}

هل تمتلك "الأعلام" خصوصيةً تُميِّزها عن مطلقِ "الأسماء"؟

صدام الزيدي صدام الزيدي 18 أغسطس 2022
هنا/الآن هل تمتلك "الأعلام" خصوصيةً تُميِّزها عن مطلقِ "الأسماء"؟
الباحث عماد علي سعيد محمد



هل تمتلك (الأعلام) من الخصوصية ما يميّزها عن مطلقِ (الأسماء)، وتُشَكِّلُ تبعًا لذلك قسمًا مستقلًا بذاته عن بقية أقسام الكلم، أم لا؟... سعيًا للإجابة عن هذا السؤال، يتتبع الباحث اليمني، عماد علي سعيد محمد، سلوك الأعلام في المستوى الصرفي مرورًا بالمستوى التركيبي، وانتهاء بالمستوى التداولي في علاقته بالخطاب وعناصره وسياقات التواصل والاستعمال، ضمن متطلبات أطروحة دكتوراه، في تخصص اللسانيات، بموضوع: "أسماء الأعلام في اللغة العربية من البنية إلى الاستعمال"، أنجزها مؤخرًا (في كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز فاس، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، المملكة المغربية، في يوم 25 يوليو/ تموز 2022 المنصرم)، حيث منحته لجنة المناقشة الأكاديمية (ضمت كلًا من: عبد المنعم حُرفان، مشرفًا ومقررًا؛ محمد ناجي، رئيسًا؛ حسن عماري، عضوًا؛ رشيد بن زكو، عضوًا؛ حسان بوكيلي، عضوًا)، ميزة مشرف جدًا (ممتاز) وهي أعلى درجة تمنحها الجامعات المغربية مع إشادة اللجنة بجدية الموضوع والتوصية بالطبع.

ويُعدّ البحث في أسماء الأعلام من الزاوية اللسانية، من المواضيع المستجدة التي ظهرت مع ظهور اللسانيات الأسمائية (Onomastic Linguistics)، التي بُدء البحث فيها في التسعينيات، فهو علم لساني جديد وحديث النشأة.

اتخذتْ الأطروحةُ أسماءَ الأعلام في اللغة العربية موضوعًا لها، فسعتْ إلى مقاربتها مقاربةً تركيبية وتداولية من البنية إلى الاستعمال؛ وذلك بتعقّبِ سلوكها في التراث النحوي العربي من جهة، وفي اللسانيات الحديثة من جهة ثانية. 

نتائج

لطالما شكّلت الأعلام موضوعًا لعلوم ومقاربات عديدة فلسفية واجتماعية ونفسية وأنثروبولوجية وسيميائية ولسانية، فقد تعامل كل علم من هذه العلوم معها من زاويته الخاصة انطلاقًا من الأسس والتصورات والإجراءات المنهجية والمعرفية التي ترتبط به، غير أن حظها في الجانب اللساني كان ضئيلًا، وفقًا للباحث، مقارنة بهذه العلوم المشار إليها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن اللسانيات ظلّت إلى ثمانينيات القرن العشرين متأثرة بالدراسات الفلسفية والمنطقية في معالجتها للأعلام.

وترسّخ في الأذهان عبر مختلف الدراسات القديمة والحديثة أن أسماء الأعلام تشكل بنية متحجرّة وغير منتجة، ولا تطرح أي إشكال في مستويات اللغة الصرفية والتركيبية والدلالية والتداولية. كما أنها في نظر بعض اللسانيين العرب تسلك غالبًا سلوك الأسماء العامة من حيث القوانين الداخلية والخارجية التي تحكمها داخل اللغة بنية واستعمالًا.

غير أن نظرة فاحصة إلى الموضوع تكشف عن عدم صحة هذا التصور العام، وتؤكد أنها ذات خصوصية تميزها عن بقية أنواع الكلم عامة وعن الأسماء العامة خاصة. ويختلف سلوكها في بعض جوانبها اللغوية من لغة إلى أخرى، تبعًا لاختلاف هذه اللغات في أنظمتها الصرفية والتركيبية والدلالية والتداولية. ويرجع ذلك، وفقًا للباحث محمد، إلى ارتباطها بالهوية اللغوية والقومية، إذ تخضع لبنية اللغة التي تنتمي إليها، وتحمل سمات أصل المقولة المعجمية المنقولة منها وخصائصها، فتتأثر تبعًا لذلك بمختلف المستويات اللغوية صوتيًّا وصرفيًّا وتَركيبيًّا ودلالة وتداولًا.

وفي المجمل، يبرهنُ الباحث على خصوصية أسماء الأعلام بالمقارنة مع الأسماء العامة من حيث الجوانب الصرفية والتركيبية والدلالية والتداولية. وهنا يبيّنُ أن جوهر الفرق بين النمطين يرجع إلى "اختلاف نظام التسمية ذاته"؛ فسلوك الأعلام يرتبط أساسًا بنظام التسمية، والتسمية في الأعلام خاصةً هي فعل إنتاج، وتوليد ترتبط بالقدرة الإبداعية للغة، وهذه القدرة - بحسب محمد- تجعل من عملية التسمية في الأعلام نظامًا لغويًّا يقوم على ثلاث آليات، وهي النقل والاقتراض والاختراع من ناحيةٍ، ونظامًا تداوليًّا يعتمد على آلية الاختيار من ناحية أخرى.

وتسلك الأعلام بنيويًا سلوكًا مغايرًا لمختلف سلوك الكلم الأخرى، لأن كل كلمة أو تركيب يمكن أن يكون اسم علم. وهذا السلوك الصرفي المرتبط بتكوين الاسم العلم، يثير إشكالات كثيرة تربطه بعلاقةٍ مع الوضع الأصلي قبل التسمية، ووضعه بعدها من جهة، وبقانون بناء الأسماء في اللغة، من جهة ثانية. ومن ثم، تحدثُ جملةٌ من التغيّرات الصرفية إما بالحذف أو الزيادة أو التغيير. ويحدث، أيضًا، تغيّر يؤثر على سلوك الاسم في نظامه التركيبي ارتباطًا بالبنية العامليّة، وبالإعراب، والتطابق. كما يؤثر على وضعيته ارتباطًا بالدلالة والتداول والخطاب.

ويكشف الباحث عدم صحة التصور السائد الذي ينطلق من أن الأعلام لا تشكل خصوصية تميّزها عن مطلق الأسماء؛ لأنها تسلك في نظرهم سلوك الأسماء العامة، ومن جهة ثانية، يبيِّن أنّ بنية الأعلام بنية حيوية منتجة، وغير متحجّرة صرفيًّا وتركيبيًّا ودلاليًّا وتداوليًّا. وارتباطًا بذلك، فإن أسماء الأعلام تسلك في عملية التسمية سلوكًا مغايرًا لسائر الأسماء، وهي تعتمد في هذا النظام على مبدأين اثنين: الأول لغوي يتعلق بنظام اللغة وقوانينها الداخلية صوتيًّا وصرفيًّا. ويعتمد على ثلاث آليات: (النقل، والاقتراض، والاختراع). والمبدأ الثاني: تداولي يرتبط بثقافة المُسمِّي ومعتقداته وأفكاره وأعراف مجتمعه، ويعتمد على آلية الاختيار.

ويذهب إلى تأكيد أن الأعلام تبنى بطريقة صرفيّة مغايرة للكلم الأخرى، ولا تخضع للنظام القانوني الذي تبنى عليه هذه الكلم عامة، ومطلق الأسماء خاصة. فهي قد تنقل من الأعجمي، ومن العربي، ومن المفرد والمركب والجملة. وقد تبنى انطلاقًا من الأسماء والأفعال والصفات والحروف، أضف إلى ذلك أنه ليس هناك ضابط لطبيعة مادتها الصرفية؛ نظرًا لخروجها عن ضوابط بناء الكلمات في العربية. فهذا الصنف على عكس كل الأصناف الأخرى لا تحكمه بنيات صرفية أو قوانين مقطعية.

وتطرأ على أبنية الأعلام مجموعة من التغيّرات الصوتية والصرفية فتحذف بعض الأصوات أو يُعدّل بناء الاسم عن أصله السابق الذي كان عليه، ويرجع هذا التغيّر إلى نظام التسمية في الأعلام بوصفه فعل إنتاج وتوليد يرتبط بالقدرة الإبداعية للغة، وهذه القدرة تجعل من عملية التسمية في الأعلام نظامًا لغويًّا من ناحية، ونظامًا تداوليًّا واجتماعيًّا من ناحية ثانية. ولذلك تغيّر أبنيةُ الأعلام صوتيًّا وصرفيًّا عن أصولها السابقة التي نقلت منها، ويسري هذا التغيير في ترخيم الأعلام وتصغيرها وتدليعها.

أما بخصوص سلوك الأعلام تركيبيًّا، فقد دافع الباحث عن ارتباطه بسمات مقولة الاسم، وبتأثره بتعريف العَلَمِيَّةِ، بحيث تنفصل الكلمة بعد التسمية بها عن السمات الصرفية والخصائص التركيبية للوضع المقولي الأصلي، وتتحلى بالسمات الصرفية والخصائص التركيبية الاسمية المرتبطة بالوضع المقولي الجديد. ويعود ذلك إلى أن نظام التسمية في العَلَمِيَّةِ يختلف تمامًا عن نظام التسمية في الأسماء العامة، ويؤدي هذا إلى اختلاف سلوك الأعلام عن سلوك الأسماء العامة في التركيب، بحيث تختلف الأعلام عن الأسماء العامة في بناء العلاقات التركيبية والدلالية بين الكلم كالعلاقة الإسنادية والإعرابية والعاملية والتطابق ونظام الرتبة.

وتسلك الأعلام في تعريفها سلوكًا مختلفًا عن التعريف في الأسماء العامة، فالتعريف فيها - وفقًا للباحث- ذاتيٌّ وليس بالأداة أو الإضافة، ويؤثر هذا التعريف في علاقة الأعلام بأل والإضافة، ولذلك لا تدخل عليها أداة التعريف "أل" ولا الإضافة ما دامت أعلامًا، وقد تدخل عليها الأداة أو الإضافة في حالة فقدها لتعريف العَلَمية بحسب التصورات النحوية واللسانية، فتسلك حينها سلوك الأسماء العامة.

ويبرهن الباحث على أن أسماء الأعلام تكتسب تعريف العلمية داخل الحدّ في موقع يخص المعارف، وليس موقع "م س"، أو موقع "س" بحسب ما يذهب إليه بعض اللسانيين. 

وتتسرب بعض السمات الصرفية والخصائص التركيبية إلى الأعلام من أصولها السابقة، وفقًا للباحث، فتسلك الأعلام سلوكًا يوائم بين الأصول السابقة، والوضع المقولي الجديد للأعلام، فينتفي أثر المقولة الأصلية من حيث العلاقات الإسنادية والبنية العاملية والتطابق، ويظهر الأثر في البنية الإعرابية لبعض الأعلام المنقولة من المثنى والجمع المذكر السالم.

ويجد الباحث أن سلوك الأعلام إعرابيًّا، يتنوع بين البناء والإعراب، موضحًا أن مقاربات النحاة واللسانيين كانت مشتتة ومتفرقة بحيث لم تُقدّم صورةً كليّة تضم سلوك أسماء الأعلام جميعها تحت رؤية واحدة. 

الباحث اليمني عماد علي سعيد محمد بين أعضاء لجنة المناقشة



"سلوك الأعلام دلاليًّا وتداوليًّا.."

وإلى ذلك، مثّل الشق الثاني من الأطروحة، دراسة سلوك الأعلام دلاليًّا وتداوليًّا، وهنا يقول محمد إن الانطلاق إلى دراسة الأعلام تداوليًّا لا يستقيم دون الاعتماد على تناولها دلاليًّا، لأن المقاربتين الدلالية والتداولية تشتركان في البحث عن المعنى، وتختلفان في طريقة التعامل معه. وقد تتبع (الباحث) في الإطار الدلالي آراء النحاة وفلاسفة اللغة واللسانيين، وعرَضَ لمختلف تصوراتهم المرتبطة بدلالة الأعلام وإحالتها. ويبيِّن أن جوهر الإشكال في مقاربتهم المتنوعة يعود إلى تعميم تصوراتهم، ومقترحاتهم على جميع أسماء الأعلام دون مراعاة لمستوياتها البنيوية المختلفة من ناحية، ودون مراعاة للاستعمال أو طبيعة التسمية نفسها من ناحية ثانية.

وارتباطًا بما سبق، يقترح الباحث قراءة جديدة تسعى إلى تفسير سلوك أسماء الأعلام فيما يخص هذا الجانب، ذاهبًا إلى أنها ليست على مستوى واحد صوتيًّا وصرفيًّا وتركيبيًّا وتداوليًّا، ونظرًا لهذا التنوع والتعدد المرتبط بمختلف المستويات اللغوية يختلف سلوكها دلاليًّا وإحاليًّا. كما يبرهن على أن هناك فرقًا بين وضع أسماء الأعلام أثناء التسمية، ووضعها بعد التسمية من جهة، وأن هناك فرقًا بين أسماء الأعلام قبل التحول إلى أسماء عامة، وبعد التحول من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة يبيِّن أن هناك فرقًا بين وضع الأعلام داخل الخطاب وسياق الاستعمال، ووضعها خارج الخطاب وسياق الاستعمال.

ويتوصل الباحث كذلك إلى أن عملية الوضع في الأعلام وضعت أساسًا لذات المسمى لتمييزه عن غيره، ثم في مرحلة متأخرة ارتبطت هذه الأعلام بصفات المسميات فاكتسبت دلالة هذه الصفات التي اشتهر بها أصحابها. وأما بخصوص ارتباط دلالة أسماء الأعلام بعملية التحويل، فإن اسم العلم قد يتحوّل من العلمية إلى اسم عام إما تحولًا جزئيا، أو يتحول تحولًا كليًّا ويصير اسمًا عامًّا، إما بسبب استعماله في سياق النصوص والخطابات استعمالًا يخرجه عن علميته وتعيينه، أو بسبب نقله من العلمية إلى الجنسية عبر التسمية بوضعه على اسم جنس.

ويشير الباحث إلى أن التسمية فعلٌ من الأفعال الكلامية، وهي تكون بهذا عملية تداولية؛ لارتباطها بأغراض وعوامل ومقاصد محددة، بالإضافة إلى ارتباطها بسياق ثقافي واجتماعي معين بحيث تتطلب دراستها الاهتمام بسياقات الخطاب، والظروف الاجتماعية والثقافية المختلفة. وترتبط التسمية في بعدها التداولي بثقافةِ المسمِيّ ومعتقداتِه وأفكارِه ومحيطِه وجغرافيتِه ماضيًا، وحاضرًا، ومستقبلًا. وتتحكم فيها مقاصدُ وعواملُ عدة دينيةٌ وثقافيةٌ وجغرافيةٌ ولغويةٌ وصوتيةٌ وصرفيةٌ. وتتأثر الأعلامُ في بنيتِها الشكليةِ بهذه العوامل، فتتغير نتيجةَ ذلك صوتيًّا وصرفيًّا وبناءً. وتسلك في استعمالها بناء على ذلك وفقًا لأربعة مستويات: الأول، استعمالُ العلمِ دونَ تغيُّرٍ، بحيث يكون خاضعًا لقواعدِ اللغةِ الفصحى، ويمثل الاستعمالُ الرسمي الفصيحُ هذا المستوى. الثاني: تحريفُ النطقِ بحذفٍ طفيفٍ دونَ وجودِ غرضٍ يتحكم فيه، ويمثل الاستعمالُ التواصليُّ الشعبي هذا المستوى. الثالثُ: المستوى التدليليُّ، وتتغيرُ بنيةُ الاسم جزئيا أو كليا، وتتحكم في هذا التغيُّر عواملُ تداوليةٌ ونفسيةٌ واجتماعيةٌ، وينطلق مستعمل الأعلام في هذا المستوى من علاقته الحميمية بالمسمّى؛ لذلك تكون الصيغة التدليلية (التدليعيّة) معبرة عن وجود علاقة صلة وقرابة وصداقة بين مستعمل الاسم والمسمى، ويختلف طبيعة الاستعمال بحسب نوع العلاقة بين مستعمل الاسم والمسمى.

الرابع: المستوى الاجتماعي، ويرتبط تفسير استعمال الأعلام في هذا المستوى بما يفرضه المجتمع من علاقات اجتماعية تحدد مستوى كل طبقة فيه حسب المسؤوليات والمناصب القيادية أو الوظيفية أو العلمية فيتبنى حينها مستعمل الاسم وجهة النظرة الاجتماعية ذاتها سواء كانت له علاقة حميمية بالمسمَّى أو لا علاقة له به، فيكون استعماله للاسم مقرونًا باللقب قبل الاسم أو باستعمال اللقب وحده دون الاسم.

كما تتأثر الأعلام في سلوكها داخل الخطاب، من حيث التنكير والتعريف، وفقًا للباحث، وحين يطرأ عليها التنكيرُ بعد شيوعِها على أكثرِ من مسمى، فإنها تكتسب التفريد والتخصيصَ من عناصرِ الخطابِ بسياقيه اللغويِّ، والمقاميِّ، ويتمثل السياق اللغوي في المحدداتِ اللغويةِ كالتوابعِ والإضافةِ. وأما السياقُ المقامي فيتمثلُ في عناصرِ الخطابِ كالمتكلمِ والمخاطبِ والزمانِ والمكان.

ويقسِّم الباحث محمد، الأطروحة، إلى مقدمةٍ ومدخل تمهيدي وبابين وخاتمة: عرّفَ في المدخل التمهيدي بالمفاهيم الرئيسة المتصلة باسم العلم كالمفهوم والأنماط. وجاء الباب الأول بعنوان: "أسماء الأعلام من الكلمة إلى الجملة"، وقد تضمن هذا الباب ثلاثة فصول: يقدم في الفصل الأول مقترحًا يعتبر فيه اسم العلم قسمًا مستقلًا بذاته إلى جانب أقسام الكلم الأخرى. وأوضَح، في السياق ذاته، جوانب الفروق بين الاسم العلم والاسم العام، ثم تطرق إلى تناول نظام التسمية في العَلَمِيَّةِ، والتغيّرات التي تطرأ على الأعلام في مستواها الصرفي، وعلاقتها بأصولها المنقولة منها.

ويناقش في الفصل الثاني سلوك العلم في التركيب، "إذ تبنيّت وجهة نظر جديدة توضح كيفية اكتساب الأعلام لتعريف العَلَمِيَّةِ، وأثر ذلك في سلوكها داخل التركيب". وعرض في الفصل الثالث للسلوك الإعرابي للأعلام، متتبعًا مختلف المقاربات المتعلقة بالموضوع سواء عند النحاة أو عند اللسانيين، ومقدمًا مقترحًا يربط سلوك الأعلام في الإعراب بالتمثل الذهني للغة.

وأتى الباب الثاني بعنوان: "أسماء الأعلام من الدلالة إلى التداول"، في ثلاثة فصول: يتعقب الفصل الأول آراء النحاة والفلاسفة واللسانيين في دلالة الأعلام وإحالتها، ويقترح قراءة جديدة لتفسير سلوكها في هذين الجانبين الدلالي والإحالي، بينما يناقش الفصل الثاني فعل التسمية والظروف والعوامل والملابسات التداولية التي تحكمها، متتبعًا سلوك الأعلام في ارتباطها بالاستعمال والتواصل. ويتناول الفصل الثالث العلاقة الوثيقة التي تربط بين تعريف العَلَمِيَّةِ والخطاب، مبينًا سلوك الأعلام وفقًا لذلك، وتأثّر بنيتها في مستوى التنكير والتعريف بعناصر الخطاب اللغوية وغير اللغوية. وثمة خاتمة، تلخص مجمل النتائج التي توصل إليها البحث.

وارتباطًا بما يثيره الباحث من أسئلة، فقد جاءت الأطروحة بعنوان "أسماء الأعلام في اللغة العربية من البنية إلى الاستعمال". وهنا تجدر الإشارة، إلى أن الأعلام تشمل عند النحاة أعلام الأشخاص والمواضع، وأعلام الجنس. ولأسباب موضوعية وعلمية، اِستثنى (الباحث) أعلام الجنس من البحث، قاصرًا الموضوع على أسماء الأعلام الشخصية خاصة، وأعلام المواضع عامة؛ لأنها تتفق في جوهر سلوكها التركيبي والدلالي والإحالي.

وانطلق البحث، لتتبع سلوك الأعلام ارتباطًا بمختلف مستويات اللغة: (صرف؛ تركيب؛ دلالة؛ تداول) استنادًا إلى النظريات اللسانية الوظيفية التي لا تفصل بين هذه المستويات، ولا يستقل فيها مستوى عن مستوى آخر، لأن اللغة نظام كُلّيُّ يشد بعضه برقاب بعض.

وتبرز أهمية موضوع أسماء الأعلام من عدم وجود دراسات علمية – في حدود علم الباحث- تناوَلَتها نحويًّا أو لسانيًا من الزاوية التركيبية والتداولية. كما تتجلى أهميتها داخل اللغة بصفتها أهم عنصر كلامي ترتبط به كل المقولات المعجمية المختلفة، بالإضافة إلى أنها وسيلة للتواصل بين الأفراد، لكونها عناوين للأشخاص والأماكن والمسميات والأشياء، إذ لا تدخل الأشياء في الوجود إلا بأسمائها. كما أنها تدخل في إطار العلاقات بين الناس، وتبادلهم المنافع والمصالح المشتركة فيما بينهم.

ويروم الباحث من خلال هذه الأطروحة، تحقيق مجموعة من الأهداف: تتبع مسار الأعلام في بنيتها الشكلية صرفيًّا لمعرفة الفرق بينها، وبين الأسماء العامة، والكشف عما يطرأ عليها من تحولات، وتغيّرات بنيوية بالزيادة أو الحذف. ورصد سلوك أسماء الأعلام (داخل التركيب بالوقوف على علاقته بالمقولات النحوية والصرفية تأثِيرًا وتأثُّرًا)، و(داخل الخطاب لتتبع مسارها الدلالي والإحالي من جهة، والتداولي "الاستعمالي" من جهة ثانية)، و(من زاوية استعمال المتكلمين، وعلاقتها بالسياق اللغوي والمقامي والتداولي). كما يروم أيضًا، تتبع المحددات الخطابية اللغوية وغير اللغوية التي تعمل على تعيين الأعلام، وتخصيصها.

ويفيد الباحث أنه اعتمد المنهج التداولي أساسًا في مقاربة الموضوع، جامعًا بين القوانين الداخلية للظاهرة المدروسة، والمبادئ الخارجية التي تحكم هذه القوانين الداخلية.

وختامًا، تفتح أطروحة محمد آفاقًا على أفكار وأسئلة لسانية عديدة لا تزال غير مدروسة بعدُ، كنظام حوسبة أسماء الأعلام في المعجم، ودراسة البنية الذهنية للتعريف، ورصد دلالة الأعلام في النصوص والخطابات المختلفة.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.