}

كاتيا الطويل: في المعرفة نبحث عن خلاص

عماد الدين موسى عماد الدين موسى 22 سبتمبر 2021

 

 

تحاول الروائية اللبنانية كاتيا الطويل (1990)، في روايتها الثانية "الجنّة أجمل من بعيد 2021" (دار هاشيت/ أنطوان، بيروت)، التي جاءت بعد رواية "السماء تهرب كلّ يوم 2015"، كتابة رواية بطلها هو القارئ، الذي هو الشريك الفعلي في صنع أحداثها.

تكتب الطويل المقال الثقافي في عدد من الصحف والدوريّات العربيّة، وتعمل حاليًّا على أطروحة دكتوراه في النقد الأدبيّ في جامعة السوربون- باريس.

في هذا الحوار معها تكشف لنا عن آلية وأسرار كتابة الرواية، فتتحدث عن المعرفة التي هي كنز العقل، وتشيع الخصوبة والشجاعة والاندفاع الجمالي:

 

(*) في روايتك "الجنّة أجمل من بعيد" تلعبين على زحزحة الشكل الكلاسيكي للرواية، فنحن مع (أنا) تعمل على خلق شكل فني يكون القارئ فيه شريكًا في صنع الأحداث الروائيّة. هل بات القارئ لاعبًا؟

أظنّ أنّ الناقد المصريّ جابر عصفور أصاب عندما وضع كتابًا في النقد بعنوان "زمن الرواية" ومن بعده "زمن القصّ"، فنحن اليوم فعلًا في زمن الرواية، وبات من المفروض على الرواية أن تأتي بالجديد والمبدع والتجريبيّ لتثبت نفسها وتفرض لعبتها السرديّة على القارئ، من هنا أردتُ أن أفاجئ القارئ برواية استقالت كاتبتها وتُركت الشخصيّة فيها وحيدة محتارة وعاجزة عن إيجاد حبكة وأحداث. طبعًا جعلتُ روايتي في مستويات متعدّدة على صعيد المعاني، من حيث أنّ اللعبة بين الكاتبة والشخصيّة تضارع العلاقة بين الخالق والبشر لتبقى "الكلمة" هي الأساس والمفتاح. 

(*) برأيك، هل صار الوقت مناسبًا لكتابة رواية تمزّق الثياب التقليدية التي ورثناها عن كتّاب مؤسّسين؟

اختلف النقّاد كثيرًا حول أصول السرد والرواية في العالم العربيّ، فمنهم من جعله فنًّا عربيًّا أصيلًا تعود جذوره إلى "ألف ليلة وليلة" والمقامات ورسالة حي بن يقظان وغيرها، ومنهم من جعله فنًّا مستوردًا من الغرب، وفي الحالين نكتشف أنّ عمر الرواية في العالم العربيّ يربو على المئة عام بقليل فقط. وبينما تمكّنت الرواية في الغرب وفي أوروبا على وجه الخصوص من أن تمرّ بمراحل متعدّدة، عرفت الرواية العربيّة الأنواع كلّها في الوقت نفسه، فوجدنا النصّ الكلاسيكي إلى جانب الواقعي إلى جانب الرومانسي إلى جانب أدب الجريمة إلخ، وبالتالي لا أظنّ أنّه يمكننا أن نتحدّث عن رغبة بتخطّي الكلاسيكي في الرواية العربيّة فنحن لم نستنفد الكلاسيكي بعد.

(*) هل نسمّي روايتك بالجديدة؟

أنا متأثّرة كثيرًا بألان روب غرييه وناتالي ساروت وروّاد نظريّة الرواية الجديدة nouveau roman، بحكم إقامتي في باريس للتحضير لأطروحة الدكتوراه وكذلك بفضل قراءاتي في النقد والرواية الفرنسيّة. وأجد أنّ ألبير كامو أيضًا ترك في نصّي أثره بسبب اعتمادي تقنيّة الكتابة البيضاء القائمة على جمل قصيرة صادمة ومفعمة بالمعاني. لكنّ روايتي تختلف عن نظريّة الرواية الجديدة بوجود صراع عميق فيها قائم بين الكاتبة والشخصيّة، بين الخالق والمخلوق، بين مفهوم التسيير والرغبة في المعرفة وتغيير المصير.




 

(*) اختيارك عنوان "الجنة أجمل من بعيد" إشكالي من حيث أنّه ينسف مفهومنا عن "الجنة". تُعتبر الجنّة غاية الغايات عند الإنسان، وكأنّك تقترحين أنّ الجحيم أفضل؟

اعتمدتُ في روايتي على الكتب السماويّة والميثولوجيا وأسطورة المعرفة، فالإنسان في الأديان السماويّة الثلاثة وفي الأساطير كلّها يبحث عن المعرفة، يبحث عن الخلود، يبحث عن طريقة تخلّصه من مأزق الجهل ومن سطوة الزمن، وفي النهاية يُعاقب دومًا. آدم طُرد من الجنّة لأنّه أراد معرفة المزيد، بروميثيوس عوقب لأنّه منح الإنسان المعرفة، وأنا أقول في روايتي إن كان ثمن المعرفة أن نُطرد من الجنّة فليكن، الجنّة أجمل من بعيد. يجب أن نؤثر المعرفة دومًا وإن عنى ذلك طردنا من الجنّة مرارًا وتكرارًا.

 

(*) لقد استعنتِ بشخصيات متمرّدة في روايتك ومن ثمّ قمتِ بتوظيفها في خلق الصراعات، كشخصيّة "آنّا كارنينا" (تولستوي) و"جولييت" (شكسبير) و"فاوست" (غوته) وغيرهم، لقد اخترتِ اثنتي عشرة شخصية هي من الإناث ما عدا ذكرًا واحدًا هو "فاوست" الذي يقوم بدور "المعلم". لماذا؟

استعنت بشخصيّات من روايات أخرى لإضفاء المزيد من التشويق على السرد، والقارئ المطّلع والعالم بكلاسيكيّات الأدب العالميّ سيفهم الإشارات والإيحاءات التي أوردتها. جعلت الشخصيّات بحضورها وجلوسها وكلامها مطابقة لمشهد العشاء السرّي في العهد الجديد، فتلاميذ المسيح اثنا عشر تمامًا كعدد الشخصيّات التي تزور بطلي لتساعده. وكما يجلس المسيح مع تلامذته في العلّيّة في المساء الأخير قبل صلبه كذلك تجلس الشخصيّات مع بطلي ليلة عقابه. وبينما يكون يهوذا هو التلميذ الخائن من بين تلامذة المسيح حاولت أن أجعل فاوست الرجل الوحيد الذي يعرض فكرة خيانة الكاتبة والبحث عن سبيل للخروج عليها، وجعلته رجلًا في محاولة لتسليط الضوء على اختلافه عن النساء الأخريات.

 

(*) معظم الشخصيات التي اخترت إدراجها في نصّك من روايات أخرى لتشاركك في كتابة الرواية قضت انتحارًا. لماذا هذا الخيار؟ ولماذا لم تتدخلي في حياتها وتقوديها إلى مصائر غير التي أخذها إليها المؤلف الأول؟

لقد اختارت بطلات الروايات العالميّة الانتحار هربًا من مصائرهنّ المختارة لهنّ. انتحرت شخصيّات الروايات تمرّدًا على نصّ وكاتب ومكتوب لا يردنه أو يردن الهرب منه، وكما هو الانتحار في الحياة، كذلك هو الانتحار على الورق: محاولة أخيرة للتمرّد والبحث عن مخرج غير "المكتوب". شئت للانتحار سمة جامعة ولم أرد الحكم على هذا الفعل أو تغييره بل وظّفته كنوع من أنواع الهرب من الخالق والمكتوب.

(*) برأيك؛ هل نبقى على مسافة من الجنة- بعيدًا عنها، أم ترانا نصرف النظر عنها؟

أعتقد أنّ لكلّ إنسان جنّته ومكانه المثاليّ. ما يسعدني لن يسعد غيري وما يشكّل عقابًا لغيري قد يكون جنّتي. قد يكون وصف الجنّة كمكان واحد ذي صفات مشتركة للجميع أمر مبالغ به. أعتقد أنّ لكلٍّ جنّته ولكلّ إيمانه ومعتقداته لكنّ المعرفة تبقى ما يجب أن يبحث عنه الجميع. المعرفة والبحث عن المعرفة هما الخلاص الوحيد والتمرّد الأوّل الذي لا ندم عليه مهما كان العقاب.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.