}

نييبز باراديلا: أدب معظم الكاتبات العربيات حافل بعلامات التمرّد

ميسون شقير ميسون شقير 3 أغسطس 2020
حوارات نييبز باراديلا: أدب معظم الكاتبات العربيات حافل بعلامات التمرّد
نييبز باراديلا وغلاف آخر ترجماتها
شغفت بالعربية كلغة وكثقافة، درستها، أتقنتها، بحثت عن المخفي فيها، حصلت على الدراسات العليا فيها، ثم على شهادة الدكتوراه، تجولت كثيرا ما بين الكتب العربية والتاريخ العربي المعاصر، تعمقت في الكثير من الدراسات والبحوث، وفي تجوالها الطويل غاصت في عمق ثقافتنا، زارت بلادنا وعاشت في معظم عواصمنا، تبنت الأطروحات المنطقية والمتوازنة حول الحضارة العربية والإسلامية، فكتبتنا وربما كانت من أوائل المستعربين الذين درسونا بأكاديمية وحب، وقاتلوا لأجل البحث الصحيح والأكاديمي حول كل ما يخصنا، البحث البعيد عن التحيز والعنصرية، ومن أوائل الذين أحبونا فترجمونا بشغف، وقرأونا ثم دلوا الإسبان علينا.

إنها الدكتورة نييبز باراديلا، الأستاذة المشرفة في قسم الدراسات العربية والإسلامية وأستاذة العلوم الإنسانية في جامعة مدريد المستقلة، المدرسة في كلية الدراسات عن آسيا وأفريقيا، وأستاذة مادة الاستشراق في ماجستير الدراسات العربية والإسلامية المعاصرة، وأستاذة معاونة في مدرسة توليدو للمترجمين.
كما أنها التي ترجمت عددًا من أهم الكتاب العرب المعاصرين إلى اللغة الإسبانية وساهمت بأن يتعرف القارئ الإسباني من خلال ترجماتها على نجيب محفوظ ومحمود درويش وسركون بولص وحنان الشيخ وغيرهم، وكانت آخر ترجماتها كتاب "دليل المسلم الحزين" للكاتب المصري حسين أحمد أمين.
وهي أيضا مؤلفة كتاب "طريقة بناء الجملة العربية" وغيره، والباحثة التي نشرت عددا من البحوث في مجلات بحثية وجامعية إسبانية، وفي مجلات محكمة حول المرأة العربية، وحول أدب الرحلة العربي، وخصوصية الأندلس في التاريخين العربي والإسباني على حد سواء، وهي الباحثة حول الاستشراق.
هنا حوار معها نتعرف من خلاله على رأيها في وظيفة المثقف بشكل عام في زمن الجائحة، وكيف يرانا الباحث الأجنبي.






(*) ربما يكون أول سؤال يشغل الجميع الآن هو ما رأيك، كباحثة ومستعربة أكاديمية، حول دور المثقف بشكل عام في زمن وباء كورونا الذي نعيشه جميعا؟
ـ في هذه اللحظات من الخوف ومن عدم اليقين والخوف من المستقبل، أعتقد أنه يجب على المثقف، أينما كان، أن يسأل نفسه مثل بقية المواطنين: هل يستطيع فعلا أن يكون على قدر المسؤولية والحس السليم؟ وذلك لأن كل واحد منا يجب أن يعرف كيف يرقى إلى مستوى الظروف التي نعيشها، حيث أن تلك القيم التي طالمنا أسهبنا جميعا كمثقفين في الحديث عنها مثل قيم التضامن، تحمل مسؤولية الظرف والموقف، الجرأة والإيثار، كلها يجب الآن أن يتم وضعها موضع التنفيذ. أقصد التضامن الذي يعني المساهمة الفعلية في نشر المعلومة الصحيحة فقط، ويعني الوقوف ضد نشر ثقافة الخوف وضد المساهمة فيها، بل على العكس من ذلك، يجب علينا جميعا كمثقفين الآن، نشر ثقافة المساعدة والمبادرة لأي عمل جماعي أو تطوعي، ومحاولة مخاطبة الجميع ضمن ما تسمح له الوسائل الحديثة من خلال الإصرار على ثقافة التكاتف الجماعي وليس الذعر الفردي، وبنفس الوقت التعامل مع الوباء بجدية ومسؤولية. أعلم أن ما أقوله هو رغبة أكثر من كونه حقيقة ممكنة، ولكن في ظروف مثل الظروف الحالية ربما يكون الشيء الوحيد الذي يمكن قوله.



وضع المرأة العربية
(*) كيف ترين وأنت الباحثة والمترجمة وضع المرأة الحالي الحقيقي في العالم العربي، وما هي الطرق الممكنة لإيجاد حلول لهذا الوضع؟
ـ المرأة العربية جزء من مواطني الدول العربية المختلفة. لذا فإن وضعها، ومشكلاتها الأساسية حاليا، بشكل عام، هي نفس مشاكل المواطن العربي على اختلاف نسب هذه المشاكل بين بلد وآخر. ومن الواضح أن المجتمعات العربية تعاني حاليًا من أزمات معقدة للغاية نشأت عن الحروب التي قادها الدكتاتوريون ودمرت العديد من تلك البلدان، وساهمت بتدميرها الاجتماعي والسياسي، الأسوأ هو استمرار الدكتاتوريات الذي يعني انعدام الحريات والتخلف الاقتصادي.
ولكن بطبيعة الحال، تعاني النساء بشكل خاص بالإضافة إلى كل ذلك من سلسلة من المشكلات التي تخصهن تحديدًا، والتي ولدت جميعها تقريبًا بسبب استمرارية القيم الأبوية أو الذكورية في مجتمعاتهن وبسبب عدم المساواة القانونية بينهن وبين الرجال في العالم العربي بشكل عام.
وهذا كله يجعلني حزينة ومتشائمة، لكن، وكما كتبت مرة، في النهاية أعتقد أن هناك بعض الأمل الذي يسمح لنا بالاحتفاظ ببعض التفاؤل، اذ أن كل ما فازت به المرأة العربية من خلال الحركات النسوية الأولى لا يزل موجودا، وعلى الرغم من وجود انتكاسات في العديد من الجوانب، إلا أن هناك أيضًا تمردا ووعيا بين الشابات اللاتي ساهمن بالثورات الأخيرة في العالم العربي، من أجل ضرورة مواصلة النضال حتى لا تتمكن السلطة الدينية، ولا الطغيان السياسي، من إخفاء الحقوق التي تم كسبها.

 

 (*) هل ابتعدت المرأة العربية في نتاجها الفني والإبداعي الكتابي عن رؤية المستشرقين لها، أي هل استطاعت الخروج من إطار الصورة النمطية المتمثلة بكونها ضحية ومستعبدة من قبل السلطة الذكورية؟
ـ بالطبع نعم، فلم تنعكس صورة المرأة العربية التي قدمها لها الاستشراق التصوري، أو الأدبي الأوروبي، أبدًا في أعمالها الأدبية أو الفنية. وعندما ظهرت الصحافة، بدأت النساء العربيات يكتبن بطريقة شجاعة وجريئة للغاية، فقد رفضن وضعهن، وطرحن مشاكلهن، واقترحن حلولًا. ثم جاءت بعد ذلك الحركات النسوية التي كان لديها التزام سياسي كبير بالقضايا الوطنية والتحررية العامة والتي أثرت على العالم العربي بأسره. لقد قاتلت النساء العربيات إلى جانب الرجال ضد الاستعمار، وبعد الحصول على الاستقلال، اضطرت النساء العربيات للدفاع عن أنفسهن ضد تلك القوى الأبوية المتسلطة التي حاولت، بمجرد الحصول على الاستقلال، إعادة المرأة إلى البيت، كما حاولت تحجيم المرأة من جديد، ولكن الحقيقة هي أن النساء اللاتي ساهمن بحركات مقاومة الاستعمار الغربي، لم يصمتن أبدا عن إعادة تحجيم أدوارهن. وقد كان الأدب العربي الذي كتبته النساء العربيات مليئا بعلامات التمرد.



الرحلات العربية وإسبانيا
(*) كيف كانت صورة إسبانيا في الرحلات العربية، وما هو وضع الرمز الأندلسي عند المسافرين العرب؟
ـ كانت للرحلات العربية إلى إسبانيا أهمية خاصة، بالإضافة إلى كونها أحد نماذج الرحلات العربية إلى أوروبا أو إلى الغرب، والتي كانت لها، كما هو معروف، أهمية أساسية في الفكر العربي المعاصر، غير أن الرحلات العربية إلى إسبانيا لها بعض الخصائص التي تميزها عن بقية الرحلات العربية إلى باقي دول العالم. والعنصر المميز للرحلات العربية إلى اسبانيا هو الأندلس، أي ذلك الجزء من التاريخ العربي والإسلامي الذي عاش وتطور وبنى حضارة في إسبانيا من عام 711 إلى عام 1492.
وأصبح المسافرون العرب المعاصرون مهتمين جدا بإسبانيا بسبب الأندلس، وإذا حاولنا أن نسأل لماذا؛ سنجد أن السبب الأساسي هو أنهم كانوا مثقفين قوميين أرادوا أن يقدموا لقرائهم جزءًا كبيرًا من حضارتهم التي خسروها في وقت لاحق، حيث تحولت الأندلس بهذه الطريقة، إلى نموذج مثالي، وإلى تحذير في الوقت نفسه، ويبدو الأمر كما لو أنهم أرادوا أن يقولوا لقرائهم: "هكذا كنا في يوم من الأيام ويمكننا العودة مجددا لما كنا عليه"، وأن يقولوا لهم أيضا: "كونوا حذرين، لأنه إذا لم نبق معًا، فإن الآخرين (أي القوى الاستعمارية) يمكن أن يهزمونا مثلما هزموا الأندلسيين من قبل".
أما الجزء الآخر من رحلتهم، الجزء البعيد عن الأندلس، أي إسبانيا الحقيقية، تلك التي رأوها بأعينهم، فأنا أعتقد أنهم كانوا أقل اهتمامًا بها. وذلك لأنهم كانوا رجالًا مثقفين وعالميين، وكانوا يتحدثون بلغات أجنبية أخرى (غير الإسبانية) مثل الانكليزية والفرنسية، كما أن إسبانيا في القرن التاسع عشر، وفي النصف الأول من القرن العشرين، كانت بالنسبة للرحالة العرب دولة أوروبية متخلفة للغاية، وليس لها ذلك الوزن الدولي الذي تمتعت به كل من إنكلترا وفرنسا كنموذج لدولة مزدهرة ومتطورة، لذلك فإنهم بلا شك، كانوا يفضلون فرنسا.

 







(*) كمتخصصة في أدب الرحلة، هل تجدين في العالم العربي المعاصر اهتماما بأدب الرحلات، وهل هناك أعمال لفتت نظرك في هذا المجال؟
ـ يبدو لي أن أدب السفر كان له أهمية كبيرة في عصر النهضة وحتى منتصف القرن العشرين. بعد ذلك تمت معرفة الدول الغربية والنقاش بشأنها بطرق أخرى. هناك بالطبع بعض الاستثناءات، ولكن يبدو أن عصر السفر المكتوب العظيم قد انتهى.

 

(*) برأيك ما الذي قدمته كتابات خوان غويتيسولو لصورة العالم العربي في إسبانيا؟ 
ـ أتذكر أنني قرأت خوان غويتيسولو عندما بدأت دراستي للغة العربية في الجامعة. لقد فوجئت وأحببت رواياته التي كان كل من الثقافة والتاريخ العربيين حاضرين للغاية في موضوعها، حتى أنه في واحدة من هذه الروايات هناك حوارات مكتوبة باللغة العربية. وفي الحقيقة، كان لخوان حضور كبير في الصحافة الإسبانية، وقد كتب كثيرا في هذه الصحافة حول العالم العربي والإسلامي، كما أنه لا يمكن أن ننسى أن نشر ترجمة أعمال إدوارد سعيد، وخاصة كتاب "الاستشراق"، إلى الإسبانية كان بسببه. وعلى الرغم من حصول غويتيسولو على جائزة ثيرفانتس للآداب عام 2014، والتي تعتبر أعلى تمييز يمنح لكاتب باللغة الإسبانية، إلا أني شخصيا أعتقد أن شخصيته بدأت تنسى بين الشباب الإسباني، قليلا، في وقتنا الحاضر.

 

(*) ما الذي بقي حسب وجهة نظرك من الأندلس في إسبانيا الحالية؟
ـ أعتقد أنه لا يزال هناك تراثها اللغوي الموجود في اللغة الإسبانية (حوالي 4000 كلمة)، ولا يزال هناك تراث فني وهو فن غير عادي (قصر الحمراء هو النصب الأكثر زيارة في إسبانيا)، كما لم يزل هناك تأثير أندلسي على الطهي والزراعة وصيد الأسماك. وطبعًا هناك تأثير العلماء والفلاسفة والكتاب والصوفيين الذين ولدوا وعاشوا في مدننا عندما كانت مدنًا أندلسية. وهناك، في ترتيب آخر للأشياء، النقاش الذي ما زال حيًا حول جذورنا التاريخية والأهمية التي كانت للماضي الأندلسي على ما كنا عليه، وما نحن عليه، أقصد الإسبان، الآن. إنه ليس شيئًا سلبيًا في حد ذاته على الرغم من أنه يجب توخي الحذر، لأن ما يتم إنتاجه اليوم هو استخدام أيديولوجي لذلك الماضي من قِبل قطاعات اليمين المتطرف الإسباني والقوميين الأندلسيين على حد سواء.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.