}

أولاد "البوند".. الصهيونية لا تشكّل حلًّا لجميع يهود العالم

أنطوان شلحت أنطوان شلحت 27 مايو 2022
هنا/الآن أولاد "البوند".. الصهيونية لا تشكّل حلًّا لجميع يهود العالم
يتسحاق لودن يلقي كلمة خلال مؤتمر لحركة البوند، 1972




قبل نحو نصف عام سلّط الرئيس السابق للكنيست الإسرائيلي والوكالة اليهودية، أبراهام بورغ، الضوء على حركة سياسية جديدة في النمسا تطلق على نفسها اسم "يسار"، وينضوي تحت لوائها شبان وشابات من اليهود ويسعون من خلالها أيضًا إلى إعادة إحياء "حركة البوند". وقد فعل بورغ ذلك من خلال قيامه بنشر مقابلة في صحيفة "هآرتس" أجراها مع إحدى الناشطات في تلك الحركة، وهي فنانة تدعى إيزابيل فري (27 عامًا)، تعرض نفسها بأنها نيو بوندية، بينما تُعرّف هذه الأخيرة بأنها حركة تسعى لإعادة إحياء فكرة الهوية اليهودية غير القومية، أو الدياسبورية (الشتاتية).

ويُستشف من سياق المقابلة ومن وقائع أخرى كذلك، أنه ليس هناك كثير من الأطر المُتاحة أمام اليهودي العلماني الذي يعيش في الشتات ولا يشعر بأنه جزء مما يُنعت بأنه "المشروع الصهيوني لدولة إسرائيل"، ولكنه يسعى في الوقت عينه إلى ممارسة هويته اليهودية. فغالبية النشاطات والمنظمات اليهودية في العالم تدور إما حول الشعائر الدينية، أو حول إسرائيل. وحتى المجموعات الصغيرة المؤلفة من نشطاء يهود مناهضين للصهيونية تتركز في إسرائيل، وإن كان الأمر ينطوي على تناقضٍ! وفي البنية المجتمعية للشعب اليهودي خارج إسرائيل، لم تبق تقريبًا أطر أو منظمات غير دينية في جوهرها، أو غير متعلقة بإسرائيل، لكي تعرّف هويتها. صحيح أنه يوجد في البحث الأكاديمي انشغال بمفهوم Diasporism - رؤية الوجود والثقافة اليهوديين في الشتات كقيمة مركزية بحد ذاتها- ولكن في العالم الفعلي خارج الحيّز الأكاديمي من الصعب جدًا العيش كيهودي مع هوية يهودية مُدرَكة بشكل منفصل عن الدين وعن إسرائيل.

إيزابيل فري 



ولكن بالرغم من ذلك، وبالأساس في صفوف شباب علمانيين يشعرون بالاغتراب الآخذ بالتعاظم حيال دولة إسرائيل بسبب الاحتلال المتواصل للشعب الفلسطيني، وما ينظر إليه كتقديس للرأسمالية الإسرائيلية، تزداد في الأعوام الأخيرة، مثلما تشير دراسات وتقارير إعلامية متواترة، مطالب تحقيق هوية حقيقية - قيمية تتمحور في الشتات. وهذا المطلب يقود إلى اهتمام مُتجدّد بأفكار البوند، أو حتى ما بات يعرف اليوم كـ نيو- بوندية.

وحركة البوند، أو باسمها الكامل "المنظمة العامة للعمال اليهود في ليتوانيا، بولندا وروسيا"، واجهت فشلًا سياسيًا ذريعًا، مع أنها عرضت أيديولوجيا مثيرة للحماسة، وتضمنت ثقافة يهودية علمانية تتحدث بلغة الييديش، ورؤية اشتراكية، ونضالًا من أجل حقوق العمال، ووحدة تضامن وفخر لمجتمع أقلية يعيش بناته وأبناؤه كمواطنين متساوين في أوطانهم، ولكنها لم تصمد في امتحان الزمن. فغالبية فروع وصفوف الحركة دمرها الهولوكوست، والقادة الذين نجحوا في الهرب إلى الاتحاد السوفياتي السابق تم إعدامهم من طرف النظام الستاليني. وأعضاء البوند الذين بقوا وعاشوا في الغرب أو وصلوا إلى إسرائيل بعد إقامتها لم ينجحوا في الحفاظ على الحركة، التي رأت نفسها منافسة للرأسمالية والصهيونية معًا. وعلى نحوٍ لا يخلو من مفارقة، فإن المكان الأخير الذي تنافست فيه حركة البوند غير الصهيونية، علنًا، كحزب سياسي، هو إسرائيل، إذ تنافست في انتخابات الكنيست الرابع عام 1959 ولكنها لم تنجح في عبور نسبة الحسم، ونالت 1322 صوتًا فقط.

شموئيل هوغو بيرغمان 



تأسست كل من الحركة الصهيونية العالمية وحركة البوند، بفارق أشهر الواحدة عن الأخرى، عام 1897. وفي سنواتهما الأولى اعتبرتا متنافستين أيديولوجيتين متساويتين، حيث أعلن الصهاينة أن التحقيق الكامل للقومية اليهودية يمكن أن يحدث فقط "في الوطن التوراتي لأرض إسرائيل"، بينما أصرّ البونديون على أنه لا يوجد أي تناقض بين الهوية اليهودية الكاملة وبين الالتصاق بمراكز الحياة اليهودية في شرق أوروبا. وتجسدت الفروق بين الحركتين في اللغة التي اختارتها كل منهما لنفسها، فالصهيونية تجندت من أجل إحياء اللغة العبرية القديمة، في حين رفعت حركة البوند لواء ثقافة الييديش "المجيدة بكتابها وشعرائها". وفي الانتخابات المحلية والقطرية التي نافست فيها البوند، كحركة عمال يهودية، كان شعارها بلغة الييديش "حيثما نعيش تكون دولتنا".

يُشار هنا إلى أن أستاذ الفلسفة شموئيل هوغو بيرغمان سبق أن أكد أن ثمة منذ الأزل تيارين متصارعين ضمن مواجهة مستمرة في اليهودية، هما تيار انفصالي يكره الغوييم (الأغيار) وينمي ما يصفها بأنها "عقيدة عمليق" فيؤكد في كل فرصة "تذكّر ما فعله بك عمليق"، وهناك تيار آخر يتبع آية أحبب لغيرك كما تحب لنفسك، وهو يُصلّي من أجل التمكن من نسيان عمليق ويقوم على الحبّ والتسامح. 

لم يبق من حركة البوند القديمة هذه أي شيء تقريبًا، ما عدا بعض الأرشيفات في فرنسا والولايات المتحدة، وروضة أطفال يهودية علمانية في ملبورن في أستراليا، وهي تدار بلغة الييديش.

ولكن في القرن الـ21، حيث يتخبط الجميع في صراعات الهوية، لوحظ وجود مطلب متجدد لهوية يهودية علمانية وغير إسرائيلية، كما لوحظ أن العديد من المجموعات اليهودية الشابة تتفاخر وترفع شعارات وأسماء شخصيات من البوند. وينقسم هؤلاء إلى تيارين: الأول يضم يهودًا مناهضين للصهيونية، فكرًا وممارسةً، ينضوون في منظمات مثل If not now الأميركية (تأسست عام 2014) وJewdas البريطانية (تأسست عام 2006)، واللتين تتفاخران بقيم نيو بوندية (على الرغم من أن قسمًا ملحوظًا من قادة وأعضاء البوند لم يرفضوا على نحو صريح إقامة دولة يهودية، بل فضلوا بديلًا آخر للوجود اليهودي)، والتيار الثاني عبارة عن مجموعات فنانين وأدباء ومترجمين ومسرحيين وموسيقيين يحاولون إعادة ثقافة الييديش كأساس لثقافة يهودية علمانية. وهناك تداخل معين ما بين المجموعتين، وخصوصًا على مستوى الأفراد الذين ينضوون في عضويتهما، ولكن هناك أيضا توتر متأصل بينهما. فمن يضع الأيديولوجية السياسية كأساس لا يتحمل تعاونا مع صهاينة، في حين أن من يهمه بالأساس إحياء ثقافة تكاد تكون قد ضاعت، يرغب في توسيع الصفوف. وفي الوضع الراهن، يتفق جلّ الباحثين على أن البوند ستبقى بمثابة نوستالجيا، وحتى مصدر إلهام، أما بوصفها حركة جماهيرية يهودية، فمن الصعب رؤيتها تستعيد أيام المجد التي كانت من نصيبها قبل مائة عام ولم تدُم كثيرًا.

كان يتسحاق لودن، الذي توفي عام 2017، آخر نشطاء حركة البوند التي اعتادت أن تجتمع في "بيت تحالف العمل" في شارع كليشر في تل أبيب



وقفة مع آخر البونديين

في الأعوام الأخيرة توفي آخر أعضاء الفرع الإسرائيلي للبوند واحدًا تلو الآخر.

وكان يتسحاق لودن، الذي توفي عام 2017، عن عمر 95 عامًا، آخر نشطاء هذه المجموعة الصغيرة، التي اعتادت أن تجتمع في "بيت تحالف العمل" في شارع كليشر في تل أبيب. وقد شرح في مقال بقلمه نُشر عام 1977 الفكرة التي كانت تحملها البوند. ومثلما كتب، في حين أن الحركة الصهيونية رفعت لواء الخروج من أوروبا، والقضاء على الشتات، وتركيز الشعب اليهودي في "أرض أجداده"، فإن أنصار البوند حاجّوا بأن "مصير العامل اليهودي مرتبط بمصير جميع العمال في البلاد التي يعيش فيها". لهذا السبب، كما أكد، "يجب على اليهود النضال من أجل المساواة في الحقوق ومن أجل الحقوق القومية في كل مكان يوجد فيه مجتمع يهودي".

وحين طلب منه أن يفسر بلغة أبسط الفارق بين الحركة الصهيونية وبين حركة البوند، اعتاد القول إن الصهيونية تأسست في كازينو فخم في بازل (القاعة التي اجتمع فيها الكونغرس الصهيوني الأول عام 1897) في حين أن البوند تأسست في العام نفسه في اجتماع سرّي داخل "علّيّة" في حي فقير في فيلنيوس (عاصمة ليتوانيا).

وولد لودن في وارسو عام 1922 وتعلم في مدرسة شبكة التعليم "تسيشا" التي منحت طلابها تربية يهودية علمانية واشتراكية، بلغة الييديش. إلى جانب هذا كان ناشطًا في حركة أولاد البوند "سكيف" (منظمة الأطفال الاشتراكيين).

كانت البوند بين الحربين العالميتين كبرى الحركات السياسية في بولندا، لكن تمت إبادتها في إبان الهولوكوست. ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية هرب لودن شرقًا وتنقل كلاجئ. بعد الحرب عاد إلى بولندا، واكتشف أنه لم يبق من عائلته سوى أخيه فلم ينجُ سواهما من الهولوكوست. في عام 1948 هاجر إلى إسرائيل وانضم إلى الفرع الإسرائيلي للبوند. وإلى جانب إصدار نشرة ناطقة بلسانه، ضمّ الفرع نشاطات مثل مكتبة بلغة الييديش، وجوقة، وفرقة تمثيل، وجمعية للمساعدة المتبادلة، وكان لديه في مطلع طريقه أيضًا مخيمات صيفية للأطفال ومدرسة للغة الييديش.

بدأ لودن نشاطه الصحافي الواسع في الصحيفة الصادرة بالييديش "لاتستاع نايس".  ومثلما قال: "كانت هذه الصحيفة بالنسبة لنا، نحن الناجين من الهولوكوست، بداية جديدة". كذلك كتب في المجلة الأسبوعية "فارفارتس". ووصل إلى ذروة عمله الصحافي الحركي عام 1971 حين تم اختياره كرئيس تحرير لـ"لافنس فراغن" ("مسائل الحياة")، وهي الصحيفة الناطقة بلسان فرع البوند في إسرائيل. وجلس على كرسي رئيس التحرير 43 عامًا حتى إغلاق الصحيفة عام 2014. وكانت هذه الصحيفة في أواخر أيامها آخر الصحف التي صدرت في إسرائيل بلغة الييديش.


شعار حركة البوند منذ عام 1918 "حيثما نعيش تكون دولتنا" 



تناولت مقالات الصحيفة أيضًا، بروح اشتراكية إنسانية وديمقراطية، قضايا راهنة مثل الاحتلال في 1967. ومثلما قال عيران تورفنير، الذي قابل لودن لفيلمه "البونديون"، فهو "تحدث عن يهودية لا تأخذ لنفسها حقوقًا زائدة بل ترغب في الاندماج والحفاظ على مساواة في الحقوق، ولا تذهب نحو التوسع والسيطرة على مزيد من الأراضي". وقال الكاتب بني مير إن لودن "ناضل من أجل اشتراكية ديمقراطية ويهودية علمانية تعارض مبدأ ’أنت اخترتنا من بين كل الشعوب’".

ومن تصريحاته ذات مرة قوله: "كنا مطلعين على ما يستجدّ أولًا بأول، ولكن بقينا حركة مهاجرة، تعيش في هناك/ الأمس، هذا كان نموذجنا".

وكرّر لودن الإعراب عن ألمه لاضمحلال لغة الييديش في إسرائيل، وتفاخر بأنه نجح في الحفاظ على هذه الثقافة حتى بعد أن "استسلم الآخرون"، كقوله، لسلطة حركة العمل التي وصفها بأنها سلطة غير ديمقراطية حيال من لم يكونوا أعضاء في صفوفها، وبين هؤلاء اليهود الشرقيون، والعرب، واليهود غير الصهاينة مثل البونديين. ومن كتاباته نقرأ: "ترعرع الأطفال في الأعوام الأولى للدولة في جو نفي الشتات وكراهية الماضي. وسيطرت الحكومة على الثروات المادية لمن قتلوا في الشتات، والثروات الروحية الوحيدة التي تبنتها كانت ثروات المتدينين. أما بالنسبة لنا نحن الذين قدنا النضال (في سبيل الحفاظ على الييديش) فقد جرى الترويج بأننا معادون لإسرائيل".

اجتماع لحركة البوند في وارسو عام 1927  

"الصهيونية وهْمٌ"!

مثلما ورد أعلاه نشر لودن مقالًا في عام 1977 ضمّنه أفكاره العامة بشأن حركة البوند والتحديات التي واجهتها والمصير الذي آلت إليه بالارتباط مع سيرورات الصهيونية واليهود وإسرائيل.

ومما كتبه في هذا المقال:

تحيي الحركة الصهيونية هذا العام ذكرى مرور 80 عامًا على تأسيسها، ولقد احتفلت بهذا الحدث في الاجتماع الخاص للكونغرس الصهيوني التاسع والعشرين الذي عقد في شهر شباط/ فبراير في القدس. في الفترة نفسها تقريبًا، وبموازاة الحركة الصهيونية، تحتفل بذكرى مرور ثمانين عامًا على تأسيسها أيضًا حركة أخرى، تُعدّ الخصم التقليدي، المثابر والمنهجي للصهيونية، وهي حركة البوند، حركة العمال اليهودية الاشتراكية. هذه الحركة أيضًا أقيمت عام 1897. ولكن خلافًا لمظاهر وإيماءات الفخر البرجوازية التي ميزت المراسم في المؤتمر التأسيسي للحركة الصهيونية الذي عقد في بلد حرّ مثل سويسرا، وأجرت أبحاثها في القاعة الفخمة لكازينو مدينة بازل، فقد عقد الاجتماع التأسيسي للبوند تحت غطاء السرية، في علّيّة براكيّة صغيرة في منطقة الفقر لوكيشكي بالقرب من السجن البلدي لفيلنيوس، التي تعتبر "قدس ليتوانيا". بعيدًا عن أعين الشرطة القيصرية اجتمع هناك بتاريخ 7-9 تشرين الأول/ أكتوبر قبل 80 عامًا، 13 ممثلًا لمنظمات عمال يهودية من 5 مدن في روسيا القيصرية: فيلنيوس، وارسو، بيالستوك، مينسك وفيتسبك. أما الممثلون من المدن الأخرى التي نشطت هي أيضًا في منظمات عمال، فلم يتمكنوا من الوصول إلى المؤتمر لأن قسمًا منهم اعتقل قبل ذلك، بينما اختفى آخرون واختبأوا من أعين الشرطة.

أعضاء من حركة البوند في مدينة تارنو في بولندا عام 1930 



وأسّس الممثلون الـ13 في هذا الاجتماع الحزب المعروف باسمه المختصر البوند. بعد ذلك بأربعة أعوام في مؤتمر الحركة الرابع عام 1901، أضيفت ليتوانيا أيضًا إلى اسم الحزب وعرفت منذ ذلك الحين بـ"المنظمة العامة للعمال اليهود في ليتوانيا، بولندا وروسيا". هذا الحزب نشط أيضًا، وإن كان على نطاق أكثر تواضعًا، في لاتفيا وغاليتسيا ورومانيا، أي في كل منطقة شرق أوروبا.

ويمضي لودن قائلًا: في مقابل الحركة الصهيونية التي تنظمت في ذلك العام ورفعت لواء الخروج من أوروبا والقضاء على الشتات وتركيز الشعب اليهودي في أرض أجداده، فإن مؤسسي البوند وأنصارها حاجّوا بأن مصير العامل اليهودي مرتبط بمصير كل العمال في البلاد التي يعيش فيها، وأن الصهيونية هي وهْمٌ لا يمكن تحقيقه كحل للعامل اليهودي ويهود كل العالم. كذلك، يجب على اليهود النضال من أجل مساواة في الحقوق ومن أجل حقوقهم القومية في كل مكان يوجد فيه مجتمع يهودي. كان النضال ضد الصهيونية نضالًا مريرًا وقاسيًا، لأن قادة البوند رأوا في الصهيونية أيديولوجيا برجوازية قوموية حرمت العامل اليهودي من الوقوف والدفاع عن شؤونه الحيوية: شروط عمل نزيهة (ناضلوا في ذلك الوقت من أجل يوم عمل قصير مؤلف من 10 ساعات...)، وحريات سياسية، وحقوق قومية. "بدلًا من الحلم بمستقبل غير واقعي وغير آمن في الأرض الموعودة، من الأفضل النضال من أجل تحسين الواقع حيثما نكون"، حاجج قادة البوند. في الحقيقة، وضع نشطاء البوند على كاهلهم وظيفة أصعب وأخطر لأن هذا كان نضالًا سريًا تحت أكثر الأنظمة وحشية في أوروبا - نظام القيصر ومنفذي سياسته، وكذلك في البلاد التي كانت خاضعة لهيمنته.

من تحركات حركة البوند في مدينة تارنو  



واليوم، بعد 80 عامًا على تأسيس الحركتين، و30 عامًا على إقامة إسرائيل، يجزم كثيرون بأن الصراع بين البوند والصهيونية قد حسم بدون أي شك لصالح الصهيونية، والدليل على ذلك تحقيق الفكرة الصهيونية المتمثلة في إقامة الدولة. لذلك لم يعد برأيهم للبوند أي حق في الوجود. ولكن ليس هذا ما يقوله أنصار البوند الذين احتفلوا بالعام الثمانين لإقامة حركتهم. برأيهم اليوم أيضًا، وبعد إقامة الدولة، لا تشكل الصهيونية حلًّا لجميع يهود العالم ولا تشكل ضمانة لمواصلة وجود ومستقبل الشعب اليهودي في الشتات. والأيديولوجيا الصهيونية لم تلبّ آمال جماهير العمال اليهود، وهي غير قادرة على تلبيتها مستقبلًا.

وبعد 30 عامًا من وجود الدولة اليهودية يحاجّ أعضاء البوند اليوم بأن الصهيونية لم تثبت انتصارها الأخلاقي، وحتى لم تنجح في تحقيق المبادئ الأساسية الثلاثة التي حملتها وهي:

 1. مبدأ تركيز غالبية الشعب اليهودي على الأقل في الدولة اليهودية، وهو أمر لا يبدو أنه سيتحقق في المستقبل أيضًا.

2. المبدأ القائل إن إقامة الدولة ستضع حدًّا لمعاداة السامية في العالم.

3. مبدأ أن الدولة ستكون المكان الأكثر أمانًا (أو المكان الآمن الوحيد وفقًا لما ادعاه آخرون) لليهود في العالم كله.

ويختم لودن القول في ما يشبه النبوءة في حينه: من دون ضمان تحقيق هذه المبادئ الثلاثة، لا يمكن للحركة الصهيونية الادعاء بالنصر على أيديولوجيا البوند، التي لم تتحقق هي الأخرى وحتى خرجت من المعركة وقد تضرّرت بشكلٍ قاسٍ في أعقاب الهولوكوست ونتائجه. ولكن أنصار أيديولوجيا البوند يرون في هذه الحركة وجهة درب أخلاقية. وعلى الرغم من أنهم لم ينجحوا في تنظيم وتطوير حركة شعبية تواصل طريق البوند في صفوف الشباب منذ الهولوكوست، فإنهم يدركون أن الكثير من أبناء الشبيبة اليهودية في العالم يفكرون اليوم مثلهم ومن دون أن يعرفوا جذور وأصول أفكارهم الحقيقية.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.