}

جوائز "جالاك" البريطانية: فلسطين تفوز والجميع يتقن لغة القلق

سناء عبد العزيز 10 يونيو 2025
هنا/الآن جوائز "جالاك" البريطانية: فلسطين تفوز والجميع يتقن لغة القلق
ميمي خالفتي- ناثانيال ليسور- نسيبة نسيبة (يسار)

 

منذ انطلاقها عام 2017، خصصت جوائز جالاك (Jhalak) لتكريم الأعمال النثرية بمختلف أشكالها: من الروايات، والقصص القصيرة، إلى الكتب المصورة، وسائر الأنواع الأدبية الأخرى. لكن هذا الأفق سرعان ما اتسع عامًا بعد عام؛ ففي عام 2020 استحدثت جائزة لأدب الأطفال واليافعين، تقديرًا لأهمية هذا النوع في تشكيل وعي الأجيال الجديدة، الذي غالبًا ما يهمل في خارطة الجوائز الأدبية. ولم تكتف الهيئة المانحة بهذا التوسع، ففي عام 2024 أطلقت جائزة "جالاك للشعر"، ليصبح المجموع ثلاث جوائز سنوية، تمنح لكتّاب وكاتبات من ذوي البشرة السمراء ممن أسهموا في إثراء المشهد البريطاني وتنوعه، وأعادوا الاعتبار إلى تجارب بقيت طويلًا على هامشه.

في دورتها الجديدة لعام 2025، اختارت لجنة التحكيم ثلاثة أعمال تتوخى هذا التنوع، لعل أبرزها فوز الكاتبة البريطانية- الفلسطينية نسيبة نسيبة (NS Nuseibeh) بجائزة النثر عن عملها "الاسم نفسه" Namesake، وهو مجموعة من المقالات تستعرض موضوعات ما زالت، للأسف، تؤرق المرأة حتى في الألفية الثالثة.

في الفروع الأخرى، فازت الشاعرة الإيرانية- البريطانية ميمي خالفتي (Mimi Khalvati)  بجائزة الشعر عن ديوانها "مختارات شعرية" Collected Poems،  تلك المجموعة المختارة من رصيدها الممتد لعقود. أما جائزة أدب الأطفال واليافعين، فذهبت إلى الكاتب البريطاني ناثانيال لِسور (Nathanael Lessore) عن روايته الساخرة "ملك العدم" King of Nothing التي تعكس حالة الجيل الجديد في بيئة متعددة الثقافات، بأسلوب يجمع بين الطرافة والعمق.

نادني باسمك

يتألف كتاب نسيبة من مجموعة من المقالات تمزج بين السيرة الذاتية والنقد الاجتماعي في بنية غير خطية أشبه ما تكون بالتداعي الحر. ويحمل العنوان معنى أوضح من ترجمته الحرفية إذ يشير إلى الشخص الذي يتسمى على اسم شخص آخر، كما يحدث عادة حين نسمي أطفالنا على اسم شخصية تاريخية أو نخلد اسم فرد غاب عن دفء العائلة. كلا الأمرين ينطبقان على الكاتبة التي سميت باسم جدتها نسيبة بنت كعب، الصحابية والمحاربة الأولى في معركة أُحد، والتي شاركت أيضًا في صياغة الميثاق المدني آنذاك.

مثل هذه النماذج المبعثرة في جنبات التاريخ، تكشف عن خلل في الخطاب السائد بشأن المرأة المسلمة. من هنا تنطلق الكاتبة من موقعها ككاتبة مسلمة تنتمي إلى أسرة فلسطينية تقليدية، لتفكيك التمثيلات السائدة حول المرأة المسلمة، سواء تلك التي تصدر عن النظرة الغربية الاستشراقية أو التي يعاد إنتاجها داخل مجتمعاتها باسم التقوى والفضيلة، بهدف أن تعيد تعريف المرأة بنفسها. تكتب "لا أريد أن أكون استثناء، ولا أن أُعامل كظاهرة. أريد أن أكون امرأة مسلمة فقط، بكل ما في هذه الجملة من تعقيد وخشونة وأمومة وشك وعناد ويقين متقلب".

تستعين الكاتبة التي ورثت الاسم بدون أن ترث المنزلة الدينية أو السياسية، بأصوات نسائية من التراث الإسلامي إلى جانب نسيبة بنت كعب، مثل رابعة العدوية، التي ترى فيها خطابًا صوفيًا جسورًا لا ينفصل عن الجسد والوجد، وفاطمة الفهرية؛ مؤسسة أول جامعة في العالم، والخنساء؛ أسطورة الشعر في عصرها الجاهلي وبعد دخولها الإسلام. عبر هذه النماذج تحاول تفكيك الصور النمطية التي يُنتجها الخطاب السائد حول المرأة المسلمة، لا سيما ذلك الذي يحصرها في أطر التقوى السلبية ويجردها من قدرتها على الفعل أو المشاركة في تشكيل الخطاب المعاصر.

أن تكوني كل شيء

يبدو العنوان أيضًا بوابة لثيمة مركزية في الكتاب: الهوية المُعطاة في مقابل الهوية المكتسبة، وتحديدًا حين تكون هذه الهوية محمّلة بتوقعات كبيرة لا يمكن لامرأة شابة تعيش في بريطانيا المعاصرة أن تلبيها لذا تلجأ إلى تفكيك علاقتها باسم يربطها بتاريخ طويل من الجهاد والتديّن. ومن هنا تبرز مسألة تتعلق بالقلق الناجم عن تعدد الانتماءات، والرغبة كما تقول في "أن تكوني كل شيء في وقت واحد، من دون أن تُفقدي ذاتك في الطريق".



تم اختيار نسيبة كفائزة بجائزة العام من بين قائمة قصيرة تضم أعمالًا أدبية بارزة، منها رواية "أصدقائي" للكاتب هشام مطر، و"إيفرست" للكاتبة أشاني لويس. ورغم تنوع القائمة وغِنى موضوعاتها، أشادت لجنة التحكيم بقدرة نسيبة على استعادة أصوات نسائية منسية من التراث الإسلامي، وإعادة قراءتها بمعجم معاصر يزاوج بين النقد والتأمل الشخصي. في السياق نفسه، وصفت دينا نيريري في "غارديان" الكتاب بأنه "استكشاف جريء للنسوية الإسلامية"، مشيرة إلى أن هذه النصوص "تنقل القارئ من حفلات العشاء في نيويورك إلى ساحات معارك القرن السابع ونقاط التفتيش في القدس، وصولًا إلى أزقة عقل يتسم بالذكاء والرحمة". كما ذهب دوغ جونستون في مراجعة لـThe Big Issue، إلى أنه "مزيج مدهش من البصيرة الشخصية والتعليق المعاصر مع التاريخ الإسلامي والأساطير والثقافة"، مضيفًا: "ذكية، ظريفة، عميقة، وأصيلة".

تكوّنت لجنة تحكيم جائزة النثر هذا العام من الروائية ساريتا دومينغو، والصحافي والكاتب تاران إن خان، والكاتبة غير الروائية يبوكا ييبو الفائزة بجائزة 2024. تقول ساريتا دومينغو تعليقًا على هذه الأعمال: "هذه الكتب تفتح نوافذ واسعة على تجارب تُروى بصوت فريد، وتقدم سرديات تنقل القارئ بين ثقافات وهويات متعددة، مع احتفاظها بقوة إنسانية مؤثرة".

لغة ثالثة بين المنفى والحنين

يأتي فوز الشاعرة الإيرانية- البريطانية ميمي خالفتي بجائزة "جالاك" للشعر عن مختاراتها Collected Poems تتويجًا لمسيرة إبداعية امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، كرّست خلالها صوتًا شعريًا مجلجلًا وعابرًا للحدود. في قصائدها، التي تُجسّد حياة الشتات والهوية المزدوجة، تلتقط خالفتي بحساسية شديدة، صراع الذاكرة مع لغات متعددة وأماكن متبدلة، بين وطن مفقود وآخر مكتسب، وبين لغتين وثقافتين تتصارعان داخلها.

رغم ذلك تصرح خالفتي: "سواء استلهمت من ذكرياتي القليلة عن إيران، أو من سنواتي الطويلة في لندن وتجوالي في البحر المتوسط، أو من ذلك الفراغ المركزي الذي يواجهني دائمًا، فأنا أحتفي بغنى الحياة التي يمكن أن تُعاش". تجلى هذا الغنى عند خالفتي في تنوّع الأساليب والأوزان، من الشعر الحر إلى الأشكال المقفاة، ومن القصائد القصيرة إلى السلاسل الغنائية الممتدة.

تصف في قصيدة بعنوان العازفة الكردية شخصيتها بتلك الأبيات:

ملتفة في ثوبٍ ورديٍّ، أزرق سماوي،
تحجبها طرحةٌ ذهبية،
تهتزُّ شراشيبها مع كلِّ رنّةٍ من آلةُ السانتور،
على وجنتيها تتدلّى عملات معدنية رقيقة،
تهتزُّ على وقع إيماءاتها،
تخفق في السَّكَنات،
تتمايل في الرعشات،
يتردد صداها في الأفق.

يرى الشاعر جيسون ألين بايسانت، عضو لجنة تحكيم جائزة الشعر إلى جانب ماليكة بوكر وويل هاريس، أن ديوان خالفتي يمثل شهادة مضيئة على الدقة الغنائية والعمق العاطفي والإتقان الشكلي. وما يضاعف من قيمة الفوز أنها تغلبت على قائمة قصيرة ضمت أعمالًا مميزة، منها ديوان "آدم" للشاعر الراحل غبويغا أودوبانجو، و"البوم المسلوقة" لـ آزاد أشيم شارما، و"صورة ذاتية مع العائلة" لـ أمان حيدر.

إنها مادة للضحك والبكاء

في فئة أدب الأطفال واليافعين، حصد الكاتب البريطاني ناثانيال ليسور جائزة "جالاك" عن روايته الساخرة "ملك العدم" King of Nothing التي تخوض في موضوعات شائكة داخل بيئة حضرية متعددة الثقافات. بلغة تجمع بين الطرافة والعمق، يقترب ليسور من واقع جيل المراهقين اليوم، عبر شخصية بطل الرواية، في سعيه الشاق نحو اكتشاف الذات وتكوين انتماء حقيقي في مجتمع لا يكفّ عن التحوّل.

ولا عجب أن فازت الرواية بجائزة ووترستون لكتب الأطفال والشباب سابقًا، إذ كتبت عنها فيونا نوبل في "غارديان" :إنها شهادة على رقة أسلوب ليسور وشخصياته المقنعة؛ رغم تناوله لموضوعات مهمة كالذكورة السامة والحزن، يظل هذا الكتاب ممتعًا وجديرًا بالقراءة".

تولى تحكيم جائزة أدب الناشئة كلٌّ من المذيعة والكاتبة ياسمين عبد المجيد، والفائزة بجائزة عام 2024 هبة نور خان، وألوم شاها.

إلى جانب "ملك العدم"، ضمّت القائمة القصيرة لهذا العام باقة رائعة من الأعمال التي تحتفي بقدرة الخيال على فتح آفاق جديدة للناشئة: من رحلة استعادة الماضي في "إعادة كاي- كاي" للكاتب ديف كوثاري، إلى الزوايا الخفية لحياة المدينة في "حيّ الزهور" للكاتبين لانيشا باترفيلد وهوانغ جيانج، وغيرهما من الأعمال الجيدة.

تعكس الأعمال الثلاثة الفائزة هذا العام في جوائز "جالاك" صورة كاشفة، وأحيانًا موجعة عن واقع الإنسان المعاصر. فما الذي يدعو نسيبة أو غيرها من الكاتبات إلى استدعاء نماذج نسائية للتأكد من هويتهن؟ وما السر في تشبع قصائد خالفتي بكل هذه الأصداء والتوترات العاطفية؟ وما الذي يجعل من شباب اليوم ملوكًا للعدم؟!

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.