}

مستقبل حراك الجزائر في عيون مثقفين وإعلاميين

بوعلام رمضاني 18 مايو 2021
يَبدو جليًّا أن الحراك الجزائري مُشرَعٌ اليوم على مُستقبلٍ كلّه انزلاقات خطيرة، وتحديَّاتٍ أخطرَ غيرُ مَسبوقة، من شأنِها أن تَجعَل مِنه حدَثًا عالميًا فرعيًا.

ورغم الوطأة الإعلامية الأقوى والأخطر للمذبحة الإسرائيلية الجديدة ضد شعبنا الفلسطيني الأبيّ والأعزل، الذي يَصنَعُ الآمال المستحيلة والممكنة في الوقت ذاته، والخارجة من رحم آلام وتضحيات خرافية، فإن الربط بين الشعبين الجزائري والفلسطيني يُعَدُّ اليوم وأكثر من أي وقت مضى ربطًا وُجوديا أبديًا يَدفَعُ أَهلَنا في الأراضي المحتلة إلى استلهام ثورة الجزائريين الذين أَفْشَلوا مُخطّط فِرنسا الاستيطانية والاستعمارية.

الحراك الجزائري الذي عاد إلى الشوارع في الذكرى الثانية لانطلاقته في ربيع 2019، لم يتجاوز تَحدي وَباءَ كورونا فحسب، بل راح يُعمِّقُ سِلميته الفريدة من نوعها جزائريًا وعربيًا بشكل لم تَعُد تقبلها السلطة الجزائرية.

هذه السلطة التي لم تَتَجدَّد ولم تَتَبَدَّد، على حد تعبير الشاعر الكبير عمر أزراج في قصيدة تاريخية قَصدَ بها حزب جبهة التحرير الذي لم يَحكم يومًا ما، مَنَعت مُظاهرة الطَّلبة الذين تعوّدوا على الخروج في العاصمة لأول مرة، كما لم تَتَرَدَّد في تعنيف المتظاهرين واعتقال العشرات منهم ومُداهمة بُيوتَ الكثير منهم، وَفِي طلب تَرخيص من المتظاهرين قبلَ الخُرُوجِ إلى الشوارع، في أول إجراء من نوعه منذ انطلاق حراك الجزائر.

"ضفة ثالثة"، الموقع العربي الوحيد الذي يَنفَرِدُ منذُ مُدَّة بمقاربة الحراك الجزائري ثقافيًا، يعود إليه مُجدَّدًا مُواكِبًا أحْدَثَ التَّطورات من خلال كوكَبَةٍ مِنَ الكُتَّاب والإعلاميين والناشطين الذين قَبِلُوا دعوتنا مشكورين. آخرون كُثُر غَيْرَ مُحايدين من الحراك، سواء تعلَّقَ الأمرُ بخصومه أو مناصريه الشرسين، رفضوا تلبية الدعوة لأسبابٍ نَجهلها، عِلمًا أنَّهُم عُرفوا بتأييد السلطة التي تتعرَّضُ لمؤامرةٍ خارجية - كما يقولون- أو بمعارضة تُعمِّق قناعتهم القديمة الجديدة التي تؤكد في نظرهم إفلاس سلطة لم يَبْقَ أمامها غيرُ سِلاح رداء خطاب المؤامرة للتغطية على فشل سياسي داخلي ذريع متعدد الألوان والتجليات والمستويات.


هنا آراء الذين قَبلوا، وساعدونا على تحقيق عمل مِهَني يَقُومُ على الرأي والرأي الآخر، القاعدة المبدئية والذهبية التي تَرتَقِي إلى حقيقة الصراع بين طرفين من حق ممثليه التعبير بكل حرية. بعضهم لم يكُن لديه الوقت أو تأزّمت مقاربتهم للحراك، رفضوا التعليق أيضًا على قرار شرط الترخيص للتظاهر باعتباره منعًا له بصفة غير مباشرة كما يرى إعلاميون ومثقفون. آخرون يُؤمنون بأنَّ تَعنِيفَ المتظاهِرين ومَنْعِهم بصفة ناعمة ومقاربتهم أمنيًا، كما أكدت ذلك مظاهرة الجمعة الأخيرة، حقيقةً تُعدُّ فشلًا سياسيًا جديدًا للسلطة، وانتصارًا للحراك الجماعي والواعي بمناورات السلطة، والمستمر في سِلميَّتِه السياسية العجيبة التي تَصْنَع التاريخَ على طَرِيقةِ المهاتما غاندي.


"رشاد" و"الماك" كسلاح في يد السلطة

مُراقِبُون كُثُر وناشطون وإعلاميون وسياسيون ومثقفون من المعارضة، يَرَون في الإجراءات الأخيرة دليلَ نِهاية "تعايش" سياسي قَبِلَته مجموعة جنرالات مُضطرَّة وغير مُخَيَّرة قبل أن تعترف بما أسمته بـ"الحراك المبارك" و"الأصيل" الذي طَرد عصابة الرئيس السابق المقعد عبد العزيز بوتفليقة.

السلطة العسكرية نفسها التي باركت الحراك، بعد أن وصفته بالشرذمة الضالة المُسيَّرة من الخارج والمكوّنة من شواذ على حد تعبير أحد وزرائها، هي نفسُها السلطة التي قرّرت التعامل مع الحراك الذي انحرف عن سكّته في الفترة الأخيرة بحزم وقوة يبرّره أمن الدولة واستقرار الوطن، استنادًا لأدبيات المجلة الناطقة باسم الجيش.

خِطاب المؤامرة التي تُحاك ضد الجزائر تكريسًا لتداعيات ثورات الشتاء العربي - وليس الربيع كما يقول الكافرون بها- هو الخطاب الذي أخذ بُعدًا جدليًا ووُجوديًا غير مسبوق، بعد أن أشهرت السلطة في وجه الحراك مبرّري مؤامرتي إسلاميي "رشاد 1" و"الماك 2" لوضع حدّ لـ"حراك العسل".


مبرّرًا السلطة في نظر ناشطي ومناصري الحراك، ما هُما إلا تغطية بائسة وتعيسة على إنكار سياسي موصوف ترفضُ السلطة الاعتراف به للمضي نحو مستقبل يقوم على شراكة سياسية عادلة وديمقراطية وشفافة تعكس فسيسفساء وكوكتيل كافة الأطياف الإيديولوجية التي عرفتها الجزائر في عز الحركة الوطنية التحريرية.

ورقتا إسلاميي "رشاد" أو جبهة الإنقاذ الإسلامية "الفيس" التي تَخرج من رمادها كالعنقاء كما يقول أعداؤها و"الماك" الانفصالي المدعوم صهيونيًا، تُعيد الجزائر في نظر المتأكّدين من خواء الحلقة التي تدور فيها السلطة الجزائرية إلى مفارقة خطاب المؤامرة الخارجية التي تستهدف استقرار البلاد، والتي أشهرها كبطاقة حمراء أحمد أويحيى، رئيس الحكومة السابق القابع في سجن الحراش، واللصيق تاريخيًا بوصف رَجُل المهام القذرة.

للوقوف عند خلفيات وحُجج طرفي الصراع في الجزائر عشية انتخابات تشريعية تَعتزم السلطة تنظيمها الشهر القادم مهما كلّفها الثمن، اقترب موقع "ضفة ثالثة" من بعض المثقفين والنشطاء والصحافيين لاستجلاء الأمر كما يراه كل واحد، تجسيدًا وتكريسًا للرأي والرأي الآخر.


سلطة لا تَعرِفُ إلا العصا

الكاتب الصحافي عثمان لحياني كان أول من تجاوب مع دعوة "ضفة ثالثة"، مُنطلقًا من قناعة مبدئية راسخة مفادها أن السلطة الجزائرية لا تعرف إلا العصا كوسيلة تخاطب بها الحراك بدعوى انحرافه عن طابعه الأصيل الأول، بعد وضوح خيوط المؤامرة الخارجية التي تُحاك ضد الدولة. وقال لحياني معلّقًا على تبنّي الدولة حل النهج الأمني ضد "متآمري" حركتي "رشاد" الإسلامية و"الماك" الانفصالية البربرية العلمانية: "لِمَن سَتُنْسَبُ تهمة التآمر بعد احتجاج رجال الحماية الوطنية هذه المرة، لرشاد أو للماك؟. السلطة التي لا تملك إلا العصا، هي التي أشهرت العصا قبل اليوم في وجوه المُعلِّمين والأطباء وجنود الجيش المعطوبين، وبوصولها إلى المستوى الذي وَضع سِلكين من أَسلاك الدولة في مواجهة مفتوحة في الشارع، تكون قد كشفت عن إفلاس وطَيْشٍ وعرضٍ لمنتوجِ أمني فاسد".

كتحصيل حاصل، أضاف لحياني يقول: "السلطة التي تَرُدُّ بالعنف كجواب واحد ووحيد على كل انشغال سياسي أو اجتماعي مهما كان طرفه، هي سُلطة العمى المرادف للخراب بعينه، والدولة التي يَتمركز القمع والبوليس حصْرا في صُلب تفكيرها هي دولة لم تقفز على حائط برلين". دون أن يُبرِّر بُروزَ حركة "الماك" إيديولوجيًا كمشروع استعماري كبير يهدف إلى تمزيق الجغرافيا الوطنية، أضاف لحياني من منظور جدلي مجددًا: "إن دُخول كلمة الانفصال في معجم البيانات الرسمية لمؤسسات الدولة موازاة للمواجهة العامة مع الحراك، دليل إقرار بوجود معضلة سياسية قد تتَطوَّر في ظُروف مغايرة إلى أوضاع ومعضلات أُخرى، رغم أنَّ هذه الحركة ضعيفة ومعزولة، وتعيش في نطاق ضيق، وتسترزق من سياق عالمي بعدما بات المهندس الدولي يحرص على قضايا المجموعات والأقليات لتوظيفها في تصميم الخرائط الجديدة".

حركة "ماك"


لكن طروحات كهذه - أنهى لحياني يقول في استخلاص منطقي-: "لا يمكن أن تنْفصِل عن الإخفاق في تحقيق المشروع الديمقراطي الذي يُوفِّر للجزائريين إطار الدولة الوطنية القوية، والمؤسسات المنبثقة من السيادة والإرادة الشعبية الحقة بما يضمن للجزائريين حرية صحافة وتفكير وضمير واستقلالية عدالة، ودون هذه الدولة، فإن جوَّ بروز الرؤى التمزيقية سيَجِدُ ما يبررها. الجزائر الغنية بنفطها وثرواتها، والتي يلهَثُ فيها المواطن جرْيًا وراء كيس حليب وقنينة زيت، عرفت قبل تجار الهوية والجغرافيا، تجار التاريخ الذي حوَّلوا تاريخًا متخمًا بالقيم الحيوية المتجدّدة إلى استغلال سياسي رديء لزرع الصراعات، كما عرفت تُجَّار الدين الذين حوَّلوا القيم السمحة للإسلام إلى فتاوى للتكفير والدم والقتل". أخيرًا قال لحياني: "ستَتَسبَّبُ السلطة التي شرعنت العنف ضد متظاهرين سلميين في مزيد من التوتر والتعقيد والاحتقان في هذا الشهر الذي يؤكد أن معركة الحرية والشرف واحدة في الجزائر وفي فلسطين، وسيواجه الشعب الفلسطيني مجزرة إسرائيل الاستيطانية، وستُتَوَّجُ مُقاومتها الباسلة والخرافية بالنصر المبين، كما واجه الشعب الجزائري كوكتيل المجازر الفرنسي".


حراك عدمي

الأستاذ والروائي والمترجم والناقد الأدبي السعيد بوطاجين والناشط القوي عبر صفحته الفيسبوكية التي يُدين فيها الوضع المزري العام في الجزائر، انطلق مُباشرة في تشخيص صراع الحراك مع السلطة من منظور تحميل قادته مسؤولية غياب استراتيجية نضالية تُضرِب في صُلب الممارسة السياسية الواعية والمبتكرة والذكية، وبطرحه المبدئي هو الآخر، يكون قد اختلف جذريًا مع الزميل لحياني المؤمن بمسؤولية السلطة التعسفية والرافضة لكل الأصوات المعارضة غير المخترقة حتمًا، والحاملة لمطالب معقولة وواقعية وغير راديكالية وعَدمية أو مُغرضة حتمًا، كما برهن على ذلك مُتوقِّفًا عند أكثر من حالة احتجاجية عرفتها الجزائر قبل أن تَعترف السلطة بِها كجُزء من الحراك الأصيل والمبارك.

بوطاجين كان أبعد ما يكون عن الزميل لحياني بقوله: "كان على الحراك تفادي الميوعة والإنزلاقات كحتمية تفرزها الإيديولوجيات والنعرات والإختراقات بطرحه في البدايات الأولى أسئلة من نوع: وبعد، وثم ماذا؟ إلى أين؟ الشيء الذي لم يحصُل في ظِلِّ التأسيس على نقطة ذهاب النظام المتهم بالأوليغارشية والاختلاس، وما شابه ذلك من الشعارات التي رفعها الحراكيون".

"إن وجود رايتين"، أضاف يقول الأستاذ بوطاجين: "كان مدخلا لأسئلة طرحها الكثير من الجزائريين، وربما كان ذلك خطأ جسيمًا إن نحن أخذنا بعين الإعتبار الأمر بموضوعية ودون حساسيات عرقية". في تقديره، لم تكن الراية الأمازيغية مُعبّرة فقط عن مطلب ثقافي، وإنما استثمرت بطريقة سياسية عبّرت عن مقاصد سياسية أحدثت فجوة وأثارت حفيظة البعض، كما أن الحراك أصبح عدمي التوجّه بعد رفضه أشخاصًا تمثيليين: "بذلك يكون قد دَخَل في مرحلة العدمية الأمر الذي أدى به إلى الانغماس في مرحلة الهشاشة التنظيمية والمحدودية في الرؤية، والتوجه نحو المجهول في ظل غياب مقترحات وبدائل فعلية تقف وراءها شخصيات فاعلة". ما حصل مؤخرًا - أضاف يقول دون تشخيص ما حصل- استنتاج أن التَّصدُّعات والانشقاقات التي برزت بعد عامين من الحراك: "ليست سوى نتيجة منطقية وَجَبَ توقُّعها كمرحلة قد تمهد لمراحل غامضة يتعذر معرفة مآلاتها كما حصل في التسعينيات"، على حدّ تعبيره.



وأنهى بوطاجين طرحه في الأخير بقوله: ""الماك" و"رشاد" جزء من هذه النتائج التي لها علاقة بضياع الحراك الذي لا خطة له، باستثناء تكثيف المسيرات والحشود وتنويع الشعارات والإتهامات التي يمكن أن تستغلّها جهات متعددة خدمة لمصلحتها لأنها أكثر تنظيمًا، وأكثر تلاحمًا وقدرة على تحيين أفكارها".

وسيلة بن لطرش، الطبيبة في علم النفس وعضو التنسيقية الوطنية لعائلات المختطفين والناشطة البارزة في الحراك بقسنطينة، ترى: "أن خطاب المؤامرة ليس أمرًا جديدًا في تاريخ النظام الجزائري، وتم استعماله كمنهج للتغطية على فشله في تسيير البلد وحل الأزمات المختلفة ولمواجهة كل أنواع الاحتجاجات. خطاب المؤامرة لم يَعُد يجدي في زمن وسائل تواصل اجتماعي مكَّنَت الجيل الجديد من رفع شعارات بديعة تُغْنِي عن كل التحاليل السياسية النخبوية: "60 عام فرنسية يا أولاد بيجار.. حبِّيناها جزائرية"، "انتو ما الإرهاب وانتو ما كورونا"، ما اتخوفوناش بالعشرية واحنا رباتنا الميزيرية"، "ما كاين علماني، ما كاين إسلامي.. كاين عصابة تسرق عيناني". حل "الكل أمني" سيكون باهظًا حتى على النظام نفسه - على حد تعبيرها- و"وحده حلُّ قيادات عسكرية شابة لم تتورط في دماء الجزائريين وفي الفساد، يُمكن أن يُمثّل صوت العقل، وذلك بفتحِ حوارٍ مع الحراكِ بغَرضِ بِناءِ جزائرَ ديمقراطية وعادلة، واستمرار الحراك أكثر من ضَروري لضمان وُصول قطار التغيير محطة الأمان".


حراك دون ذيل ورأس

البروفيسور والمؤرّخ والمحلل الاجتماعي أحمد رواجعية والأستاذ المترجم صالح عبد النوري، التحقا بركب الأستاذ بوطاجين بشكل مباشر لا يقبل الجدل.

يقول الأول: "مهما كانت شرعيته، فإِنَّ الحراك قد انطلق بطريقة خاطئة.. إنه خليط من التيارات الإيديولوجية التي عَرفتها الجزائر منذ التسعينيات، والمُكوَّن من يساريين متعدّدي الألوان، وإسلاميين راديكاليين ومعتدلين، وقوميين انتهازيين ومستنسخين بروح "الأفلان" (حزب جبهة التحرير الوطني)، وأمازيغ وبربر هوياتيين وإيديولوجيين يبحثون عن التصالح مع الذات، وأشباه ديمقراطيين يَسعُون للحصول على اعتراف الغرب، وللظفر بتعاطف منظمات ورابطات وطنية ودولية غير حكومية تعنى بحقوق الإنسان. هذه "الصهيرة" التي تُسمى حراكًا، تسعى إلى تنحية الجميع من كل مؤسسات الدولة الأمر الذي يطرح مشكلة على مستوى المعنى والفعل في ظل غياب مشروع يحمل في طياته المصداقية والبديل الجدي للنظام الذي يحاول إسقاطه". نُباح المشاركين في الحراك المستمر - يضيف بالحرف الواحد الأستاذ رواجعية- هو أيضًا الحراك الذي تُشجِّعُه قوى أجنبية معينة عبر عرائسها المتمثلة في إسلاميي حركة "رشاد" ومنشقي "الدياراس" DRS (مديرية الاستعلامات والأمن السابقة أو المخابرات)، علاوة على "الماك". كاستنتاج منطقي في تقديره، لا يمكن لهذا الحراك أن يُسقط القادة السياسيين الحاليين لاستبدالهم بنظام غير محمود العواقب، وسيفْشَلُ حتما لأنه دون ذيل ورأس.



الأستاذ المترجم عبد النوري قال نفس الكلام الذي جاء على لسان الأستاذ رواجعية: "الحراك الجديد والمُغتصب، والمُصِرّ على مرحلة انتقالية يقودها أناس دون انتخاب، لا يمكن إلا أن يؤدي إلى مخاطر معروفة. الحراكيون يرفضون المشاركة في انتخابات شفافة تُشرف عليها هيئة دستورية محايدة على حد تعبيره، ويهددون أمن واستقرار البلاد ويُنكرون المكاسب المحققة، وسيكون الفشل مآلهم المحتوم بعد أن أصبح وُجودهم يقتصر على أعداد قليلة".

عبد النوري يرى في إجراءات السلطة الأخيرة أمرًا طبيعيًا، و"وزارة الداخلية لم تطبّق سوى القانون لضمان الأمن في تقديره، بعد أن عرفت من يختفي وراء الحراك وماذا يريد تحقيقه".


سلطة أصبحت خطرا على الوطن

"سلطة فاشلة راسخة في الوهن الفكري لا تكلّف نفسها حتى جهد البحث عن مبررات للاحتجاجات الاجتماعية، غير حكاية المؤامرة والاستهداف والجهات الحاقدة والأطراف الخارجية"- إنها جملة آخر منشور كتبه الكاتب الصحافي نصر الدين قاسم، الوطني غير المصطف في طابور الباديسيين والنوفمبريين وغير العلماني، والعاطل عن العمل رغم أنه من أفضل من جادت بهم الجزائر من طاقات صحافية وفكرية.

هذا المنشور وكتابات أخرى سمح لنا بتوظيفها في استطلاعنا، تؤكد استنتاجه المناقض لطرحي ضيفينا السابقين بقوله: "السلطة تنشر الكراهية، وتُغذّي الحقد بين الفئات الاجتماعية ومؤسسات الدولة "ضرب واعتقال أعوان الحماية الوطنية"، وتؤسّس لنهايات مأساوية لا قدر الله. إنها السلطة التي أصبحت خطرًا على الوطن بمواجهتها الحراك السلمي بالعنف المفرط والاعتقال الشامل، وبذلك فهي تُقامر بمستقبل محفوف بكل المخاطر في الوقت الذي يزداد فيه نفس السلمية الخرافية صلابة غير مسبوقة". رغم الحزن الذي يدمي قلوب شرفاء العالم العربي والإسلامي، أنهى قاسم مداخلته قائلًا: "أبقى متفائلا بتصميم الأحرار في الجزائر وفي فلسطين على كسر الانعتاق وكسر الأغلال، وفي الجزائر تعرّت السُّلطة وتجلت سلمية الحراك بشكل غير مسبوق، وفي فلسطين تعرّت أيضًا إسرائيل الوحشية والمدجّجة بأحدث العتاد العسكري ضد شعب أعزل لم يَجد أمامه غير خيار المقاومة بأبسط الوسائل وبإيمان خرافي بقضيته تمامًا كما فعل الشعب الجزائري".

عبد الكريم سكار، المنتج التلفزيوني، لم يَضع النظام الجزائري والحراك في كفة واحدة كما يمكن أن يفهم، وربط طبيعة مُستقبل مواجهتهما باتزان مطلوب من الجهتين، لأن السياسة فنُّ المُمكن الذي يَبني وليس المستحيل الذي يدمر: "على الحراك أن لا يتمادى في راديكالية يُمكن أن تُؤدي إلى إسقاط مؤسسات الدولة، وعلى النظام أن يَفتح قنوات الحوار الصادق والشفاف، ولا يتمادى في ورقة طريق مسدود تقوم على انتخابات مسلوقة مهما كان الثمن، وإعادة عقارب الزمن إلى الماضي بدلًا من الدخول في سباق ضد الوقت لهدم أساسات الدار القديمة، وبناء دار بتصميم مبتكر يتسع لنوافذ تجتذب ألوان الطيف".


الكاتب الصحافي نصرالدين بن حديد يزُكي طرح زميله سكار، رافضًا العنف الذي يُمارس ضد الحراك في عز رمضان: "مِن حق الدولة، ومن الطبيعي أن تَختلف مع طلبات الحراك معتبرة بعضها غير مقبول، وعلى الرئيس تبون اعتبار الحراك نعمة على البلاد. مهما كانت المسوّغات التي تُقدمها الدولة كمبرر لهذا العنف، تبقى دون القناع بوجاهة الذهاب بالعلاقة بين الحراك والسلطة نحو تأزيم ليس فقط يحطم ما يراه تبون ذاته من جسور مع هذا الفعل الشعبي، بل - وهنا الخطورة- يدخل البلاد والعباد في زقاق مظلم دون نور".

الكاتب الصحافي العربي زواق أكّد هو الآخر أن الثورة الشعبية التي طردت بوتفليقة لم تَطلب ترخيصًا من أحد لما خرجت بسلمية خرافية ما زالت تصنع الحدث، وهي "السلمية التي قال الرئيس تبون نفسه بأنها ظاهرة صحية، والتهديد والوعيد أسلوب غير مجد، وعلى السلطة التفكير بجِدية في مخرج يحول دون حدوث كوارث لا تحمد عقباها".

الكاتب والمحلل الاجتماعي البارز ناصر جابي الذي تعذَّر عليه الرد على دعوتنا قبْل أن يَستعيد صحته، كتب في صفحته معلّقًا على تطورات الساعات الأخيرة التي يشهدها الحراك: "قفزة نحو المجهول بوصول الاعتقالات إلى المحامين والإعلاميين وزعماء الأحزاب. الله في عون الجزائريين والجزائريين".

محمد علواش، زميلي السابق في صحيفة "المساء" والنجم الفيسبوكي كتب يقول: "النظام الفاسد يوحد الأمة ضده. من قال إنه سيأتي اليوم الذي يعتقل فيه كريم طابو "علماني" ومحسن بلعباس "علماني أيضا"، وأحمد بن محمد "إسلامي"، وعلي بن حاج "إسلامي أيضا" لنفس السبب".

الكاتب الصحفي البارز هو الآخر فيسبوكيًا ناصر الدين السعدي كتب يقول: "السلطة الجزائرية المتجبرة والمتهورة تدفع لفتح أبواب التدخل الأجنبي فقط من أجل بقاء سيطرتها على الريع وسوق الذمم، ولا يَهُمُّها إن صرنا ما صارت إليه البلدان التي هدمها غباء وتهوّر حكامها وإفراطهم في ممارسة الظلم. السلمية لن تنجر إلى نهج الخراب والتخريب. السلمية ستبقى نَهجنا لِبِناء الجزائر الجديدة".

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.