}

كربلاء: معرض للسجاد والبُسط المُحاكة يدويًا من أزمان مختلفة

 

أقيم في مدينة كربلاء، جنوبي العاصمة العراقية بغداد، معرض فريد ضمّ عشرات أنواع السجاد والبُسط المحاكة يدويًا من أزمان مختلفة. وكشف المعرض عن تاريخ ونوعية وصناعة السجاد وطرق صناعتها وأهميتها كونها من المفروشات التي تؤدّي غرضًا واحدًا هو أنها تفرش على الأرض لتكون أرائك أهل البيت والضيوف، لكنها تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى أنتيكات تراثية ولوحات جدارية تحكي قصة زمن أو لوحة فنية نقشت على نسيج صوفي.

هذه المنسوجات اليدوية اختصرت أسماءها إلى (السجاد) أو (البساط)، والعوائل في العراق تفتخر بامتلاكها قطعًا منها، بل إنها تفتخر باحتفاظها بنوعٍ محدّد من السجاد الذي حيك يدويًا أو بطريقة الحياكة التقليدية، قبل أن تغزو المعامل الحديثة والكبيرة لتتحوّل إلى إرثٍ وميراث أيضًا، وبعد أن غابت الأعمال اليدوية بشكل كبير عن تواجدها في البيوت؛ الأمر الذي جعل معرض صلاح حيثاني يقيم معرضًا للسجاد اليدوي العراقي ضم 70 قطعة متفاوتة الصناعة والأحجام والأنواع.


ويرى الباحث حسن الوزني أن للسجاد تاريخًا ومن خلاله تستدل على الشعوب وثقافتها. وهو وليد حاجة إنسانية منذ بدء الخليقة حين اكتشف الإنسان أهمية الفراش له. ويرى أن وجود السجاد من وجود الحضارات، وصناعته تمتد إلى الحضارات السومرية والبابلية والأشورية والأكدية حتى العصور الإسلامية، ويشير إلى أن صناعة السجاد تعد واحدة من أسس تقدّم الحضارة لأنه لا يعني فراشًا فحسب بل يعني فنًا ومخيلة. ويوضح أن هناك ترجمات من اللغة السومرية تبيّن أسماء الفنانين، وما رسم عليها من نقوش احترافية. كما يؤكد أن صناعة السجاد تطوّرت كثيرًا عبر المراحل الزمنية، وكان هناك ما يطلق عليه السجاد الاسلامي الذي تميّز بخطوطه الخالية من الرسوم، وكذلك السجاد التركي الذي يتميّز بألوانه الزاهية وطابعه الزخرفي مع بعض الكتابات بالحروف العثمانية ويحاك من الحرير الذي يزيّن بخطوط مقصّبة وذهبية. والأشهر عالميًا السجاد الإيراني أو العجمي الذي يعد من أقدم الأنواع وهو غال وتتمّ حياكته بالصوف والحرير والقطن ويصل عدد عقده في بعض الأنواع إلى مليون عقدة. وهناك السجاد القوقازي ويصنع من الصوف الملوّن كالزهري أو الأزرق والأخضر أو الأصفر، ويجسّد في الغالب رموزًا هندسية مثل النجوم والمربعات أو الأزهار والحيوانات. لكنه يقول إن السجاد الصيني غزا العالم لأنه رخيص السعر وتميّز بغنى ألوانه وحياكته المتقنة والتي ترتكز على الصوف عالي الجودة الظاهر على سطح السجادة. ومشكلته الوحيدة أنه يفقد رونقه وقيمته مع مرور الزمن.

ويؤكد الباحث أن صناعة السجاد كانت ضمن العراق القديم وتعد من مكمّلات البناء وطريقة العيش، وهو الأمر الذي جعل هذه الصناعة أو كما نسميها البسط والفرش تكون جزءًا مكمّلًا من الحياة الطبيعية للإنسان حتى وإن تقدّمت طرق الصناعة من اليدوية إلى المكننة والآلات. ويشير إلى أن النساجين، أو (الحيّاك) في اللهجة العراقية، في الفترة الإسلامية كانوا ينسجون الزهور والورود والزخرفة والكلمات والأشعار وما شابه ذلك، بل إن هذه الصناعة لم تندثر في العراق حتى بعد سقوط الدولة العباسية على يد هولاكو وضم العراق إلى الإمبراطورية المغولية، بل إن السلاطين العثمانيين كانوا يشجعون على صناعة السجاد. ويشير إلى أن الأمر كان أكثر اتّساعًا بعد تأسيس الدولة العراقية في عام 1921 حيث تم إنشاء مصنع حديث للمنسوجات الصوفية عام 1926 وأطلق عليه معمل فتاح باشا في منطقة الكاظمية وسط بغداد الذي يعد الأشهر بالمنسوجات الحديثة. ويؤكد أن هذه الصناعة تحوّلت إلى صناعة مربحة وغالية وتقام لها المعارض ومزادات عالمية وتقدم بعض أنواعها كهدايا للملوك والزوار والبعثات الأوروبية للتعريف بالحضارة العريقة. لكن الصناعات الحديثة ربما أثرت على (حياكة) السجاد اليدوي وطرح التقدم التكنولوجي السجاد بأسعار مخفضة، ويبقى السجاد الشرقي الأكثر طلبًا برغم غلاء ثمنه لعدة أسباب، منها جودة حياكته وعدم تأثره بتقلبات المناخ والزمن بل تزداد قيمته مع الوقت لأنه مصنوع من الصوف الخالص أو القطن والحرير مما يجعله أكثر مقاومة للرطوبة والتلف.

صاحب المتحف والمعرض الفنان التشكيلي صلاح حيثاني 



أسماء ومدن

يقول صاحب المتحف والمعرض، الفنان التشكيلي صلاح حيثاني، إن العوائل العراقية تفتخر بامتلاكها قطعًا من (اليزر) و(الرقم) و(الغلايج) المصنوعة من الصوف الخالص، الذي يبين قوة الصناعة في أزمان ليست ببعيدة عن حاضرنا، ولأهمية هذا الإرث ودوره في الحياة الاجتماعية وبهدف التعريف بأهمية المنسوجات اليدوية وللحفاظ على هذه الحرفة من الاندثار، أقيم هذا المعرض في مدينة كربلاء. ويؤكد أن أغلب المعروضات السبعين تعود إلى ما يربو على قرن من الزمان وهناك تسميات عديدة منها (إيزار) وهناك (الشف)، وكذلك مجموعة من الغلايج (جمع غليجة) والرقم والبسط. ويشير إلى أنه من بين المعروضات هناك 32 إيزارًا متفاوتة الأحجام تبلغ قياسات بعضها 6 أمتار مربعة، تنتمي إلى عدة مراكز معروفة بصناعة الإيزار، كالسماوة والديوانية والناصرية والحلة. وهناك أيضًا 30 غليجة و10 من البسط والرقم متعددة الأنواع والحجوم ومراكز الانتاج، وأهم مراكز صناعتها في مناطق الحمزة وأرياف النجف والسماوة والحي في واسط والناصرية وكربلاء والعمارة. وذكر أن هناك فرقًا بين أنواع الغلايج والتي أخذت أسماءها من أسماء القبائل والعشائر التي تنتجها كاللامية والسويطية والغزالية وغلايج العمارة التي تعد منطقة علي الغربي من أهم مراكز إنتاجها وغلايج منطقة الحمزة التي تتميز بالوبرة المرتفعة، وتبلغ قياسات بعضها 6 أمتار طولًا وما يزيد على المتر ونصف المتر عرضًا، وهي ذات طابع تصويري وتعد من النوادر، وكانت قديمًا مع الإيزار جزءًا من جهاز العروس، وهذه الأنواع تعلّق على الجدران لفرط جمالها، ولا تنسج من أجل البيع، بل كانت لتزيين بيوتهم وتجميلها غالبًا.

 

طرق الحياكة

ويتحدث حيثاني عن طرق الصناعة فيقول إن هناك طرقًا عديدة وهي موروثة في نسج أنواعها المتعددة بطريقة حياكتها وتطريزها يدويًا، تبدأ أولًا بجز الصوف وغسله وتخليصه مما علق به وتجفيفه ومن ثم الغزل والصباغة ثم الشروع بعملية التطريز بوحدات زخرفية نباتية وهندسية وأشكال مختلفة تستدرج المخيلة إلى آفاق تأويلية جامحة. ويضيف: إن هذه المهنة يقوم بها الرجال والنساء معًا، وأغلب هؤلاء فنانون بالفطرة لا ينتمون إلى قواعد الرسم المعروفة، بل ينحازون إلى مخيلة الأجداد وما يتمتع به المنفذ من حس فني فطري.. ويشير إلى أن في أغلب أنواع السجاد نجد نظم الأفاريز الجانبية، والتي استعملها العقل الفطري الخلاق كسقف يحيط بمخلوقات الإيزار وكأنها تحميها من الاندفاع للخارج، وتتنوع الأفاريز بين الإنسانية والحيوانية وأحيانًا النباتية مثلما تظهر حيوانات بأعضاء جسمانية تنتمي إلى عدة مخلوقات بعضها نتاج مخيّلات جداتنا. ولا ريب أن للحكايا الشعبية المتداولة نصيبًا وافرًا من عملية الخلق على السطح التصويري، فنجد السعالي والجن والعماليق وشجرة الخلد ووحوش تندفع من رؤوسها في عملية خلق جمالية. 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.