}

ليوناردو بادورا: مطالب الحريات والإصلاح الاقتصادي سبب تظاهرات كوبا

أحمد عبد اللطيف أحمد عبد اللطيف 22 أغسطس 2021
هنا/الآن ليوناردو بادورا: مطالب الحريات والإصلاح الاقتصادي سبب تظاهرات كوبا
ليوناردو بادورا
منذ نشوب الثورة الكوبية في 26 تموز/ يوليو 1953، لم تشهد كوبا مظاهرات بالقوة التي شهدتها بداية من تموز/ يوليو الماضي. سيدة عجوز حضرت الثورة وأيدتها ترى الآن أحفادها يتظاهرون ضد النظام تفسر المظاهرات بأن "الزمن تغير، وأبناء اليوم ليسوا كأبناء الأمس". لقد قبضت السيدة، في كلمتها لجريدة "الباييس" الإسبانية، على لب القضية، فالمواطنون الذين أيدوا فيديل كاسترو في لحظته، لم يتوقعوا أن يبقى حاكمًا أبديًا للبلاد، وإن كان استمرار فيديل في الحكم له ذريعته المتعلقة بالأعداء الخارجيين الذين يحاولون اختراق الجزيرة، فالذريعة نفسها ربما لم تكن صالحة في عصر جديد ترأس فيه راؤول كاسترو الحكم لمدة عشر سنوات قبل أن ينتقل إلى ميجيل كانيل، الرئيس الحالي، منذ عام 2018.
المظاهرات القوية التي ملأت الشارع، وحررت الكوبيين من الخوف، حملت في الأساس مطالب اقتصادية. لم تملك الحكومة إلا ادعاء أنه لا ثورة على الثورة (بنفس عبارة القذافي) قبل أن تقطع الاتصال بالإنترنت، وتمارس القمع، في مشهد أعادنا إلى أميركا اللاتينية القرن العشرين.




الكاتب الكوبي الشهير، ليوناردو بادورا، أحد أهم روائيي القارة اللاتينية الآن، كان هدفًا للجرائد والتلفزيونات الأجنبية، ليدلي برأيه في ما يحدث الآن، خاصة لأنه يعيش في هافانا، ومعروف عنه صوته المستقل عن السلطة، والمتضامن على الدوام مع المطالب العادلة.
أشار بادورا، الفائز بجائزة أميرة أستورياس في الآداب (2015)، أنه يعتبر رواياته "من الوثائق الأشد راديكالية في تناول كوبا المتقلصة اليوم بمشكلات يجب أن يحلها الكوبيون أنفسهم". روايات مثل "الرجل الذي أحب الكلاب"، و"الهراطقة"، و"رواية حياتي"، والمنشورة في كوبا، تقدم صورة صادقة وشمولية عن الجزيرة، عن حياة الناس وأزماتهم، "هذا ما يشعرني بالهدوء الآن"، بحسب ما صرح المؤلف في حوار له مع وكالة "إفي" الإسبانية.
يعيش بادورا في بيت العائلة بحي مانتيّا الهافاني، ومن هناك يتابع الأفراد الذين خرجوا إلى شوارع بلده ليعترضوا على الوضع الاقتصادي، وليطالبوا بالحريات. الكاتب الكوبي يتأمل في الاستقطاب الحاد الذي تعيشه الجزيرة، وينتظر أن يتفق الكوبيون على حل يمكن تنفيذه، ولا يستبعد كوبيي الخارج. يقول بادورا: "أتلقى باستمرار هجومًا من كلا الجانبين، لأني أحاول أن أكون عادلًا، وأن أقول الحقائق حول ما يمكن الاتفاق عليه. لقد بات معروفًا أنه ما من حقيقة مطلقة، وأن الشيء الوحيد المطلق هو الكذب. لا في نصوصي، ولا رواياتي، ولا كتاباتي الصحافية، أحتاج إلى الكذب حين أتحدث عن كوبا".




يرى بادورا، كمتخصص في اللغة أيضًا، أن "من حق أي أحد نقد كوبا، بشرط ألا يبالغ، عليه أن يقول الحقيقة فحسب". هذا هو المبدأ الذي يتبعه، لذلك: "فأنا مطمئن جدًا بيني وبين نفسي، وليس بوسعي أن أرضي كل الاتجاهات، ولا أريد أن أضع نفسي مع أي طرف، فأنا أخاف من الأصوليين، ومن الأطراف، لأنهم ينطلقون من فكرة الحقيقة الوحيدة الممكنة، وأعتقد أن الحقائق متعددة، وبالتالي فالحوار بينها ضروري".
كان بادورا يتابع كأس أوروبا حين فاجأته التظاهرات، "فجأة قطعوا الإرسال، وجاءت كلمة الرئيس ميجيل دياث كانيل، حينها عرفت ما حدث". بعدها قررت السلطات حظر الدخول إلى الإنترنت، فجاءت الأخبار ملتبسة "مقطعة، جزئية، عنيفة أحيانًا، وكان صعبًا معرفة ما يحدث". شعوره الأول، الذي وصفه بعد أسبوع من اندلاع المظاهرات في نص نشره في منصة La joven Cuba (كوبا الشابة)، "أن ثمة عواءً يأتي من قلب المجتمع يتطلب طرقًا أخرى لإدارة الحياة بالمعنى العام، وهنا يدخل ما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي".
لقد أدى التأخر غير المبرر في عمل إصلاحات اقتصادية إلى شيء شديد الوضوح "ازدياد اللا مساواة والفقر"، يقول بادورا، وهي تفصيلة عكسها في عمله "شفافية الزمن". لقد كتب عن أحياء شديدة الفقر بهافانا، "تلاحظ فيها أن هذا ليس البلد الذي عملنا من أجله، الذي حلمنا به، وضحينا كثيرًا من أجله. وبالتالي، فيجب أن تقدم السلطة حلًا لهؤلاء المتظاهرين".
في رأي بادورا، شقت التظاهرات ضجر الانتظار، انتظار رفاهية لم تأت أبدًا، وبرهنت على القطيعة الواقعة بين السلطة والمواطنين. "لذلك، أعتقد أن التظاهر فاجأهم لأنهم لم يخرجوا في صف واحد ليصرخوا مطالبين بشيء، وإنما خرجوا من أماكن كثيرة بالبلد بمطالب متعددة من بينها الحرية مثلًا، والأمر يغدو جادًا جدًا حين يخرج شعب ويطالب بالحرية".
ما يشغل الروائي الشهير ألا تُسد هذه الفجوة بين السلطة والشعب، ألا تُفهم المطالب وألا يُدار التظاهر بأفضل طريقة، لأن التطرف في أي جانب سيصعّب الأمور أكثر، وستُساء الأحوال". ويضيف: "الردود العنيفة ليست علاجًا ناجعًا لهذا البلد، لأنه لم يعد نفس البلد قبل التظاهر. نحن الآن أمام بلد مختلف ويجب أن يُدار بطريقة مختلفة".




صاحب "الرجل الذي أحب الكلاب" يشير إلى حدث سابق على التظاهرات الأخيرة. في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر العام الماضي تجمهر عدد من الشباب المبدعين أمام وزارة الثقافة الكوبية، "وهناك تحدثوا عن الحاجة إلى الحوار، وانتهى التجمهر إلى عدة كلمات وحلول قليلة جدًا، لكن حين يتحدث الناس عن حرية التعبير وحرية الفكر والرأي، فهم يتحدثون عن حقوق أصيلة، فلا يمكن لأي نظام أن يتجاهلها، ولا لأي بلد".
عن الشباب الذي أطلق مظاهرات 11 تموز/ يوليو، يخشى بادورا أن يُعاملوا بطريقة غير لائقة، أن تهمشهم السلطة، أو الأسوأ من ذلك "أن تعتقلهم لموقفهم الاجتماعي، أو السياسي"، أو مع استمرار سوء الأحوال الاقتصادية "يختار كثيرون الهجرة وينتهي بهم المطاف خارج بلدهم".
يعتقد المؤلف، الذي صار منذ 1996 أول "كاتب مستقل" في كوبا، أن ما يحدث الآن سينعكس في الأدب، "رغم أنه ليس بالضرورة بطريقة مباشرة". يتحدث بادورا عن استقلاله "حاولت ممارسة استقلالي وحريتي منذ سنوات طويلة. أعتقد أن أي مبدع يحتاج إلى حرية التعبير والتفكير لأنها أساسية"، رغم أن الحرية في النهاية يحدها حدود "منها الهوموفوبيا، كراهية الأجانب، أو أي سلوكيات فاشية بشكل عام".




يختم بادورا بأن الحياة قصيرة جدًا ما يحتم علينا الوصول إلى "عقد اجتماعي".
أخيرًا، كانت كوبا قد عانت مشاكل اقتصادية طاحنة بسبب أزمة كورونا، إذ يعتمد الاقتصاد بالأساس على السياحة التي توقفت ما يتجاوز عامًا ونصف العام، وعجزت الحكومة عن الوفاء بالمواد الغذائية الأساسية. ورغم أن العامل الاقتصادي كان المحفز على التظاهر، إلا أن المطالب بالحرية أساسية في الدعوات التي انطلقت من عدة أحياء بالعاصمة هافانا.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.