}

رسالة مهرجان البندقية السينمائي الـ78: "كوفيد سيمرّ والسينما ستستمر"

وائل سعيد 3 سبتمبر 2021
هنا/الآن رسالة مهرجان البندقية السينمائي الـ78: "كوفيد سيمرّ والسينما ستستمر"
ملصق مهرجان البندقية السينمائي الـ78

من محاسن كوفيد 19 وموجاته المتلاحقة، تأثيره على بعض مجريات الحياة وحقول الفن، كالفن السابع، وتحديدًا المهرجانات الدولية، التي استحدثت نظامًا يسمح بدمج آلية البث الرقمي المُصاحب للفعاليات والعروض الحية وفق الإجراءات الإحترازية. حل كهذا كان لا بد منه بعد أن وجدت السينما نفسها في عزلة كاملة لفترة طالت أكثر من اللازم!

بوسع هذا الإجراء أن يتيح لعشاق السينما مثلي أن أتابع بدون مشقة السفر وتكاليفه، ومباشرة من فينيسيا، وقائع الدورة الـ 78 لمهرجان البندقية السينمائي الدولي، التي انطلقت يوم 1 سبتمبر/ أيلول وتستمر حتى الحادي عشر منه.

في حديث مع وكالة رويترز أكد مدير المهرجان، ألبرتو باربيرا، حرص جميع أفراد المجتمع السينمائي على عودة السينما واسترداد طقس العروض الجماهيرية حتى ولو بنسب بسيطة وآليات مختلفة، وذلك لعرض "الأفلام التي ظلت مركونة على الرف لمدة عام ونصف العام وربما لعامين".

أكثر من خمسين دولة تنافس هذا العام على جوائز الدورة الجديدة بكل فئاتها. يترأس لجنة التحكيم المخرج الكوري بونج جون هو؛ المرة الأولى يتم فيها اختيار مخرج من كوريا في مهرجان البندقية.

امتد حفل الافتتاح لساعتين، ساعة لمراسم السجادة الحمراء والثانية لتقديم الدورة والتكريمات.

استحياء السجادة الحمراء

خلت مراسم الريد كاربت من اللقاءات الصحافية والمداخلات مع النجوم وصناع السينما، باستثناء ثلاثة صفوف من المصورين يتلقفون الضيوف واحدًا تلو الآخر عبر ممر ويرسلون الصور مباشرة لوكالات الأنباء والمواقع، بصوت بدا واضحًا تمامًا عبر البث، طلبوا من بينيلوبي.. جورجينا.. بونج جون وألمودوفار وغيرهم، أن يخلعوا الكمامات لالتقاط صور لهم من جميع الزوايا.

في العام الماضي، امتنع بعض النجوم عن حضور المهرجان، وفي هذا العام بدا على وجه من حضر منهم لون طفولي من سعادة يشوبها الارتباك، كأنها مرته الأولى أمام الكاميرا، ما يجعلنا نعيد النظر في مدى صحة متلازمة الكهف، التي تفترض أن الخروج إلى الأضواء بعد عام من الحجز في مكان مغلق يحتاج إلى وقت وقدر من التكيف!

لتعويض حالة الفراغ الجاثمة على السجادة، اضطر مخرج المراسم للاستعانة باللقطات السريعة في ملاحقة النجوم والانتقالات بين ترجلهم من العربات واللقطات المقربة. حظيت البطولات المميزة بمجرد ظهورها باحتفاءات خاصة، كان أكثرهم الإسباني بيدرو ألمودوفار مخرج فيلم الافتتاح "Parallel Mothers" بطولة بينيلوبي كروز وإيتانا سانشيز جيجون وميلينا سميت. ويظهر أنتونيو بانديراس ضمن المشاهد كضيف شرف، وهما الثنائي الأشهر في أفلام ألمودوفار.

أعضاء لجنة التحكيم في مهرجان البندقية السينمائي الـ78 (Getty, 1/9/2021)



سيمضي
كوفيد وتبقى السينما

بدت علامات التوتر والترقب على الحضور باختلافات طفيفة، عدا اثنين؛ أولهما رئيس لجنة التحكيم؛ صاحب الفيلم المدهش "طفيلي 2019" الحائزة على أربع جوائز للأوسكار بالإضافة إلى عشرات الجوائز العالمية، مكنت لجون هو طريقًا سريعًا إلى العالمية.

شدد جون هو على استعداده للقتال مع زملائه أعضاء لجنة التحكيم لاختيار الفائزين بجوائز هذا العام، مضيفًا خلال المؤتمر الصحافي: "بصفتي صانع أفلام لا أعتقد أنه يمكن إيقاف السينما بهذه السهولة.. كوفيد سيمر والسينما حتما ستستمر". المعنى نفسه تكرر في مستهل كلمة مدير المهرجان، ألبرتو باربيرا، الذي استدعي كلمات الكاتب بوب ديلن: "ما هو بطيء الآن.. سيصبح سريعا غدًا، كما الآن حين يمسي ماضيًا". أشار باربيرا إلى إيمانهم الشديد بقدرة الجنس البشري على تخطي الأزمة، طارحا تخوفات الإدارة حول ندرة المخرجات في ظل ظروف كورونا، وحول بعض حالات التغييب الدولي، وتأتي الصين في المقدمة، فلم تشارك هذا العام سوى بفيلمين قصيرين وبعض الانتاج المشترك.

من ضمن الأفلام المنافسة على جائزة الأسد الذهبي لأفضل فيلم "قوة الكلب" لجين كامبيون مع بنديكت كومبرباتش، وفيلم "الابنة المفقودة" المأخوذ عن رواية إيلينا فيرانتي، بطولة أوليفيا كولمان وداكوتا جونسون، وفيلم Spencer عن حياة الأميرة ديانا، بالإضافة إلى برنامج الأفلام القصيرة الذي يحتفي بالمخرجة صحراء كريمي من أفغانستان، وتشارك مصر بفيلم "أميرة" للمخرج محمد دياب، إنتاج فلسطيني- مصري.

يُتيح المهرجان للجمهور مُشاهدة الأفلام القصيرة من خارج إيطاليا من خلال شراء التذاكر، وتقتصر تذاكر الأفلام الروائية الطويلة على البلد، علاوة على بعض العروض المجانية المستمرة حتى 26 من الشهر الجاري.

استقبلت قاعة العرض السينمائي وقائع حفل الافتتاح تقديم الممثلة الايطالية الشابة سيرينا روسي، بأداء مؤثر استحق التصفيق من الحضور أكثر من مرة كلما علت نبرتها أو ترقرقت الدموع في عينيها، فيما تستعيد تاريخًا طويلًا من "إمبراطورية السينما الإيطالية" والعالمية مُسترجعة أسماء عديدة من رموز الفن.  

كان بينيني آخر الوافدين على السجادة الحمراء وفوق المسرح.. إنه الرجل الثاني بعد المخرج الكوري في ثباته الانفعالي، وإن اختلف الوضع مع بينيني كلية عما نعهده في هذا الوصف. عشر دقائق إلا قليلًا قضاها بينيني في الحديث وأمامه ينتصب الأسد الذهبي؛ تكريم المهرجان لمشواره الفني المبهج.

عرض حي لا ينتهي

روبيرتو بينيني، كاتب ومخرج وممثل إيطالي لفت الانتباه منذ ظهوره في أدوار صغيرة جدًا أوائل السبعينيات ضمن مسلسلات تليفزيونية قصيرة، وجاءت الانطلاقة الأولى مع اسم من دفعته، برناردو برتولوتشي، في فيلم "أحبك بيرلينجير 1977". ضمت الدفعة عدة أسماء من جيل واحد، كان على رأسهم برتولوتشي وبينيني وتورناتوري والذين يمكن تسميتهم بـ"الحالمون" كعنوان فيلم لبرتولوتشي. أُتيح لهؤلاء فرص التدريب والمشاركة في أفلام فيلليني وبازوليني من إيطاليا، والاحتكاك المباشر بالموجة الفرنسية الجديدة- تروفو وجودار.. وغيرهما.

لكن بينيني اتخذ من الكوميديا أسلوبًا لتجربته الفنية - تمثيلًا وإخراجًا- مُسخرًا مظهره الهزلي لفن الإضحاك الذي قال عنه شابلن "بوسعك إبكاء الكثيرين، ولكن من الصعب إضحاك شخص واحد". سر الخلطة "الشبلينية" عمل بينيني على استعادتها في أفلامه، مضفيًا عليها لمسته الخاصة في لغة الجسد والصوت والحوار، وبخاصة الحوار، حيث براعة بينيني الأكثر وضوحًا - داخل الفيلم وخارجه- قدرته على التحدث بسرعة البرق غير ملتفت لتلاحق أنفاسه أو انقطاعها، الأمر الذي لم يكن متاحا لشابلن، فقد استفاد من جميع إمكاناته الجسدية والحركية والتعبيرية أمام الكاميرا بمنتهى البراعة، عدا صوته!

تنقل بينيني بين المسرح والتلفزيون والسينما، مسترسلًا في الكلام على طريقته المدهشة وفمه الضاحك دومًا، وكأن "الحياة جميلة" كما سبق أن جسدها في فيلمه الحائز على أوسكار.

يجلس بينيني يتابع رصيده من مشواره المميز من خلال الفيلم الترويجي الذي عُرض قبل التكريم. وجهه شديد الحساسية لكل ما يتابعه، لوحة ضاجة بالانفعالات تُذكرك بفيلم "سينما باراديزو 1988" لتورناتوري، وفيما ينزل الدرجات ليتلقى تكريمه، يخلع نظارته الطبية بكل ما تحمله من غبار الطريق ويدسها في جيبه.

"أظنني أستحق قطة، لكنكم منحتوني أسدًا ذهبيًا.. إنه لشرف كبير أن أتلقى مثل هذا التقدير.."- يُشير إلى التمثال ويترك لجسده العنان؛ الانفعالات الجياشة، الحديث المتلاحق؛ مونولوج طويل ومؤثر، تخللته فترات من تصفيق الحضور وتفاعلهم الحقيقي.

عشر دقائق من التدفق الذي يعكس روح تجربته كلها، كل شيء يصلح للحديث عند بينيني حتى اللا شيء، في نوع من اللهو البريء، وإن لم يلهه عن التوجه بالشكر لعديد من المخرجين، لزوجته بطلة ومنتجة أفلامه نيكوليتا براشي.. ليختتم حفل افتتاح مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي بختام كلمته: "جراتسيا.. جراتسيا".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.