}

الدراما اليمنية.. ما بين الموسمية والارتباك وإخفاقات أخرى

صدام الزيدي صدام الزيدي 20 أبريل 2021
هنا/الآن الدراما اليمنية.. ما بين الموسمية والارتباك وإخفاقات أخرى
ثمة مسلسلات تحاول أن تكون عند مستوى المسؤولية والرسالة
كالعادة، ظهرت مسلسلات درامية متنوّعة على شاشات القنوات التلفزيونية اليمنية ابتداءً من اليوم الأول لشهر رمضان الجاري، وهي مسلسلات بات المشاهد اليمني ينتظرها عامًا كاملًا، ممنيًا النفس بدراما تُبقي على القليل من ماء الوجه المهدور.

لكن ما بدا لافتًا، في مسلسلات رمضان لهذا الموسم، أنها تعيد إنتاج الفوضى والارتباك والتخبّط في كثير منها، إلا من محاولات جادّة في هذه القناة أو تلك، تسعى لتقديم دراما راقية ومسؤولة، في مقابل حالة من التهريج والأخطاء وغياب فكرة واضحة أو رسالة تنويرية هادفة، ما يجعل من دراما رمضان التي تعرض الآن، شيئًا من السقوط وتكرار الانفلات والتردّي، مع سبق الإصرار.


دراما موسمية!
لم تتحرّر الدراما اليمنية بعد من قيد الموسمية (تصحو في رمضان لتنام بقية شهور السنة)، وكأنّ من يشتغلون في هذا المجال كانوا في إجازة قسرية وها هم قد عادوا فجأةً من خلال قنوات ومحطات بث تلفزيونيّة بينها ما هو حكومي وآخر أهلي أو حزبيّ، لتسلية القلوب الموجوعة في مناحة طويلة أحدثتها الحرب، ولإضحاك الناس لا سيما الأطفال الذين هم أكثر فرحًا بها من الكبار.


منذ أن وعى المشاهد اليمني نفسه، وهو في حالة من التعلّق بدراما هشة، تغيب لفترة 11 شهرًا ثم تعود في رمضان لتقدم أطباقًا من النكات والمشاهد المرتبكة، الأمر الذي فاقم الهوة بين الدراما التي يحلم بها اليمنيون من ناحية، وما يُوجه إليهم، تباعًا، من أعمال لا تتفق في كثير منها ومتطلبات التغيير والتنوير، في بلد دخل عامه السابع تحت وطأة الحرب.
وبأسف يتذكر اليمنيون دراما الثمانينيات والتسعينيات - على قلّتها وعلى قلّة الشاشات التي عرضتها- التي كانت أكثر جديةً وأوضح رسالةً وأكثر بقاءً في الذاكرة وتأثيرًا في الناس، قياسًا بدراما العقدين الأخيرين، تحديدًا. الانهيار الدرامي مستمر وفداحاته تتضاعف من عام لآخر، رغم بروز شركات ومؤسسات أكثر، على طريق إنتاج الدراما.
سألنا مثقفين ونقادًا أكاديميين وأدباء يمنيين، يتابعون جديد الدراما هناك، حول أسباب موسمية الدراما اليمنية (لماذا هي شغل رمضاني فقط)؟ لم هي هشّة، مرتجلة، ومرتبكة في معظمها؟ وما الذي تحتاجه الدراما اليمنية لتكون فنًا يناقش هموم البلد (المنكوب بالمآسي والمجاعات)، ويخلق وعيًا وثقافة في أوساط المجتمع، وينافس عربيًا؟


احتقار الفن
ينوّه الناقد والأكاديمي في جامعة صنعاء، قائد غيلان، بدايةً، إلى أن الفن في اليمن مهنة محتقرة أو في منزلة دنيا، وخاصة الغناء، يأتي بعده الرقص والتمثيل، مبينًا أن هذا "الاحتقار للفن" يظهر بشكل أكثر في مجتمع صنعاء وما حولها، "لهذا لا يتذكر الناس الفنان إلا وقت الحاجة".

 قائد غيلان 


ويكشف غيلان أن الدراما كفن "انحصرت منذ السبعينيات في المناسبات فقط"، فلا تستدعي الدولة المغنّي إلا في المناسبات الوطنية، ولا تنجز المسرحيات إلا من أجل عيد الثورة، وعندما دخل التلفزيون في الخط، دخل معه رمضان كمناسبة أخرى للأعمال الدرامية، حيث يتحلّق الناس في سهراتهم حول التلفزيون.
ومن هنا، يخلص غيلان إلى أن الفنّ ليس مكوّنًا من المكوّنات الثقافية في المجتمع اليمني، بل هو شيء مكمّل، إضافي، هامشي، "ولا يتعدّى دوره تسلية الناس وتجميل وجه الأنظمة الحاكمة".
وعمّا يعرض في التلفزيون اليمني، من أعمال درامية (موسمية)، يقول غيلان: "هذه الأعمال يقف وراءها هواة ومبتدئون، لذا فهي أعمال ارتجالية وكأنها تبدأ من الصفر. المبدعون الذين تم تأهيلهم خارج البلد ونفذوا سابقًا أعمالًا جيدة، يقبعون الآن في بيوتهم، لا يستعين بهم أحد، لهذا تأتي الأعمال الجديدة أقرب إلى الارتجال، أو لعب عيال، وهذا لا علاقة له بالإمكانيات. الأعمال التي نراها توفرت لها الإمكانيات، ومع ذلك قدّمت أعمالًا دون المستوى".


ويعتقد غيلان، في ختام حديثه لـ"ضفة ثالثة"، أنه، عندما يصبح الفن ثقافة ضرورية، ويصبح الفنان إنسانًا محترمًا، وعندما يصبح الفن واجهة البلد، وضرورة لا ترفًا، ويصبح الفنان سفير بلده يعكس ثقافته، وليس مجرد واجهة مناسباتية، من ضمن تجهيزات المواسم والاحتفالات، وعندما يتم التعامل مع الفن بجدية، فتوكل مهمة الفن لذوي الاختصاص وللمبدعين الحقيقيين، لا الهواة والمهرّجين القادمين من قنوات اليوتيوب، حينئذ يمكننا القول بأن الدراما اليمنية أصبحت "فنًا للناس يناقش همومهم ويخلق وعيًا وثقافة وينافس عربيًا".


ارتجال 
من جهته، يعزو الشاعر والكاتب ضياف البرّاق، موسمية الدراما اليمنية إلى "محدودية الاستطاعات المادية والفنية"، أو بتعبير آخر، إلى "قلّة الإمكانات وشحة المواهب في هذا المجال"، كما يعتقد. لكن البرّاق يرى أن هذه الدراما البسيطة، ذات الثقافة الفنية غير الناضجة، تفكر، أولًا، بالربح والشهرة، وهذا الهدف المادي لا يمكن تحقيقه إلا في رمضان، لأنه موسم كثرة الجمهور وازدياد الشغف إلى المشاهدة. وهذا "عيب خطير ترتكبه هي ضد نفسها. وعيبها الآخر هو الارتجال".

ضياف البرّاق  


ومستدركًا، يذهب البرّاق إلى القول إن: "رداءة هذه الدراما يرجع إلى رداءة واقعنا الاجتماعي، لأن تأثير الواقع على الفن والأدب يحدث دائمًا".

وبأسف، يقول ضياف لـ"ضفة ثالثة"، فإن أكثر ما يزعج في هذه الدراما، هو تأكيدها لجمهورها، عامًا بعد عام، على أنها لا ترغب في تطوير نفسها، وأنها غير ساعية إلى تحقيق مثل هذا الهدف المُهِم: "هذه هي معضلتها الكبرى. إنها، بالتأكيد، في أشدّ الحاجة إلى توفر تلك الشروط المُهِمة، التي ستجعل منها دراما حقيقية، أي ذات قيمة رفيعة، شكلًا ومحتوى".



غياب مؤسسات التدريب

من جهته، يعتقد الشاعر والكاتب خالد الضبيبي أن الدراما اليمنية لكي تنتج إبداعًا جيدًا تحتاج لمؤسسات تعليمية متخصصة ولآراء النقاد والمتخصصين في قياس احتياجات المجتمع: "تحتاج الدراما في اليمن أولًا إلى معاهد متخصصة تُعلم الشباب أساسيات وتقنيات العمل الابداعي، وفق أسس منهجية حديثة، إلى جانب حاجة الدراما اليمنية إلى التزاوج مع المؤسسات العربية الأخرى، فأي عمل مشترك يقدّم خبرات متعددة، ويساعد على فهم كيفية إنتاج فن إبداعي يخدم المجتمع، وهنالك حاجة ملحة لنصوص جيدة تناقش رؤى فكرية إبداعية وثقافية، وتقدّمها بشكل مميز، يحافظ على خصوصية البيئة اليمنية، ولا بدّ من فهم الفوارق بين الأنماط الإبداعية التمثيلية: كوميدية ودرامية وتاريخية، إلخ..".
ويعزو الضبيبي هشاشة محتوى الدراما اليمنية إلى أسباب عدة منها: عدم وجود مؤسسات تعليمية، وظيفتها صقل المبدعين والتقنيين مثل معاهد السينما والتلفزيون المتخصصة، وأيضًا غياب المسرح، الذي يعدّ اللبنة الأولى التي ينطلق منها المبدع والتي تساعده على رفع مستوى الأداء والتمثيل، إلى جانب شح المواد التي تستطيع تقديم رؤى حقيقية واقعية وإبداعية، وعدم وجود المهنيين من كتاب سيناريو ومخرجين وإضاءة وتصوير، وكل الطواقم التي تجيد مسايرة العصر، كل هذه الأسباب تعمل مجتمعة على صناعة أعمال قوية إلى جانب المساحة الزمنية التي ينبغي أن يأخذها العمل في الإعداد والتنفيذ، وبالتالي المونتاج الجيد في ظروف مهيأة تساعد على تعديل أي أخطاء قد تقع أثناء التصوير.

خالد الضبيبي 


وينوّه الضبيبي أنه إذا كان الفن يمثل انعكاسًا مباشرًا لقضايا المجتمعات فقد حضر عبر مراحل زمنية تاريخية طويلة، وإذا كان الاشتغال المرئي (السينما والتلفزيون) يعدّ دمجًا لكل الآداب والفنون بعضها ببعض من أجل مناقشة قضايا مجتمعية، فإن صناعة المحتوى تظل بحاجة ماسة إلى مبدع على مستوى عالٍ من الثقافة - إلى جانب الموهبة- يكون قادرًا على فهم كل هذه القيم الإبداعية وكيفية دمجها، ومعرفة الجوانب التقنية والاقتدار في التعامل معها. وفي هذا السياق، يشير الضبيبي، إلى أنه، في اليمن، تواجدت مؤسسات تعمل في صناعة الدراما، كانت تابعة للنظام وظلت فترة طويلة تخرج اشتغالها المقنن حسب توجه النظام، ولكن عند تحرّر القيمة المرئية عن طريق الثورة المعلوماتية، تطوّرت صناعة المحتوى بشكل موسع، ودخلت مؤسسات وفضائيات في سوق الدراما والمحتوى التلفزيوني، لكن، مع ذلك، ظل المحتوى الدرامي اليمني بسيطًا جدًا، بسبب ضعف غياب الخبرة لدى إدارات تسيير الأعمال، ومحاولة توجيهها بحسب توجّه رؤوس الأموال، وبالتالي، فهذا الاشتغال الضعيف قدّم إنتاجًا متواضعًا لم يساعد في تصدير محتوى فني بتقنية عالية، صاحب جودة واشتغال منافس، مما جعل منه إنتاجًا (موسميًا) محليًا.


خصوصية
وفقًا للضبيبي: شهر رمضان هو الموسم الذي تستطيع القنوات خلاله تقديم محتواها، لخصوصية هذه الشهر، إذ تلتقي غالبية الأسر على مائدة واحدة، ومن هنا، فإن القنوات التلفزيونية تجد في ذلك فرصة لتقديم أعمالها الجديدة، كي تحصد مشاهدات مرتفعة، مستفيدة من تواجد أكبر عدد من المشاهدين أمام الشاشات. لكن ما يزيد من هشاشة الدراما اليمنية، وحضورها المرتبك، أنه، علاوة على موسميتها، فهي متأثرة بضعف التمويل، وغياب التخطيط، فكيف للمؤسسات أن تنتج أعمالًا في بقية شهور السنة؟


وختامًا، ينوّه الضبيبي: "إن المحتوى المرئي أصبح صناعة عالمية، تدرّ على الدول الكثير من الأموال، ولقد حوّلت كثير من الدول هذا المحتوى إلى أداة لتنمية موارد السياحة والمضيّ في التقدّم الحضاري، فنرى المسلسلات التي تروّج للتاريخ والتراث والحضارة مستندةً على محتوى إبداعي يجذب المشاهد، ونلاحظ ذلك في إحصائيات قياس مستوى المشاهدة التي تعتمدها القنوات لقياس الحضور والتأثير وهي إحصائيات يبني عليها صناع المحتوى أفكارهم ويطوّرون صناعتهم وأدواتهم التسويقية على ضوئها".


سخط في مواقع التواصل
منذ اللحظة الأولى لبث مسلسلات رمضان لهذا العام عبر القنوات التلفزيونية اليمنية، شنّ كثير من الناشطين والمغردين اليمنيين في فيسبوك وتويتر، هجومًا على هذه الأعمال الدرامية، وبدا لافتًا أن الذين عبّروا عن استيائهم من هشاشة دراما هذا الموسم وتخبّطها وتكرارها للفشل واستغفال الجمهور ومراوحتها في دائرة مغلقة، كانوا أكثر من جمهور موازٍ يرى من ناحيته أنه في ظروف الحرب التي دخلت عامها السابع وفي غياب اهتمام الحكومات اليمنية ومؤسسات الإعلام والتلفزة بهذا الفن، كان ينبغي تخفيف نبرة السخط وعدم الرضى عن هذه المسلسلات على أمل أن تشرق الدراما اليمنية في قادم السنين، ويكفي أن مؤسسات ومنتجين تفاعلوا وقدّموا أعمالًا بدلًا من الاستسلام للفشل والغياب.


الخارطة الرمضانية
لكن ما ينبغي الإشارة إليه أنه من بين قرابة 9 أعمال درامية تعرض حاليًا على قنوات بعدد أصابع اليد الواحدة، ثمة مسلسلات تحاول (مع قليل من أخطاء وهفوات) أن تكون عند مستوى المسؤولية والرسالة، تحترم المشاهد، وتحرص على تطعيم قائمة شخصياتها التمثيلية بأسماء فنية مرموقة، نذكر منها مثالًا الفنان القدير نبيل حزام، الذي ما إن يطل في عمل درامي إلا ويكون التفاعل مع العمل أكثر مما يحدث مع مسلسلات أخرى، تفتقد روح الإبداع والرسالة الهادفة المعبرة عن قضايا المجتمع وهمومه وتتخبّط حتى نهاية الانفلات. ومعروف أن نبيل حزام يحترم موهبته ورسالته كفنان تمثيلي ومسرحيّ، فهو من قلة قليلة جدًا شقّت طريقها باحتراف في مجال يندفع إليه كثير من الدخلاء، كما أنه اليمني الوحيد الذي شارك بتألق في أعمال درامية عربية شهيرة، ضمن أعمال مشتركة في كل من مصر وسورية والعراق ودول الخليج. 


حرصنا في هذا التقرير على عدم الإشارة بصريح العبارة إلى هذا المسلسل أو ذاك، تاركين للجمهور المتيقظ والفطن مسألة فرز الغث من السمين، فهو المتلقي وهو الحكم. وأخيرًا نشير إلى أن خارطة المسلسلات اليمنية في رمضان الجاري، موسم 2021، تتضمّن أعمالًا درامية تلفزيونية منها: "أنياب الشر" (يبث على قناتي "اليمن" و"سبأ")؛ "خلف الشمس" (يبث على قناة "السعيدة")؛ "ليالي الجحملية" (يبث على قناة "يمن شباب")؛ "صرخة وطن" (يبث على قناة "الهوية")؛ "مُخلف صُعيب" (يبث على قناة "السعيدة")؛ "عيال قحطان" (يبث على قناة "المهرية")؛ "الجمرة 2" (يبث على قناة "حضرموت")؛ "كابيتشينو" (يبث على قناة "يمن شباب")؛ "رحلة ذهاب" (يبث على قناة "المهرة").

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.