}

رحيل سلمان داود محمد.. الشعر رسالة احتجاج

توفي نهار الأحد الفائت شاعر الاحتجاج والجمال والفقراء كما يطلق عليه في العراق، الشاعر الذي كان مصدر إلهام للكثير من الشعراء الشباب مثلما كان في سنوات الحصار الشاعر الذي يلتقي عنده شعراء ليستنسخوا في مكتبه بمنطقة الباب الشرقي مقابل نصب الحرية نصوصهم وكتبهم وقصائدهم، ومثلما كان أكثر الشعراء احتجاجًا على الواقع والمنظومة السياسية وقد أحرق قميصه مرّة ليكون صرخة كبيرة. إنه الشاعر العراقي سلمان داود محمد الذي عانى خلال السنوات الماضية من مرض السرطان اللعين ولم تنفع جميع محاولات الأطباء إشفاءه فأسلم روحه وترك غصّةً كبيرةً في الواقع الثقافي والأدبي في العراق.

ولد الشاعر الاحتجاجي الذي قال مرة "رأيتُ العراق الذي يبلغ من العمر آلاف السنين يتحول إلى لحظة عمرها آلاف القنابل"، في بغداد عام 1957، أصدر "غيوم أرضية" عام 1995 وكذلك مجموعة "علامتي الفارقة" عام 1996، وتبعها بمجموعة "ازدهارات المفعول به" عام 2007. وكتب عنه العديد من النقاد بينهم ياسين النصير الذي ألف كتابًا حمل عنوان "مملكة الضلال.. دراسة في تجربة الشاعر سلمان داود محمد"، وقال عنه الناقد الراحل الدكتور حسين سرمك إن "سلمان داود محمّد من النماذج القليلة التي يتطابق سلوكها الثقافي وسلوكها الشخصي بقوّة مثيرة للدهشة والاعتزاز".

ونعاه اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، وقال الناطق الإعلامي الشاعر عمر السراي إن "الشاعر سلمان داود محمد توفي بعد معاناة مريرة مع المرض الخبيث"، وقال أيضًا إن "شعر سلمان داود يمثل تجربةً مهمة من التجارب الشعرية التي اتخذت الحداثة طريقًا لها، فنصوصه من البصمات المعروفة لقصيدة النثر، إذ تنتهج بأسلوبها المبني على المفارقة محاور عدّة تباغت ذائقة القارئ بشحنتها الإبداعية، وتنفتح قصيدته لتجذب المسرح والسينما والأجناس الفنية المجاورة، لعدم توقفه عند حدود البلاغة اللغوية الكلاسيكية". ومضى قائلًا إنه "من مبتكري الموقف الشعري لغويًا وأدائيًا، وما لا ينساه الجمهور المحب له مواقفه وهو يطلق الحمائم من صدره في أحد المهرجانات، فضلًا عن إحراقه قميصه احتجاجًا على الانفجار الآثم الذي أودى بحياة الناس والكتب والحضارة في شارع المتنبي، وغير ذلك كثير".  

وكتب رئيس تحرير جريدة "الصباح العراقية"، الشاعر علي حسن الفواز، مخاطبًا إياه: "من الصعب أن تصطاد العالم بنصف ذاكرة، أو تكون ثوريًا بنصف لسان، وعاشقًا بنصف قلب أو مجنونًا بنصف عقل.. الأنصاف الأخرى مسروقة، أو هاربة، أو عاطلة... كنت تصدّق يا سلمان أن العالم هكذا، نصف يُسرق، وآخر يصلح للخدمات العامة، حتى القصائد كانت تتشظى، بعضها يذهب للمنصات للإعلان، وبعضها يتسلل الى الوجع، أو للاختباء من الفضيحة.. يا سلمان أعرف أنك تحتج دائمًا على العالم والثورات والمؤسسات والمدن والمقاهي، لكنك تخشى مثل الأطفال أن تفقد دماك الصغيرة، قاموسك المشاكس. غرفتك الضيقة كالرؤيا.. فأطلقت لقلبك العنان ليكون جنرالًا للحرب والشغب والجنون، لكنك تعرف أن تلك الحروب خاسرة، وأن القلوب لا تصلح للوجبات الدسمة، وأن قصائدك لا تصلح لأن تكون بيانات، أعرف أنك تتشهى القصيدة التي تشبه البالونات والطائرات الورقية، والنساء اللائي يشعلن اللغة بالاستعارات.. لقد كنت بطيئًا يا صديقي في زمن العدائين، اخترت الموت دون اختيار... ليكون احتجاجك الأخير على العالم.. احتجاج على تجّار اللغة والمعاني والأناشيد الضالة".

وكتب الأديب شوقي كريم، وهو صديق مقرب للراحل: "لن أرثيك.. لن أقول وداعًا فلقد تحدثنا آخر مرّة عن لقاء أحب أن نمارس فيه كل جنون الأيام الخوالي.. لن أرثيك لأن مثلك لا يمكن أن يكون للرثاء فيه معنى.. صاحبي.. تعال أرجوك تعال نتسامر ونضحك وأخيرًا نغني.. كنت تقول لي هامًسا.. الموت أكبر كذبة فلا تصدقها. وها أنذا لا أصدق موتك، أنا على يقين من أنك مختفٍ من أجل صناعة أفكار تمنح أرواحنا الجمال".

فيما قال القاص والناقد عبد الأمير المجر إن "سلمان هو بهي قصيدة النثر وهو العلامة الفارقة التي جعلت من الشعر في مراحل متعددة يكون رسالة احتجاج". وأضاف أنه واحد من "جيل الشعر التسعيني الذي اتّسمت نتاجاته بما يمكن تسميته طرح الأسئلة المربكة، وذلك بسبب هول ما عاشه هذا الجيل من خرابيْن ممتدّين يبدآن بذات الشاعر المعذبة وينتهيان أو لا ينتهيان بخراب محيطه". ويقول أيضًا: "إنه ضمن الموجة الإبداعية التي تمركزت بين  السوداوية والنكوص. وسلمان يعد نتاجه الشعري بشكل عام مجلّلًا بالسوداوية لكنها تأتي في النص لتتستر على معانٍ يركلها أو يثور عليها لا سيما نتاجاته بعد الاحتلال التي تستحق أن تقرأ مرتين". وقال إن أبرز ما يميز سلمان داود محمد هو "عصاميته التي لا تحتاج الى شهود وهو ما أتاح له أن يتواصل مع الآخرين سواء أكان يتفق معهم في الرؤى أو يختلف"؟

 



بعض من نصوصه الاحتجاجية

 

1-   العراقي

كلما أمرُّ بالشوارع تتنكّس الرايات...

سألتُ شرطي المرور: لماذا يا ترى...

قال: لا عليك يا عزيزي، يحدث هذا دائمًا حين يمرّ الشهداء....

 

2-    

أستودعكِ اشتعالي أيتها العتمة

أستودعكَ الليالي أيها الأرق،

لا شأن لي بإطار يحكم الكحيلة

سوى أن يرى الوداع ودائعه،

ودائعه.. وهي تتعرى دامعة

برعاية وطن مَزاد

كل شيء فيه معرّض للبيع...

للبيع..

وللرحيل..

وللتلف...

3-    

الغشيم...

قبل اختراع البلدان كان يبيع الشجن

في مدن المصابين بوخزات ناي..

بعد اختراع البلدان صار شهيدًا

يبيع الأناشيد الوطنية في مناسبات شتى،

منها وضع الحجر الأساس

لتشييد شبكة جسور تربط مسقط الرأس بالمنافي

ومصانع كبرى لإنتاج الكراسي المتحركة

لضحايا المتدافعين على

الـ ....

 كـ

ر

ا

سـ

ي....

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.