}

طريق الحرير الجديد: الاتجاه شرقاً لكسر هيمنة الغرب ثقافياً

صدام الزيدي صدام الزيدي 10 نوفمبر 2019
حوارات طريق الحرير الجديد: الاتجاه شرقاً لكسر هيمنة الغرب ثقافياً
""الدبلوماسية الثقافية" أصبحت إحدى منصات فرض النفوذ والهيمنة الناعمة"
يعتقد الباحث والأكاديمي المصري حاتم الجوهري أن لحركة الربيع العربي ولصعود ما أسماه بـ"النموذج الصيني" الأثر الأبرز في إنتاج نموذج ثقافي على امتداد ما بات يعرف بطريق الحرير الجديد (المشروع الذي أطلقته الصين في العام 2013)، سيكون بديلا للنموذج الغربي (الأوروبي/ الأميركي) وسيحدّ من هيمنته.

ويرجِع الجوهري (وهو أكاديمي وباحث متخصص في إدارة التراث الثقافي اللامادي) حالة القداسة التي اتخذها النموذج الثقافي الغربي إلى عاملين: "الأول، دعاية الماركسيين العرب للأدب الروسي وبعض النماذج المسيسة من أميركا اللاتينية. أما الثاني، فيرجع للوجوديين والليبراليين العرب المأخوذين بالحداثة وما بعدها ودعايتهم للأدب الفرنسي والإنكليزي والإيطالي"؛ في حين لم تأخذ النماذج الشرقية حقها "لأن القرن الماضي كان قرن الأيديولوجيا والمركزية الأوروبية بامتياز".
ومؤخراً أطلق المشرف على المركز العلمي للترجمة بالهيئة المصرية للكتاب حاتم الجوهري "مبادرة لتبادل المزيج الثقافي بين دول طريق الحرير الجديد"؛ بين مصر وعدة بلدان عربية من جهة، والصين والبلدان الواقعة على امتداد طريق الحرير الجديد من جهة أخرى. وقدمت المبادرة ضمن ندوة ثقافية نظمتها السفارة الصينية بمصر، في المركز الثقافي الصيني بالجيزة يوم 19 سبتمبر/ أيلول 2019.
وانعقدت الندوة في محاولة لتقييم المنجز الثقافي واستشراف مساراته المستقبلية على ضفاف طريق الحرير الجديد، حيث أرسلت الصين وفدا ثقافيا إلى مصر يترأسه السيد تشين فونج، نائب رئيس الأكاديمية المركزية الصينية للإدارة الثقافية التي مقرها بالعاصمة الصينية بكين، بينما وُجِّهت الدعوة لنحو 15 باحثا وأكاديميا مصريا ممن زاروا أكاديمية الإدارة الثقافية الصينية.
في هذا الحوار مع "ضفة ثالثة" يتحدث حاتم الجوهري حول مبادرته التي تتلخص في فكرة "دبلوماسية تبادل المزيج الثقافي" لإحياء مركز بديل عن مركز الثقافة الغربي. ويشار إلى أن الجوهري كان مثّل وزارة الثقافة المصرية في المنتدى الدولي للحفاظ على التراث الثقافي اللامادي الذي أقيم بالصين عام 2017. هنا نص الحوار:

 

هيمنة النموذج الغربي
(*) برأيك، لم كل هذا الاستسلام لما يأتي من الغرب والتفاعل معه؟ 
- أعتقد أن النموذج الغربي اتخذ حالة القداسة بفعل عاملين، الأول هو دعاية الماركسيين العرب للأدب الروسي وبعض النماذج المسيسة من أميركا اللاتينية، والعامل الثاني يرجع للوجوديين والليبراليين العرب المأخوذين بالحداثة وما بعدها ودعايتهم للأدب الفرنسي والإنكليزي والإيطالي. في حين لم تأخذ النماذج الشرقية حقها لأن القرن الماضي كان قرن الأيديولوجيا والمركزية الأوروبية بامتياز، وأعتقد أن حركة الربيع العربي وصعود النموذج الصيني سيكون لهما الأثر الأبرز في إنتاج نموذج بديل، الصين بتطورها التقني والنخب العربية الجادة الجديدة بمشروعها الحضاري غير المستلب لمركزية المسألة الأوروبية يمينا ويسارا.
الترجمة المتبادلة على ضفاف مشروع طريق الحرير الجديد تمثل ركيزة للتعارف والانطلاق للمستقبل، وكذلك تطوير خطاب جديد لمشروع ثقافي يقوم على "تبادل المزيج الثقافي" لدول الطريق، والعمل المشترك لمنح طريق الحرير الجديد شكله الحضاري الذي لم يستقر بعد.


صورة نمطية
(*) في تقديرك، ما هي سلبيات (القطيعة مع الشرق) والارتهان للنموذج الغربي (ثقافيا)؟
- تنمّطت صورة المثقف العربي التقليدي وفق النموذج الغربي، إما ماركسي عصبي لا يعرف كيفية تطبيق أطروحاته على الحالة العربية فيكفر بها، والصورة الثانية هي المثقف الوجودي المتعالي على الجماعة العربية منذ البداية والثقافة عنده فعل شخصي منفصل عن المجتمع، وكذلك كان النموذج المضاد أيضا رد فعل للمسألة الأوروبية ولم ينج منها، وأقصد المثقف العربي الأصولي الذي خطابه يقوم على رفض المسألة الأوروبية أكثر من تقديم البديل والنموذج العربي.. والظرفية التاريخية تؤهل لتجاوز المسألة الأوروبية حتى بتقديم مشروع فكري يطبق بعدما تعجز البدائل التاريخية أمام الناس.
سلبيات الارتهان تتبدى في المنح والمواضيع المطروحة للتمويل والدعم في مجال الأدب والفنون والكتابة العلمية والمشاريع الثقافية في العموم، معظمها يقوم على فكرة الواقعية والتخلي عن النموذج والمثال والواجب وتبرير ذلك عبر شعارات التمرد والضعف الإنساني، وتصدير هذا النموذج ومنحه السيادة على نموذج البحث عن الذات التاريخية وسحب الواقع إليها.


الغرب ونجيب محفوظ
(*) ما هو النموذج الدال على ما تقوله هنا؟ وإذا كان ثمة جوائز عالمية منها نوبل وغيرها، جميعها مركزها الغرب.. ما الذي يمنع ان تنشأ جوائز بنفس الحجم والصدى منبعها الشرق؟
- دعني أضرب لك أبرز نموذج ومثال هنا بنجيب محفوظ الحاصل على نوبل، أبرز الغرب مشروعه المتأخر حينما وقع في حبال الواقعية والوصف وتبرير سلوك شخصيات الواقع المأزوم في الحارة المصرية، لكن الغرب لم يقترب من مشروع نجيب الأقدم حينما كتب الرواية في أجواء فرعونية تاريخية تبحث عن الذات المصرية القديمة وتحاول استنهاض الواقع من خلالها، هنا خطورة الارتهان وصنع النمط الثقافي والأدبي السائد وفق النموذج الأوروبي.
معظم النخب التي تسيطر على المؤسسات الثقافية العربية الآن مستلبة للغرب الماركسي أو الوجودي أو الليبرالي، والجوائز الكبرى التي ظهرت أخيرا في الخليج ليست سوى صدى لهذا التوجه وقلّما تفلت جائزة منهم تكسر هذا التوجه، والأمل هو في محاولة تطوير مشاريع جديدة مثل مشروع طريق الحرير الجديد في بعده الثقافي، وقدرته على إنتاج قيم ثقافية جديدة تنشأ من أجلها جوائز جديدة.. لا بد أولا من تطور الفكرة البديلة نظريا ثم ندعو بعدها للترويج من خلال الجوائز التي تدعمها.

 الجوهري: الثقافة هي ما يمكن أن تضفي على طريق الحرير الجديد روحه الحضارية المشتركة والآملة


















(*) في ظل الثورة التكنولوجية التي نعيشها اليوم، ما هي إمكانيات التسريع بنشوء مركز ثقافي على امتداد طريق الحرير الجديد؟
- أعتقد أن مبادرتي التي طرحتها على الجانب الصيني مؤخرا في لقاء بالمركز الثقافي الصيني بالقاهرة تأتي في هذا السياق، وتقوم على فكرة تبادل المزيج الثقافي الخاص بكل الدول على طول طريق الحرير، لبناء حالة مشتركة جديدة تقوم على التنوع والتجاور وتعدد المراكز، مثلا فن الخط وصناعة الورق التراثي، إذ يمكن هنا ممارسة الخط الصيني على ورق البردي المصري القديم، وممارسة الخط العربي والمصري القديم على الورق الصيني التقليدي المصنوع من البامبو. وأيضا يمكن عمل مهرجانات للطهي تبرز طرق كل جانب في التعامل مع المواد الأساسية مثل الألبان والمنتجات المرتبطة بها أو اللحوم أو الأسماك أو اللحوم، كما يمكن عمل تابلوهات تمثيلية مشتركة لفكرة طقوس الحصاد والأغاني المرتبطة بها.. الهدف هو الترويج لنموذج ثقافي بعاداته وتقاليده يقوم على المشترك المتعدد المتجاور، لا فكرة النموذج الواحد كما فعل الغرب في العولمة الثقافية والأدبية والاجتماعية وقبلها في طوره الاستعماري.


أدب العودة إلى الذات
(*) على مستوى الأدب والمعرفة والفن ما الذي يمكن أن تقدمه المبادرة لدول الطريق وللعالم أجمع؟
- أدب العودة للذات وتجاوز المسألة الأوروبية أو ما بعد المسألة الأوروبية، أدب التوحد مع اللحظات المفصلية لكل حاضنة إنسانية موجودة على طريق الحرير، أدب التعبير عما هو آني ولصيق بكل الذوات الإنسانية المشاركة في طريق الحرير... دعني أخبرك سرا بأن الصين لم تستقر بعد على الشكل النهائي للصيغة الحضارية لمشروع الطريق، وبالحوار الجاد المنفتح والتعاون المشترك الصادق يمكن لنا منح المشروع شكله الحضاري النهائي، ونقدم شكلا محترما للتدافع الحضاري بحالة التعاون والتشارك الجميل بعيدا عن الصدام، عبر التنافس بحثا عن الأجمل لصالح البشرية عموما وفرز أفضل عناصرها في كل مكان.


(*) ما هو تقييمك لحركة الترجمة لثقافات وآداب وفنون منطقة امتداد طريق الحرير الجديد؟
- الصين تدفع في هذا الاتجاه لكنها كما أخبرتك في حاجة لتطور وجهات نظر أخرى تشاركها البحث عن الطريق والسعي لتطويره، وهناك عدة أفكار طورتها الهيئة المصرية العامة للكتاب في هذا الصدد بالتعاون مع الصين، وهى تبادل الكتب وحقوق ترجمتها مثلا، وهناك المزيد من الأفكار، وأرى أن الشكل النهائي لطريق الحرير الجديد وبعده الثقافي سيعتمد على اجتهاد الدول المشاركة فيه، الصين وحدها كطبع البشر إن لم تجد الشريك الواعي ستكون العلاقة في اتجاه واحد، لكن دورنا هو العمل المشترك لتكون المبادرة في الاتجاهين، وأن ينطلق ذلك التوجه ليشمل ما هو اقتصادي وسياسي أيضا على امتداد طريق الحرير.


(*) أنت واحد ممن زاروا الصين، كباحث عربي مهتم بالتراث الثقافي. حدثنا عن هذه الزيارة؟
 
- في زيارتي للصين شاركت ممثلا عن وزارة الثقافة المصرية في المنتدى الدولي للحفاظ على التراث الثقافي اللامادي وفقا لاتفاقية اليونسكو لعام 2005. كنا نقيم في العاصمة بكين حيث زرنا المدينة المحرمة وسور الصين العظيم وعدة متاحف ومراكز مخصصة للتراث وعرضه وسبل الحفاظ عليه، وحضرنا عدة سمينارات للتعرف على التجربة الصينية في ذلك، كما زرنا منغوليا الداخلية وحضرنا هناك عرضا ملحميا للحصان المنغولي الشهير، وزرنا آثار العصر المغولي هناك، وتعرفنا على العديد من الأكلات الشعبية للمنطقة ورقصاتها وعاداتها الشعبية أيضا، وهذه الزيارة كانت فاتحة مهمة لأفكار حول "تبادل المزيج الثقافي بين دول طريق الحرير الجديد".

****

 من مبادرة الجوهري "تبادل المزيج الثقافي لدول طريق الحرير الجديد":
"الثقافة هي ما يمكن أن تضفي على طريق الحرير الجديد روحه الحضارية المشتركة والآملة، خاصة في مواجهة التوظيف سيء السمعة للثقافة في المشروع الغربي خلال القرن العشرين، حيث تقف الثقافة في طريق الحرير الجديد بين مصر والصين وباقي دول الطريق أقرب لمفهوم دبلوماسية "تبادل المزيج الثقافي" عن فكرة الاحتواء والغزو الثقافي والتي مارستها المدرسة الغربية، وأعتقد أن هذا المفهوم الأوروبي يجب تجاوزه والمبادرة منا برؤية حضارية جديدة لا تتبنى الهيمنة، وتحترم المساحات الخاصة بكل الثقافات البشرية، وتقبل تجاورها كسمة طبيعية لمجموعة الدول المشاركة في مشروع طريق الحرير، وفي إطار التفاعل والتعارف والبحث عن المشترك قدر الإمكان، لا فرض النمط وهيمنته، وهذا لب تصوري لمفهوم جديد لـ"دبلوماسية ثقافية" تحتضنه مبادرة طريق الحرير في جانبها الثقافي وتروج له وتتبناه تحت مسمى: "دبلوماسية تبادل المزيج الثقافي".
فقد اعتبرت العديد من الدول الغربية مفهوم "الدبلوماسية الثقافية" إحدى منصات فرض النفوذ والهيمنة الناعمة، في حين حاولت اليونسكو كمنظمة أقرب للاستقلالية تقديم مفهومها الخاص عن "الثقافة العالمية" في تصور مضاد له، مخصصة الموارد لكيفية حفاظ كل دولة على تراثها الثقافي اللامادي أو ما يمكن أن نسميه "المزيج الثقافي" المتفرد لكل دولة وفق "مستودع هويتها" الخاص، حيث أن لكل دولة مزيجها وظروفها الخاصة التي تمنحها هويتها الثقافية المتفردة".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.