}

السلسلة الوثائقية الفلسطينية "طريقُ سيدي".. خطوات نحو الوَطن

محمد جميل خضر محمد جميل خضر 29 مايو 2021
هنا/الآن السلسلة الوثائقية الفلسطينية "طريقُ سيدي".. خطوات نحو الوَطن
من الفيلم الوثائقي "طريقُ سيدي"

بِنعالٍ مِن خرائطٍ ووثائِق، وبِصدى صوتِ تسجيلٍ قَديم، ينطلقُ المخرجُ الفلسطينيُّ، نزار حسن، مَشيًا على الأقدامِ، في رحلةٍ وثائقيةٍ مشغولةٍ بِمهارةٍ لافِتة، مُتنَكِّبًا في السلسلةِ التي حملتْ عنوانَ "طريق سيدي"، خطَّ سيرِ جدّه سعود عبد القادر؛ وللدّقّةِ، خطّيّ سيرِ جدّه، في رحلتيْن خاضهما سعودُ مطالِع القرن العشرين: رحلةِ هروبهِ مِن العسكريةِ العثمانيةِ، ورحلةِ تجارتِه ومحاولتِه إعمارَ محيطِه المطلوبِ مِنه.
صوتا الآذانِ والقِطارِ شكّلا الحاملَ الجامعَ لِمختلفِ أجزاءِ السلسلةِ التي بلغَ مجموعُها ثمانية َ أجزاءٍ (حوالي 26 دقيقةً لكلّ جزْء) أنتجَتْها لهُ "الجزيرةُ الوثائقيّة". من السّهلِ، ومنذُ أجزاءِ السلسلةِ الأولى، فهمُ لِماذا صوتُ القِطار، في حينِ يبقى السّؤالُ حولَ لِماذا صوتُ الآذانِ حائرًا من دون إجابةٍ. ليسَ بسببِ صوتِ الآذانِ نفسِه، فذاك ذو سرديّةٍ واضِحةٍ مُتفقٍ عليْها، ومرجعيةٍ لا لُبسَ فيها، بل بسببِ طبيعةِ الفيلمِ بإجزائِه جميعِها، وبسببِ المُناخ القيميّ والاجتماعيّ، وحتى الهوياتيّ، الذي تزيّنت به فِلسطينُ في القرونِ الثلاثةِ الأخيرَة.
لن نفصلَ الصوتَ عن الصّورة، ففي "طريق سيدي" يندمجُ الصوتُ مع الصورةِ في ثنائيةٍ أدّعي أنها كانت متكاملةً، متعاضِدة، إلى حدٍّ مدهشٍ فتّان. أمّا الصورةُ فقد راوَحت بين المشاهدِ العامةِ واسعةِ الطيفِ وزاويةِ الرؤيةِ وعُرضِها (البانات) المتحرّكة والثابِتة، وبين المشاهد المقرّبة المجهريّة البؤريّة (الكلوز) الراصدةِ وجوهًا، أو عَبَراتٍ، أو تفاصيلَ صغيرةٍ، أو حتّى منابتَ الشَّعرِ في (ذقنٍ) لمَ يرَ شفرةَ الحِلاقةِ أيامًا متواصلِة. من دون أن يُهملَ نزار حسن، بوصفِه المخرجَ، وكاتبَ السيناريو، والمنتجَ المنفّذ للسِّلسلة، المشاهدَ المتوسطةِ بينَ البعيدةِ الراصدة آفاق مَدى، ومطالعَ قُرى، وامتداداتِ حقولٍ وسهولٍ وروابيَ تعانقَ الغروبِ أو الشّروق، وتلك القريبةِ التي يكادُ يتلمّسُ المُشاهِدُ تفاصيلَها بعينيّ يديْه. معتمدًا لهجةَ أهلِنا في الشّمالِ الفلسطينيّ، يستهلُّ حسن السلسلةَ في جزئِها الأوّل قائلًا: "سيدي.. سعود عبد القادر عاش ومات هون في قرية المِشهد. قرية المِشهد بتبعد خمسة كيلو متر شمال شرق الناصرة. أهله كلهِن خلقوا بالبلد هون، إلا هو خلق مشرّق".
ثمّ يَقول: "بكتشف يوم من الأيام بـ 1977، إنّه والدي كاين مسجّل حديث لسيدي، عن محطات وأماكن وأحداث صارت معه في حياته. قرّرت أمشي بحسبِ التسجيل.. قررت أمشي طريق سيدي".



ورغمَ أنّ المخرجَ/ الحفيدَ قضى عشرَ سنواتٍ من عمرِه قبلَ البدءِ بتصويرِ الفِيلم، يحاولُ تنكّب مساراتِ جدّه، ويقومُ بناءً على ذلك، بجولاتٍ يمْشي خلالَها من شمالِ البلادِ (فلسطين) إلى جنوبِها، ومن شرقِها إلى غربِها، ولم تفلتْ منهُ مدينةً فلسطينيةً باستثناءِ غزّة التي لمْ يُكتب لهُ زيارَتها، أو التسللَ إليْها، كَما فعلَ في بعضِ مواقعِ تصويرِ سلسلتِه، إلا أنّه، اعتمدَ أثناءِ تصويرِ السِّلسلة، تقنيةً/ رؤيةً إخراجيةً في مختلفِ أجزائِها، يَظهرُ الأمرُ فيها كما لو أنّه يحدثُ الآنَ في المتعيّنِ من اللحظةِ التي يشاهدُها جمهورُ سلسلتِه: من الاطّلاع على الخرائطِ التي حملَ العشراتِ منها زادًا وزوّادًا طيلةَ رحلة المشيِ العنيدِ المثابِر، إلى التعثرُ في وعورة الدّروب، إلى تهجّي مفرداتِ المَكان، وتركِ ملامحِ الوجهِ تعبّر عن دهشةِ اكتشافِ مطلعِ بلدٍ، أو وتدٍ، أو حديدةٍ من حديدِ سكّة الحِجاز، أو عمودِ كهرباءِ ضغْط عالي غرب النهرِ، يقابله شقيقُه العمودُ الآخرُ شرقَه، حيثُ تُختصرُ النكبةُ لحظَتها، ويُختصرُ التقسيمُ السايكس بيكويّ بقطعِ الأسلاكِ التي كانت تسري حرارةُ الشقيقيْن عبرَها، وتشعُّ الكهرباءُ بينهَما بالنورِ والحياةِ، قبلَ قطعِها وتقطيعِ أواصرِ بلدٍ واحدٍ، صارَ بإرادةِ المستعمريْن: الفرنْسي والإنْكليزي، بلديْن: الأردنّ وفِلسطين. تعابيرُ الوجوهِ، مع طريقةِ السّرد، مع الأسلوبِ الذي اعتمدهُ حسن في متواليةِ المشاهِد، مع الحواراتِ (الدّردشات) التي خاضها مع فريقِ العملِ الذي تغيّر كثيرٌ من أفرادِه خلال تصوير السّلسلة (خصوصًا فنيّي الصّوت) لأسبابٍ شخصيةٍ في معظمِ الحالاتِ: زواجُ نقولا، أو إكمال كريمِ لدراستِه، أو عدم إمكانية مواصلة رامي وسوزان من مخيم جنين، طريق جدّه لأن جزءًا مهمًّا من هذه الطريق داخل ما يسمّى الخط الأخضر الذي يُمنع على أبناءِ الضفةِ الغربيةِ (مناطِق السّلطة الفلسطينيةِ، الأرَاضي المحتلّة) اجتيازَه (أوْ لِنقل اجتيازَ وهمِه). مع كثيرٍ من التفاصيلِ الأُخرى، جعلت الفيلمَ بأجزائه أقربَ إلى سينما الواقِع التي تحضّ على المعايشةِ والمشاركةِ الفاعلةِ المتفاعلةِ من جهةِ التلقّي، وهوَ بِهذا المعنى منهمكٌ بشكلٍ جوهريٍّ نحو إيجادِ مساحاتٍ مشتركةٍ مع جمهورِه الأقدرِ على تخيّل طريقِ جدِّ المُخرِج (جمهورُ الدّاخلِ الفلسطينيّ) أكثرَ من أيِّ جمهورٍ آخر، وبِما يشملُ، حتّى، فلسطينيي الشّتات، على الأقَلّ الجيلَ الحاليّ من جمهورِ الشّتات الذي وُلِد بعد النّكبة بأعوامٍ وأعوام.


من السلسلة الوثائقية "طريقُ سيدي" 


لهذهِ الرؤيةِ الإخراجيةِ وجهان: فإن لمْ نَشأ تدوينَها في خانةِ المآخذِ على سلسلةِ حسن، فلعلّها تشكّل حافزًا لَنا نحنُ فلسطينيو الشّتات في أربعِ جِهاتِ الأرضِ، لأنْ نحاولَ التركيزَ عندَ كلِّ محطّةٍ من محطّاتِ الطريقِ إلى جدّه، لنعرفَ بلادَنا أكثرَ، ولنفهمَ، بالتّالي، حجمَ مأساتِنا أكثر.
إن معرفةَ أبعادِ المخطّط الذي قادَ فلسطين إلى ما هيَ عليهِ الآن، يدخلُ في جوهرِ الوعي الضّروريّ من جِهة، الذي كان غائبًا في كثيرٍ من حالات استفرادِ المستعمرِين سواءِ اليهود، أو الصّهاينة، أو الإنْكليز، بأهلِ البِلاد (السّكان الأصليين)، وطبيعةِ نظْرة المُستعمِرِ للمُستعمَر. وَفي جوهرِ الوعيِ المطلوبِ الآنَ بإلحاحٍ ومرارةٍ، مِن جهةٍ ثانية.
هل يريحني ويريحكم نقل المكتوب تحت حلقات السلسلة في قناة يوتيوب، وهو المكتوب، على الأرجح من إدارة "الجزيرة الوثائقية":
"يتناولُ الفيلمُ قصةَ النّكبةِ الفلسطينيةِ من زاويةٍ مُغايرة. مِن خلالِ رحلةٍ فريدةٍ للمُخرجِ الفلسطينيّ نزار حسن، يقومُ باتّباعِ خطواتِ جدّه (سيده) في طريقِ تجارتِه القديمةِ بين شَمال فلسطين وجنوبِها، ليستكشفَ أثرَ القُرى المهدّمة، أو التي تغيّرت ملامحَها لتصبحَ إسرائيليّة، ويسجّل ذاكرةَ سكّان الأرْض، الأصليينَ مِنهم والمستوطِنين".



أنا شخصيًّا لمْ يُرحني هذا المكتوب، فهَل تعمّد إغفالَ خمسةِ أجزاءٍ من سلسلةٍ عددُها ثمانيةَ أجْزاء، أي أكثرَ من نصفِها، ظلّ نزار خلالّها يتنكّب طريقَ هروبِ جدّه من الخِدمةِ العسكريّة العثمانية (التركيّة)، ولمْ تحظَ دروبَ تجارتِه إلا ببعضِ الجزءِ السادسِ والجزئيْن الأخيريْن السّابع والثّامن. هل سقطَ ذلك سهوًا، أم عمدًا؟



استعمارٌ ضَروس..

من السلسلة الوثائقية "طريقُ سيدي" 


لوْ لم يكُن لسلسلةِ نزار حسن الوثائقيّة التوثيقيةِ الميدانيةِ الاستطلاعيّة الاستكشافيّة "طريق سيدي"، سِوى ما أضاءتْه لَنا مِن تاريخِ الحملاتِ الاستعماريةِ المسعورةِ الضّروسةِ التي بدأتْ فلسطينُ الحديثةُ تتعرّض لَها منذُ النصفِ الثّاني من القرنِ التاسعِ عشر، لكفاها. صحيحٌ أن الخرائطَ الاستعماريةَ رُسمت قبلَ ذلك التاريخ بوقتٍ غيرِ قليل (بحسبِ الجزءِ الأوّل من الفيلمِ فإنّ أوّل خريطةٍ استعماريةٍ، واحدةٌ رسمَها ضابطُ هنْدسةٍ في جيشِ نابليون سنة 1799).
والهيكليّون الألمان (وهم طائفةٌ بروتستانتيةٌ إنجيليةٌ) لعلّهم أوّل من أسّس مستعمَرة في فلسطين سنة 1868. وهؤلاء آمَنوا بالتوراةِ والعهدِ القديمِ وأنبياءِ إِسرائيل. كما آمَنوا أنّ المسيحَ المنتظرَ قادِم، و(لازم يقيموا الهيكل الأول إله بفلسطين لتسريع بداية الخلاص. ادّعوا أنهم أبناءُ الله، وفلسطين أرض الله إلهن، أما زعيمهن هوفمان فكان يعتقد أن العرب لم يرتقوا إلى درجة البشر، عشان هيك ما بغدروا يكونوا مسيحيين ولا بغدروا يحكموا فلسطين). فهل من عناوين استعمارية أكثر من هكذا عناوين؟ الوعد الدينيّ، المالُ الضّروري، وَهذا كانَ يتكفّل به أثرياءُ فرنسيونَ وإنكليز وألْمان، التنظيرُ المتقنّع بالمعرفةِ وأسسِ الحضارةِ الرّاقية (هرتزل ومن معه)، الادّعاء أنّ السكّانَ الأصليينَ يفتقدونَ لِمهارات الزّراعة، وأبسطِ مواصفاتِ البشرِ، من صحةٍ ونظافةٍ ومدنيّة. في هذا الإطارِ، يعرضُ الفيلم في معظمِ أجزائِه حقائقَ ووقائعَ موثّقة وأرقامًا ومراجِع تفنّد هذه المبرّرات الاستعماريّة. أمّا القوّة الغاشِمةُ، فبدأت مع تأسيسِ أوّل عصابةٍ صهيونيةٍ مسلّحة عام 1920، عندما أسّس الصهيونيّ إلياهو جولومب، بمشاركةِ شاريت، وغيرِه، عصابة الهاغانا. الرواية الصهيونية لِتأسيسِ الهاغانا قد تكون مضحكةً في بعضِ جوانِبها، ففي الجزء الثّامن من الفيلم، يورد حسن قصّة ربطِ الصهاينة بين حسن بيك العثماني (التركي)، وبين جولومب، حيث كان الأخير يملك مطحنة في يافا، وفجأة قرّر بدوافع صهيونية إغلاقها يوم السبت. علم البيك العثماني، فأمر بفتحها أيام السبت، وعدم إغلاقها. رفض جولومب الأوامر، فأحضره الجنود الأتراك و(مدّوه علقةً)، فقرّر بعدها تأسيس عصابته المسلحة في نواحي تل أبيب. تحديدًا، في الحيّ اليهوديّ الذي أنشأه الصهاينةُ في عام 1909، مكان كرم جبلي. ثم صار يحمل اسم تل أبيب.

من السلسلة الوثائقية "طريقُ سيدي" 


تمثّلت، بحسبِ أجزاءِ الفيلم، النزعاتُ الاستعماريةُ التي تعرضتْ لَها فِلسطين بعديدِ الوجوهِ والأشكالِ والمراحِل: محاولة شراء الأراضي، أو الاستيلاء عليها، بأي شكل. إشاعة فكرة مضلّلة حول مساحات شاسعة خالية من السكّان، أو فيها القليل من السكّان البِدائيين. الادّعاء أن فلسطين هي أرض اليهود التوراتية (الركيزةُ الجوهريّة التي قامت عليها الصهيونيّة). الادّعاء بتبني اليهود، أو الصّهاينة من بعدهم، جهودًا (مبارَكةً) لِتجفيف مستنقعاتٍ كريهةٍ تجلبُ الملاريا والأمراضَ، وتكشفُ عن افتقاد سكّان المكانِ لِمعارف زراعيةً وصحيةً ومدينيةً تجعلهم يستحقّون الأرضَ التي فيها يُقيمون. تأسيسَ جمعياتٍ وشركاتٍ ومنظماتٍ استعمارية صهيونية اقتصرَ نشاطُها جميعُها على المضيّ قُدمًا بعمليات سرقة الأرض ونهب خيراتها ودراسة نقاطِ ضعفها، ونقاطِ ضعفِ سكّانها، على طريقِ استعمارِها: الجمعية البريطانية، وصندوقها، لاستكشاف فلسطين. الشركة اليهودية لاستعمار فلسطين وسورية. التَلاعبُ بالقوانينِ العثمانيةِ الخاصّة بالأراضي المَشاع والأميريّة. التسلّح بصكوك دوليةٍ وغطاءٍ أمميٍّ (صكّ الانتداب البريطانيّ على سبيل المِثال) لإعطاءِ اليهود والصّهاينة منهم على وجهِ الخصوص، أراضٍ كافيةٍ لإقامةِ دولةٍ لهُم فوقَها. وفي أجزاءِ الفيلمِ تفاصيلُ أُخرى وأُخرى كثيرةٌ حول أساليبِ الاستعمارِ الذي تعرّضت له فِلسطين، وخيوطِ حبكتِه، ومكامنِ لؤمِه. إخفاءُ المعالمِ الأصليةِ والجذورِ (كلّ القُرى أصلُها بيزنطيّ بحسبِ أكاذيبِهم). تدميرُ سكّةِ الحجاز. تجفيفُ بحيرةِ الحُولة. تدميرُ قُرى بشكلٍ كاملٍ ممنهجٍ لِشطبِ ما يرتبطُ بالمكانِ من معانٍ وذاكرةٍ وعقودِ قيمةٍ موجبةٍ، وَما إلى ذلك.



القُرى المنسيّةُ والمدمّرة..

من السلسلة الوثائقية "طريقُ سيدي" 


تردُ في سياقِ رحلةِ حسن متنكّبًا طريقَ سيدِه أسماءُ عشراتِ القُرى المدمّرة، والأخرى المنسيّة، وغيرِ المعروفةِ، وتلكَ التي ذابت في التهويد والصهينة، إضافة لأسماءِ قرىً موجودَة ولمْ يحدثْ لَها كلّ ما تقدّم، لكنّه ذكّرها لِوقوعها في طريقِ جدّه. وسأحاول هُنا مجرّد تدوين أسمائها، من دون التوقّف والتعليقَ، وإطلاعِكم على بعضِ خصوصياتِ تتعلّق بتلك القريةِ، أو هذه البلدةِ، أو هاتيكَ الخربةِ، أو هذا المرجِ/ السّهلِ هناكَ في المدى الممتدّ للأعداءِ والنسْيان: صارونة، الشجرة، أو السجرة، كما في لهجةِ مناطقِ نزار وما حولَها، سيرين، عولَم، الحدثة، معذار، كفر كما، كفر سبت، عين سيخ، الصلبان، لوبيه، الجاعونة، صبيح، نمرين، حطين، راس الطاقية، بير مزقة، بير صبانه، خربة الوعرة، السودة، وادي العمود، عرب الخوابي، أرض العتمة، قطعة فرحات، خربة قيسارية، أرض عجور، وادي الربيضة، درب الطحانات، قيقوق، الربضية، خربة الربضية، غوير أبو شوشة، جيب يوسف، الراف، ملبّس، الحولة، الزبيد، السمكية، سمخ، النشمة، سهل بطوف، سهل طرعان، ميعار، شعب، مجد الكروم، جبل حيدر، سعسع، كفر برعم، عيرون، الجرمق، الجفتلك، يارون، جسر المجامع، العفولة، الدلهمية، مونس، مزار، عربونة، جلبونة، ربوة ضعيف، جورة البغل، خلة الضبع، الجلمة، إجزم، التينة، تلفيت، الزبابدة، وادي رابعة، دير شرف، سبسطية، المسعودية، الحمرا، خلة أبو غزال، سيلة الظهر، العطارة، جبع، تل العدس، كسال، مورس، الكفرين، زرعين، المقيبلة، أم العمد، بيت لحم (غير بيت لحم الضفّة)، السبك، عيون موسى، أرض العرب، سمونة، علوت، طبعون، ياجور، بلد الشيخ، الحارثية وجسر الحارثية، زور الزرقا، (الكبّارة)، جسر الزرقا، زمرين، وادي اسكندر، مينا أبو دبورة، وادي الحوارث، قلنسوة، الاسكندر، الطيبة، فرعون، راس العين، عرب أبو كشك، قرية الصيادين، الشيخ مونس، الصارونة، كرم جبلي وعيون قارة وطبعًا، طبعًا، قرية المَشهد (أو المِشهد كما ينْطُقها حسن) قرب الناصرة حيثُ بدأ في حالةِ "طريق سيدي" كلُّ شيء، وغيرها.. وغيرها.



لعبةُ الأسْماء..

من السلسلة الوثائقية "طريقُ سيدي" 


يغوصُ الفيلمُ، في أجزائِه، في لعبةِ الأسماءِ ودلالاتها. ويكْفي أنْ نتذكّر أنهم يسمّون جيشهم الصهيونيّ الاستعماريّ التوسعيّ بِـ (جيشُ الدّفاع). لعبةُ الاسم اللعينة في حالة (تل أبيب)، التي يعبّر اسمها عن الترجمة العبرية لِعنوانِ روايةٍ كتبَها عرّاب الصهيونيةِ ثيودور هرتزل (1860 ـ 1904) عنوانُها بالألمانيةِ Altneuland، وَمعناها بالعربية: "الأرضُ القديمةُ الجديدَة". يقولُ حسن في الجزءِ الثّامن من الفيلم: (الصهاينة ترجموها للعبريّ "تل أبيب"، التل يعني آثار الماضي والكنز القديم، وأبيب (أو أفيف) معناها الربيع بالنسبة إلهن الازدهار والمستقبل. ومنذ تأسيسها، تل أفيف تقودُ الهدْم وضمّ المحيط الفلسطينيّ اللي حواليها، مثل الشيخ مونس، ويافا، وقرية الصيادين، والمسعودية، وصمّيل، والجريشة، والجمّاسين الغربية والشرقية، وأكثر من هيك بكثير).

هُنا ينكشفُ أن اللعبةَ انطلت، أحيانًا، على بعضِ كتّابِنا، أو من يعتقدونَ أنهم مرجعياتُنا، في ما يتعلّق بدحضِ السرديّة الإسرائيلية، فإذا بأحدهِم ينبري للقولِ إن تل أبيب كانت (مدينة) عربيةً تُسمى (تل الرّبيع)!
ومِن لعبةِ الأسماءِ ما يقولهُ الفيلم في جزئِه الأوّل: "سيدي خلِق عربي عثماني سنة 1889. لمّا الإنكليز احتلّوا فلسطين سنة 1917، صاروا يسمّوا العثماني (من غير اليهود). ولمّا احتل الصهاينة البلد سنة 1948، وأسسوا مستعمرة/ دولة اسمها (إسرائيل) صاروا يقولوا عن سيدي العثماني (عربي إسرائيلي)".
من لعبةِ الأسماءِ قصّة الأشكناز، التي هي في الأصل تشيرُ إلى الجنسيةِ الألمانية. ثمّ تحميلُ اليهود الشرقيينَ (القادمينَ من أوروبا الشرقيّة) بِهذا الاسم. وهو نعتٌ أطلقه اليهودُ، ومن بعدهِم الصّهاينةُ، على الهيكليينَ. طلاسمُ لا يعودُ لَها محتوىً مقنِع، وأكاذيبُ يَنسى الصّهاينةُ في آخرِها ما بدأوهُ في أوّلها.



محطّاتٌ مؤسِفة..
من محطّات الفيلمِ المؤسفةِ ما يورده جزؤه الثّالث حولَ بيعِ أثرياءَ من عائلتين بيروتيّتين لبنانيتيْن أراضي مرج بن عامر لليهود. ومن تلك المحطّات ما يردُ في الجزءِ الثّامنِ عندما طلبَ زعيمُ عرب أبو كشك نصرةَ المستعمرينَ اليَهود في (بيتح تكفا) له ولعربِه ضدّ عربِ الحوارثِ الذين احتدمَ وقتَها صراعٌ بينَهم وبينَ عرب أبو كشك. وفي الأجزاءِ الثمانيةِ محطّاتٌ مؤسِفةٌ أُخرى، لعلّنا نؤثرُ عدمَ إيرادِها.


معارفُ مضيئةٌ..
في السلسلةِ، معلوماتٌ مضيئة، مثلَ أنّ فلسطين كانت من الدّول الأُولى تقريبًا على مسْتوى العالَم بِزراعة القُطن.. تخيّلوا.. وأنّ مدنًا مثل مرسيليا، وليون، وغيرهما، كانت تنتظرُ بلهفةٍ منتوجَ مرج بن عامر، وسهولٍ أُخرى في فلسطين، من القطنِ، لتدورَ خطوطُ مصانعِ النسيجِ فيها. وأن مؤرخًا ألمانيًا يقول حول القيمة الاقتصادية لمحصولِنا أيامَها من القطنِ، بأن الميزان الاقتصادي العالَمي كان يميلُ ناحيةِ فلسطين، وبما يتفوّق على دول أوروبا، خلالَ موسمِ القُطن.
من معارفِ السلسلةِ المضيئةِ، أنّ المقاومةَ الفلسطينيةَ لم تتوقّف، وَلا مرّة حتى في أحلكِ الظروف، وها هو قنّاص يقنصُ مستعمرًا صهيونيًا في رأسِه وهو يراقبُ الطريقَ لصهاينةٍ دَخلوا بلدةً لِيزرعوا فيها ألغامًا. حول هذه القصة، يقول حسن في الجزء الثاني من الفيلم: "هونا غوير أبو شوشة.. على صخرة مكتوب بتاريخ 6/6/1948، كتيبة من غينوسار، وهي مستعمرة إسرائيلية، بقيادة يسرائيل ليفي، تسلّلت بالليل للتغطيةِ على من يقومون بزرعِ حقولِ ألغامٍ لتفجير بيوت غوير أبو شوشة وتدميرها. هاظا اللي اسمه يسرائيل، في هذا المكان تمامًا، رفع رأسه ليستطلع، فقنصه قناص فلسطيني في رأسه، وأرداه قتيلًا"..
ثمّ يعلّق على الحادثة قائلًا: "قرية غوير أبو شوشة اللي الصهاينة محوها محي بتيجي بالطريق للجاعونة.. سيدي كان يعرفها منيح.. أنا شخصيًا ما شفتها وهاي أول مرة بسمع عنها.. بس أغرب شغلة بالنسبة إلي إنه كان في عنّا قناصة ومقاومة، يعني ما سلّمنا، أو استسلمنا، مثل ما قالولنا. والأغرب إنه الصهاينة ما كان يردعهن أي إشي، وكانوا يفجروا البيوت والناس بقلبها.. هون، وفي السجرة، وفي عين ماهل".

من إضاءات الفيلم أن سعود عبد القادر، جدّ نزار حسن، عاش قرابة مئة عام (1889 ـ 1987)، ولم ينطقْ لسانُه ولا مرّة كلمة (إسرائيل)، وعندما سألهُ نزار ذاتَ يومٍ عَنها، كان جوابُه: "ما في شي دايم يا سيدي".


ملاحظاتٌ لا بدّ مِنها..
يصعبُ على غيرِ الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني أن يستوعبوا عِناقَ نزار حسن لليهوديّ الإسرائيليّ عَمري، حفيدِ مؤسسِ عصابةِ الهاغانا!
حسن أوردَ أسماءَ بعضِ من باعوا، وامتنعَ عن ذكرِ أسماءِ الآخرين، فإمّا أنه لا يورِد أحدًا، أو أنْ يورِدهم جميعَهم.
مع إطالةِ فترته في يافا، خصوصًا في الجزءِ الأخيرِ من الفيلم، فإن مدنًا كبرى، مثلَ عكّا، وعسقلان، وبئر السّبع، وغيرِها، لم ترد في الفيلم. قد يكون الجوابُ أن تلك المدن ليست في طريق جدّه، ولكن حتّى يافا لمْ تكُن بشكلٍ مباشرٍ في تلكَ الطّريق، وكذلكَ غزّة، التي أشارَ لَها مشكورًا في قفلةِ الفِيلم، خصوصًا حيّ الرمال، وشاطئِه. وتلكَ ملاحظةٌ أُخرى لا بدّ منها، حتّى نقولَ في الفيلم ما لَهُ، وهُو كثيرٌ وافرٌ مَديد، وما عليه، وهو قليل.
يقولُ حسن في نهاياتِ الجزءِ الأَخير: "كان جدّي يتيمًا وحيدًا معدمًا، استطاعَ أنْ يَشتري أرضًا، وأنْ يحلُم".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.