}

رحيل خيري الضامن.. مترجم رسائل دوستويفسكي

علي لفتة سعيد 26 يونيو 2021
هنا/الآن رحيل خيري الضامن.. مترجم رسائل دوستويفسكي
خيري الضامن (1936 ـ 2021)
توفي في العاصمة الروسية موسكو، الثلاثاء الماضي، الأديب والمترجم العراقي، خيري الضامن، الذي يطلق عليه لقب "شيخ المترجمين العرب عن الروسية"، عن عمر ناهز 85 عامًا، قبل أن يتم طباعة آخر كتاب ترجمه، عن إحدى دور النشر العراقية. ترجم الضامن عشرات من الكتب الروسية، في نواحي الأدب والسياسة والاقتصاد، وبدأ حياته ناقدًا أدبيًا ينشر في "الآداب" اللبنانية منذ خمسينيات القرن الماضي، قبل أن ينتقل إلى العيش في موسكو، ويعمل مترجمًا في دار التقدم، حتى ترجم أكثر من ستين كتابًا ومؤلفًا لكبار الكتاب الروس والسوفييت.
الضامن من مواليد مدينة البصرة في جنوب العراق. ترجم على مدار ما يزيد على 60 عاما عددًا من أبرز الأعمال الصادرة في روسيا، كما نقل إلى العربية الرسائل لفيودور دوستويفسكي في عدة مجلدات.

ياسين النصير


يقول الناقد العراقي، ياسين النصير، الذي كان رفيقًا للراحل، إنه شيء مؤسف أن نسمع خبر موت خيري الضامن، وأن "يغادرنا المعلم والمفكر ومؤسس الحداثة النقدية في العراق، فقد كنت أحد رفاق دربه منذ عام 1958، يوم أصدر كتابه المتميز (في التكوين الشعري ـ مشروع نظرية)". وأضاف: "اتصلت به قبل شهر تقريبًا طالبًا منه نشر الكتاب ضمن منشورات أهوار، فوافق الرجل، وأرسل لي مجموعة مقالات على أن أضمها إلى الكتاب".




وتابع: "قبل يومين، اتصلت به لأنه كان غائبًا عن التواصل، فأخبرني أنه كان في عزاء زوجته الأولى التي توفيت الأسبوع الماضي، والآن فوجئت بخبر وفاته". ويصف الناقد العراقي المترجم الراحل بأنه من الذين أسّسوا للثقافة الوطنية في قضاء القرنة (شمال البصرة)، وكنت من متابعيه، ومن معلمّي المدرسة التي كان مديرها. ويمضي بالحديث عن تلك الفترة: "كان يقدّم عددًا من الفعاليات الثقافية، من بينها إعداد وتمثيل مسرحية "فاوست" لغوته، التي علّمتني شخصيًا ما المسرح، وماذا يعني التمثيل. ثم ترافقنا في عملنا السياسي لسنوات عديدة، إلى أن سافر في بعثة للدراسة في موسكو عام 1962، وكنت من بين مودّعيه في محطة قطار البصرة". ويعود النصير للحديث عن الاتصال الأخير مستعيدًا بعض الأيام الخوالي، والتحدث عن تزويد دار أهوار بعدد من ترجماته، و"أرسل بالفعل رواية قصيرة اسمها (الحريق) لفالنتين راسبوتين، وبدأنا العمل عليها، وأرسلت له غلاف الرواية فأعجب به، موضحًا أن خيري كتب كلمة على الغلاف الثاني متحدّثًا عن أهمية الرواية التي ترجمها".



نقد مبكر

الدكتور سلمان كاصد


يطلق الدكتور الناقد، سلمان كاصد، رئيس اتحاد أدباء وكتاب البصرة، على خيري الضامن لقب "المرتحل الأبدي". وقال: منذ زمن بعيد، كان هنالك فتى يعيش مفكّرًا في مصير فقراء قريته التي يلتقي على أرضها نهرا دجلة والفرات، حيث يقترنان عند تخومها ليشكّلا نهرًا متدفّقا اسمه (شط العرب) لينحدر ماء النهرين الممتزجين معًا من جنوب تلك الأرض التي سميت (القرنة)، مواصلًا تدفّقه إلى أقاصي الجنوب حتى البحر.




ويمضي الدكتور كاصد في الحديث عن أيام القرية التي ولد الراحل فيها وتعلّم، وهو يرى "العسف الذي يمارس ضد الفلاحين والأجراء في قريته، فكان انتماؤه للحزب الشيوعي حتميًا. ومن تلك اللحظة التاريخية التي تعرف فيها على الأفكار الجديدة، بدأ عقل الفتى يتسع، وبدأت الرؤيا فيه تتجه نحو الأدب والشعر، وينتبه إلى الأسماء المحلية والعالمية التي برعت في هذين الحقلين". ويرى أنه بعد هذا التفتّح المبكّر كان "طبيعيًا جدًا أن يذهب إلى الأدب الواقعي الذي كانت تلتقي عنده الشرائح الاجتماعية المقهورة، لأنه على أقل تقدير يصور المآسي التي يمرون بها ويحاكون تشابهاتها". ويضيف أنه كان مغرمًا بالشعر ونقده، فكتب تصوّره للقصيدة الجديدة، وكان ذلك بالتزامن مع ظهور حركة الشعر الحر (التفعيلة) التي جاءت بها الموجة الجديدة، وعلى رأسها بدر شاكر السياب، كاشفًا عمّا سماه غرابة ثقافة خيري الضامن في النقد من أنها "تعدّت حدود المألوف والمتداول والعادي، إذ تجاوز هذه المرحلة إلى الانتقاد والتصويب والتوجيه والاستحسان وعدمه"، كاشفًا عما قام به الراحل من عملية نقد، وقال إنه "عاب على قصيدة السياب (الأسلحة والأطفال)، فعدها قصيدة هابطة لا ترقى لطموح التركيب الغريب الموحي بالرمز والدلالة الدقيقة المعبرة". ويشير إلى أن ثقافة الراحل تلاقت بين العربية والأجنبية، وتشاء الأقدار أن يتجه في رحلته الأبدية إلى موسكو طالبًا، إلى الأرض التي آمن بأفكارها التغييرية للعالم، وهو ما جعله يتقن الروسية، وبدأ في الاشتغال على ترجمة ما يؤمن به من أفكارٍ مطروحة في الثقافة والسياسة، فقدّم، وببراعة، أعمالًا مهمّة في ترجمة السياسي والثقافي والفكري معًا.



ويتحدث عن إسهاماته وطبيعتها فيقول: "إن ترجمات الضامن من الروسية إلى العربية، وبالعكس، أثبتت براعة هذا الرجل، وسعة أفقه، وغوره العميق في قلب اللغة الروسية". وعن ترجماته العديدة، وإغناء المكتبة العربية بالثقافة الروسية قال: "يذكر لخيري الضامن ترجماته العميقة والمعبرة لإيفان تورغينيف، التي قدّمها للمتلقّين بلغة شفيفة. كما ترجم دوستويفسكي الأكثر تعقيدًا، وسيرغي بليخانوف، المنظر، وأندريه بلاتونوف".



رسائل دوستويفسكي




من أهم الأعمال التي تحدّث عنها كثيرون أنه ترجم مئتين وخمسين رسالة لدوستويفسكي، وأصدرها في مجلّدين اقترب عدد صفحاتهما من الألف، ونشرا عن دار سؤال اللبنانية للنشر، بدعم من معهد الترجمة في روسيا، لتكون أكبر مجموعة من رسائل دوستويفسكي تترجم إلى اللغة العربية. ويقول خيري في تصريح له عن هذه الترجمة إنه "مهما كانت معرفة القارئ العربي كبيرة بحياة دوستويفسكي، الذي يتحدث العالم عنه من سنين وسنين، ففي رسائله معلومات أغنى وأعمق وأدق. إنها دائرة معارف شاملة عن حياة المجتمع والاتجاهات الفكرية في القرن التاسع عشر، وبخاصة عن الأدب الروسي في عصره الذهبي". بل وذهب خيري إلى أنه "يراهن على أن القارئ سيطالعها من ألفها إلى يائها خلافًا لكل الإنسكلوبيديات التقليدية"، لأنه يعد هذه الرسائل "مختبرًا أدبيًا تجريبيًا وظفه دوستويفسكي، وخصوصًا في المراحل المبكرة من حياته، لشحذ موهبته وطاقاته الإبداعية، وصقل أسلوبه الروائي الآسر". ويضيف خيري أن ما صدر من رسائل ديستويفسكي يمكن التعامل معها باعتبارها رواية وثائقية ضخمة في مئتين وخمسين فصلًا، أو رسالة، وهو ما جعله يرتبها زمنيًا، وبدأ برسائل قليلة موجهة لأمه وأبيه، وكأنه يمهد بهما لسرد الحكاية المتضمنة في الرسائل، وختمها بفصل أسماه المترجم (رسائل الأيام الأخيرة)، وضم آخر ما خطّه قلمه من رسائل.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.