}

كُتّاب عن زمن كورونا: اكتشاف الذات وتجربة ديمقراطية

عارف حمزة عارف حمزة 21 مايو 2021
غيّر فيروس كوفيد 19 حيوات وعادات كثيرة، حتى أنّ هذا الوباء بدا مثل حرب مستعرة على العنصر البشري، فصارت الدول تُقرّر تقييدات بحق مواطنيها وسياحها وزوارها، بل صارت حالات حظر التجول من الأمور الاعتيادية، ولم ينقص الأمر سوى صفارات الإنذار التي تطلقها منظمة الصحة العالمية والدول التي اجتاحها الوباء هنا وهنا.

وكان تأثير الوباء في قطاع الكتاب والكتابة كبيرًا؛ فقد ألغيت معارض الكتب والأمسيات الترويجية للكتب وأمسيات الكتاب، لدرجة أن دور نشر عديدة توقفت عن طباعة الكتب وترويج كتبها. وظهرت عادة جديدة وهي انعقاد المعارض والأمسيات بشكل إلكتروني، فصار توزيع جوائز، مثل نوبل ومعرض فرانكفورت الدولي وكذلك مهرجان كان للسينما، يتم بطريقة الديجيتال. فهل فقدت هذه الجوائز والمعارض والأمسيات طعمها؟ وهل هناك فرق بين الأمسيات الحية التي يحضرها جمهور متعطش لها، وبينها كأمسيات تجري عن طريق الديجيتال؟ وما هي السلبيات والإيجابيات في هذه التجربة الجديدة في زمن كورونا؟

 في هذا التقرير حاورنا كتابًا حول ظاهرة القراءة "أونلاين" عن طريق برامج إلكترونية مختلفة، متحدّثين عن تجارب شخصية لهم، وعن تحليلهم للظاهرة والتقنيات الجديدة في عالمي الكتابة والقراءة.

مؤمن سمير 


مؤمن سمير (شاعر ومسرحي- مصر): ربما يستمر الأمر بعد كورونا

لا يكفُّ القَدَر عن اللعب مع الإنسان ولا يكف الإنسان عن المقاومة بالتفكير والابتكار وفتح الآفاق ومحاصرة الاحتمالات المتجددة باحتمالاتٍ مداها أكثر اتساعًا، ومن آليات هذا اللعب أن يعمل القَدَر على أن يُفاجِئ الإنسان بحرمانه من أمرٍ كان قد اعتاده أو اعتبره مكونًا وملمحًا لحياته ومؤشرًا على استقراره، ويمكن التمثيل لهذا بالحق في الاجتماع واللقاء والسفر، وهو أمر ركين في إنسانية الإنسان الذي اعتقدَ وتيقَّنَ طول الزمن بأنه لا بد وأن يثري وجوده بوجود الآخر سواء كان هذا الآخر إنسانًا أو مكانًا أو ثقافة أو حضارة  مغايرة أو حتى مجاورة له.

ويبدو أن وسائل الاتصال الحديثة لم تنجح في أن تعوّض البشر عن اللقاءات المباشرة والحية، لكنَّ الوباء الذي حلّ بالبشرية واجتاحَ الكرة الأرضية بالكامل وظهر كقوة مهيمنة لا تعطي حق القبول أو الرفض، أَمَرَ وفَرَضَ وحَدَّدَ كذلك.. لهذا فلم يكن أمام بطلنا المُقاوِم كعادته، إلا أن يشحذ القرون الخلاقة وينشط في توسيع مدى الاعتماد على الوسائل العصرية والتكنولوجية في تسيير حياته، ومن هذا: التوسع في مقاربة تطبيق الزوووم أو الأونلاين الذي يتيح إقامة ندوات وأمسيات ومؤتمرات موسعة بكل آلياتها وتفاصيلها عبر هذه التطبيقات التي تحقق الاستغناء عن الكلفة المادية التي كان يتكبدها أي  كيان ثقافي أو ما شابه في تنظيم هذه اللقاءات، وكذلك، وهو الأهم، يحقق النجاح في محاصرة أي احتمالية لانتشار العدوى عن طريق الالتقاء المباشر.

وربما سيستمر الأمر بعد كورونا ليكون هذا هو شكل اللقاءات والمؤتمرات في قادم الأيام نظرًا لنجاحه في تحقيق أهدافه وتقليل الخسائر بقدر الإمكان.

لكن، ولأن أي حلول في النهاية هي نوع من أنواع ما يمكن أن نطلق عليه "إبداع الأزمة"، فكان لا بد إذن وأن تتخلّق مجموعة من السلبيات التي سيعمل عليها الإنسان مستقبلًا بالتأكيد، مثل افتقاد الحرارة الإنسانية والإشعاع البشري الحر أثناء اللقاءات الإلكترونية التي هي جمعٌ شفاف بين الواقعي والافتراضي، أو مقاومة الإنسان ذاته في أي مرحلة لفكرة الاعتياد على الأمر نظرًا لأنه اضطر إليه اضطرارًا، حيث يتبدّى لك أحيانًا وأنت تتابع إعلاناته على فيسبوك أو تويتر مثلًا وكأنه تقليعة أو فعل غير مشجّع أو غير هام أو مما يمكن تجاهله.

إن افتراض وجود أعداد لا محدودة من المستمعين هو أمر غير مجدٍ وغير واقعي للتعويل عليه بالرغم من أهمية الكثير من هذه اللقاءات، بالطبع لأن الحقيقة الباردة هي أن مَنْ سيضع نفسه في هذا القفص المتوهّج مع هذه المجموعة البشرية بالذات هو عنصر منحاز بشدة ومهتم بالموضوع، ويعتبر نفسه جزءًا أساسيًا منه، وليس مجرّد مشارك هامشي، وهو ما يقيّد أعداد اللعبة التقنية ويجعلها مهما اتسعت ظاهريًا، محدودة التأثير.

لكن الأمل لا بد وأن يظل في المستقبل حيث سيعيد الإنسان استثمار اكتشافه ذاك ويعمل على توسيع دوائر إمكاناته وتأثيراته وربما سيفكر في ممكنات أكثر طموحًا، كيلا يقع في نفس إحساس المفاجأة الذي نجح به القَدَر في شلّ حركة هذا الكائن العنيد واستسلامه ولو مؤقتًا ليقين العجز، وكونه ليس هو سيد الكون وخالق الحضارات ومطوّرها الدائم بل، إنه مجرد جرم صغير في كون هائل وبلا حدود ولا رحمة.

وداد سلوم 


وداد سلّوم (شاعرة- سورية): القصيدة والجمهور

يشكل التفاعل البصري عنصرًا مهمًا للتواصل بين الشاعر والجمهور أثناء الأمسيات الشعرية بما يمنحه من الرضى والتحليق في علاقة خاصة مع الجمهور عمومًا وبالأخص في القصيدة ذات الإيقاع أو الغنائية. وهذا ما حُرم منه الشاعر في القراءات عبر النت؛ حيث يقرأ أمام جمهور مُتخيّل لا تصله منه أي ردة فعل.

لكن هذه القراءات، من جهة أخرى، أتاحت للشاعر بشكل خاص، وللكاتب بشكل عام، فرصة التواصل مع جمهور واسع وأكثر من المتوقع مقارنة بالأمسيات العادية، وخصوصًا بالنسبة للشعراء المحكومين بالجغرافيا والأحداث السياسية المحيطة، ولكنها في كل الأحوال شكلت نقطة تحدّ لصالح الحياة في ظل الحجر الصحي العالمي.

ولكنني أميّز هنا ما يتركه هذا الأسلوب على شعراء قصيدة النثر؛ فهذه القصيدة لديها مزاجها المختلف؛ فهي تحتفظ بعالمها الداخلي والخاص، ولهذا السبب بالذات يلاحظ استمتاع القارئ بقراءتها، أكثر من حضور أمسيات، وقراءتها في الأمسيات المباشرة، حيث قد يشوبها بعض المنغّصات (كالضجيج مثلًا) التي قد تحرم المستمع من الإبحار معها. وهذا ما جعل القارئ يستمتع بالاستماع الى القراءات عن بعد أكثر مما منحه التمتع الذاتي والفردي.

في ذات الوقت يجعل ذلك الشاعر يستعيد الجو الداخلي لقصيدته، ويعيش فيه من جديد في تكرار داخلي مرهق؛ لأن الشاعر يتخيل المستمع، وأثناء ذلك يحاول سحبه معه إلى هذا العالم عبر التلوّن الصوتي، باذلًا جهدًا مضاعفًا، وكل هذا الجهد دون أن تجد سوى نفسك ومن دون جمهور، وهذا ما يعود على الشاعر بشيء من التعب والاحباط.

نورة عبيد 


نورة عبيد (قاصة وناقدة- تونس): تجربة ديمقراطية

شھد العالم في العقدین الماضیین تطورات تكنولوجیّة وانفجارات تقنیّة ومعلوماتیّة متلاحقة وسریعة يسّرت الانتقال المرن من الخدمات التقليديّة إلى الخدمات الإلكترونيّة. ولم يكن القطاع الثقافيّ بمنأى عن هذه الخدمات خاصّة بعد أن اجتاح فيروس كورونا العالم.

شخصيّا كانت لي تجربة في المشاركة الافتراضيّة وطنيّا ودوليّا عبر تقنية المباشر(Live)  التي تدخّلت فيها  بمفردي من خلال صفحات أدبيّة على الفيسبوك بإضافتي (أدمين) مؤقت لها، يخاطبني متابعوها. فأتفاعل مع أسئلتهم التي تَرِد على شكل تعليقات أسفل "اللايف". كما شاركت عبر التطبيقات الشهيرة التي تتيح مشاركة أكثر من شخص في نفس اللحظة.

وقد مكّنتني هذه المشاركات من تعزیز المھارات الحیاتیّة والتركیز على مھارات القرن الواحد والعشرین. إضافة إلى كسر العزلة الثقافيّة؛ ذلك أنّ اللقاءات عبر تطبيقات التواصل عن بعد تضمن للمشتغل بالثقافة والأدب سيرورة واستمراريّة التواصل. فالإنسان عمومًا كائن تواصليّ. 

ومن إيجابيات التجربة القدرة الهائلة على الانتشار، إذ أن هذه اللقاءات تعرف مشاهدات أكثر من اللقاءات الحضوريّة، وهذا راجع لسهولة الولوج وتقريب المسافات، إضافة إلى توقيت بثها وظروفه، حيث يمكث المتابعون في بيوتهم، فضلا عن توفر الوقت.

إنّها تجربة ديمقراطيّة لأنّها متاحة للجميع فلا تحتاج إلى ترخيص سلطة، ولا لمن يُحدّد لها موضوعها، ولا يؤدي عنها من يتابعها ضريبة، باستثناء ما يؤديه لشركات الاتصال عادة. إضافة إلى أنّها ساوت بين الناس في الظهور الإعلامي، ولم تعد هناك خطوط حمراء على الأشخاص المسموح لهم في التواجد في هذا الفضاء، والممنوع عليهم الظهور في فضاء آخر.

إنّ هذه الحريّة التفاعليّة وفّرت للفاعل حريّة التّواصل، فلا أحد يمكنه التدخّل في الموضوع الذي يريد مناقشته، أو يحدّد له الطريقة التي عليه أن يناقش بها والأفكار التي عليه ألاّ يعرضها، ما عدا مسألة التعليق والاختلاف المتاحة للعموم.                       

إنّ لكلّ تجربة جديدة ثغرات ينبغي تجاوزها، وحتّى تتميز الندوات بالجودة العاليّة، فإنه ينبغي التحضير لها تقنيا بشكل جيّد وتدريب مسبق. ومن الأفضل أن يتمّ التركيز على جودة الخطاب، وعلى احترام أخلاقيات البحث العلمي وأدبيات التواصل الجماهيريّ.

لكنّ في جميع الأحوال فإنّ من الضّروريّ أن تبتكر المجتمعات من أجل مجابهة الجوائح حتى لا تتهدّم الأواصر ولا ينعزل الناس. وحتّى تكون التقنية في خدمة الإنسان. والأهم ألاّ ترتبط هذه اللقاءات بالأزمات، فهي توفّر الجهد والمال وتضمن الإقامة في العصر ببدائل العصر ذاته.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.