}

معاوية عبد المجيد: ترجمة كل كتاب لها طقسها الخاص

أوس يعقوب 23 مارس 2020
حوارات معاوية عبد المجيد: ترجمة كل كتاب لها طقسها الخاص
معاوية عبد المجيد وآخر ترجماته رواية أُمبَرْتو إيكو الأخيرة

نستضيف في هذا الحوار المترجم السوري معاوية عبد المجيد، المقيم حالياً في فرنسا، وهو من مواليد دمشق 1985. درس الأدب الإيطالي في جامعة سيينا الإيطالية، وفي قسم الترجمة الأدبية في جامعة بولونيا، ثم اتّجه إلى الترجمة من الإيطالية إلى لغة الضاد.
نال في عام 2018 جائزة "جيراردو دا كريمونا الدولية" لترويج الترجمة في حوض المتوسط، في دورتها الرابعة، عن (فئة المترجمين في جنوب المتوسط)، وجائزة "الشيخ حمد للتّرجمة والتّفاهم الدّولي" (فئة الجائزة التّشجيعيّة للتّرجمة).
وخلال سنوات قليلة ترجم أعمالاً بارزة من الأدب الايطالي، منها: رباعية «صديقتي المذهلة» للكاتبة إيلينا فيرانتي (اسم مستعار)، ورباعية «الكتب المنسية» لكارلوس زافون، و«لا تقولي إنك خائفة» لجوزِبِّه كاتوتسيلا، و«بيريرا يدّعي» لأنطونيو تابوكي، و«كلهم على حق» لبابلو سيرانتينو، و«ابنة البابا» لداريو فو، و«اليوم ما قبل السعادة» لإنريكو دي لوكا، و«1900 – مونولوج عازف البيانو في المحيط» لألِساندرو باريكو، وآخر ترجماته رواية أُمبَرْتو إيكو الأخيرة «الشعلة الخفية للملكة لوانا»، كتب بعدها "مقبرة براغ"،"والعدد صفر". لكنها الأخيرة من حيث نقلها إلى العربية. .
هنا نصّ الحوار:

 معاوية عبد المجيد (يسار) يتسلم جائزة جيراردو دا كريمونا الدولية لترويج الترجمة في حوض المتوسط 

















(*) ما هي آخر الترجمات التي أنجزتها ونشرت؟
آخر الترجمات التي صدرت هي رواية لأُمبَرْتو إيكو بعنوان «الشعلة الخفية للملكة لوانا»، عن "دار الكتاب الجديد المتحدة" في بيروت. تأخر إصدارها كثيراً لأنّ العمل عليها كان بمثابة العمل على خمس كتب دفعة واحدة. فأُمبَرْتو إيكو في هذا الكتاب يقدّم موسوعة متشظية وسيرة أشبه بالذاتية، يتحدث فيها عن ثقافة العنف وكيف تتشكل وكيف تستمد ركائزها من الدين والتاريخ والأدب، لتتفشى عن طريق التربية.

ويتناول جوانب متعلقة بالفاشية فيرصد كيف تنشأ وتتوالد وتتضخم وكيف تنهار، وذلك كله من مجهر الناقد الأدبي الذي اعتاد إيكو أن يستخدمه في مجال النقد والسيمياء، أما هنا فيجمله بشكل روائي فريد من نوعه. فالراوي لا يعلم شيئاً، بل لقد فقد ذاكرته، فهو يسعى إلى إعادة تشكيل ذاته وهويته وكينونته، ويطلب منا أن نرافقه في هذه الرحلة.
الرواية صعبة جداً، وقد أضفت إليها شروحات أخذت وقتاً طويلاً في التقصي والتحقق. كما أنها تحتوي على صور ورسوم ملونة، ما جعلنا نستغرق وقتاً طويلاً في العمل على فهرستها بنسختها العربية.

(*) ما هي معايير اختيارك للعمل الأدبي لترجمته؟ هل هي أسباب أدبية بحتة؟ وهل مارست رقابة ذاتية عند اختيارك لكتاب ما عملت على ترجمته؟

المعيار الأول والأساسي أن يحقق العمل ـ المتعة للقارئ. وأن يكون على مستوى من الوعي بحيث يشكّل علامة فارقة عند القارئ. لا أمارس أيّ نوع من أنواع الرقابة، أنقل الرواية بكل حذافيرها. سوى أني لا أرغب في ترجمة أدباء فاشيين، أو عنصريين.

(*) ما هي أصعب التحديات التي تواجه مترجم الأدب الإيطالي إلى العربية؟
ـ القواميس التي نستعين بها باتت في حاجة إلى تحديث ومواكبة. أحياناً نضطر إلى ترجمة مصطلح معين إلى الإنكليزية أو الفرنسية ومنها إلى العربية.
يحتاج المترجم عن الإيطالية إلى مرجعية في عمله، وهي مفقودة بهذه الحالة لا سيما وأننا نجد مترجمين هدّامين، يسعون إلى هدم أيّ تجربة سابقة لتجربتهم كي يتصدروا المشهد أو كي يقال إنهم الرواد في هذا المجال.
أنا عن نفسي وجدت مرجعيتي في هذا الخصوص: د. حسن عثمان الذي ترجم «الكوميديا الإلهية»، وهو برأيي من أعظم المترجمين العرب على مر العصور. ثم هناك د. خليفة التليسي الذي وضع القاموس الوحيد أو الأكثر استخداماً.

(*) ما هي طريقتك في الترجمة؟
ـ ما زلت أحاول إيجاد طريقة ثابتة أعتبر الترجمة من خلالها أنها مهنة. الأمر صعب وربما يحتاج إلى وقت طويل. فما زالت الترجمة بالنسبة إليّ شغفاً أكثر من كونها عملاً.

(*) هل لديك طقوس خاصة أثناء الترجمة؟
ـ الطقس يتغير مع كل كتاب جديد وتجربة روائية جديدة. فلا يوجد طقس خاص، كل كتاب يحمل معه طقسه الخاص.

(*) ما هي المؤهلات التي يجب أن تتوافر لدى مترجم الأدب بشكل عام والأدب الإيطالي بشكل خاص؟
ـ لم يعد من المقبول اليوم ونحن في عصر التخصص إلا أن يكون المترجم عن الإيطالية قد درس الأدب الإيطالي وتخصص في أحد فروعه، فإذا كان متخصصاً في مجال الترجمة والترجمة الأدبية كان ذلك أفضل. ولا بد أن يكون مطلعاً على الثقافة الإيطالية في مجالاتها المتنوعة. والأهم من ذلك كله أن يكون متمكناً من اللغة العربية.

(*) من المظاهر التقنية أو الفنية في عملية الترجمة اعتماد بعض دور النشر على محرّر يقوم بمراجعة النصّ بعد ترجمته، فهل ثمّة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
ـ لا يوجد محرّر لترجماتي، فأنا أترجم وأحرّر وأراجع. لكني أطالب دائماً أن يقرأ أحد ترجمتي قبل أن تصدر، فجلّ من لا يسهو.

 

تفكيك لغز إيلينا فيرانتي..
(*) الكاتبة/اللّغز إيلينا فيرانتي، مؤلّفة السلسلة الروائية المعروفة بعنوان «صديقتي المذهلة»، التي لم يكن يعرفها أحد قبل سبعة أعوام، صارت واحدةً من الشخصيات الأكثرَ شهرةً في العالم مع بداية الألفية الثالثة. هنا أسألك عن السر في إخفاء شخصيتها الحقيقية وأن تبقى كاتبة مجهولة لا يعرف صورتها وهويّتها الحقيقية سوى ناشرها الإيطالي؟
ـ لمّحت فيرانتي في هذه الرواية إلى أسباب ميولها لإخفاء شخصيتها. لكنها تبقى تلميحات، تندرج في مجال التأويل والنقد الأدبي. من بينها مثلاً أنّ بطلة الرواية "إيلينا غريكو" – التي تتشارك مع فيرانتي بالاسم – كتبت رواية عن واقع الحارة التي تنحدر منها في نابولي وكيف تهيمن المافيا وثقافة العصابة على كل شيء، فتلقّت تهديدات من المافيا إيّاها. هذا تلميح. وعلى أرض الواقع نجد مماثلاً لهذه الحالة: روبرتو سافيانو الذي فضح المافيا النابولية في أكثر من رواية، وتلقّى تهديدات شنيعة بالقتل، فاضطر إلى وضع حراسة شخصية دائمة على باب بيته وخلال تنقلاته. لقد "تخفّى" بمعنى ما.

وهناك تلميحات أدبية رفيعة تشير بها فيرانتي إلى عدم حاجة الكتاب إلى كاتبه بل إلى قارئه الذي يتشرب الفكرة ويتماهى معها. وثمة تلميحات من نوع أخلاقي تشير إلى السمو عن عالم الشهرة ومخالطة الأوساط الثقافية التي يستشري بها الفساد والانحلال. الأهم من ذلك أنها حرة ولا تريد الكشف عن هويتها، في الوقت الراهن على الأقل.

(*) نلت في عام 2018 جائزة "الشيخ حمد للتّرجمة والتّفاهم الدّولي" (فئة الجائزة التّشجيعيّة للتّرجمة)، وجائزة "جيراردو دا كريمونا الدولية" لترويج الترجمة في حوض المتوسط، عن (فئة المترجمين في جنوب المتوسط). سؤالي: ماذا غيّرت هاتان الجائزتان في حياتك؟ وهل كنت تتوقع أو تتوق إلى مثل هذه الجوائز؟
ـ كنت أتوق إلى اعتراف معنوي بالجهود التي أبذلها، هذا صحيح. أما عن التغيير في حياتي فقد ساعدتني هاتان الجائزتان على النظر بتفاؤل إلى واقع الثقافة ومدى قدرتنا على التأثير فيه.
وهناك مسؤولية أيضاً، على الجانب الآخر: جائزة كجائزة "جيراردو دا كريمونا"، التي حصل عليها صالح علماني وكاظم جهاد، مع حفظ الألقاب، تتطلب منك ألا يتراجع مستواك أبداً في الترجمة واختيار الأعمال. آمل أن أكون من أهل العزم، فلتأتِ العزائم! 

(*) كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
ـ علاقة ودية حتى الآن. أستوعب شكواهم عن الضائقة الاقتصادية التي يمرون بها منذ خمسمئة عام (منذ أن اخترع غوتنبرغ الطابعة).

وأحاول دائماً أن أكون مرناً مع بعضهم في مسألة الأجور. أما عن اختيار العناوين، فهنا قد نختلف. إذ لا يمكنني أن أعمل على ترجمة كتاب لا أحبه. وكيف لي أن أقنع القارئ العربي بكتابٍ لم ينل إعجابي أنا؟! فإذا كان الكتاب سيئاً أنصح الناشر بعدم نشره أساساً. وأرشّح دائماً الكتب على الناشرين، وأحياناً كثيرة أرشّح مترجمين لائقين لترجمة أعمال معينة.

(*) هل هناك من يمول ويدعم حركة ترجمة الأعمال الأدبية الإيطالية إلى العربية؟
ـ لا نتلقى دعماً من أيّ جهة. أنا عن نفسي لم تدعمني أيّ جهة ولم أطلب دعماً من أيّ جهة. أما رواية «ابنة البابا» لداريو فو، التي ترجمتها وصدرت عن "دار التنوير"، فكان الناشر قد توصّل إلى دعم من المركز الثقافي الإيطالي بالقاهرة، فصدرت الرواية بالعربية. 

بكل الأحوال، لا وجود لمنهجية في الدعم، وهذه مشكلة. إذ إنّ الدعم والتمويل في هذا المجال ليس فكرة سيئة. فالمترجم بشكل عام يحتاج دائماً إلى اعتراف مادي ومعنوي بجهوده، طالما أنّ الجهد المبذول لا يساويه أيّ أجر مهما كان عالياً.
والناشر العربي بحاجة أحياناً إلى دعم بعض الكتب التي قد لا تأتيه بأرباح كبيرة. نأمل أن تكون هناك جهة داعمة لهذا المشروع.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.