}

طالب الدويك: أعمالي الفنية بمثابة "شاهد عيان" على القدس

أوس يعقوب 8 أغسطس 2020
حوارات طالب الدويك: أعمالي الفنية بمثابة "شاهد عيان" على القدس
الدويك قدّم منجزًا بصريًا تميز بتعزيز الهوية المقدسية
يعد الفنان التشكيلي المقدسي طالب الدويك من الأسماء البارزة في المشهد التشكيلي الفلسطيني، التي تركت بإبداعاتها بصمة بصرية تروي حكاية الفلسطيني المقاوم للاحتلال الذي سلب أرضه وتراثه وتاريخه.
اعتنى الدويك في لوحاته بالإنسان المقدسي ونشاطاته الاجتماعية، راسمًا كل طقوس الحياة فيها بشغف، مواجهًا بالريشة واللون كل المحاولات العدوانية الساعية لطمس الهوية الفلسطينية العربية الإسلامية لمدينة السلام. وشارك في سلسلة من المعارض الفنية الشخصية في عدّة مدن فلسطينية، وفي العديد من مدن وعواصم الوطن العربي والعالم، والتي كان آخرها في زمن كورونا الشهر الماضي، المعرض الإلكتروني المشترك بين "عمون للفنون" و"جمعية أطباء من أجل القدس" بعنوان «زهرة المدائن»، وقدّم لنا منجزًا بصريًا تميز بتعزيز الهوية المقدسية، والكشف عن المآسي التي مرّت على المدينة المقدسة وأهلها، وموظفًا التراث في تشكيل معاصر حديث وتكوينات متينة.
هنا حوار مع الدويك للحديث عن جديده وكيف كانت بداياته مع الريشة واللون وما هي خلاصة تجربته الفنية. 
 عمل جديد "قدس وزيتون"/ أكريليك على كاننفس 

















(*) بداية ما الذي جاء بك إلى عوالم الفنون البصرية؟ وما الذي تُنبئنا به عن الخطوة الأولى في عالم الألوان؟
ـ أنا من أسرة فنية، لكن لا أعرف مصدرها. أعني أنا وأخي يوسف الدويك وابني أنس وابن أختي فايز، وأبناء العمومة الفنان ياسر الدويك وشقيقه جمال والأخوين عامر وهشام الدويك، جميعنا فنانون تشكيليون وكأن الأمر بالوراثة. بدأت علاقتي بعالم الألوان وأنا بعمر عشر سنوات، وكان والدي (رحمه الله) هو من عرفني على هذا العالم. كان يعمل بائعًا متجوّلًا في بلدات فلسطين، الخليل وبيت لحم ورام الله، وغيرها، كنت أرافقه أحيانًا، فتذوقت من صغري جمال الطبيعة وألوانها، وانعكس هذا على إحساسي باللون، الذي يميز أعمالي كلّها بالأمل والنور رغم الاحتلال.


(*) في مسيرتك الفنية محطّات متعدّدة ما هي أبرزها؟
ـ هناك العديد من المحطّات المهمة أبرزها الانتقال من مُدرس لمادة التربية إلى مفتش عام للفنون، فالتحوّل من التعليم في المدارس إلى التعليم في الجامعات. كذلك حصولي على "وسام الثقافة والفنون والآداب – مستوى الابتكار" واختياري كأحد مؤلّفي مناهج الفنون لجميع المراحل الدراسيّة في المنهاج الفلسطيني.

 

القدس تسكنني
(*) ماذا تشكّل لك القدس التي ولدت ونشأت وعشت فوق ترابها، كمدينة وذاكرة ومرجع شخصي وجمعي في تجربتك البصرية؟
ـ كانت مدينة القدس وستبقى محور أعمالي، لسبب أنني طردت من البيت الذي عشت فيه أنا وعائلتي في "باب السلسلة" أحد أبواب الحرم القدسي، بعد حرب 1967 وكان عمري حِيْنذاك أربعة عشر عامًا، بحجة أنّ البيت هو في الأصل "كنيس يهودي". وهجُرت قسّرًا مع عائلتي إلى مدينة الخليل حيث لنا هناك أهل و(ديوان آل الدويك)، غير أنّ حبنا وعشقنا لمدينة القدس دفعا بنا للعودة إليها، فسكنا في حارة "السعدية" العربية غير البعيدة عن الحرم القدسي، أين عشت في أزقة البلدة القديمة وشوارعها، فتزوقت فنون العمارة الإسلامية من خلال ما رأيت من قصور وبيوت وأبواب وشبابيك سكنت الذاكرة. وكانت دافعي الأوّل لرسم البيوت المقدسية والأسواق والقناطر، إضافة لرسم أبناء المدينة كبياع الكعك على سبيل الذكر لا الحصر. وللعلم آخر معارضي الشخصية، في الشهر الثاني من هذا العام، حمل اسم «القدس تسكنني».

 

(*) كيف تتفاعل فنيًا مع الواقع الفلسطيني؟ وكيف تصهر الخاص في العام وتجانسه؟
ـ أنا فنان ملتزم بقضايا وطني وأمتي، أفرح لأفراحهم وأتألم لآلامهم، ولأني أعيش وإياهم نفس المشاعر والأحاسيس في السراء والضراء، لذا لا بدّ أن يكون عملي مستمدًا من حيواتهم وموجهًا إليهم.
إنّ أعمالي الفنية بمثابة "شاهد عيان" على أحداث ووقائع المدينة، حيث رسمت كل الفصول والمواسم والأفراح والأتراح، فلامست قلوب الناس ووجدانهم، من ذلك أذكر معرض «شبابيك»، الخاص بالأسرى والمعتقلين بسجون الاحتلال الإسرائيلي. ومعرض «شموخ»، الذي جاء تكريمًا لنضالات المرأة الفلسطينية. ومعرض «جذور»، الذي عبر عن علاقة الفلسطيني بالأرض، وبأشجار الزيتون واللوز والبرتقال. وكذلك كانت حال كل معارضي الفنية؛ «ما وراء الجدار»، و«آفاق مقدسية»، و«صاج»، ومعرض «أحلام» الخاص بالأطفال وأحلامهم.

 

(*) هل لمكان ما في فلسطين أو خارجها أثر على تحفيز مخيلتك الفنية وجعلك تختار مواضيع بعينها؟ ومن ثم ما هي الأشياء الأكثر حميميّة وإلهامًا لك في الواقع؟
ـ أكيد. أشرت سابقًا لهذا الموضوع، لقد تجولت مع والدي في كل قرى فلسطين وعشقت جمال الطبيعة فيها، لكن الأكثر حميميّة إليّ مدينة القدس المحتلة، بخاصة في شهر رمضان المبارك، وهو ما عبرت عنه في عشرات اللوحات التي رسمتها في السنوات القليلة الماضية.

 

الرد على "صفقة القرن" بالفن
(*) يقول بيكاسو: "الرسم طريقة أخرى لكتابة المذكرات"، هل توافق هذا الرأي؟
ـ الأجندة الفلسطينية فيها أكثر من 100 مناسبة لها علاقة باحتلال البلد، والمتابع يلاحظ أنني وغيري من الفنانين الفلسطينيين لم نترك مناسبة إلا وعبرنا عنها بلوحة أو منحوتة أو غير ذلك من مشغولات فنية، سواء أكان "يوم الأرض"، أو "يوم الأسير"، أو "يوم المرأة"، أو ذكرى النكبة، أو غيرها من الأحداث والمناسبات التاريخية الوطنية. إنّ الفن الفلسطيني المعاصر كان فنًا مقاومًا في كل زمان ومكان، ونحن كفنانين قاومنا ونقاوم من خلال الفن والشعر والأدب والموسيقى والمسرح.

"القدس في رمضان في حظر كورونا"/ أكريليك على كاننفس

  

(*) حدّثنا عن مشاركتك بمعرض «نبض القدس»، الذي جمع عددًا من التشكيليين المقدسيين خاصة أنك كنت قيّم المعرض والمنسق العام.
ـ معرض «نبض القدس» شارك فيه 27 فنانا وفنانة من القدس، وأقيم بالتعاون مع وزارة الثقافة الفلسطينية و"الجمعية الفلسطينية للفن المعاصر"، واحتضنه "مركز يبوس الثقافي". أهمية المعرض تكمن بالرد على ما يسمّى "صفقة القرن" وبأنّ القدس ليست للمساومة، وأنها عربية إسلامية بتاريخها وهويتها وتراثها، وهذا ما ظهر جليًا في أعمال الفنانين المشاركين بالمعرض. مشاركتي كانت بعمل واحد يمثل مشهدًا عامًا لمدينة القدس يَظهرُ فيه مسجد قبة الصخرة وكنيسة القيامة والبيوت ذات الطابع الإسلامي، وحولها أشجار الزيتون.

 

(*) هل من جديد أضافته الأعمال التشكيلية الفلسطينية المعاصرة بخصوصياتها الفنية الجمالية إلى المحترف التشكيلي العربي؟
ـ في الغالب كانت معظم أعمال الفنانين الفلسطينيين قريبة من المباشرة في التعبير، وأقرب إلى الملصق من حيث الخصوصية والأسلوب والتقنيات. بعد الانتفاضة الأولى أصبحت الأعمال أكثر نضوجًا في أسلوبها وتقنياتها، فعلى سبيل المثال استخدم سليمان منصور مواد جديدة كالطين والقش، فيما استخدم نبيل عناني الجلد، وتيسير بركات الحرق على الخشب، وغير ذلك. بالنسبة لي رسمت بأسلوب تعبيري، وتنوعت أعمالي باستخدام الخامات وأهمها الرسم على ورق الزجاج، والرسم على ورق الرز. وعلينا أن نذكر أنّ الفنان التشكيلي الفلسطيني تميز على المستوى العربي والعالمي ونال جوائز كبرى وهامة تتويجًا لما حقّقه من نجاحات.

 

تشدني عوالم الطفولة
(*) كيف تنظر إلى فن الغرافيتي وفنون الشارع. أتجد فيها تهديدًا للوحة الكلاسيكية التقليدية في ظل هيمنة الرقمي والتقني؟
ـ بالنسبة لنا فنون الشارع هي لوحات تعبير عن الهوية والمقاومة، رغم أنها تعتبر أسلوبًا قريبًا من الإعلانات. رأيي الشخصي أنّ فن الغرافيتي أسلوب حديث يخلو من مشاعر وأحاسيس الفنان، وغالبًا يلجأ إليه الفنان غير المتمكن فنيًا وأكاديميًا.

 

(*) برأيك كم هو مهم اليوم أن يتم نقل الحكاية الفلسطينية من خلال اللوحة ومختلف الفنون البصرية؟ 
ـ بالتأكيد هذا مهم جدًا خاصة بالنسبة للجيل الجديد حتى يعرف تراث أجداده وهويته الوطنية الفلسطينية، خاصة في ظل موجة الأعمال الفنية الهابطة.

 

(*) ما هو جديدك؟
ـ دائمًا أسعى لتقديم الجديد في الشكل والمضمون والتقنيات. في هذه الفترة أرسم عن الطفولة لأنّ عوالم الطفولة تشدني كثيرًا. وإذا ما انتهت جائحة "كورونا" قريبًا ستكون لي مشاركة في الأشهر المقبلة في المهرجان الدولي للفنون التشكيلية في مدينة "المحرس" جنوب العاصمة التونسية.







*****

 عمل جديد "زمن الكورونا"/ أكريليك على كاننفس 

التشكيلي الفلسطيني طالب الدويك من مواليد القدس 1952، ويسكن في أحد أحياء البلدة القديمة غير بعيد عن الحرم القدسي. درس الفنون الجميلة في جامعة حلوان في القاهرة وتخرج منها عام 1977، ليعمل بعد عودته للقدس مدرسًا لمادة التربية الفنية، ثم موجهًا تربويًا لمدة سنتين، وله إسهامات في تأليف وإعداد مناهج الفنون للمرحلة الإعدادية والثانوية، وفي مرحلة تالية عمل كمحاضر في جامعة القدس لمدة سبع سنوات، حيث شغل منصب رئيس قسم الفنون الجميلة لمدة سنتين. كما عمل محاضرًا في عدة كليات في مدينتي القدس وبيت لحم. شغل منصب رئيس رابطة الفنانين التشكيليين الفلسطينيين، ما بين عامي 1990 و1996، في الضفة الغربية وقطاع غزّة.
أقام العشرات من المعارض الفنية الشخصية والجماعية في بلاده، وفي معظم البلدان العربية والولايات المتحدة وفي عدة دول غربية.
صدر له كتاب موجه للأطفال بشكل خاص بعنوان «أطفال فلسطين يرسمون أحلامهم في ظل الاحتلال».
قلّده الرئيس الفلسطيني عام 2017 "وسام الثقافة والفنون والآداب – مستوى الابتكار". وحاز العديد من الجوائز الفنية المحلية والعربية، منها: "جائزة القدس للثقافة والإبداع" من المؤتمر الوطني للقدس عاصمة الثقافة العربية، و"جائزة الشراع الذهبي" من المهرجان الدولي للفنون التشكيلية في تونس. كما نال العديد من التكريمات وشهادات التقدير في القدس والأردن ومصر والمغرب واليابان.

 عمل جديد "القدس ليلا"/ مواد مختلفة على كرتون 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.