}

مرتضى الجصاني: الخط العربي روح الثقافة العربيّة

عماد الدين موسى عماد الدين موسى 14 مارس 2020
حوارات مرتضى الجصاني: الخط العربي روح الثقافة العربيّة
الجصاني: الخط العربي يمتلك ديناميكية عالية وطواعية في التعبير
الخطاط العراقي مرتضى الجصاني (مواليد 1988) من الأسماء الفنّية الموهوبة في مجال الخط العربي، حيثُ اختيرت أعماله كأغلفة للصحف، وكذلك كنماذج تدريسية في أطروحات الدراسات العليا. وصدرت عن أعماله دراسات بحثية حول تجربته الفنية، وكثير من المقالات النقدية التي تناولت تجربته في تجديد الحرف، وتطوير فن الخط.
عمل الجصاني على إخراج الحرف من الكلاسيكية الى الحداثوية، مع الحفاظ على أصالة الحرف العربي. وهو عضو في كل من المركز الثقافي للخط العربي والزخرفة، وجمعية الخطاطين العراقيين.
شارك في العديد من المعارض الجماعية، فيما أقام معرضه الشخصي الأول (حبر متمرد) 2017 في قاعة الفنون التشكيلية في بغداد.
تأثر بالخطاط الكبير المرحوم، محمد سعيد الصگار، حيثُ عمل على تطوير الخط البصري الذي ابتكره الصگار، لينتج "الخط البصري المطور".
هنا حوار معه:




الخط العربي مقدمة الفنون
(*) من يطلع على أعمالك يجد فيها ذلك المزج الهادئ والحميم بين النمط الكلاسيكي للخط العربي، وشيء من تقنيات وجماليّات الفن التشكيلي. أي علاقة، في رأيك، تجمع ما بينهما؟
ـ لا شك أن الخط العربي هو أحد العناصر التشكيلية المهمة، كونها تملك ديناميكية عالية، وطواعية في التعبير، مما يؤهله لأن يكون أحد الطرق للتعبير الفني، خصوصاً أنه يختزل كثيراً من المعاني التي قد تعجز في التعبير عنها أصناف الفنون الأخرى، فالعلاقة بين التشكيل والخط علاقة متداخلة ومترابطة من حيث المضمون والتعبير، فإضافة لمسات لونية بطريقة معينة، وأحياناً لا تخلو من انفعالية، ربما هو انعتاق من قيد الحرف المنضبط بأصول لا يمكن الحياد عنها إلا بطريقة متمرسة ومحترفة. من جهة أخرى، هذا المزج المنسجم يعطي ارتياحاً بصرياً متجانساً، بحيث لا يشعر المتلقي بالنشاز بين كلاسيكية الحروف وحداثة التكوين.

(*) هل ثمة أثر جلي للخطاط الراحل محمد سعيد الصكار في أعمالك؟
ـ لا شك أن الخطاط والشاعر والمصمم، الأستاذ الصكار، يعد أحد أهم شيوخ الخط العربي. ذلك أن الصكار مجدد من نوع آخر، وهو مؤسس له مدرسته الفنية الخاصة التي لم تكن تشبه غيرها منذ ولادتها في نهاية الخمسينيات من القرن العشرين. يضاف إلى هذا كله أن الصكار يملك ثقافة عالية، بل هو أحد رموز الثقافة في الستينيات، شاعراً وصحافياً وخطاطاً. من هنا، تأتي قيمة الصكار بأنه يجمع من الصفات ما لا يستطيع أحد غيره أن يجمعها حتى الآن. لذلك تأثرت به إلى حد بعيد، كما تأثرت بغيره من الخطاطين، لكن تأثري بالصكار كان على مستوى عال من القراءة المعمقة والروحانية التي تلف طقوسه في الورق والحبر والقصب، التأثر ليس بمعنى التقليد، بل التأمل والتحرر والإنتاج المختلف بعد خزن الأصول الخطية في اللاوعي عن طريقة التمرين الدقيق والمستمر.

(*) من المعروف أن فن الخط العربي يمثل هوية الثقافة العربية، ويعكس ملامح خصوصيتها. في رأيك، بماذا يمكن أن يخدم هذا الفن مضمون ورؤى الثقافة العربية في الساحات العالمية؟
ـ لا غلو إن قلنا إن الخط العربي هو روح الثقافة العربية، لأن كل ما وصل إلينا من مخطوطات وكتب أدبية وشعر، وغيرها، كان عن طريق التدوين والخط، خصوصاً إذا عرفنا أن فترة ازدهار الخط كانت في عصر الدولة العباسية على يد الخطاط الوزير ابن مقلة.

الآن، في وقتنا الحاضر، الخط العربي عليه مسؤولية كبيرة، وهنا لا نقول بنشر الثقافة عن طريق التدوين المباشر، كما كان في السابق، وبالتأكيد هذا غير ممكن في الأساس، ولكن مضمون ورؤى الثقافة العربية المراد نشرها، وتعريف الآخرين بها، تكون عن طريق أعمال مختلفة نابعة من أصل الهوية العربية تلامس وتوازي الفنون العالمية الأخرى. عندئذ، في إمكان الخط العربي نقل الهوية الثقافية العربية بما يليق بتاريخ الحضارة العربية ومخزونها المعرفي.

 "عندما أبكي بجوار زهرة تنمو بوتيرة أسرع" لإميل سيوران، بريشة مرتضى الجصاني


















(*) لعل الجانب المهم في هذا الفن على جدل مع اللغة؛ فكما أنه يضيف إليها، فإنها تضيف إليه. ولكن السؤال: هل القيمة البصرية في أعمالك تمثل مضمون النص، أم أنها تحاول أن تضيف إليه جمالياتها، ورؤيتها الخاصة؟
ـ بالتأكيد، اللغة تلد الخط، وأحياناً يخلق الخط شكلاً فقط، لكنه يتماهى مع اللغة شكلاً وإيحاءً. وبالتالي، فإن أحدهما يضيف إلى الآخر. أما بالنسبة لأعمالي، فدائماً ما أحاول الاختزال، اختزال الشكل والمضمون، والتركيز عليه. وبالتالي، هذه عملية صعبة، لأنني أبتعد عن كتابة النص بصورة مباشرة، كي لا أقع في تسطيح الخط، وأيضاً أتحاشى أن أكون حروفياً على طريقة تكرار الحروف. لذلك، فاللوحة الإبداعية عندي فيها تحدٍّ لنفسي في إنجاز عمل يمتلك هذه الصفات الصارمة. وفي النتيجة، تكون إضافة كبيرة من الخط للغة، إضافة جمالية وبصرّية، وأيضاً سيميائية، فالخط قادر على هذه الإضافات، وإغناء اللغة بجماليات تكمن في التفاصيل الدقيقة.

 

(*) تعمل حالياً، كما علمنا، مع الشاعر اللبناني، بلال المصري، على مشروع مشترك يجمع بين الشعر، وفن الخط العربي. ما الجديد الذي تريد أن تقوله، ومن أين انطلقت هذه الفكرة؟
ـ نعم، هو مشروع مشترك مع الصديق الشاعر، بلال المصري.

الفكرة قديمة عندي، منذ زمن، وعملت عليها، لكن ليس بطريقة مهنية عميقة واحترافية، إلى أن فاتحني الصديق بلال المصري بإعجابه بأعمالي الفنية، فطرحت عليه الفكرة، وأثارت إعجابه بشكل كبير، فأشتغلنا على نصوص من قصائده، واخترت النصوص التي تملك جاذبية ودهشة، بحيث تشعر أنها تتكلم. ما أريد قوله من خلال هذا العمل المشترك هو أن الخط والشعر والفنون الأخرى هي حالة واحدة تسمو بالإنسان إلى حالات روحانية وتأملية، إضافة إلى التعريف بالمخزون المعرفي والفني العربي، والانطلاق به نحو أفق عالمي إنساني.

الجصاني: مشروعي الحالي هو جزء من خطوات طويلة في مجال تجديد الخط وتطويره


















 بعد دخول الإنترنت
(*) كيف تنظر إلى واقع الخط العربي، في ظلّ الإنترنت، وانتشار برامج التصميم الإلكترونية؟
ـ لا شك أن الخط العربي كان يقوم بهذه الوظيفة سابقاً، حيث الهدف الأساسي له هو كتابة الدواوين السلطانية، والأوامر الإدارية، وغيرها. وإلى وقت ليس بالبعيد، كان موجوداً في المطابع، قبل أن ينحسر عمل الخط الوظيفي، والتجاري الإعلاني. لكن بعد دخول الإنترنت في عالم التصميم والطباعة، أصبح الخط يتخذ شكلاً فنياً صرفاً، بحيث أصبح في مصاف الفنون الأخرى، من حيث التقييم والرؤية والمعارض الفنية، وغيرها. وفي اعتقادي، هذا زاد من فنية الخط، وأعطاه بعداً جمالياً أكبر، على الرغم من تأثيره على انتشاره تجارياً، وإعلانياً، لكن بالتأكيد لا يهدد الخط العربي، بل يجعله موضعاً للبحث والتنظير والنقد.

(*)  كيف تنظر إلى مسيرتك حتى اليوم؟
ـ مشروعي الحالي هو جزء من خطوات طويلة في مجال تجديد الخط وتطويره.

وهذا الطريق لم يكن سهلاً أبداً، بل هو نتيجة عمل وتفكير كبيرين على تاريخ الخط، وعلى أصناف الفنون والأدب، للخروج من قوقعة الخط، لأنه يملك كافة المقومات الفنية التي تؤهله لأن يكون في مقدمة الفنون.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.