}

ذكرى الموسيقار ألكسندر سكريابين صاحب فكرة توحيد الصوت والضوء

سمير رمان سمير رمان 19 يونيو 2022
هنا/الآن ذكرى الموسيقار ألكسندر سكريابين صاحب فكرة توحيد الصوت والضوء
ألكسندر سكريابين (1911/ Getty)

احتفلت روسيا، وعشرون دولة أوروبية، هذا العام، بذكرى مرور 150 عامًا على ولادة الموسيقي الروسي ألكسندر سكريابين.
تضمنت الاحتفالات برامج على وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة اليوتيوب، بالإضافة إلى برامج إذاعية ومتلفزة، وبرامج حيّة كانت فيها موسيقى سكريابين تصدح بسيمفونياته، وبمعزوفات البيانو التي كان بطلها. أما المشاركة الأولى فكانت بمعزوفته "أسير لأقول للناس: إنّكم جبابرة أقوياء".
في روسيا الاتحادية، نظمت أنشطة احتفالية بهذه المناسبة في أكثر من 50 مدينة على امتداد البلاد. أمّا في خارج روسيا، فتولت المهمة جمعيات تحمل اسم سكريابين في بعض الدول، مثل: الولايات المتحدة الأميركية، وهولندا، وبريطانيا، وبلغاريا، وكرواتيا، وغيرها. كما جرى إعداد برامج مثيرة في دولٍ عديدة، من ضمنها: بلغاريا، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وبريطانيا، كان أبرزها مهرجان ماراثوني في لندن نظمته الكلية الموسيقية الملكية. وكذلك أمسية رائعة نظمت في "البيت الروسي"، حيث عزفت جميع مؤلفات سكريابين السوناتية. أمّا فعاليات المناسبة في الولايات المتحدة الأميركية، فقد كانت واسعة النطاق، حيث امتدت من الساحل الشرقي وصولًا إلى الساحل الغربي. وشملت الأنشطة تنظيم حفلاتٍ، وإقامة تجمعات موسيقية، وإلقاء محاضرات.
خارج أراضي روسيا الاتحادية، ظلت الاحتفالات بعام سكريابين مستمرة حتى ما قبل الغزو الروسي لأوكرانيا!

ضريح ألكسندر سكريابين (1872 ـ 1915) في مقبرة نوفوديفيتشي في موسكو (11/ 4/ 2012/Getty)


ولد سكريابين (1872 ـ 1915) في موسكو لأمٍّ أنهت تحصيلها في كونسرفاتوار سانت بطرسبورغ بدرجة امتياز. أظهرت الأم موهبة فريدة في العزف على البيانو. بعد التخرج، بدأت مسيرتها المهنية بإقامة حفلاتٍ في مدنٍ عدّة، ولكنّ المرض داهمها وهي لا تزال في ريعان الشباب، لتموت قبل أن تبلغ الـ25 من عمرها. على الرغم من رحيلها المبكر، فقد لعبت مسيرة الوالدة الفنية دورًا ما في تشكّل موهبة سكريابين الإبداعية، إذ تعلّم العزف على الفورتبيانو في الخامسة من عمره، ليظهر في ما بعد اهتمامًا بالتأليف الموسيقي. ومنذ طفولته، قرّر سكريابين تكريس حياته بالكامل للموسيقى، فبدأ يأخذ دروسًا خاصّة بإشراف أشهر عازفي البيانو وقتها. في نهاية خدمته العسكرية، التحق بصفّ البيانو في كونسرفاتوار موسكو، لينهي دراسته بامتياز، ويحصل على النجمة الذهبية. عمل سكريابين بروفيسورًا في كونسرفاتوار موسكو، ولكن لفترة قصيرة فقط، حيث تخلى عن الوظيفة بعد أن أدرك أنّها تقف عائقًا أمام عمله الإبداعي الخاصّ. عزف في الخارج (فرنسا، وبلجيكا) على البيانو حتى عام 1910، ليعود بعدها إلى موسكو ويعزف في الحفلات، من دون أن يتوقف عن التأليف، وكانت حفلته الأخيرة على مسرح الكونسرفاتوار في مدينة سانت بطرسبورغ عام 1915.
بعد ظهوره الأخير، توفي سكريابين متأثرًا بتعفّن الدم الناجم عن إصابته بمرض الطاعون السيبيري.




يقف إبداع سكريابين على الحدّ الفاصل بين تقاليد الرومانسية المتأخرة التي سحرت معاصريه، وبين استكشاف الطليعة الموسيقية التي جعلته لاحقًا واحدًا من روادها الأفذاذ. لم تخضع موسيقى سكريابين إلى التحليل والتقييم الجادّ في أوروبا إلا في منتصف سبعينيات القرن العشرين، عندما تعلموا كيف يرون ما يتمتّع به الموسيقار من انضباط، منطق متناقض، وتناسق رياضي مذهل بين الأجزاء والكلّ.
تجعل موسيقى سكريابين مشاعر المستمع تتدفق كنهرٍ، وتتركه أمام أحاسيس شديدة التنوع، لدرجةٍ تجعله يرى نفسه أمام باحثٍ قلقٍ، في حضرة ناسكٍ من حكماء الصوفية. أما من وجهة نظر تقنيات التلحين، فيُنظر إلى إبداع سكريابين على أنّه قريبٌ جدًا مما ألّفه موسيقيون كبار من مدرسة فيينا الجديدة، أمثال (أرنولد شوينبرغ، ألبان ماريا يوهانس بيرغ، أنتون فريدريش فيلهلم فون فيبرن)، غير أنّ المتمعّن في الحلول التي سار عليها عازف البيانو، يجدها قد جاءت بطريقة مختلفة، من خلال تعقيد وسائل تنسيق الأنغام في إطارٍ يتدرج ضمنه طيف البناء الموسيقيّ. على الرغم من ذلك، كانت الشكلية في موسيقى سكريابين واضحةً دومًا، ومكتملة. في مؤلفات الموسيقار، كانت رموز النار أكثر ما شدّ انتباهه، فتراه يشير، في كثير من الأحيان، في عناوين مؤلفاته إلى النار، اللهب، الضوء، وغيرها. ربما يكمن سبب ذلك في بحثه الدائم عن إمكانيات توحيد الصوت والضوء.
تعمّد سكريابين في مؤلفاته المبكرة، وهو عازف البيانو الرقيق والدقيق، السير على خطى شوبان، لدرجةٍ جعلته يؤلّف العديد من المقطوعات الموسيقية في المجالات نفسها التي طرقها شوبان، مثل: الفالس، مازوركا، سوناتا، البولينيز، وحفلات الفورتبيانو، برفقة الأوركسترا. في ما بعد، توجّه سكريابين إلى تلحين القصائد، سواء أكانت مع البيانو منفردًا، أم برفقة الأوركسترا، فألف ثلاث سيمفونيات (الأولى كتبها عام 1900، والثانية عام 1902، والثالثة عام 1904، وكذلك قصائد "النشوة" عام 1907، و "بروميثيوس" عام 1910).





من مآثر سكريابين أنّه أدخل العامل الضوئي في نوتة قصيدة "بروميثيوس". حدث ذلك للمرة الأولى في تاريخ الموسيقى، ليكون سكريابين أول من ابتكر هذا النوع من الموسيقى.
أحد آخر مخططاته، التي لم يسعفه الوقت لتنفيذها، كانت سيمفونية "الغموض" المستوحاة من دراما العصور الوسطى القائمة على مواضيع إنجيلية. السيمفونية تتضمن، إلى جانب الأصوات والألوان، الروائح والحركة، وحتى الهندسة المعمارية الصوتية.
من جانبه، لم ير سكريابين في إبداعه هدفًا ونتيجة يبتغيها، بل رأى فيه مجرّد وسيلة لبلوغ مهمةٍ كونية كبيرة أكثر أهمية بكثير. ولهذا أراد أن يحمل مؤلّفه الأبرز اسم "Mistery/ الغموض"، وهي دراما انتشرت في العصور الوسطى اعتمدت مواضيع من الكتاب المقدّس، أرادها سكريابين أن تكون إتمامًا لسلسلة وجود الكون الحالية، بحيث يكون التمام من خلال مزاوجة، من نوعٍ ما، بين الروح الكونية والمادة، وليحطم بذلك الكون الحالي ممهدًا الطريق أمام ظهور الكون التالي. وفي الحقيقة، لم تكن أهم أعمال سكريابين "قصائد النشوة"، و"بروميثيوس". هذه كانت مجرد مقدمة عبَّرت فيها موسيقاه عمّا سيحدث خلال "الغموض"، حيث ستتوحُّد الروح مع المادة لتشكلا كيانًا واحدًا.



 ألكسندر سكريابين (سوناتات البيانو)

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.