}

أيمن حسن: الترجمة فعل إبداعي وليست اختصاصًا تقنيًّا

دارين حوماني دارين حوماني 20 أبريل 2021
حوارات أيمن حسن: الترجمة فعل إبداعي وليست اختصاصًا تقنيًّا
أيمن حسن: على مترجم الشّعر أن يكون شاعرًا
يقول الروائي البرتغالي خوسيه ساراماغو: "الكتّاب يصنعون الأدب الوطني، بينما يصنع المترجمون أدبًا عالميًا"، ومن هنا انطلق التونسي أيمن حسن (1981) ليبحث في اللغة التي تحدّث عنها معشوقه إميل سيوران: "نحن لا نسكن بلادًا. نحن نسكن لغة. الوطن هو ذاك ولا شيء آخر". بين اللغتين العربية والفرنسية يتنقّل وطن أيمن حسن كتابةً وترجمةً. نقل من آدابنا العربية إلى الفرنسية أعمالًا شعرية لأدونيس ونوري الجراح والمنصف المزغنّي وغيرهم، كما نقل من الفرنسية إلى العربية لإميل سيوران وموريس بلانشو وغيرهما. مؤلفاته تجاوزت الخمسة عشر كتابًا بين الشعر والرواية والدراسات النقدية والفكرية يكتبها بالفرنسية لأنها وطنه الأم جنبًا إلى جنب مع العربية، منها "على راحة يدي"، "أبجديّة السّاعة الزرقاء" مع مقدّمة للشاعر الفرنسي إيف لوكلير وتتمّة للكاتب بيار غاريغ، "اليأس الجذل لدى سيوران"، "الصّمت العمى" مع مقدّمة للشّاعر الراحل مؤخرًا برنار نُويل، "الكذبة العظيمة"، "حضوريًّا. شذرات الدّيجافو"، و"المأزق أو فن الحب التونسي".

حصل أيمن حسن على جائزة "روجي كوفالسكي للشّعر" عام 2017 التي تمنحها مدينة ليون الفرنسيّة عن كتابه "تونسة- يليها يوميات الدم المتكلّس" مع مقدمة لأدونيس (منشورات فيديروب الفرنسيّة، 2015)، وهي الجائزة التي حصل عليها قبله إيف بونفوا، وجون كلود بيروت، وفرانك فيناي. إضافة إلى الكتابة والترجمة فهو أستاذ جامعي وناقد أدبي في صحف عربية وفرنسية.
عن حياته وتجربته في الكتابة والترجمة كان لنا معه هذا الحوار:


(*) أود في البداية أن أسألك عن حضور الأب والأم في حياتك، هل كان لهما دور في اختياراتك الأدبية، وكيف كانت أجواء طفولتك؟

سؤالك جريء، وهو سيمكّنني من الدّخول إلى صلب الموضوع. إذًا، لعب والداي دورًا هامًّا في حياتي: أبي من خلال غيابه، وأمّي من خلال حضورها وتضحياتها الجسيمة. لكن لعب أشخاص آخرون دورًا هامًّا في حبّي للكتب والأدب، أوّلهم خالي المرحوم "رشيد" الّذي كان مثقّفًا حقيقيًّا صاحب مكتبة معتبرة. كما لعب ابنا خالتي الكبرى "زهرة"، العزيزان "بسمة" و"حمدي"، دورًا هامًّا في تكويني الفكري من الرّسم والتّلوين إلى الكتابة والتّحليل. قرأتُ إذًا باكرًا وطمحتُ إلى تكوين مكتبة شخصيّة متنوّعة وثريّة بالعربيّة والفرنسيّة على حدّ السّواء. بخصوص طفولتي: مارستُ هوايات كثيرة بين الفنون القتاليّة والكشّافة والموسيقى والشّطرنج، كنتُ بين أترابي الوحيد الّذي يُصاحبه كتاب للقراءة وكرّاس أو دفتر للكتابة.

 

(*) أسّست مكتبتك الكبيرة الخاصة بك منذ بداياتك، ويعيش معك الآن كبار الشعراء والفلاسفة على امتداد أوروبا وأميركا، لكن من هو الأديب الذي دفعك دفعًا قويًا نحو الكتابة، ونحو الترجمة؟

... وكذلك أفريقيا وخاصّة آسيا، فأنا شغوف بالآداب اليابانيّة والصّينيّة وبالثّقافة الفلسفيّة والحربيّة والدّينيّة. في الحقيقة، فتحتُ عيناي في نهج أبي القاسم الشّابي بمدينة حمّام سوسة وكان اسم "شاعر الوطن" لحظة استفاقة بالنّسبة لي. قرأتُ له باكرًا وكتبتُ عنه نصًّا في ذكرى مئويته عام 2009، تحوّل إلى كتاب صدر تحت عنوان "نشيد وطني" (منشورات نيرفانا، تونس، 2014). لعب الشّابي دورين اثنين في تركيبتي الفكريّة والأدبيّة: فكان ملهمًا أي مرجعًا وكان كذلك مثالًا مضادًّا لأنّه، كما كتب لصديقه محمّد الحليوي، كان يعتبر نفسه "مكسور الجراح" لجهله اللّغات الأجنبيّة عامّة والفرنسيّة خاصّة. جعلتُ من الفرنسيّة موطن قوّة لي أي أنّها صارت لغة وثقافة مكّنتني من الخروج من المحليّة والطّموح إلى الكونيّة. 

أيمن حسن وبرنار نويل 


(*)
يقول سيوران الذي كتبت عنه "اليأس الجذل لدى سيوران": "إذا لم أكتب، كان بإمكاني أن أصبح قاتلًا، الكتابة مسألة حياة أو موت". ماذا يرى أيمن حسن نفسه بعيدًا عن الكتابة؟ 

الغريب في الأمر، أنّ سيوران لا يمزح ويجب فعلًا أخذه على محمل الجدّ. من جهتي، كان بإمكاني أن أكون ضابطًا في الجيش أو محاميًا أو حتّى طبيبًا. لستُ أدري، كان بوسعي ذلك دراسيًّا وعلميًّا، لكنّي لم أفكّر بالأمر. فأنا بالرّغم من كلّ شيء سعيد ممّا صرت عليه. أقول هذا، لأنّي أعيش من مهنتي كمدرّس وباحث جامعيّ، لكنّ الوضع صار كارثيًّا مهنيًّا وعلميًّا لأسباب يطول شرحها، أختصرها في ما يلي: الأزمة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة الّتي تعيشها تونس جعلت من العلم والبحث والتّدريس من بين الهوامش لا الأساسيّات. 

 

(*) عام 2020 وكورونا والعزلة... كيف مرّ هذا العام عليك، وكم هي المسافة بين العزلة والكتابة؟

أحببتُ هذه العزلة الجبريّة، لا بل عشقتها لسببين إثنين: أوّلا لأنّها فرضت على العالم حقيقة مريرة عبّر عنها الفيلسوف الفرنسي بلاز باسكال بقوله: "كلّ تعاسة البشر تأتي من شيء واحد، وهو عدم معرفة كيفيّة البقاء مستريحًا في غرفة". ثانيًا، لأنّني تمكّنتُ قبل حلول شهر رمضان، الّذي أعمل فيه عادة بجدّ، من العمل استثنائيًّا على نصوص وكتب شخصيّة وترجمات. مثلًا، كتبتُ سيرة فكريّة للشّاعر المغربي الفرنكفوني عبد اللّطيف اللّعبي صدرت خلال شهر أيلول/ سبتمبر 2020 عن منشورات معهد العالم العربيّ بباريس، كما ترجمتُ "لا حرب في طروادة. كلمات هوميروس الأخيرة" للشّاعر نوري الجرّاح، وهو ثالث عمل أترجمه له، وصدر خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي عن منشورات رافائيل دي سورتيس.


(*) لماذا تفضّل منذ البداية الكتابة باللغة الفرنسية؟

صارت الفرنسيّة لغتي الأمّ، فهي اللّغة الّتي أحلم فيها بالرّغم من أنّي أعيش في تونس وأتكلّم اللّهجة التونسيّة طوال اليوم، لكنّي استطعت تأسيس علاقة حبّ وتماهٍ وحوار وتساؤل وكتابة وإبداع مع اللّغة الفرنسيّة. الشّرارات تأتيني بالفرنسيّة وتفرض عليّ قصائد ونصوصًا بهذه اللّغة الّتي هي لا محالة لغتي. 

 

(*) حصلت في عام 2017 على جائزة "روجي كوفالسكي للشّعر" التي تمنحها مدينة ليون الفرنسيّة منذ عام 1984 لكبار الشعراء الفرنسيين والفرنكفونيين، وقد حصل عليها إيف بونفوا وجان كلود بيروت وفرانك فيناي، هل الفوز بجائزة أدبية على هذا المستوى يخيف في مكان ما؟

أنا سعيد لأنّي كتونسي سبق له أن تحصّل على جائزة "روجي كوفالسكي"، أن ينالها هذه السّنة الشّاعر عبد اللّطيف اللّعبي، مع التّذكير أنّ معهد العالم العربي اختارني لكتابة سيرته الفكريّة. لا، لا شيء يُخيفني. وأتوقع أن أنال جوائز أخرى في مراحل ومحطّات جديدة، فالعمل الجدّي والحقيقيّ ينتهي دائمًا بفرض نفسه.

 


(*) يُقال إن الأمم تنتج عباقرتها ثم تهدأ مئة عام ثم تنتج عباقرة آخرين مرة أخرى كل مئة عام. ماذا تقول في ذلك؟ وهل ثمة ركود في القرن الواحد والعشرين؟

لا أرى ركودًا، العالم كخليّة نحل، الشّعوب تبدع وتنتج، ربما العرب أقل. حتّى في تونس، ورغم تدهور الوضع، توجد طاقات مبهرة، لكن للأسف يستفيد الغرب منها فهي كلّها طالبة للهجرة... الحلّ، حسب رأيي، سيتمثّل في الإيمان بالفردانيّة، أي في إمكانيّة أن يلعب الفرد دورًا شخصيًّا لتغيير الأمور. من خلال الأفراد، سيمكن تكوين مجموعات وربّما حلّ المشاكل. لست متشائمًا، فأنا أب لطفلين ومن واجبي أن أؤمن بالمستقبل من أجلهما. "العالم أرحب"، كان يقول الشّاعر التّونسي مختار اللّغماني، نعم هو كذلك، لكن انطلاقًا من تونس، لا خارجها.


(*) كيف تنظر إلى فعل الترجمة، هل الترجمة تُفرغ النص من قيمته الحقيقية. وهل ينقصنا العمل النقدي للأعمال المترجمة؟

فعل التّرجمة فعل إبداعي وليس اختصاصًا تقنيًّا. طبعًا يجب تكوين مترجمين محلّفين وغيرهم للقيام بالعمل، لكن الإبداع إبداع، ولم يدرس موزارت في معهد عال للموسيقى، كما لم يدرس بيكاسو في الفنون الجميلة. لهذا السّبب، أرى مئات الكتب المترجمة إلى العربيّة وبالكاد تقرأ. هي أفظع من الخيانة، وهي جرائم في حقّ الطّبيعة بسبب كمّيّات الورق المهدورة. هنا يجب أن نكون جدّيين في الفعل النّقدي.

(*) ثمة من يقول إن ناقد الفن يجب أن يكون فنانًا، هل ترى أن مترجم الشعر يجب أن يكون شاعرًا، وأن ثمة تضامنا شعريا يمكن أن نلحظه في ترجمة النص، وبالتالي تكون الترجمة أكثر دقة؟  

بالتّأكيد، على مترجم الشّعر أن يكون شاعرًا. فكيف لشخص ليس بشاعر، أي تنقصه موهبة كتابة أو قول أو صياغة الشّعر، أن يُمكّن قصيدة أو نصًّا شعريًّا من العبور من لغة إلى أخرى؟ هل يمكن للمنقذ أن لا يكون سبّاحًا؟ طبعًا لا. يجب أن يكون مترجم الشّعر شاعرًا وأن تكون في جُعبته خصوصيّة الفكر أو الفلسفة.

 

(*) كان للترجمة عن الغرب أثرها الكبير على التحوّلات الأدبية والفكرية في عالمنا العربي. كفعل معاكس، هل كان ثمة أثر تركه تراثنا العربي في الغرب؟

لا محالة، نجد تلك الآثار في اللّغة من خلال كلمات مهمّة كـ"كحول" و"سكّر" و"سوربيه" و"حشّاشين" وغيرها من الكلمات الّتي تُعبّر عن عوالم رائعة. العرب من خلال الثّقافة العربيّة الإسلاميّة موجودون لا محالة، ولهم أهمّية كبرى، لكن هذه الأهميّة صارت من باب الاعتناء بالحضارة والتّاريخ لا من باب المستقبل والبناء والتّأسيس. سيكون دائمًا لابن رشد والخوارزمي وابن سينا وحتّى صلاح الدّين الأيّوبي وسليمان القانوني والأمير عبد القادر أهميّة تاريخيّة، وربّما لهم قيمة عند الغرب أكثر ممّا نجدها عندنا، لكن كما قلتُ المسألة تخصّ الالتفات إلى الماضي ولا تعني أبدًا مستقبلًا لنا نحن العرب والمسلمون.     


(*) ماذا عن إنتاجاتنا الحالية المترجمة إلى لغاتهم، كيف ترى الأمور؟

المسألة من وجهة نظري كاريكاتوريّة. وما يُترجمُ على الأقلّ إلى الفرنسيّة (وهي اللّغة والأفق والحضارة الّتي يمكنني أن أقول إنّي متمكّن منها)، لا يغني ولا يسمن من جوع.

 

أيمن حسن وأدونيس 


(*) تجمعك علاقة شخصية قوية بأدونيس، وترجمتَ له "كونشيرتو القدس" إلى الفرنسية، هل من مشاريع جديدة معه؟

نعم، صدر "كونشيرتو القدس" عن منشورات ماركير دي فرانس عام 2016، كما صدر ديوان "سوريا وسادة واحدة للسّماء والأرض" خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي عن منشورات "كانوي" في طبعة أنيقة بالعربيّة والفرنسيّة مع صور للفوتوغرافي فادي مصري زادة. زيادة على ذلك، ترجمتُ خلال الأربع سنوات الماضية أغلب نصوص أدونيس النثريّة من محاضرات وتكريمات بين مقدّمات ونصوص عن شعراء وكتّاب يحبّهم أو تجمعه بهم صداقات. أنا سعيد بهذه العلاقة، وأتمنّى له عمرًا طويلًا كي يتمتّع بطاقتي في خدمته. كتبتُ عنه كتابًا سيصدر قريبًا وفيه ترجمة إلى الفرنسيّة لنصوص رائعة لا يعرفها حتّى القرّاء العرب. هي قراءة تحليليّة مزجتُ فيها الخاصّ بالعامّ والإبداع الشّخصي بالتّرجمة.



(*) على ماذا تشتغل حاليًا؟ وما هي أحلامك المؤجّلة؟

سيصدرُ لي كتاب يتمثّل في ترجمة ذات جودة للشّاعر التّونسي الرّاحل محمّد الصغيّر أولاد أحمد، وهو شاعر الثّورة التّونسيّة الّذي حمل وزرها على عاتقه وطمح إلى مستقبل زاهر في كنف العدالة والحريّة والكرامة. قدّم للكتاب أدونيس وكتب تتمّة له الشّاعر التّونسي المنصف المزغنّي. أنا سعيد بهذا الإصدار في فرنسا لأنّ الأدب التّونسي غائب وربّما هو مُغيّبٌ لأسباب عدّة أوّلها سياسيّة وأيديولوجيّة. ولي كُتُبٌ جديدة سترى النّور منها أعمال جماعيّة لأنّي أؤمن بالعمل الجماعي. كما صدر حديثًا كتاب "تونسة" المتحصّل سنة 2017 على جائزة "روجي كوفالسكي" في نسخة عربيّة من ترجمتي الشخصيّة أو بالأحرى من إعادة كتابتي لها بكلماتي الشخصيّة بالعربيّة. ولي أيضًا أعمال مترجمة لطلال حيدر ونوري الجرّاح والمنصف المزغنّي وزاهر الغافري، وكتب شعريّة ونثريّة ستصدر قريبًا أوّلها كتاب بمناسبة بلوغي سنّ الأربعين عامًا.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.