}

"صول": حكاية فرقة موسيقية غزيّة تُقاوم بالأغنيات

يوسف الشايب 5 يوليه 2025
هنا/الآن "صول": حكاية فرقة موسيقية غزيّة تُقاوم بالأغنيات
"صول" بعد خروجهم من غزة
تأسست فرقة "صول"، أو "صول باند"، عام 2012 على أيدي مجموعة من الأصدقاء الذين نشأوا في غزة، تشاركوا في الأحلام، وجمعتهم الموسيقى معًا، رغم أن لكل منهم موهبة فريدة وحلمًا فريدًا. كانت عائلاتهم مصدر دعمهم الرئيسي، ومع مرور الوقت، اندمجت تطلعاتهم الفردية في فرقة تضم الغناء والعزف على الآلات الموسيقية والطبل من دون إغفال الرقص الفلسطيني التقليدي (الدبكة).
لم ينف كل من حمادة نصر الله، ورهف شمالي، وسعيد فضل، في حوارية إلكترونية، نظمها أخيرًا مشروع "مِشكال"، أنهم في البدايات كانوا يعانون من نقص الوعي الأولي فيما يتعلق بتكوين الفرق والإنتاج الموسيقي، خاصة في بيئة لم تُعطِ الأولوية للمساعي الفنية والثقافية.
ولفت ثلاثتهم، في الحوارية التي أدارتها الفنانة الأدائية جمانة دعيبس، إلى أن نشأتهم وسط الانتفاضتين الأولى والثانية والصراعات الداخلية والحروب، شكلت تحديات كبيرة لاستمراريتهم الفنية، ومع ذلك، فقد دعمهم شغفهم المشترك بالموسيقى وروح الصداقة، مؤكدين أن الفنانين نتاج بيئتهم، ويعبرون عن تجاربهم من خلال فنهم، وأن الكلمات والألحان هي أدواتهم الأساسية.

على شاطئ غزّة قبل الحرب

وكان تحقيق مستوى نجاحهم الحالي، بما في ذلك المشاركة في المهرجانات الدولية، إنجازًا هائلًا، لا سيما بالنظر إلى التقدير المحدود للفرق الموسيقية من غزة.
رهف شمالي، المغنية الرئيسية لفرقة "صول"، سلّطت الضوء على التحديات الفريدة التي تواجهها المغنية في غزة، بحيث روت تجاربها المبكرة مع مركز القطان للطفل في مدينة غزة، حيث غنت في البداية ضمن جوقة، طامحةً إلى الانضمام إلى فرقة مثل "صول".
قادتها رحلتها إلى الانضمام إلى "صول" عام 2018، إلا أن وجودها كمغنية إلى جانب أعضاء الفرقة الذكور في غزة قوبل بمقاومة مجتمعية، إذ كان مشهدًا غير مألوف.
على الرغم من ذلك، دفعها إيمانها الراسخ بالغناء والتعبير عن الرأي، إلى المضي قدمًا، بحيث تضمن أول مشروع رئيسي لها مع الفرقة، وكان بعنوان "وصلة"، إعادة إنتاج ثلاثين أغنية فلسطينية بأسلوب "صول" الفريد، وقد لاقى رواجًا كبيرًا في فلسطين والعالم العربي. ومع ذلك، عزز المشروع أيضًا الجدل الدائر حول دور رهف وعروض الفرقة العامة في جميع أنحاء غزة.
ويمكن التعاطي مع تجربة شمالي في إطار "الجندر والأعراف المجتمعية في الممارسة الفنية"، بحيث تُلقي رحلة رهف كمغنية في غزة الضوء على التحديات الخاصة والمقاومة المجتمعية التي تواجهها النساء اللاتي يسلكن مسارات فنية في بيئات محافظة، بينما يُبرز تصميمها على الأداء والتعبير عن نفسها، رغم هذه العقبات، الشجاعة والمرونة اللازمتين لكسر الأعراف التقليدية. ما يكشف كيف يُمكن للفنانين الأفراد أن يصبحوا عوامل تغيير مجتمعي، عبر ما يقدمونه من إبداع.
وأكد أعضاء الفرقة على التأثير العميق لبيئتهم الصعبة على مسيرتهم الإبداعية، كما وصفوا كيف أصبح فنهم وسيلة للتعبير عن واقعهم ونضالاتهم وعزيمتهم الراسخة.
وتحدث سعيد فضل، عازف الإيقاع في الفرقة، عن واقعها الحالي، بعد أن أمضت عامًا خارج غزة، وعاشت عامًا في خضمها، مؤكدًا أن موسيقاهم لا تتعلق فقط بالألحان، بل بالقصص المرافقة التي شكلتها وقائع الحرب والدمار والنزوح القاسية.
وأعرب أعضاء الفرقة عن الصعوبة الهائلة في تأليف الموسيقى في ظل حرب الإبادة، حيث غالبًا ما تكون الأولوية للبقاء على قيد الحياة. وعلى الرغم من التهديد المستمر والثمن العاطفي، فإن التزامهم بفنهم وحلمهم المشترك لا يزال راسخًا، رغم إقرارهم بالطبيعة المريرة والحلوة في آن، لجهة تحقيق أحلامهم التي طال انتظارها، مثل الأداء على مسارح دولية كبيرة، بينما يتحمل وطنهم معاناة هائلة، بحيث تطغى الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة على فرحة هذه الإنجازات.
تناول النقاش أيضًا الأعباء العملية والنفسية التي يواجهها الفنانون من غزة، وأوضح أعضاء الفرقة كيف أصبحت الموسيقى مهنتهم الأساسية لإعالة أسرهم في غزة.

في أحد شوارع غزة قبل الحرب الإبادية

هذا الاعتماد المالي، إلى جانب الحاجة المستمرة لتكييف أعمالهم مع المناخ السياسي الحساس، يُضيف ضغطًا هائلًا، معربين عن إحباطهم من نظرة الجمهور إليهم اليوم، فغالبًا ما يتعاطون معهم من منظور هويتهم الفلسطينية الغزية عوضًا عن كفاءتهم الفنية، هم الذين لا يزالون يتوقون إلى التقدير بناءً على جودة موسيقاهم وابتكارها، وليس بدافع الشفقة أو التضامن السياسي.
ركز جزء كبير من الحديث على تجاربهم خلال حرب الإبادة في غزة، حيث وصفوا رحلة النزوح المروعة، والتنقل من الشمال إلى الجنوب ذهابًا وإيابًا، ليستقروا في النهاية في مخيم استُحدث في رفح.
في هذا "الملجأ"، حسب حمادة نصر الله، تشكل مجتمع من 14-15 فنانًا، ما أوجد مساحة للموسيقى والتعبير الفني وسط الفوضى.
تحويل الفرقة لملجأ في رفح إلى مركز فني نابض بالحياة خلال النزاع، يُعدّ دليلًا على الإبداع الإنساني والمرونة المجتمعية. فمن خلال تنظيم الأنشطة الموسيقية وإشراك الأطفال، لم يقتصروا على توفير العزاء فحسب، بل خلقوا أيضًا ما يشبه الحياة الطبيعية والهدف في بيئة فوضوية، وهذا يُظهر كيف يُمكن للفن أن يكون أداة فعّالة لتعزيز التماسك المجتمعي، والحفاظ على الصحة النفسية، والحفاظ على الممارسات الثقافية حتى في أحلك الظروف.
روى ثلاثتهم كيف أصبح غيتار واحد، فاقد لوتر من أوتاره، رمزًا لصمودهم، يُستخدم لتأليف أغانٍ جديدة وترفيه الأطفال، وكيف وفر هذا المسعى الفني الجماعي آلية تكيّف حيوية، سمحت لهم بتجاوز خوف الموت وإيجاد لحظات من الفرح والهدف، عبر تنظيم أنشطة للأطفال، حيث علموهم الأغاني والعزف على بعض الآلات الموسيقية، وحولوا "المخيم" إلى مركز إبداعي نابض بالحياة، بحيث هدفت هذه المبادرات، التي غالبًا ما كانت تُنفذ بمخاطر شخصية كبيرة، إلى جلب ما يشبه الحياة الطبيعية والأمل إلى مجتمعهم.
كما سلّط أعضاء الفرقة الضوء على المعاناة النفسية لتجاربهم، لا سيما كفاحهم المستمر للموازنة بين طموحاتهم الفنية والواقع القاسي الذي تواجهه عائلاتهم في غزة، وتحدثوا عن الضغوط التي كانوا يواجهونها، خلال تواجدهم في حرب الإبادة داخل القطاع، لإنتاج موسيقى تبعث الأمل، مع تلبية الاحتياجات العاجلة لأحبائهم، كتأمين الضروريات الأساسية كالدقيق.
وأعرب أعضاء الفرقة الثلاثة، وهم جزء من كل، عن صعوبة الحفاظ على صورة عامة إيجابية في ظلّ معاناة عميقة من الحزن والقلق، فيما أضاف التدقيق المستمر من الجمهور الخارجي، الذي غالبًا ما يعجز عن إدراك تعقيدات وضعهم، عبئًا إضافيًا، مؤكدين على أهمية الأصالة في فنهم، حتى لو تطلب ذلك مواجهة حقائق مؤلمة.
واختُتم النقاش بنصيحة قدمها أعضاء "صول" للموسيقيين الفلسطينيين الآخرين الذين يواجهون تحديات مماثلة، حيث أكد كل منهم على أهمية مواصلة إنتاج ونشر المحتوى الفلسطيني بجميع أشكاله، مع التركيز على العرض المدروس والاعتبارات الأخلاقية، كما أشادوا بتنوع مناهج الفنانين، من أولئك الذين يُعطون الأولوية للنجاح التجاري إلى أولئك الذين يظلون ملتزمين بالنزاهة الفنية والتأثير الاجتماعي، لكنهم جميعًا، وفي نهاية المطاف، يؤمنون بأن الرسالة الواضحة والداعمة، بغض النظر عن شكلها الفني، يمكن أن تلقى صدى عميقًا لدى الجماهير، وخاصةً في غزة التي تعاني من مصاعب جمة، كما أعربوا عن أملهم في مستقبل يُمكّن الفنانين الفلسطينيين من التعبير عن أنفسهم بحرية، مُبرزين جمال غزة وصمودها بعيدًا عن شبح الصراع.
ويمكن القول إن فرقة "صول"، التي نشأت في غزة، تستخدم الموسيقى كأداة قوية للتعبير والمرونة في خضم الصراع والنزوح، حيث تظهر التزامها الثابت بالفن على الرغم من التحديات الهائلة، فيما تسلط رحلتها الضوء على التأثير العميق لبيئتهم على حياتهم الفنية، والتنقل بين التوقعات المجتمعية، والاضطرابات السياسية، وتعقيدات كونهم فنانين من غزة.
ورغم كل ذلك يتعامل أعضاء الفرقة مع الواقع المرير المتمثل في تحقيق الاعتراف الدولي رغم معاناة أقاربهم وأصدقائهم والبلاد كلها في فلسطين عامة، وقطاع غزة على وجه الخصوص، ما يسلط الضوء على العبء العاطفي المتمثل في موازنة الأحلام الفنية مع الأزمة الإنسانية المستمرة.

صول في حفلٍ بإقليم الباسك في إسبانيا

تُبرز قصة فرقة "صول" بوضوح كيف يُمثل الفن، وخاصةً الموسيقى، آليةً لا غنى عنها للصمود والتعبير عن الذات وبناء المجتمع في مواجهة المحن الشديدة، فالتزامهم بإبداع الموسيقى في خضم الحرب والنزوح والضغوط المجتمعية يُبرز الحاجة الإنسانية الأصيلة إلى منافذ إبداعية، ليس فقط كشكل من أشكال الترفيه، بل كوسيلة حيوية لمعالجة الصدمات النفسية، والحفاظ على الهوية، وتعزيز الأمل. وهذا يُبرز الوظائف النفسية والاجتماعية العميقة للفن في مناطق النزاع، حيث يُصبح شريان حياة للأفراد والمجتمعات.
وتُظهِر تجارب الفرقة بوضوح كيفية تُشكّل البيئة الاجتماعية والسياسية هوية الفنان، وعمليته الإبداعية، وسرده الفني، فنشأتهم في ظل الصراع والانتفاضات والحروب في غزة أكسبت موسيقاهم عمقًا وإلحاحًا فريدين، ما جعل فنهم انعكاسًا مباشرًا لواقعهم المعاش، في حين تُؤكد هذه الرؤية على أن الفن لا يُخلق في الفراغ، بل هو متشابك بعمق مع سياق الفنان، ليُشكّل سجلًا تاريخيًا وعاطفيًا لزمانه ومكانه.
وتُبرز تجربة "صول" المستمرة والاستثنائية، ذلك المشهد العاطفي المعقد للفنانين من جغرافيا محاصرة، وتتعرض لإبادة غير مسبوقة، فأعضاؤها هم من يحملون غالبًا عبء صراعات مجتمعاتهم حتى وهم يسعون لتحقيق أحلامهم الفردية. 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.