}

بشرى المقطري: واقع حرية التعبير في اليمن كارثيّ

ضفة ثالثة ـ خاص 4 يونيو 2020
حوارات بشرى المقطري: واقع حرية التعبير في اليمن كارثيّ
"كان الكتاب إنقاذًا لي وتدريبًا على مقاومة الموت"
تتحدث الكاتبة والناشطة اليمنية بشرى المقطري في هذا الحوار مع "ضفة ثالثة"، عن فوزها بـ"جائزة جوهان فيليب بالم الألمانية لحرية التعبير والصحافة" مناصفة مع الكاتب الصيني غوي مين هاي، التي أُعلِن عنها مؤخرًا، وهي جائزة عالمية تُمنح كل عامين تخليدا لـ"بالم" الذي دفع حياته ثمنا لحرية التعبير في ألمانيا.

كما تتحدث المقطري عن كتابها "ماذا تركت وراءك.. أصوات من بلاد الحرب المنسية" والذي وثقت فيه شهادات لأسر ضحايا الحرب في اليمن، الصادر حديثا في طبعة ألمانية بعد صدوره عن دار نشر لبنانية بمنتصف عام 2018. يتناول الحوار واقع الصحافة وحرية التعبير في اليمن الذي وصفته بأنه كارثيّ، ونضالات المرأة وظروف إنجاز كتاب يستقصي شهادات أسر ضحايا حرب نكّلت بكل شيء، منحها جائزة عالمية مهمة تضاف إلى حزمة جوائز عربية وعالمية نالتها في مسيرتها المهنية والابداعية. 

(*) كيف تلقيتِ نبأ فوزكِ (مناصفة مع كاتب صينيّ) بـ"جائزة جوهان فيليب بالم"، التي تُعدّ من أهم جوائز "حرية التعبير والصحافة" العالمية؟
-  كان خبر فوزي بجائزة "جوهان فيليب بالم" الألمانية لحرية التعبير والصحافة مناصفة مع الكاتب الصيني غوي مين هاي، مفاجأة سعيدة بالنسبة لي، وذلك لمضامينها الإنسانية النبيلة، فقد دفع "بالم" التي سميت الجائزة باسمه حياته ثمنا لحرية التعبير في بلاده، وكذلك لتوقيتها، أي بعد شهرين فقط من ترجمة كتابي الأخير: "ماذا تركت وراءك.. أصوات من بلاد الحرب المنسية"، وهو شهادات عن ضحايا الحرب في اليمن إلى اللغة الألمانية، وكانت الجائزة عن مجمل كتاباتي وعن كتاب ضحايا الحرب في اليمن، لذلك أنا سعيدة بالجائزة لأنها قد تساعد ولو قليلا في تسليط الضوء على معاناة وآلام ذوي الضحايا.



تدريب على مقاومة الموت
(*) كتابكِ "ماذا تركت وراءك.. أصوات من بلاد الحرب المنسية"، رأى النور في 2018 عن "رياض الريس للنشر والتوزيع - بيروت"، قبل أن تصدره دار النشر الألمانية"Ullstein Buchverlage -  برلين"، في مطلع 2020 الجاري.. كيف جاءت الفكرة وما هي ظروف إنجازه، لا سيما وأنه عمل يتطلب متابعة ورصدًا للمعلومات والقصص وتوثيقًا دقيقًا للأقوال والإفادات ونزولا ميدانيا لسماع شهادات أسر الضحايا، في ظروف معقدة، أمنيًا؟
- كمعظم اليمنيين، لم أستطع التصالح مع العنف اليومي والقتل والكراهية التي فرضتها أطراف الحرب في صراعها على السلطة، بينما اليمنيون البسطاء وحدهم من يدفع كلفتها، وكمعظم اليمنيين الذين دمرتهم الحرب، وصادرت حيواتهم وحقوقهم وضيقت خياراتهم في الحياة، سيطرت فكرة الموت عليَّ، الخوف من فقدان الأهل والأصدقاء، الخوف من المجهول، ولاستيعاب انهياراتنا الوطنية والشخصية، بدأت في تدوين يومياتي كنشاط يومي لإعادة ترتيب العالم الذي قوضته الحرب، بالإضافة إلى كتابة مقالات أسبوعية عن الحرب في اليمن تدين جميع أطرافها المحلية والإقليمية إلا أن ذلك لم يكن كافيًا بالنسبة لي ولا يكشف حقيقة ما يحدث لنا، ووجدت أن الأهم على الأقل في هذا الظرف هو تدوين الجحيم الذي يعيشه الآخرون، فقدان أحبتهم.. ماذا فعلت الحرب بهم؟ كان الكتاب إنقاذًا لي أيضًا وتدريبًا على مقاومة الموت، أن أكون شاهدًا على فظاعات الحرب وأن أنقل ولو جزءًا بسيطًا من معاناة ذوي الضحايا التي يصر أطراف الحرب والعالم على سحقها.

قبل الشروع في الكتاب، كنت أوثق وبشكل يومي بيوغرافيا الضحايا في جميع المدن اليمنية، أي كانت لدي مادة ضخمة، ومثّلت مخزونا لي للبدء في تسجيل شهادات أسر الضحايا. في السنة الأولى من الحرب بدأت تسجيل الشهادات، استغرق مني تجميع الشهادات حوالي عامين بسبب مشقة السفر في ظل الحرب والتعقيدات الأمنية ومخاطر التنقل في المدن التي استطعت الوصول إليها، أحيانًا كنت أسجل أكثر من شهادة للأسرة الواحدة، لأستوعب كل تفاصيل الرعب الذي عاشوه، كان العمل مجهدًا لي نفسيًا وجسديًا، لكن دعم وتحفيز زوجي مكنني من التغلب على نوبات الإحباط والفزع والاكتئاب مع كل مقابلة أجريها مع ذوي الضحايا، وعلى مدى عام، تابعت تفريغ المقابلات واخترت 43 شهادة من مجموع المقابلات الكثيرة التي أجريت معها، ووظفت التوثيق الذي قمت به بشكل يومي لرصد ضحايا الحرب في اليمن، وأعدت ترتيبها في بيوغرافيا غطت أكثر من عامين من الحرب في اليمن، بالاسم والمنطقة والتاريخ والمكان والطرف المنتهك، كمتن مضاف للشهادات، وأعدت صياغة الشهادات في سردية محايدة تمكن القارئ من عيش تجارب أهالي الضحايا ثم اختزلت البيوغرافيا حتى لا تخل بمتن الكتاب أي شهادات ذوي الضحايا، وتم تحرير الكتاب بمراجعة زوجي، ثم كتبت مقدمة الكتاب وهي شهاداتي عن الحرب، ودفعت بالكتاب لمعظم دور النشر العربية. 


(*)
تفاجأتِ برفض الكتاب من قبل دور نشر كثيرة، أليس كذلك؟ 
- لا أخفيك، كانت الصدمة الأولى بالنسبة إليّ هي رفض معظم دور النشر للكتاب بطرق مباشرة أو غير مباشرة، وكان أصدق رد وصلني هو تحفظ بعض الدور على نشره، بسبب "تعارض موضوع الكتاب مع سياسة دار النشر" أو "حساسية الوضع في المنطقة"؛ للحقيقة لم أكن أدرك أن ممولي بعض الدور هي القوى الإقليمية المنخرطة في الحرب في اليمن، كداعمين سياسيا أو ماليا لأطرافها المحلية، وأن رفضها للكتاب لكونه يشكل إحراجا لها.


(*)
هل دفعك ذلك للاستسلام؟ 
-  كنت على وشك اليأس من نشر الكتاب، لكن بعض الأصدقاء المتحمسين لفكرة ومضمون الكتاب عرضوا علي المساعدة في النشر، وكسر التحيزات السياسية التي تسيطر على ساحة النشر في العالم العربي، وعلى رأسهم الصديق الباحث والكاتب العربي الدكتور فواز طرابلسي الذي دفع بالكتاب لدار "رياض الريس" للنشر والتوزيع. وبعد صدور الكتاب واجهت مشكلة أخرى هي صعوبة إدخاله إلى اليمن، وكذلك التعتيم الإعلامي من قبل الصحافة والمواقع الإخبارية التابعة لأطراف الحرب المحلية والإقليمية في اليمن، ولم أحظ أنا نفسي بنسخة من الكتاب إلا من أصدقاء قدموا من بيروت إلى اليمن بعد أكثر من شهر على صدوره. 

إلى الألمانية 
(*) برغم هذا التعتيم، إلا أنّ كُتّابًا (بعدد الأصابع، إن جاز لي التعبير) سلطوا الضوء على الكتاب في نوافذ وصحف عربية، ووجد طريقه إلى الصحافة الألمانية إثر مقالات نشرت عنه، للكاتبة السويسرية مونيكا بلوجر؟
- بشكل عام ورغم التعتيم الإعلامي على الكتاب فقد كانت الأصداء جيدة، وتحضرني الآن بعض الأسماء التي احتفت بالكتاب، منها الناقدة المتخصصة الأستاذة يمنى العيد، والباحث أحمد ناجي، وكذلك الصديق الكاتب اليمني جمال جبران، والصديقة الصحافية السويسرية مونيكا بلوجر، التي كتبت مقالا مهما عن الكتاب باللغة الألمانية وترجمت شهادتين من الكتاب فور صدور نسخته العربية، ثم قرأته الصديقة "نينا" التي أصبحت فيما بعد وكيلتي الأدبية، وتولت عملية التفاوض مع دور نشر ألمانية لترجمته، إلى أن نشرته دار النشر الألمانية "Ullstein Buchverlage"  في نهاية مارس/آذار الماضي.




واقع كارثيّ
(*) هذا يدفعنا لسماع شهادتك باعتبارك كاتبة وناشطة متفاعلة مع الشارع ومتغيرات الأحداث في اليمن، حول واقع الصحافة والتدوين وحرية التعبير في اليمن، الآن؟
- واقع الصحافة وحرية التعبير في اليمن كارثي، حيث لا يمكن الحديث عن وجود حرية تعبير في اليمن أو صحافة محايدة تمكن الصحافيين والكتاب اليمنيين من الكتابة بحرية، فقد قضت الحرب على الهامش الضئيل الذي كان يمنح الصحافيين والكتّاب مساحة للتعبير عن آرائهم، حيث صادرت أطراف الحرب كل المنابر الصحافية المستقلة، إذ أغلقت الصحف والمواقع المحلية في اليمن، وأبقت فقط على الصحف التي تعبِّر عن وجهة نظرها والتي تتبنى خطاب حربها ضد اليمنيين، كما نكلت بكل صوت معارض للحرب، حيث تعرّض العشرات من الصحافيين للاعتقال والإخفاء القسري سواء من قبل جماعة الحوثي التي تعتبر أكبر منتهك للصحافيين في اليمن أو من قبل سلطات الأمر الواقع في مدن تعز وعدن ومأرب. 


تكريم لصوت السلام
(*) ما الذي تضيفه الجائزة لنضالات المرأة اليمنية وتحدي القمع المفروض على حرية التعبير، وحق المرأة في المشاركة والكتابة بحرية؟ 
- لا أعتقد أن حصولي على جائزة "بالم" لحرية التعبير والصحافة سوف يغير واقع المرأة اليمنية المأساوي الذي فاقمته الحرب أو يمكنها من المشاركة السياسية، إذ يستلزم الأمر تغير هذا الواقع بحل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي كرستها أطرف الحرب المحلية والإقليمية في المجتمع اليمني، والتي فرضت على المرأة تبعات كثيرة، كما أن تغيير واقع المرأة في اليمن يستلزم إرادة سياسية وحراكًا مجتمعيًا يقوِّض المنظومة السياسية والفكرية التقليدية التي تتبناها القوى السياسية اليمنية في تعاطيها مع حقوق المرأة، إلا أن حصولي على هذه الجائزة وإن كانت ممنوحة باسمي فهي تكريم لنضالات المرأة اليمنية ولليمنيين المعارضين للحرب.
بخصوص الكتاب، فإني أود أن أشكر أسر الضحايا الذين منحوني شرف إيصال معاناتهم، وأشكر كل الأصدقاء الذين دعموني وساعدوني على إنجاز الكتاب، وفي مقدمتهم الصديقة ريهام البدر التي قُتِلت في الحرب، والأصدقاء: رحمة القدسي؛ ماهر العبسي؛ هدى الصراري؛ منال قائد؛ صدام الجابر؛ القاضية هالة القرشي؛ الدكتورة غدير سلطان؛ سحر القدسي؛ والكاتب والرسام اليمني ريان الشيباني الذي رسم لوحة غلاف الكتاب بنسخته العربية، والمستمدة من صورة لطفل يمني فقد أسرته بغارة لطيران التحالف العربي، وكذلك أشكر مؤسسة "بالم"، إذ منحت اليمنيين فرصة للفرح وسط كل هذا الموت. 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.