}

معرض الكتاب السوري في خضم الحرب.. افتقاد النوعيّة

أنور محمد 15 نوفمبر 2021
هنا/الآن معرض الكتاب السوري في خضم الحرب.. افتقاد النوعيّة
من معرض الكتاب السوري في دمشق (عنب بلدي)



هل تعني صناعة الكتاب أنَّ دور النشر العربية عندما تنشرُ ما تنشرُ من الكُتب تقومُ بتقديم نصٍّ إبداعي، إِنْ في الفنون، أو العلوم، أو الآداب، فيه فتحٌ أو كشفٌ معرفي أو علمي؟ وهل معارض الكُتب التي انتشرت عالميًا وعربيًا، ووصل عددها إلى العشرات في الدول العربية، مثل: بيروت الدولي للكتاب 1956، معرض القاهرة الدولي للكتاب وهو من أكبر المعارض عربيًا 1969، معرض الشارقة 1982، الدار البيضاء الدولي للكتاب 1994، الصالون الدولي للكتاب بالجزائر، معرض الرياض الدولي للكتاب، معرض تونس الدولي للكتاب، ومعرض دمشق الدولي للكتاب 1985، الذي كانت آخر دورة له عام 2019، بعد أن توقَّف بين عامي 2011 و2016، بسبب الحرب السورية، ليُستأنف هذا العام 2021 تحت شعار (كتابنا غدنا)، هي مَعارض قادرةٌ على صنع (رأي) ينهض بوعينا الذي لا تأخذ به الدولة العربية المستبدة؟ أم أنَّ هذه الكتب من يمينها إلى يسارها هي جلاَّدٌ فيما القرَّاء ضحاياها؟
معرض (الكتاب السوري) أقيم ما بين 26 أكتوبر/ تشرين الأوَّل و6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، واقتصر على المشاركة المحلية لدور النشر السورية، وقدَّم حوالي 5000 عنوان جديد في القضايا الثقافية والسياسية والاقتصادية والفكرية والأدبية. وشاركت فيه 48 دار نشر، مثل: الحوار، نينوى، التكوين، رسلان، دلمون، اتحاد الكتاب العرب، إضافة إلى منشورات وزارة الثقافة، التي قدَّمت حسومات وصلت حتى نسبة 60% على الكتب المنشورة ما بين عامي 2016 و2020، وهي الجهة الرسمية مؤسِّسة المعرض وراعيته، وبمشاركة الكُتَّاب المستقلين الذين أصدروا كتبهم على حسابهم الشخصي منهم: الشاعر سليمان السلمان، والباحث معن النقري. فيما امتنعت دار كنعان، وورد، وأطلس، وممدوح عدوان، عن المشاركة. كأنَّه في هذه الدورة، وهي الأولى منفردة من دون المشاركات العربية، ربَّما بسبب المقاطعات والعقوبات جراء الحرب السورية، بدا المعرض في شكله؛ فعالياته وأنشطته الثقافية كمن يؤسِّس لجماليات، ولكن مُسلَّعة. فما شاهدناه من عناوين ـ لعلَّ أهمُّها عناوين كتب دار الحوار، وبعض مطبوعات الهيئة السورية للكتاب ـ هي عناوين لكتب تروِّج للفوضى والهامشية. أين الوعي النقدي؟ إنَّ اقتناء كتاب من قارئ غير مُحصَّن اقتصاديًا يتطلب اتخاذ موقف سياسي ووجودي. وفوقها أنَّ كثيرًا من العناوين هي للاستهلاك، مثل أغلب دواوين الشعر، والروايات، فدور النشر كأنَّها لا تؤسِّس لقوام ثقافي وفكري، ولا لمنطقة ثقافة أو حياة.




إنَّ الكتاب ليس من الصناعات الثقيلة، ولكن بعض الناشرين كانوا مؤسَّسات خاصة أو عامة يحوِّلونه إلى صناعة ثقيلة بوقعها على العقل، فيتحوَّل القرَّاء إلى ضحايا، ولكن بريئة، فنقع في التراجيديا المجانية، فينبثق العنف وينفجر وينتشر، سواء كان خياليًا أو واقعيًا. إنَّها الحرب التي انسحب دخانها وسمومها إلى المعرض، والتي عرفَ وبَرَعَ تُجَّار الحرب في استغلالها، وصارت عندهم معارض بديلة ودائمة مثل: معرض الجوع، ومعرض الغلاء، ومعرض وقوف الناس طوابير؛ بل قطعان على المخابز والمحروقات، وحاويات القمامة التي تمَّ إطلاق تسمية (مزهريات) عليها، والتي صرتَ تُشاهد بأُمِّ عينك رجالًا وأطفالًا؛ بل ونساءً يبحثون فيها عن مخلفات الأطعمة.




وهنا نسأل: هل مثل هذه المعارض تقدِّم بعضًا من العزاء لمن لا يملك قوت يومه أمام وحش الأسعار الذي يحلِّق ويفترس حتى أحلام البشر، وكيف يمكن أن نقدِّمَ شراء الكتاب على حيازة رغيف الخبز؟ وكيف أمام الفعاليات المرافقة للمعرض كنشاطات فنية مثل عرض فيلم "نجمة الصبح" إخراج جود سعيد (راجع ضفة ثالثة في 6 يناير/ كانون الثاني 2021)، وحفل موسيقي لأوركسترا الموسيقى العربية لمعهد صلحي الوادي من الأغاني التراثية السورية والقدود والموشحات، والندوات الفكرية مثل: ندوة "الكتاب السوري.. الدور التنويري وآفاق التطوير"، و"صناعة النشر.. آفاق ومشكلات وتطلعات"، و"الرواية تاريخ من لا تاريخ له"، و"التواصل بين الرواية والفنون"، و"الرواية والفنون.. نهاية رجل شجاع أنموذجًا" عن رواية لحنا مينة، و"الرواية والفن التشكيلي" إلخ.. سنبقى قادرين على الحفاظ على وعينا الحر، وهو الوعي البدئي الذي يستدعي الحريَّة، ولكن بالمعرفة التي من مصادرها الكتاب؛ المعرفة التي هي رفضٌ وتحد وتمرُّد؟ فالعقل الإنساني لا يقبل الزيف، لأنَّه عقل حقوقي وسياسي وعلمي وفلسفي وأخلاقي، وصناعة الكتاب كان ما كانَ جنس المعرفة التي يحملها، إنَّما هو إنجاز إنساني لِكَوْنِ نَكونْ. فهو ليس كصناعة القبَّعة، أو الحذاء، وقراءته كمثل كتابته، فنسأل: لماذا أكتب، لماذا أقرأ؟ فنتأمَّل ونبحث كون الإنسان حامل صيرورة التاريخ.
صانع الكتاب العربي، خاصة أولئك الذين جاؤوا إلى الكتاب باعتباره سلعة، مثله مثل القمصان والسراويل ومعجون الأسنان والمنظفات، لا يشتغل بنورانية العقل، بل بضوء (الربح). طبعًا ليس المطلوب منه أن يصير حامل بشارة. معرض الكتاب السوري لم يكن نوعيًا؛ ربَّما بسبب ارتجالات موظفي الثقافة الذين نظَّموه وأشرفوا عليه، لأنَّهم ككلِّ موظفي الدولة العربية أسيرو وحدتهم الأبدية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.