}

رحيل المؤرخة التي أنصفت نضال المغرب ضد الاستعمار الإسباني

هنا/الآن رحيل المؤرخة التي أنصفت نضال المغرب ضد الاستعمار الإسباني
ماريا روسا دي ماداراغا

رحلت يوم أمس الباحثة والمستعربة والمؤرخة الإسبانية ماريا روسا دي ماداراغا ألفاريث بريدا المولودة في مدريد يوم 9 فبراير/ شباط 1937 والتي تعتبر أهم مؤرخة إسبانية متخصصة في دراسة العلاقات بين المغرب وإسبانيا في ما توصف بأنها فترة الحماية الإسبانية في المغرب.

وقد رحلت ماريا روسا تاركة إرثًا معرفيًا ثقافيًا وأكاديميًا أنصف مقاومة الريف شمال المغرب ضد الاستعمار الإسباني، وأرّخ وبكل جرأة وموضوعية لتاريخ المغرب بعيدًا عن الأيديولوجيات وعن النظرة الكولونيالية. وتاركة أيضًا سيرة ذاتية مليئة بالشهادات الأكاديمية والبحوث المغايرة للسائد، وبالمراهنة على الحقيقة من كل جوانبها، ضاربة عرض الحائط بكل من حاول منعها من تقديم الجانب المظلم للاستعمار الإسباني في المغرب، ومناضلة لتقديم التاريخ الحقيقي للأجيال القادمة.

ماريا روسا هي ابنة أخت الدبلوماسي والكاتب سلفادور دي ماداراغا، وهي الطالبة التي تخرجت في عام 1960 من قسم الفلسفة والآداب (فرع من فقه اللغة الرومانسية) في جامعة كومبلوتنسي في مدريد. وبدأت بالدراسات العليا والتحضير للدكتوراه في الجامعة نفسها.

وهي الباحثة التي أسست في عام 1964 مع مجموعة من الأصدقاء نشرة Ciencia Nueva، وفي عام 1966 تقدمت بطلب للحصول على منحة من الحكومة الفرنسية لمتابعة دراسات ما قبل الدكتوراه في جامعة السوربون مع المؤرخ الفرنسي بيير فيلار، حيث حصلت في معهد اللغات والحضارات الشرقية بجامعة باريس على دبلوم اللغة العربية الحرفية عام 1973 وعلى دبلوم عال في اللغة العربية والحضارة العربية عام 1980. ثم عملت من عام 1976 إلى 1983 كمترجمة في العديد من منظمات الأمم المتحدة حتى دخولها في عام 1983 كموظفة دولية في قسم الترجمة في اليونسكو. 

من كتب الراحلة: "في وادي الذئب.. حروب المغرب" و "عبد الكريم الخطابي.. النضال من أجل الاستقلال" 



وفي عام 1992 تم نقلها إلى قطاع الثقافة في اليونسكو، ونسقت العديد من الأنشطة. بالإضافة إلى ذلك، واصلت بحثها التاريخي في مجال العلاقات بين إسبانيا والمغرب بهدف إعداد أطروحة دكتوراه، تحت إشراف البروفيسور بيير فيلار، والتي أنهتها في عام 1987 وقدمتها في عام 1988 في جامعة باريس الأولى (بانثيون سوربون)، الأمر الذي جعلها تصبح باحثة رائدة ومؤرخة متخصصة في حرب الريف شمال المغرب العربي، خلال فترة الحماية الإسبانية (1912-1956)، ثم توسعت إلى الموضوعات المغربية؛ تاريخها، حربها الأهلية.

ومن بين أهم أعمالها نجد كتابها البحثي "عبد الكريم الخطابي.. النضال من أجل الاستقلال"، الذي نشر في عام 2009، حيث قامت فيه بتحليل كامل ودقيق وموضوعي للريف المناهض للاستعمار. ونجد أيضًا كتابها الأكاديمي "المغرب، ذلك المجهول العظيم" المنشور في عام 2013 والذي يحلل كامل مرحلة الحماية. بالإضافة إلى كتاب "إسبانيا والريف.. وقائع قصة شبه منسية" المنشور في عام (1999)، وكتاب: "الموروس الذين جلبهم فرانكو.. تدخل القوات الاستعمارية في الحرب" المنشور في عام (2002). وأخيرًا كتابها "في وادي الذئب.. حروب المغرب" الذي نشر في عام (2005).

وفضلًا عن كتبها البحثية المرجعية التي غيرت شكل كتابة التاريخ الإسباني المعاصر، شاركت ماريا روسا أيضًا في إنتاج العديد من الأفلام الوثائقية، حيث شاركت في عام 2006 في فيلم "لوس بيرديدوريس"، أو "الضائعون" حيث زارت مقاتلين سابقين في منطقة الريف في المغرب العربي، كما أنتجت في عام 2007 الفيلم الوثائقي "المتاهة المغربية" حيث أشارت فيه بكل جرأة إلى المناطق المغربية التي تعرضت للقصف بالغازات من قبل الجيش الإسباني، وفي عام 2009 قدمت الفيلم الوثائقي "أرهاش (السم)" الذي يروي كيف قصف الجيش الإسباني، بين عامي 1923 و1927، السكان المدنيين في الريف في المغرب العربي بغاز الخردل.

ولعل أبرز ما تركته ماريا روسا دي ماداراغا هو الكتاب الذي تناول شخصية الأمير عبد الكريم الخطابي الذي قدمته في المعهد الأوروبي العربي للتربية في غرناطة، حيث كانت الكاتبة مدركة تماما أن الأجيال الجديدة لا تعرف شيئا عن شخصية عبد الكريم الحقيقية، وأرادت إنقاذ من كان يومًا ما "العدو الأول لإسبانيا" وهزّ الأسطورة السوداء التي نشأت من حوله، حيث  صورت جانبه الإنساني، وقدمت أدلة أرشيفية على محاولاته للحوار مع الإسبان، مظهرة أنه الشخصية التي وضعت أسس حركات التحرر الوطني للشعوب المستعمرة بعد الحرب العالمية الثانية، ومؤكدة على أن الجيش الإسباني لم يغفر أبدًا إذلاله وهزيمته من قبل الموروس أو المغاربة، وعلى أنه لا يزال هناك حتى اليوم بعض الاستياء في الجيش الإسباني تجاه الموروس، ومشيرة وبقوة إلى أن إرادة عبد الكريم كانت تتمثل في رفع المستوى الاجتماعي والثقافي والاقتصادي لشعبه من خلال التفاوض مع الأوروبيين، الذين كان معجبًا بهم، ولكن دون التخلي عن الاستقلال، وأنه كان رجلاً مرنًا في العموم، حيث لم يكن عدوًا لإسبانيا بل للاحتلال.

ترحل ماريا روسا تاركة فراغًا كبيرًا في الوسط البحثي الأكاديمي الإسباني وحزنًا عميقًا لدى كل من عاصرها خاصة وأنها تتصف بالود الدائم وبالألفة والمرونة وبالإصرار على البحث عن حقيقة مجريات التاريخ، وعلى إنصاف من لم ينصفهم الأقوياء.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.