رحلت عن عالمنا يوم السبت 8 مارس/ آذار الفنانة المغربية الشهيرة نعيمة سميح (1953-2025) بعد صراع مع المرض الذي انتهى بغيبوبة، ثم الموت. وولدت نعيمة سميح بمدينة الدار البيضاء سنة 1953 بحي شعبي يدعى "درب السلطان"، الذي كان يعرف نشاطًا ثقافيًا ورياضيًا متميزًا في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. لم تكمل الصبية نعيمة تعليمها، إذ غادرت المدرسة في بداية السلك الثانوي، لتتجه الى التكوين المهني في المدرسة الوطنية للحلاقة سنة 1966، واشتغلت في صالون حلاقة في درب السلطان قبل أن تستقل بصالونها الخاص.
كانت بدايتها الحقيقية في برامج اكتشاف المواهب الفنية التي كانت تقدمها الإذاعة والتلفزة المغربية، وكان أول ظهور لها في برنامج اسمه "خميس الحظ". ثم تابعت مسيرة البحث عن حظها في برامج مسابقات فنية أخرى، كان أشهرها وأنجحها في اكتشاف المواهب اسمه "مواهب"، الذي كان يشرف عليه ويقدمه الفنان والمثقف عبد النبي الجيراري، وهو البرنامج الذي كان مشتلًا للعديد من الأصوات المغربية المتميزة في نهاية الستينيات كسميرة سعيد ومنتصف السبعينيات كعزيزة جلال.
ها قد بدأ الحظ يحالف نعيمة، لكن ذلك لا يكفي بدون موافقة ومباركة من أسرتها، وعلى رأسها والدها الحاج سميح، الفقيه الذي لم يكن يصدق يومًا ان ابنته نعيمة سوف تلج عالم فن الغناء الذي لم يكن يرضى عنه كامل الرضى. فبدأت مسيرة نعيمة مهددة بالتوقف أمام المعارضة الشديدة لوالدها الذي لم يتقبل الأمر إلا بعد تدخل فنانين وإعلاميين مرموقين كمحمد بنعبد السلام، ومحمد البوعناني (المشرف على برنامج "خميس الحظ")، وخالد مشبال الصحافي المشهور وصاحب المصداقية الشعبية، وكلهم كانوا مؤمنين بموهبة نعيمة، فسعوا إلى طمأنة والدها بأنها ستكون بين أياد آمنة. اشترط والدها أن تقتصر مسيرتها الفنية على الموسيقى العصرية المغربية وأن لا تشتغل إلا مع كتّاب كلمات وملحنين محترمين وفي مواضيع بكلمات راقية. وهذا ما حدث بالضبط. إذ تهافت على نعيمة كبار شعراء الأغنية في المغرب، الذين ألفوا قصائد خالدة في مواضيع الشجن والحنين والشوق، من أشهر هؤلاء الشعراء: الطيب العلج، عبد الله عصامي، علي الحداني، عبد القادر الراشدي، محمد بنعبد السلام وعبد الوهاب الدكالي، إضافة إلى الشاعر الكويتي يوسف المهنا.
يضم رصيد نعيمة العديد من الأغاني الدينية والوطنية كأغنية "رحلة النصر" التي تعاملت فيها مع الموسيقار عبد الوهاب الدكالي. مما جعل العديد من الفنانين العرب يؤدون بعض أغانيها، مثل الجزائري الشاب خالد، والسورية أصالة نصري. وذلك فتح لها باب الشهرة الواسعة في دول المغرب العربي مثل الجزائر وتونس وليبيا. ولها في رصيد الجوائز الشيء الكثير، نذكر منها جائزة تقديرية في مهرجان الدوحة للأغنية العربية سنة 2007. وسام الكفاءة الوطنية سنة 2007. أما رصيدها من الشهرة فيكفي أن نقول إننا نكاد لا نجد مغربيًا واحدًا لا يعرف نعيمة سميح، أو لا يردّد عن ظهر قلب إحدى أغنياتها. من بين أغانيها التي نالت شهرة منقطع النظير: ياك يا جرحي، جاري يا جاري، أمري لله، أحلى صورة، البحارة، راح، نحمدو ربي ونشكروه، عل غفلة، غالب علي الهلال، واقف على بابكم... وللإشارة، فقد كان الملك الراحل الحسن الثاني شديد الإعجاب بها، كما أن الملك محمد السادس منحها وسام استحقاق.
تزوجت نعيمة سميح في بداية سبعينيات القرن العشرين من البطل المغربي في رياضة الدراجات مصطفى بلقايد، ولهما ابن وحيد اسمه شمس الدين، الذي حاول ولوج عالم الغناء، لكنه لم يستمر. وقد عانت كثيرًا مع مرض فقر الدم وكانت مجبرة على القيام برحلات علاجية كثيرة خارج المغرب. وهذا كان سبب اعتزالها الناس، ودخولها في وحدة طويلة أثّرت على نفسيتها المرهفة. وهذه بقيت حالها إلى حين رحيلها في الساعات الأولى من صباح يوم السبت 8 مارس/ آذار الجاري.