شهدت دورة هذا العام مشاركة واسعة؛ حيث تقدم ما يزيد عن 800 فيلم من مختلف أنحاء العالم، تم اختيار 127 منها للتنافس على الجوائز، في الوقت نفسه لم يخل البرنامج من عروض خاصة خارج البرنامج الرسمي، بدأت بحفل استعراض لأفضل أفلام الدورات السابقة، كما زخر البرنامج بمجموعة من الأنشطة المختلفة، تنوعت بين ورش عمل ومبادرات فنية أو حلقات نقاشية مع الصناع والضيوف، بالإضافة إلى عدد من الأنشطة المخصصة للأطفال من مختلف الأعمار.
أما فيلم الافتتاح، فقد عُرض بالتعاون مع مؤسسة اليابان بالقاهرة، وحمل عنوان "نيزوميكوزو جيروكيتشي" من إخراج رينتارو. الفيلم مأخوذ عن سيناريو نادر للمخرج الياباني الشهير ساداو ياماناكا تركه قبل أن يرحل مبكرًا. ويعد ياماناكا واحدًا من أبرز الأسماء التي تمثل الفترة الانتقالية للسينما اليابانية من العصر الصامت إلى الأفلام الناطقة. عُرض الفيلم لأول مرة ضمن الاختيار الرسمي لمهرجان آنسي الدولي لأفلام الرسوم المتحركة بفرنسا. تدور أحداثه حول مدينة إيدو، الاسم السابق للعاصمة طوكيو، وقد غرقت في ظلام دامس وحينها ليس هناك مفر من الاستعانة بأحد قطاع الطرق ويدعى "نيزوميكوزو" أو الفأر كما يطلقون عليه، على الرغم من أتباعه المنهج الشهير لشخصية روبن هود، أحد النبلاء من الخارجين عن القانون والذي كان يقوم بسلب مال الأغنياء لصالح الفقراء من الشعب.
وكان لأفلام الواقع الافتراضي نصيب من برنامج العام، فيما أقيم عدد كبير من الورش الفنية بلغ 27 ورشة توزعت بين ورش للمحترفين وعددها ثماني؛ بالإضافة إلى 19 ورشة أخرى دارت فعالياتها في خمس محافظات: الإسكندرية، المنصورة، الأقصر، المنيا، إلى جانب القاهرة، وتنوعت موضوعاتها بين عوالم الرسوم المتحركة التقليدية وغير التقليدية من بينها ورشة بعنوان "شخصيتك من صوتك" للممثل المصري أحمد مختار.
المشاركة الفلسطينية
لم تقتصر المشاركة الفلسطينية هذا العام على الأفلام فحسب، بل امتدت أيضًا إلى لجان التحكيم، حيث شارك الفنان خلدون قدورة في لجنة تحكيم مسابقة الدوبلاج. كما شارك في مسابقة أفلام الطلبة فيلمان، يرصد الأول معاناة أهل فلسطين مع نقاط التفتيش الإسرائيلية المتعددة بعنوان "الحركة والصنم" للمخرج بلسم سمارة، فيما يقدم الفيلم الثاني "ستي" مرساة شاعرية للجدة من إخراج بيان موسى شاهين. على جانب آخر، أطلق المهرجان برنامجًا خاصًا خارج التنافس بعنوان "أصوات فلسطينية" عرض أربعة أفلام نتابع في أولها- "عمي أعطيني سيجارة"- قصة حياة الأسير الفلسطيني وليد دقة، من إخراج جامين أبو خاطر، بالإضافة إلى ثلاثة أفلام يحمل كل منها عنوانًا منفردًا: "بيت"، "عيني"، "ليل" للمخرج الفلسطيني الألماني أحمد صالح.
وأحمد صالح هو فنان شاب، يعيش متنقلًا بين سنغافورة وألمانيا والأردن، علاوة على أنه ولد في السعودية وقضى فيها سنوات طفولته وشبابه. إلى جانب عمله في الإعلانات، جمع صالح بين التأليف والإخراج، وعلى الرغم من أن رصيده الفني لم يتجاوز ثلاثة أفلام - حتى الآن- إلا أنها حظيت بالعديد من الجوائز والتقديرات الدولية وصولًا إلى الأوسكار، جالبة لصانعها تميّزًا في مجال الرسوم المتحركة. تشترك الأفلام الثلاثة في عالم واحد يقدّم صورة شعرية رغم وحشيتها تلخص معاناة أهالي المخيمات من اللاجئين في فلسطين، جنسيته الأم التي حملها بداخله أينما رحل.
بدأ صالح مشواره الفني عام 2012 بفيلم "بيت" الذي اختار له عنوانا جانبيا "قصة فلسطينية في ثلاث دقائق" وهي حكاية عن البشر والبيوت، مؤكدًا على أن "البيوت لا تموت... كما النباتات يتركن بذورهن على الأرض"، وكان فيلمه "عيني" (2016) بمثابة نقطة تحول، إذ بدأ مشروعًا للماجستير قبل أن تُرشِّحه أكاديميته للتنافس في مسابقة أفلام الطلبة في الأوسكار، ثم يكلل بالجائزة الذهبية كأفضل فيلم تحريك ناطق باللغة الأجنبية. وفي فيلم "ليل"(2021)، تحريك مجسم يمزج صالح بين الواقع والخيال؛ عن هذا يقول: "حكاية الأم التي فقدت طفلتها وكانت تتوسل لأن يخبرها أحد بأنها ماتت كنت طرفًا فيها، حيث طلبت مني هذا في الحقيقة لكن في الفيلم فضلت أن تظهر الأم وحدها واستعضت عن شخصيتي بالليل كقوة لها دلالات أكبر"، وقامت الفنانة الفلسطينية هيام عباس بالأداء الصوتي للأم في الفيلم.
فيلم في نصف دقيقة
تضم آلية التنافس في "أنيماتكس" ست مسابقات رئيسية تغطي مختلف الفئات، بما في ذلك الأفلام الطويلة والقصيرة والأفلام الدعائية وأيضًا الأفلام التسجيلية، وتُعد مسابقة تحدي الـ(30) ثانية واحدة من أكثر الفئات جذبًا لصُنّاع الأفلام من الشباب، وذلك لما تحمله التجربة من تحدٍ في إنتاج فيلم لا يتجاوز نصف دقيقة وفق تيمة محددة من قبل إدارة المهرجان، التي اختارت "الصفارة" موضوعًا لهذه الدورة، مما أسفر عن ثلاثين فيلمًا تنافسوا على الجائزة. ونلاحظ تميز عدد كبير من الأفكار المبتكرة التي تناولت هذا الموضوع نذكر منها: "موقعة"، "الجراج"، "السايس" و"الصفارة القاضية"، كذلك فيلم "مايسترو الشارع" عن رجل المرور؛ وفيلم بعنوان "لسه عايش" استعرض أنواعًا مختلفة من الصفارات بدءًا من صفارة براد الشاي والقطار، وصولًا إلى صافرات الإنذار التي قد لا تدل سوى على استمرار الحياة لصاحبها.
أقيمت ورشة مسابقة تحدي الـ(30) ثانية على مدار ثلاثة أيام، وحصل فيلم "كرتونة" من إخراج مشترك للطالبتين مريم عبد اللطيف وسلوى أحمد على تنويه خاص من لجنة التحكيم، وعلى الرغم من القصر الشديد للمدة الزمنية لهذه الأفلام، فإن الطابع الجماعي طغى عليها، حيث جاء معظمها ثمرة تعاون مشترك، ويتجلى ذلك بوضوح في الفيلم الفائز بالجائزة "أوبس"، الذي شارك في إخراجه خمسة مخرجين وهم: موكا أنيميشن، محمد ناصر، إسراء ريان، دعاء شلبي، وأحمد مبارك.
ضمت لجنة التحكيم كلًا من امتنان باويان، أحمد عبد الحميد، وبلال أبو سمرة، وهم ثلاثة مخرجين سبق لهم الفوز بالجائزة في العام الماضي، وذلك ضمن تقليد يتبعه المهرجان في تشكيل لجان تحكيم هذه الفئة تحديدًا. كذلك قامت إدارة المهرجان بتنظيم عروض خاصة للأفلام الفائزة في اليوم التالي من إعلان النتائج، في ثلاث محافظات: القاهرة، دهب، والأقصر.
خمسة أفلام ودرع وحيد
يُعتبر "أنيماتكس" واحدًا من أبرز الفعاليات الشبابية في مصر؛ حيث يعتمد في تنظيمه على فريق من شباب الفنانين للرسوم المتحركة، وقد شهدت دورة هذا العام زيادة في عدد المتطوعين والذي بلغ ما يتجاوز ثلاثين شابًا وفتاة من طلاب الجامعات بمختلف أقسامها، الفنية منها بالأخص. ورغم الجهود الملحوظة التي يبذلها هؤلاء الشباب لتطوير محتوى المهرجان عامًا بعد عام، إلا أنه ما يزال يفتقد إلى رعاية مباشرة من وزارة الثقافة المصرية بسبب بعض التحديات الإدارية، مما قد يؤثر أحيانًا على بعض الخدمات اللوجستية، وهو ما انعكس هذا العام على درع المهرجان على سبيل المثال، حيث فوجئت الإدارة بامتلاكها درعًا واحدًا فقط، ما اضطرها إلى مطالبة الفائزين بالتقاط الصور معه بالتناوب حتى يتم تجهيز دروع جديدة للأفلام الفائزة.
في مسابقة الأفلام العربية، حظي الفيلم المصري "ذرة" للمخرج يوسف حمدي بتنويه خاص من لجنة التحكيم، فيما ذهبت الجائزة إلى الفيلم القصير "حديقة الحيوان" للمخرج الأردني من أصل فلسطيني طارق الريماوي الذي يصحبنا في رحلة لا تتجاوز ثماني دقائق – مدة الفيلم- نتتبع من خلالها طفلًا صغيرًأ يدخل الحديقة بحثًا عن كرته الضائعة، وهناك يتعرف على نمر وسرعان ما تنشأ بينهما صداقة، وخلال مغامرتهما للعثور على مكان آمن للعب، يتفاجآن بأن القصف المتواصل يجعل ذلك مستحيلًا. استلهم المخرج فكرة فيلمه من خبر قديم تداولته الصحف حول إنقاذ نمر من أسوأ حديقة حيوان في العالم، في إشارة إلى حادثة شهيرة وقعت في مدينة خان يونس بقطاع غزة قبل سنوات، عندما تم نقل الحيوانات من الحديقة المتضررة جراء عدوان الاحتلال.
كذلك حصل المخرج المصري إسلام قطب علي جائزة مسابقة أفلام الطلبة العربية عن فيلمه "حلقة"، بينما حصدت المخرجة سحر بني عباسي من الإمارات على تنويه لجنة التحكيم عن فيلمها "أنا، هي". كما حصل المخرج المصري أحمد نادي على جائزة الأفلام الدعائية عن فيلمه "الابن". أما مسابقة الأفلام العالمية، ففاز فيلم "مستقل" من الدنمارك بجائزة أفضل فيلم دولي وهو إخراج مشترك لثلاثة مخرجين هم: لوتشيانو أ، ومونيوز سيساريغو، وبيتر سميث، فيما حاز الفيلم الياباني "سنة جديدة سعيدة" للمخرج ساكي موراموتو على تنويه خاص من لجنة التحكيم.
يذكر أن المهرجان يعتمد في تمويله على شراكات وتعاونيات مع عدد من الجهات في القاهرة من بينها: الجامعة الأميركية، المعهد الفرنسي، معهد غوته، المجلس الثقافي البريطاني، المركز الثقافي النمساوي، مركز الجزويت الثقافي، وسفارات كل من سويسرا، إسبانيا، فرنسا والتشيك.