}

قصائد الحصار والحرب من غزّة

ضفة ثالثة ـ خاص 2 يونيو 2021
هنا/الآن قصائد الحصار والحرب من غزّة
الشجاعية، ليلى الشوا (فلسطين)
على امتداد خمسة عشر عامًا، تعرّضت غزّة، هذه الرقعة الجغرافيّة الصغيرة، المُكتظّة بالسكّان، وبالأجنحة المتكسّرة، لعديد أصناف الظلم والقسوة، إضافة إلى حصار مُستمر وعدوان متكرّر وشرس من الاحتلال الإسرائيلي، وإلى ظلال انقسام فلسطيني جرّح الذات الفلسطينية. مع مرور الوقتِ الثقيل هذا، تغيّرت خارطة غزّة النفسيّة، سكنتها القُدرة على الجلد والعناد، قاومت بعنفوانها وغضبها، ثمّ قاومت بصمتها، قاومت بالموت، ثمّ قاومت باجتراح أساليب حياة ممكنة.

يتناول هذه الملف مجموعة من النصوص لشعراء فلسطينيين من غزّة، من أجيالٍ شعريّة مختلفة، ممتدّة من أصوات شعرية ظهرت في تسعينيات القرن الماضي، إلى أصوات شعرية تكوّنت مع بداية الألفية الثالثة، وأخرى أدركت الحياة في ظل الحصار والانقسام، وجميعهم عايشوا العدوان المتكرر للاحتلال الإسرائيلي بأحدث ما أنتجت ترسانته العسكرية، على لحم وحلم الإنسان في غزّة، جميعهم  تناولوا موضوع الحصار والحرب في نصوصهم، كما عايشوه، كلٌّ من زاويته، وعبر إمكانياته وأدواته اللغوية والأسلوبية والجمالية، وطاقاته النفسية ومرجعياته المعرفية والثقافية، وخلال السنوات الماضية، غادر الكثير من الشعراء غزّة، منهم من غادرها إلى محافظات الوطن الشمالية، ومنهم من استقرت به الحال في دول الوطن العربي المختلفة، ومنهم من استقرّ في أوروبا.

ثمّة تنوّع في الأصوات الشعرية الحاضرة هنا، حيث سنرى تأملًا حينًا وغضبًا شعريًا حينًا آخر، بعض النصوص تضمنتها مجموعات شعرية منشورة، وأخرى لم تنشر، وجميعها كما سنلاحظ تناولت معايشة الحصار والحرب وما تركاه من آثار في روح كلّ تجربة شعرية.

نأمل من هذا الملف أن يكون نافذة مشرعة على دراسة جادّة لقراءة الواقع الشعري الخاص الذي أنتجته سنوات الحصار والحرب.

 

(إعداد وتقديم: يوسف القدرة)

 

بدون عنوان، رفيدة سحويل (فلسطين)



قليلٌ مما ستقولُهُ غزة عما قليل

 

خالد جمعة

[شاعر وكاتب للأطفال، مواليد رفح 1965، عمل محررًا للشأن الثقافي في وكالة "وفا"، أصدر العديد من المجموعات الشعرية وقصص الأطفال، كتب الأغاني للأطفال والكبار]

 

هذا دمي، يبدأُ من حيثُ يسكتُ النشيد، ومن حيث يتسلّى الموتُ على طريقتِهِ بطفلين زائدين عن قدرةِ الساسةِ على احتمالِ الحقيقة.

هذا دمي، لمن أخلى مساحةً ليورِدَ النارَ في منشأةِ القلبِ، يفركُ يديهِ ليحتمي بالنومِ من رؤيةِ الحريقِ على بابِ المعنى، يسخرُ المعنى من المبنى، وتقولُ لغةٌ لقائلِها: ليسَ من أجلِ هذا خُلِقتُ، ويضحكُ عابرٌ في ممرٍّ ضيّقٍ ويرفعُ صوتَهُ بدعاءٍ قديمٍ فيهِ خطأٌ شائعٌ، وتنهارُ حولَهُ بنايتانِ من خجلٍ على أرضٍ لم تشربْ خشونةَ الأرقامِ بعدُ، فيصابُ الغيمُ بالحيرةِ، فلم يأتِ محمّلًا برغبةِ الغسيلِ، وكانت كلُّ قطرةٍ في السحابةِ تحلمُ أن تكونَ لونًا في ورقةِ شجرْ، مشهدٌ لا يشبِهُ شيئًا أن ترى غيمةً مخذولةً ونايًا يحرُسُ الحنطةَ في المكانِ بديلًا عن ساقيةٍ ويدينِ وثوبٍ شعبيٍّ يقاتِلُ وحدَهُ.

سينتفضُ سيّدٌ من رائحةِ النَّحلِ الغاضبِ ومن بقايا الصهيلِ في قصص البطولاتِ، ويلجأ عاريًا إلى الغاباتِ كي يبدأ القولَ من أوَّلِهِ ويعطيني لقبَ مدينةٍ، ويتسلّى ببعضِ المراسمِ في وقتٍ سأكونُ فيهِ مشغولةً بالجنازةِ التي لا تنتهي، سأقولُ كلامًا يجرحُ الجميعَ وسأنتهي سريعًا من طقوسي لأخبرَ كلَّ مفتونٍ بدورِهِ في الروايةِ بما كان يجبُ عليه ولم يفعلْه، وسيكونُ الوقتُ قد مرَّ طويلًا وصارَ تاريخًا حين يتذكَّرُ الذي لا ذاكرةَ لهُ، أن قليلًا من الكلامِ كان يعني بقاءُ أغنيةٍ على قيد الشفاه، والولدُ الذي لم يعدْ يغني، فعلَ هذا فقطْ لأنّهُ ماتَ قبلَ أن يقولَ لأمِّهِ كم يحبُّها، ومأساة أمِّهِ كانت أنّهُ مات قبلَها بأغنيتين، ولم يعدْ هناكَ من يتذكَّرْ الأغاني ولا العائلة.

سأقولُ كلامًا يجرحُ الناظرين، عما قليلٍ حين أفرغُ من دفنِ يديَّ، ونبضتين من قلبي الغارق في الحدادْ، سأقولُ ما لا تحتملْهُ حضارةُ الآخرينْ، لن أجعلَ النائمينَ يشعرونَ بالندمِ، ولا الجيوشَ المرصوصةَ على الرفوفِ تخجلُ من شاراتِها، لن ألومَ حرّاسيَ ولن أغرزَ حسرتي في جِلدِهمْ، فقطْ، سأقولُ كلامًا يجرحُ الناظرينَ كي لا ينظروا فيزيدُ الدمعُ في الكُتُب، سأحفظُ أولادي في ثلاجةٍ من حنينٍ إلى الأبد، ولا أريدُ من يصبُّ ماءً على جرحي كي أقيمَ صلاتي وحدي دونَ إمامٍ أو تابعين.

ما سأقولُهُ عما قليلٍ سأقولُهُ عما قليل، فلا تجرحوا زوجاتكمْ بالغضبِ الظاهرِ في مكانكم القريبِ من الشاشةِ، الأشياءَ تبدو أعظم حينَ ترويها الإذاعاتُ، فلا تصدقوا موتاي، ولا جرحاي، ولا أراملي ولا اليتامى تحت إبطي، لا تصدقوا انهياري ولا انفجاري، لا تصدّقوا لغتي، ولا حيرتي أمامَ الجهات، وصلّوا من أجل أنفسكُم، فقط من أجلِ أنفسِكم.

هذا دمي، نعمْ، هذا دمي..

وعمّا قليلٍ سأقولُ كلامًا من دمٍ، فلا تخطئوا التفسيرَ، فنحنُ المُدُنُ، يجرحُنا من يوقفُ النشيدْ، فنقولُ كلامًا لا يُحْتَمَلْ.

******

 

عثمان حسين

 

[مواليد مدينة رفح، أصدر عدّة مجموعات شعريّة أهمها "من سيقطع رأس البحر"، "الأشياء متروكة للزرقة"، "كأني أدحرج المجرات"]


ثقب

الثقب يكفي لأرى العالم واقفًا على ساقه اليمنى،
ولا يرمش لي جفن.

 

انحسري أيتها الموجة
واتركي مساحة هشة للضحية
كأن ترقص على رسلها مفتونة
والأسماء تتبعثر بين ساقيها
الصمت يطحن الوقت.

 

السرير يزأر أحيانًا

 

احتمي بي. أصمت.
فقاعات تملأ الحيّز
رأيته يقفز
لم يكن سواي
ربما ظلٌ تائه؟
أو شبحٌ فاشل؟
تغمسني الحمرة
تكسرني فأسيل
انحسري أيتها الموجة وابتعدي بي
كي ترقص على رسلها الضحية.


 

مزهوًا 


يملأ رئتيه بغبار الفجيعة
يزفر مترنحًا بفرح غامض
كمن نجا من سقفين تعانقا
وأنجبا نهرًا غامرًا
يتلوّى في مفاصل الوقت.

 

نبوءة

 

غضبى تطل السماء 
تخطف زهو النجاة من عين الأفق
وتمسح الغيمات الكسولات 
أبصرت ليلًا ناصعًا يحدّق في شمسه البعيدة
موتًا حائرًا في ضحاياه
ومجدًا فارغًا من زيته.

 

متاهة

 

قلنا للمتاهة: اهدئي
دعيها تنام على جنبها الملتهب
حبيبتي الغبية ذات الشاطئ البليد
دعيها كما تشاء
لم تكن مهيّأة إلا للكوابيس
بضاعة الليل الرائجة
لكن المتاهة علقت صبرها في عنق غزة الرشيدة
وضيّعت مخارج الحروف.


نهارًا يبدّل الناس كوابيسهم بأخرى
يتبادلون في الأسواق ووسط البلد المشدود
تلك الليلة
لم تكن غزة مهيأة لأحد
وحدها نامت على فراش الغضب
تنهش روحها وتغفو

وأنا حارس الضحية.

 

إنا لعائدون، ناريمان فرج الله (فلسطين)

 

في الحَربِ التي لا تنتهي

 

ناصر رباح

 

[مواليد غزة، من أعماله التي صدرت، شعرًا "الركض خلف غزال ميت"، ورواية "منذ ساعة تقريبًا"]


ضَعُوا قلوبَكمْ تَحتَ الأَسرَّةِ أحذيةً مُرهقةً مُهملةً، فلا يَمُرَّ غبارُ الحروبِ عليها، ولا تعرفون. ضَعُوا قلوبَكم على الرفِّ ساعةً قديمةً معطلةً، فلا رعشةُ القصف تعبرُكم، ولا تحزنون. في الحربِ يتّسعُ القلبُ، يصيرُ قاربًا للصغارِ، ساعةً للصفاءِ، سماءً للكتابةِ. في الحربِ يختنقُ القلبُ، تَهجُّ الكلماتُ، تذوبُ على حافتِه العصافيرُ ندىً أحمرَ، يرفرفُ على ساريةٍ شاهقةٍ شاهقةٍ، يسمُّونَها الوطنَ.

في الحربِ تتركُ قلبكَ جانبًا وتنقذُ صُرَّةَ الأوراقِ: صورتكَ القديمةَ عند بابِ المدرسةِ، مِلكيّةَ بيتكَ المهدومِ، شهادةَ ميلادٍ لابنكَ. قلبُكَ لا يهمُّ الآن، ستنتظرُ الحبيبةُ انتهاءَ الحربِ كيْ تسألَ: هلْ كنتَ تذكرُني؟ في الحربِ لا أحدَ يصدّقُ قلبكَ المحزونَ. يصعدُ المسعفونَ على ساعدَيكَ لِيُسندوا سقفَ البكاءِ، الطائراتُ تحُطُ حولَكَ ظِلَّها، وتطيرُ روحُكَ مثلَ سربٍ من زجاجٍ. الوقتُ أنتَ ولا يدلُّ شظيةً على الروحِ غيرُكَ، ربّما تشتاقُ أنْ ترمي على الأولادِ قلبكَ طابةً، ربّما تشتاقُ أن تفتحَ الشباكَ دونَ رصاصةِ امرأةٍ طائشةٍ، لا بأسَ هي حربٌ واحدةٌ أخرى وتمضي.

في الحربِ ينتحرُ الوقتُ، يمرُّ اليومُ حينَ تُتاحُ دورةُ المياهِ لكَ، والساعةُ فسحةٌ ما بينَ بنايةٍ عانقَتْها القذيفةُ، وأخرَى تفتحُ صدرَها للشهيقِ الأخيرِ في شارعٍ سيغادرُ التاريخَ حالًا، والدقيقةُ؟! لا دقائقَ في الحربِ، حيثُ يُقاسُ الوقتُ بالشهداءِ: مئةً، وألفًا. في الحربِ نجلسُ، حيثُ لا سيقانَ تحمِلُنا لنركضَ.

في الحربِ تتبعُكَ القذيفةُ مثلَ كلبٍ وفيٍّ، وجارٍ مملٍّ يبادلُكَ التحيّةَ والنكتةَ السيئةَ، تحفرُ في الذكرياتِ وشمًا على شكلِ بيتٍ، كانَ بيتًا جميلًا قبلَ وصولِ القذيفةِ.

في الحربِ يخجلُ الأبناءُ من نزوَاتِهم، يكبرونَ أمامَنا كأنّا نلتقي بجيرانٍ قُدامى؛ كيف حالُك يا بُنيَّ؟ ما زلتُ أركضُ يا أبي، ما زلتُ أركضُ، واحدًا في سباقِ الجنونِ.

في الحربِ أنتَ أدخلْتَنِي التجربةَ، أنتَ من جرَّ غِيلانَ الخُرافةِ نحوَ بابي، أنتَ من نسيَ الشواءَ على الجمرِ عمدًا، وأصرخُ: إنّه قلبي، ولمْ تسمعْ، ولمْ تغفِرْ، ولمْ تتركْ من الحُبِّ شيئًا فيه؛ من الكرهِ شيئًا كي أُتِمَّ القصيدةَ. في الحربِ أنتَ خدعْتَني بالنجاةِ شاحبًا كسحابةٍ من دخانٍ.

في الحربِ تغبطُكَ الحياةُ على الحياةِ، بيوتُ الغرغرينا، نوافذُ الهستيريا، وإكزيما الشوارع، كلُّ ما في المشهدِ المذعورِ يغبِطُ أنّكَ تُبصرُ كلَّ هذا، وليس يمكنُكَ البكاءُ. في الحربِ لستَ من لحمٍ ودمٍ، أنتَ آخَرُ في نفْسِ الثيابِ، مُدمّاةً ومُتسخاتٍ وكاذبةً، وتشهدُ أنّكَ لمْ تمُتْ بعْد.

******

 

هند جودة

 

[مواليد غزة، 1983، درست تكنولوجيا تعليم بجامعة الأقصى- غزة 2006، أصدرت مجموعتين شعريتين "دائمًا يرحل أحد"، عمان 2013، "لا سكر في المدينة" غزة 2016]


تنقصُ ولا تزيد

في الحرب أنا امرأة تنقص ولا تزيد
تنقصُ طفلًا
تنقصُ بيتًا
تنقص شارعًا كاملًا
تنقصُ حلمًا أو اثنين!

 

وفي الحب
لم أعد أعرف شكل الضحك
منذ ذهب فارس الليل الأخير إلى شارع الضوء وحيدًا
سأقف على الطريق التي تؤدي إليه
ورودي في يدي
من ابتسامتي تنبت مدينة تضحكُ
وأشجار قلبي ستملؤها العصافير..

 

سألوّح لرصاصه المنتظر
وأنا أعرف أنه لا يخطئ الطريق
وأنا أعرف أن عينيه تتربص سوادهم الذي يتربّص بي
أنا التي تنتظرك بالشمع والملح وأرغفة الحب المدورة
أنا المدينة التي تغسلُ البحر كلّ صباح وتقبّل النوارس
أنا غزة..

 

في الساعة الثامنة

 

إنها السابعة من صباح الجمعة،
هل تستمر الحرب؟
هل سنظل نتفقد ابتسامات الصغار بعد كل قذيفة لنرى أيها نقص وأيها لم يكترث،
وأيها استبدل بنظرة دهشةٍ تفطر القلب؟

 

أيها الوقت اللامبالي،
أنتظر مرورك كما تفعل عاشقة غير اعتيادية في بلد غير اعتياديّ!
تتوجّسُ أن يخطف الصاروخ حبيبها الذي قال إنه سيأتي في الساعة الثامنة،
الساعة لم تتحرك بعدُ!

في الثامنة
سأصمتُ تمامًا
ستتّجه حواسي نحو إلى الفضاء البعيد
أذناي تستعدان لاكتشاف القذائف،
هل تقتربُ؟
هل تبتعدُ؟
حلقي سيجفّ رويدًا رويدًا وأنا أنتظر الساعة الثامنة!

 

في الساعة القادمة،
من سيقف في ميناء غزة البعيد،
من سيلوّح للمدينة التي تتثاءبُ نعسةً
ولا تمدّ يدها الجريحة إلى فمها لتعيش صباحًا عاديًا
وتستعدّ للصلاةِ وهي تتوضّأُ بالصبر!

 

 

حرب

 

سأمرّ على جراح غزة الليلة،
وأغني لها كي تنام!
سأضع أصابعي على أذنيها كي لا تسمع أصوات الطائرات، ولا صواريخها
سأخبئ أطفالها في خزانة قلبي وأغلق عليهم
سأصلهم بحبلي السرّيّ!

 

سأدع غزة تنام
أعدها بذلك،
أعدكمْ!
لم أجنّ بعد
أنا أحلم.

 

******

زيد عيسة (فلسطين)

 

مجد أبو عامر

 

[مواليد غزة 1996، درس القانون بجامعة فلسطين، نشر القصص القصيرة والنصوص عبر المواقع الإلكترونية، له مجموعة شعرية "مقبرة لم تكتمل" حيفا]

 
مشهد من حربٍ لا تقع

الآن بعد ليلةِ القصف، الأكثر بؤسًا من مشاهد الخراب المتجوّل في الطرقات،
الجثث التي تتنفس الخرائب والوحشة. القذائف التي تسقط في الجوارِ، أهْون من التي تقصف
الخيال في رؤوسنا، رؤوسنا التي تحمل خيالًا أثقل منها.
لا بيرة؛ لتُنشّن على زجاجات الخوف داخلنا، وموسيقا الطمأنينة لا تصل،
بفعلِ الرصاصات أو الذكريات .. لكن، هل يُمكن للكتابِ أن يكون ساترًا مُحيِّدًا؟

 

الواقعية مدينةٌ من ورق
الفنتازيا حبرُ الطائرات
إلهي، لِمَ لا تُصيّرني هامشًا؟

 

لا نجاة في الحرب
فالحيُّ في المقبرة، ميتٌ أيضًا.

 

وإن سكنتُ رأسي مرّةً أخرى
هل تروح الحرب

أم يجيءُ القبر؟

 

لا أنامُ
كيْ لا أتركُ جسدي يرتجفُ وحيدًا
هذيانٌ يخبزُ فراغي.

 

وتباتُ الحربُ نزهةً
لمن هو ميّت.

 

تسقطُ قنبلة
يدبُّ القلبُ وَجِلًا
ولا يصّاعدُ إلا دخان الزفرات.

  

بروازٌ ناجٍ من الحرب

 

الشوارع مُقفِرة الآن
والبردُ ببطءٍ
ينخرُ الأقدام الهزيلة
والعظامَ التي صارت مكاحل.
الضوضاءُ الكسولة
لم تخرج من النوافذ الخشبيّة
المُلطّخة
بالدماء والصَرخات
التي تُفضي إلى خريفٍ من الجثث.

 

البابُ لم يئز متثائبًا
رغم أنه لم يُفتَح منذ زمن.
الغيومُ تَمر من فوق حَيِّنا
دون أن تُمطر
رغم تبخّر دموعنا.

 

أقودَ جثتي متباطِئة
كي لا أتعثّر بالمطبّات الصِّناعيّة
التي صارت من قبور.

 

"يديكِ خلف رأسكِ،
وعلى ركبتيكِ بسرعة".
هكذا كان يُلاعبني طفلي
رافعًا سِلاحه البلاستيكيّ صَوْبي
تمامًا كما قَتل أبيه
أخي الذي اِنتمى لجماعة إرهابية.
طفلي الذي احترق سلاحه
وصورته الأخيرة
تمامًا كقلبي
عندما غَرِقَ مع سفينة التهريب
إلى مالْمو.

 

إنهُ اليوم الأخير
للمرأة الوحيدة في حلب
التي ستعودُ لمَقعدها الفارغ
في الإطار الخشبيّ
جوار عائلتها.

 

كان هذا آخر ما تذّكرتهُ
المرأة التي نامت
قبل أن تبدأ الحرب.
كان أول ما رأته
المرأة التي استيقظت
بعد أن اِنتهت الحرب.

 

******

فلسطين ستعود غدًا، ميساء يوسف (فلسطين)

 

عنِ الجُثث

 

نصر جميل شعث

[مواليد خان يونس، ناقد وشاعر يقيم في النرويج، صدرت له عدة أعمال نقدية ومجموعات شعرية، آخرها "خاطف الغزالة يتعثر بأعشابها"]

  

1
لو يَسمحِ اللهُ للميّتِ بالبكاء على نفسهِ؛
لتحوّلَ جُثمانُهُ قاربًا!

2
البكاءُ على الميّتِ لا يُحرِّكُ ساكنـًا.

3
أنجعُ الحُلولِ لإخصابِ الصَّحراء
دفنُ الموتى فيها.

4
الميّتُ يُباشرُ بكاءَه تحت الأرض،
هذا ما يُفسِّرُ نماءَ الأعشابِ في المقابر.

5
قال مُزارعٌ:
أخصبُ الترابِ
ما آلتْ إليهِ الجُثثْ.

6
لأنّ للتُّرابِ احْتمالاتِ الطَّهارةِ والنَّجاسةِ؛
يَلْقفُ كلَّ الجُثث.

7
لأنّ البحرَ طاهرٌ بذاتِه،
يَلفظُ موتاه.

8
من حِكمةِ البحر
أنّ لجثثِ الغرقى دليلًا واضحًا.

9
النهرُ أقلّ حِكمةً منَ البحر،
في التَّعامُلِ مع موتاهُ

10
كان غرابُ اللهِ صاحبَ حِكمةٍ،
بهذا الشأن

11
كان يَمشي،
بمحضِ الصُّدفةِ صارَ جُثَّةً؛
الصُّدفةُ خَرْقٌ فاضِحٌ
لطوق النَّجاة!

12
المُستنقعاتُ جاهِلةٌ جدًّا،
وأخطرُ الصَّمت
صمتُ المُستنقعات.

13
لولا انْفعالُ البحرِ وملحُه،
لضاعتِ الحِكمةُ .

14
لكنّ البحرَ عَدوٌّ غامِضٌ،
بالذاتِ وهُو هادئٌ،
وانْفعالُهُ يَكشِفُ عنه.

15
البحرُ عَدوٌّ قَويٌّ وخَلُوقٌ وجميلٌ
يَحرصُ على تَسليمِ الجُثثْ.

16
البحرُ و اللِّسانُ:
يَتماثلان في وظيفةِ اللَّفظِ،
يَختلفان في النِيَّةِ واللّغة.

17
ثمّةَ فرقٌ أيضًا:
البحرُ يَلفظُ عن حِكمةٍ؛
اللِّسانُ ليسَ، دائمًا، صاحبَ حِكمةٍ.

18
العينُ بحرٌ
يتطَّهرُ من تِلقاءِ حِكمتِه.

19
القلوبُ في الأرض،
داخلَ رُمّانةٍ؛
جرَّافةٌ على التُّرابِ،
وأرئيل شارون في الطائرة!

20
لهُ التَّجلّي في الفراغ،
لي الهُبوطُ إلى فراغ القبْوِ،
للبياضِ مَحْبرةُ النِيَّة.

21
يَرتدي قميصًا ناصِعًا
بيدَ أنّ أمَّهُ تخافُ عليه
من بُقَعِ التُّفَّاحة!

 

*****

 

"رحلة الغد"، إسماعيل شموط  (فلسطين)

 

 

أنيس غنيمة

 

[مواليد غزة 1992، عمل في مجال دعم المحتوى العربي على شبكة الإنترنت، صدرت له مجموعة شعرية "جنازة لاعب خفة" 2017]

 
ضَجَرْ

صباح يوم الأحد 20 يوليو (تموز) 2014..

 

فرّت عائلتي من الحرب،
لا يوجد أحدٌ في البيت
لأقول له:
كم أشعر بالضجر!
البيت فارغٌ،
إلا من صوتي في غرفةٍ لا أجدها..
أتراها فرّت، وأخذت معها صوتي؟


لقد نجوت من المعركة،
قيل لي.
وفقدت عينيّ..
من يبحث عن روحي في الرماد
ويدفنها مع عائلتي؟

 

عن الحرب.. عن الشهداء.. عنّي

 1

أنتمي إلى معركةٍ مؤصدة،
أنظر من نافذةٍ بلا زجاج.

2

من أنا، لأكون بخيرٍ، وسط معركة؟

3

أنتمي إلى كل أولئك المجروحين،
الذين فقدوا قلوبهم في الحرب.

4

في يدي رصاصة،
وفي الأخرى وردة،
أريد أن أقتل،
لكن، لا قلب لي.

5

أحشو بندقيتي بالعسل،
هذا ظنّي وأنا أدافع
واعيًا بالشمس فوق رأسي
تضيء طريقًا للنحل.

6

كل الذين في الحرب ماتوا
كانوا أطفالًا، ولدوا للسلام.

7

كل شهيدٍ يرحل
ينسى وردة في جيبي
كلما مددت يدي لأشمّها
تذبل يدي.

8

لمّا قتلوه
أولئك الذين يبذرون الأرض بالموتى،
وكل أحلامهم قبور،
وكل أياديهم دم.

 

يغرسون سكينًا في صدري
ستبقى مدفونةً وحادةً متى يخرج.

9

ما أنا وسط حطامي،
أشعلُ القصيدة بالعدم،
ما أنا وسط النشيد،
أنشدُ الحطام!

10

من أنا، لأكون بخير، وسط معركة؟
من أنا لأكون بخير..

 

كابوس

 

قد تموتُ على رصيفٍ في مدينةٍ مزدحمة
جبانًا وأنت تذهبُ إلى حتفك
وقد يعطيكَ العالمُ في رُقادِكَ تلك التحفة:
المرأة التي رأيتها في حلمي تحترقْ،
والطفل المتفحّمُ في أحشاء المرأة.

 

أطفالي في الحرب


لا بأس
لا تستيقظوا
لا أريد لكم هذا الصباح
أعرف أنكم غرقى
أكثر مما
لو أعطيتكم بحر حب
أعرف أنكم ضحايا
-كل واحدٍ منكم ضحية حظه-
ابقوا نائمين وهادئين وميتين
في قلبي.

 

*****

 

جدران غزة، ليلى الشوا  (فلسطين)

 

 

محمد السالمي

 

[مواليد خان يونس، نشر قصائده عبر الصحف والمواقع الإلكترونية، صدرت له مجموعة شعرية "شهيق الأبنوس" 2011]

 
سيوفٌ تفيض على الهواء

كانَ هنا لنا بيتٌ
وبستانٌ وبرجُ حمام
هل يشبعُ الجلادُ من اغتيال الوردِ،
حقيبة العرسِ
وغرفة الألعاب؛
لأنّ الحاخام يُحرّضُ الجيشَ على ذبحِ الفراش؟!!

 

تتمة

 

مُمّدون على بلاطِ المشرحة
كأنهم دمى عرائس نائمة
يتهامسون: متى يستريح البارودُ من ضجيجِ المعركة؟

 

شهد أبو حليمة

 

يتنافس الجنودُ في التصويب خمسةَ أيام
تحتمي خلفَ ساعة الحائط
الرصاصُ يُوقف عقربَ الوقتِ..
مَضغتِ الكلابُ لحمَها الطريَّ،
وتفتّتتْ كلُّ أحلامِها الصغيرة!

 

لؤي صبح

 

يلّوحُ بيدهِ من غرفة العناية الفائقة
مُتسائلًا:
هل مزّقوا دفترَ الرسمِ أيضًا؟
لأنَ جَسدَهُ عِطرٌ فاخرٌ،
أو خيمةُ عزاء
يَملأ الشوارعَ هتافًا وشظايا،
لمْ يعِ أنَ دمَهُ أصبَحَ ورقةً
في صندوقِ الانتخاب!

 

أميرة القرم

 

يَزحفُ الليلُ نَحوَها بلا قدمين
المدافعُ تطرزُ بيتها
لوحةَ خرابٍ بربرية .......
دبابةٌ مجنونةً تفتتحُ المشهدَ،
أشلاء تشكّلت في ثلاجةِ الموتى.

 

أمّ عمر

 

أمُّ تَجمعُ ما تبقّى من خشَبِ الدولاب
هذا القَدرُ المُرُّ ....
تُشعلُ نارَ صمتها بِتأنٍّ،
تعجبُ لعجوزٍ مصابٍ
يُداوي مُسعفًا طحنَتِ الحربُ سيارتَه ...
تلك رصاصة
أخطأتْ مرتين!!

 

دلال أبو عيشة

 

وحيدةً تبحث بين الركامِ
عن زيّها المدرسيّ،
تُخبرها قطّتها:
الموت أكلَ كلّ الأهلِ
في آخر فطورٍ صباحيّ.
تصرخ: " إذًا لماذا أنا باقية؟ "
عندما يَفقدُ الطيّارُ هدَفَه
لماذا يقصفُ المقبرة؟
ربّما يُذكّرُ ا ل  م   و ت  ى
بقساوةِ العدوان!

 

أحمد أبو هربيد

 

عشرون يومًا فقط،
توقَّف عمرُه
هنا
وجهٌ محترق،
أحشاءٌ ذائبة
دعْنِي أسمّيكَ أحمد الفسفوريّ
خارجَ التغطية.

 

*****

 

إسماعيل شموط  (فلسطين)



حالات

 

هشام أبو عساكر

 

[مواليد رفح 1990، نشر نصوصه عبر المواقع الإلكترونية، أصدر مجموعة شعرية "موتى يحكمون العالم" عن دار الأهلية]

 

وإن كان لا بدّ من نهوض
فانهضي هنا
قرب مخلِّصكِ الأبديّ.


أيّتها الرّوح
أيّتها الآلة الكاملة
ارمي نفسكِ في هذا الصباح الهائل
وانتصري. 

 

أريدُ استعارة مخيّلة شكسبير
ووسامة بودلير
وشوارب دالي
وأصابع موديلياني
وأكتاف سيزيف
ومطرقة نيتشه
وشجاعة جان دارك
في غرفةِ فندقٍ دافئة تطلّ على البحر
حيث الهواء ناعمٌ ونظيف
ويمكن لجثتي أن تستمتع بإجازتها.

 

بعدما سال دمنا على مذابحهم
عبّأوه في زجاجاتٍ فارغة
وضعوه إلى جانب أسرّتِهم
واحتسوه كالفودكا

ولعلهم
كانوا يفعلون هذا ليلةً بليلة
وببهجةٍ شديدة..


انتقامًا من ذاكرتهم..

 
رأسي معبدُ دخان، ثمة أشياء تغادر مع النار
الحرب تبشّر بخيباتٍ وحرائق هائلة
كلُّ شيءٍ متّقدٍ يغادر، كل شيءٍ منذورٌ
لهجرةٍ أبديّة..

أتنقّلُ مثلَ مسدّسٍ أعمى
من جريمةٍ إلى أخرى
بحثًا عن إرثي
من النّدم..

 

فيكَ أحمّم قتلايْ
وأدقُّ جنائزي
وفيكَ.. أيّها العمرُ
أدوّي
أنا الطلقةُ الواحدة
أنا طلقةُ التّجربة.

 

لأنّ الكارثةَ قادمةٌ لا محالة
جهّزت وصيّتي
حفرت حفرةً على مقاسي
رفعتُ شاهدةَ قبري
رقّمت نفسي في سجل القتلى
ثم رحت أكتبُ في صفحةِ الانفجارِ

اسميَ
بثقةِ جثّةٍ 
تقرّر مصيرها بنفسِها.

 

*****

 من معرض "غزة تصعد إلى السماء"، محمد السمهوري  (فلسطين)

 

نضال الفقعاوي

 

[مواليد خان يونس 1985، درس ماجستير علم نفس بجامعة الأزهر غزة، أصدر مجموعة شعرية "ظهيرة – قصائد في عربة الإسكافي" 2015]


مقبرة 

لم أذهبْ يومًا إلى المقبرة
حين تمرّ جنازةٌ أصمتُ
وحين يعودُ الناسُ ناكسي رؤوسَهم
أَنحني في زاويةٍ، وأبكي.
لا أُصدّقُ الموتَ
ولا أهابُ كثرتَه 
أنا أولى الناس بالشهداء
سأحفظُهم في تربتي
في الصّيف سأبكي عليهم 
وفي الشتاء
سأُشعلُ لهم جسدي.

 

رصاصٌ فارغ

 

كنّا نتبعُ رتلَ العرباتِ كي نستردَّ طفولتنا
لم نخفْ فوّهاتِ البنادق التي تتدلى من ثقوبها

كنّا نلهو
وكنّا نهرولُ في الطّرقِ التي ترسمها العجلاتُ هازئين،
فيما الجنودُ مرتابين
يراقبوننا من عدسة القنص
كانوا يطلقون الصراخ في هواء العربة المكتوم 
وكنا ننفخُ في الرصاص الفارغ
لنخيفَهم بالصّفير.

جاز

 

الحانة مكتظّةٌ بالرؤوس
والدّوارُ لا ينتهي 
الأرضُ ملطّخةٌ بالدّم
والمفقودون الذين انتهوا إلى هنا، 
بمحضِ الصّدفة 
يبحثون عن أنفسهم بالصّراخ

ويُشيرون إلى يدٍ خفيّةٍ تريدُ هذا 
يدٍ تشُقّ الضّبابَ بسرعة البرق،
وتختفي.

 

الدّوارُ لا ينتهي 
فيما الرجالُ في الغبارِ غائبون
كؤوسهم وقلوبهم حديد
لهُم من أثر المعاركِ خُوارُ ثيرانٍ نافقةٍ 
وغمغمةُ خنازير. 

 

الدوار لا ينتهي
فيما السبايا في الثكناتِ 
يتقيّأنَ كلامَ الربّ في أَسِرّةٍ متعفّنةٍ 
ويحلمنَ بجنديّ واحدٍ 
سيخونُ الحربَ مرةً وسيأتي
في جيبه وردةٌ مطحونةٌ
وفي حذائه هارمونيكا.

 

الغبار لا ينتهي
والحانة التي بلا دخولٍ أو خروجٍ
حزينةٌ وصاخبةٌ 
ولا أحد يرى صاحبَها.

 

*****

 

 

نعمة حسن

 

[مواليد رفح، صدر لها "لم يكن موتا"، "حيث يرقص اللهب"، "رسائل بفعل فاعلة"، كتاب مشترك "أعشاش الذاكرة"، مسؤولة ملتقى "جنوبيات" الثقافي والفني]

أكان العيد فخًّا؟!
 

 

هكذا يتساءل الطفل الذي ثقب بالونه الملوّن
القبر الذي اتسع لأمه وأخوته الخمسة، كان مليئًا بالهدايا..
لكنه لم يسمح له بالعدو مع طائرته الورقية..
ما زالت في ركن الغرفة المهدم تنفض الغبار باستياء.
أبي سيصلحها، كان متأكدًا وهو يأوي لكفنه مطمئنًا.

 

الصغيرة التي فقدت ذراعها على سرير المشفى؛ تُفكّر.
هل تستطيع أن تحمل دميتها الشقراء بعد الآن؟

 

هل الأذرع تموت يا أُمِّي؟

 

بائع الروبابيكيا يحمل ما تبقّى من عربة الرجل المقعد.

 

بعد الغارة الأخيرة أصبح يجيد دفن الأشياء؛
لا بيعها.

 

من يجيد تغيير خطة الحرب فليرفع إصبعه الأوسط!
أو ليصمت.

 

**


ليل، وليل

 

يزحف ببطء يهزّ كتف الخوف
الأمهات في وطني لا تنام عادة،
تتنصت على أفكار الجنود في طائراتهم الحربيّة..
لا أحد يرى في العتمة كما الأمهات
ولا أحد يسمع طقطقة الأصابع وهي تتقدم على أطراف أصابعها
حتى لو كانت أصابع من معدن لطائرة F16.

 

الجندي المعلّق في الهواء يستنشق مخاط أنفه،
يمسح عرقه المتصبب بوتيرة واحدة.. يضغط الزر
بوووم..
لا صرخات تسمع في الأجواء!
يعود ليجلس على أريكته أمام نشرة الأخبار..
يستمع جيدًا،
يركّز نظره على الصور
يرفع الطفل يده عاليًا ويلوّح من تحت الركام ثم يبتسم
يحاول الجندي أن يدفن وجهه..
يمر المطر أعوامًا
تكبر البذرة تصبح وطنًا.

 

في مشهدٍ آخرَ يجلسُ الجنديُّ على نفس الأريكة
يطلقُ الوطن رصاصه
بوووم، الصرخات تدوي عاليًا
هكذا يموت الجنود في الليل الذي لا يملك أمهات تحرسه.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.