجم والناشر.

بالنسبة لواقع الترجمة في العالم العربي، أرى أنها تسير في الاتجاه الصحيح رغم كثرة المعوقات وقصور الدعم، ويغلب العمل الفردي فيه على العمل المؤسساتي. أما بخصوص تواصل دور النشر العربية مع المؤلف أو ورثته، في حدود معرفتي نعم وخاصة في السنوات الأخيرة نظرًا لفرض المزيد من قانون حفظ الحقوق والملكية الفكرية.

وحول عدم وضع دور نشر معروفة لاسم المترجم على الغلاف، أنا شخصيًا أرفض مثل هذا التصرف، فهو تجاهل تام لجهد المترجم ودوره في نقل العمل، وعلى كل مترجم ألا يقبل بمثل هذه التجاوزات من بعض دور النشر.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.