}

مهرجان المركز الكاثوليكي المصري.. سبعون عاما من "السينما المناسبة"

وائل سعيد 31 مايو 2022



استخدم المصري القديم الظاهرة المسرحية ضمن شعائره الدينية، وكان لكُهان المعابد الريادة في استخدام بعض العناصر كالمجاميع- "الكورس"- لترديد التراتيل وتأدية طقوس الصلاة، كما يُمكننا تلمس صورة أولية لتقسيم الفصول أيضًا؛ فهناك عدة صلوات في أوقات زمنية مختلفة تتماس مع التتابع الزمني لسير الأحداث في المسرحية. وهو ما اتبعه المجتمع الكنسي بصورة مغايرة؛ حيث يُستخدم الفعل المسرحي، كما يُشير الباحث المصري إبراهيم الحسيني، كأحد أهم أدوات التربية الكنسية، "لذلك يحظى برعاية خاصة من الآباء والكهنة لقدرته على إحداث التأثير العاطفي، باعتباره إحدى مميزات الفن والمسرح بالتحديد".

من هنا، كانت الكنيسة من أكثر الجهات احتفاءً بفن السينما وتحديدًا في مطلع الخمسينيات -وهي من الفترات الهامة في تاريخ السينما المصرية- وذلك بإطلاق واحد من أقدم المهرجانات السينمائية ليس في مصر فقط بل على مستوى الشرق الأوسط، وهو مهرجان المركز الكاثوليكي المصري للسينما الذي يصل هذا العام لدورته السبعين منذ تأسيسه على أيدي ثلاثة من مُحبي الفن، الأب بطرس فرانذيدس الراهب الفرنسيسكاني، والأب يوسف مظلوم، بمصاحبة الناقد والمؤرخ السينمائي فريد المزاوي.

حدث ذلك بعد عشرين عامًا من إنشاء المركز "الأم" في مدينة لاهاي، حين خرج المركز المصري للنور من داخل "غرفة بكنيسة القديس يوسف للآباء الفرنسيسكان بوسط القاهرة، وكان الهدف من إنشائه، توجيه الإنسان عن طريق الفن والسينما نحو الأخلاق الحميدة والقيم النبيلة"، كما يقول الناقد والسيناريست د. وليد سيف.  

قاعة النيل.. "مشوار نجم"

في بداية المهرجان، لجأ المركز لغرفة بدروم في الكنيسة لعرض الأفلام، كما كان يقوم أحيانًا بإقامة حفلتي الافتتاح والختام إما بقاعات الفنادق الكبرى أو بقاعات العرض داخل أحد الاستوديوهات؛ كما حدث في الدورة الثانية، على سبيل المثال، التي أقيمت حفلتاها في استديو نحاس. وسرعان ما تم إنشاء قاعة النيل للآباء الفرنسيسكان كمبنى مستقل مجاور للكنيسة، وقد شهدت هذه القاعة كمًا هائلًا من الفعل الفني سواء من أبناء المركز أو من الضيوف، وحبذا لو كانت هذه الاستضافة لنشاط خدمي. ففي فترة من الفترات واجهت جمعية الفيلم إشكالية في توفير قاعة مناسبة لعرض أفلامها، و"عندما اتجه التفكير إلى قاعة النيل التابعة للمركز الكاثوليكي للسينما لم يكن أحد يتوقع موافقتهم علي العروض الأسبوعية لجمعية الفيلم، فلقد كانت عروض المركز قاصرة علي نشاطه الخارجي ومنه مهرجانه السنوي المعروف للأفلام المُناسبة"، والحديث للناقد الكبير سامي السلاموني.

من المهرجان في دورته الحالية



في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة، أطلق المركز نشاطًا تفاعليًا جديدًا بقاعة النيل تحت عنوان "مشوار نجم"، وهي ندوة تتم فيها استضافة أحد الأعلام من السينما والمسرح أو الموسيقى والغناء في لقاء مفتوح مع الجمهور. استضافت هذه الندوات عددا كبيرًا من النجوم مثل نور الشريف ويحي الفخراني وعمر الشريف، والموسيقار عمار الشريعي، والمطرب اللبناني الكبير وديع الصافي، وحظيت إحدى هذه الندوات باستضافة الفنان عادل إمام؛ نظرًا لكونه من أقل النجوم ظهورًا في الفعاليات الثقافية والفنية.

من جديد استضافت قاعة النيل فعاليات الدورة السبعين من المهرجان خلال الأسبوع الماضي بين 20-27 من الشهر الجاري (أيار/مايو)، بعد دورة العام السابق التي اقتصرت على يوم واحد ضم حفلتي الافتتاح والختام وإعلان الجوائز بسبب وباء كورونا، وبعد أن تخفف العالم نسبيًا من موجاتها المتلاحقة. إلا أن ثمة حزنًا خيم على حفلة الافتتاح والوسط الفني في العموم حيث شهد نفس اليوم رحيل الفنان متعدد المواهب سمير صبري.

الخميرة الروحية

في كتابه "الفن" يُعرف الناقد الإنكليزي كلايف بيل الدين بأنه "تعبير عن الحِس الفردي بالدلالة الانفعالية للعالم، ويجب ألا نندهش حين نجد أن الفن كان تعبيرًا عن الشيء نفسه"، مؤكدا على الصلة الوثيقة بين تاريخي الفن والدين؛ بل وذاهبًا إلى الجزم بأن الأديان أو فكرة الدين "لا تتحلى بالحيوية والصدق ما لم تكن مُفعمة بما يُفعم كل فن عظيم، ألا وهو الخميرة الروحية".

لم تخرج كلمة الأب بطرس دانيال، رئيس المهرجان ومدير المركز الكاثوليكي، في الكتاب التذكاري الصادر بمناسبة الدورة السبعين، عن المفهوم السابق عند كلايف حول ماهية العلاقة بين الفن والدين، مؤكدًا على أن "هدف المركز الكاثوليكي للسينما هو دعم وتشجيع صُناع السينما والتلفزيون على إنتاج أكبر قدر من الأفلام التي تخدم المجتمع بأسره، وتحفيز رجال الدين على تعضيد الفن الهادف المبني على المعايير الأخلاقية والإنسانية والفنية، وبإمكانهم الاستعانة به في رسالتهم ونشرها بين أفراد المجتمع".

لعلها هي تلك الخميرة الروحية وربما هي التوصيف الذي أطلقه السلاموني على أفلام المركز بـ"المُناسبة" أو الملائمة سواء مجتمعيًا أو فنيًا. وفي هذا يتشابه مهرجان المركز الكاثوليكي مع مهرجان جمعية الفيلم؛ فإلى جانب أن كليهما يضم لجنة عليا لاختيار الأفلام المشاركة فهما أيضًا يرومان إثراء هذه الخميرة وإن اختلفت طريقتهما، فبينما تستهدف جمعية الفيلم القيمة الفنية، يتوخى المركز البُعد الأخلاقي أو الأدبي في المقام الأول، فلا عجب أن يُلغي الدورة 14/1965 من المهرجان "لندرة الأفلام المُناسبة"، كما أعلن آنذاك.

انطلاقًا من هذا المسعى التربوي أو الإرشادي الخدمي؛ يحتفي المركز في كل عام بتكريم أكبر قدر ممكن من الأسماء أو النماذج السينمائية وربما أفلام بعينها، المهم أن تسير على نفس الدرب بشكل أو بآخر.

من الأفلام التي حصلت على جوائز في المهرجان



ضمت قائمة العام الحالي عددًا من الفنانين تأتي في مقدمتهم الفنانة الكبيرة سميرة أحمد التي حصلت على جائزة الريادة السينمائية عن مشوارها الفني، فيما ذهبت جائزتي فريد المزاوي والأب يوسف مظلوم للمخرج مجدي أحمد علي والفنان محمد صبحي، وحصدت د. درية شرف الدين جائزة التميز الإعلامي، ومن جيل الشباب حصلت أسماء أبو اليزيد على جائزة المركز التشجيعية.

اشترك في دورة هذا العام خمسة أفلام يُعرض كل منها في عرض واحد يومي تعقبه ندوة نقاشية مع فريق العمل، وقد حصدت الأفلام الخمسة بلا استبعاد على جوائز في جميع العناصر السينمائية من تمثيل وإخراج وتصوير وخلافه، يأتي في المركز الأخير فيلم "قابل للكسر، تأليف وإخراج أحمد رشوان" حيث حصد جائزة واحدة في التمثيل ذهبت للفنانة حنان مطاوع كأحسن ممثلة، وهي ليست المرة الأولى التي تحصدها عن دورها منذ العرض الأول للفيلم.

يأتي في المركز التالي فيلم "ريتسا، أحمد يسري" وحصل على جائزتي الإبداع الفني وأحسن تصوير، وفي المركز الثاني مناصفة - من حيث عدد الجوائز- فاز كل من الفيلمين "للايجار، إسلام بلال"، و"المحكمة، محمد أمين" بأربع جوائز لكل منهما ليبلغ إجمالي عدد جوائز المركز لهذا العام 17 جائزة. وقد تم الإعلان في حفل الختام عن إطلاق المركز لفرعين جديدين لأول مرة في محافظتي الأقصر والإسكندرية على أمل التوسع في المستقبل لمحافظات أخرى.

الطفل عمر شريف بطل فيلم "برا المنهج" ومخرج الفيلم



السينما المصرية تبحث عما هو خارج المنهج

شهدت السنوات الأخيرة من السينما المصرية إقبالًا شبه جماعي – من صُناعها- على نوعية من الأفلام تتبع منهجًا عفا عليه الزمن، يعتمد على مقررات وضعت بعشوائية "قص ولصق" من أجل إتمام صورة - وهمية- بغرض جني الأرباح. ومن جانبه، كثيرًا ما انصاع المُشاهد لتلك المقررات بل واحتفى بها من خلال مؤشرات شباك التذاكر، فرُفعت العديد من الأفلام دون داع فقط لتصدرها الإيرادات، قد تكون مجموعة أفلام محمد رمضان المعروضة خلال العقد الماضي خير دليل على هذا.

رغم ذلك كثيرًا ما يُفاجئ مروجو هذه المقررات بتذبذب شباب التذاكر وبالتالي الإيرادات، فالمُشاهد - وهو مواطن في الأساس- كما يحتاج لتطوير مقرراته التعليمية، هو في أمس الحاجة أيضًا لتطوير مناهج السينما والفن، إن جاز أن يكون لها مقررات من الأصل. لذلك، لم يكن من الغريب استحواذ فيلم "برا المنهج، تأليف وإخراج عمرو سلامة" على جوائز الدورة الجديدة وتصدره القائمة. حصل الفيلم على ست جوائز: أحسن فيلم، أحسن إخراج، أفضل مونتاج، وديكور، وأحسن ممثل دور أول للفنان ماجد الكدواني، بالإضافة إلى شهادة الإبداع الفني للطفل عمر شريف، بطل الفيلم؛ وللمخرج تجربة سابقة ومميزة مع بطولة الأطفال في فيلمه "لا مؤاخذة، 2014"، وهما تجربتان محمودتان في عمومهما؛ خصوصًا وأن مثل هذا النوع من السينما قد اندثر تقريبًا، لكنا بحاجه أكبر لمعرفة إلى أي مدى يمكن تقديم سينما للطفل في عصرنا الحالي. صحيح أن فيلم سلامة لم يحصل على الدرجة النهائية - فنيًا- لكنه عمل على إحياء سينما نفتقدها الآن، فلنعتبر مثل هذه التجارب بمثابة دروس خصوصية بسيطة تدعو للمغايرة والتجديد حتى ولو من خارج المنهج.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.