}

سلمى مرشاق سليم: شغفي إضاءة "تاريخ ما أهمله التاريخ"

ميشلين مبارك ميشلين مبارك 27 أبريل 2022



وحده فكرها المتقد اليافع، على الرغم من حملها أحداثًا كبيرة في عمرها المديد، الذي جذبني إليها وإلى الجلوس معها والغرف من مخزونها الأدبي. سلمى مرشاق سليم، الأديبة اللبنانية الشامية المصرية، يغتني الإنسان من مجلسها، فهي من ناحية تُشعرك بالاهتمام والعاطفة في استضافتها الراقية، ومن ناحية أخرى، تضفي ثقافتها على موضوع حديثنا الأساسي عن الأدباء "الشوام" المهاجرين إلى جمهورية مصر العربية، بعدًا فكريًا وإنسانيًا عميقين. (نذكر هنا أنها والدة الكاتب والناشط السياسي لقمان سليم الذي اغتيل العام الماضي في جنوب لبنان). وقد خصّصت لضفة ثالثة هذا الحوار الممتع في دارة آل سليم في الضاحية الجنوبية لبيروت.

(*) تسكنين بيروت منذ عام 1958؟ ما مدى ارتباطك وتعلقك بالمكان؟

أحمل في شخصيتي وثقافتي عدة أمكنة، ولدتُ في مصر لعائلة شامية مهاجرة من أب من أصل سوري من مدينة النبك السورية وأمّ من قرية جون (الشوف- لبنان). نشأتُ بين مصر ولبنان. كنا نأتي في الصيف إلى بلدة بيت مري وهناك تعرّفت إلى الشاب محسن سليم، ومن ثم توالت اللقاءات حتى تزوجنا في عام 1958.

 

(*) هل كونك من "شوام مصر" كان دافعًا لك للبحث عن الأدباء "الشوام" المهاجرين إلى جمهورية مصر العربية؟

هو سبب من الأسباب. لا شك بأنّ موضوع "شوام" مصر تحديدًا هو الأحبّ على قلبي، فكتابي البحثي الأول كان رسالتي الماجستير في الجامعة الأميركية في بيروت عن الأديب والعالم نقولا الحداد الذي هو أيضًا من "جون"، قرية والدتي، (وهو سبب آخر)، (صدر الكتاب عن دار الجديد عام 2013 "نقولا الحدّاد (1872-1954)، الأديب العالِم". كتابي البحثي الثاني عن الأديب والروائي إبراهيم المصري "إبراهيم المصري (1900-1979) رائد القصّة النفسيّة"، (دار الجديد، 2006) والذي تعود جذور عائلته إلى بلدة دير القمر (الشوف- لبنان). إنما دعيني أشرح لك السبب الحقيقي وراء أبحاثي. الجميع يعترف بجهود أصحاب الأسماء الكبيرة في عصر النهضة أمثال جرجي زيدان مؤسس دار الهلال الذي بحنكته أدخل فكري بيه أباظه شريكًا معه. إنما وبرأيي، الدار تطورت أيضًا بفضل أبناء جرجي زيدان: إميل وشكري اللذان تسلما الإدارة والأمور المالية. ومن ثم ازدهرت الدار عبر أسماء ذي أقلام مهمة كتبت في الهلال أمثال إبراهيم المصري. ما أود قوله، أن هناك تاريخًا يجب أن يُسجل، هناك كنوز أدبية لم يتم الإضاءة عليها بشكل كافٍ، يجب البحث في إسهاماتها الفكرية والصحافية.

 



(*) ذكرت الكتابين اللذين سبق أن أصدرتهما عن دار الجديد، هل لكِ أن تخبرينا عمّا أردت الإضاءة عليه؟

يهمّني الإضاءة على أشخاص مهمين من الناحية الفكرية إنما كانوا في الظل. فالصحافي نقولا حداد لم يكن أديبًا وصحافيًا فحسب إنما كان عالمًا في الصيدلة والأدوية الطبية. فبعد تخرّجه من الكلية الإنجيلية في بيروت (اليوم الجامعة الأميركية) هاجر إلى مصر، وكتب في العديد من الصحف وساهم في إنشاء مجلات فكرية وعلمية، أصدر ثلاثين كتابًا عاكسًا الجو الشامي المصري في كتاباته، ناهيك عن العديد من الترجمات والمقالات التي نادت بالسلوك المستقيم والأخلاق الحميدة، مطالبًا بحق المرأة بالتعليم.

أمّا إبراهيم الحداد وكنيته "المصري" فهو من عائلة شامية مهاجرة أيضًا، وقد أطلق عليه لقب "رائد القصة النفسية" نظرًا لما كان يتمتع به من قدرة مهمة على التحليل النفسي لشخصيات قصصه، وهي ميزة إبداعية تفرّد بها عن أبناء عصره. كتب في العديد من المجلات أبرزها "الأديب" و"الهلال". وقد فصّلت في كتابي المواضيع الاجتماعية العديدة التي تطرّق إليها الروائي المصري في قصصه على مدى عقود من ثلاثينيات القرن الماضي وحتى السبعينيات. إضافة إلى ترجماته لكبار المفكرين الغربيين من نيتشه ومكسيم غوركي وموباسان وغيرهم إلى العربية. إذًا، أتت الحركة التنويرية لتعكس مطالبات أقلام عديدة من بينها الحداد والمصري.

 

(*) تتكلمين بشغف سيدتي وبلكنة مصرية محببة، فما سرّ هذا الشغف؟ وهل ما زلت تزورين مصر؟

آه، على الرغم من أنني لبنانية وأولادي لبنانيون، فمصر بلدي أيضًا، إخوتي في مصر يساعدونني في البحث عن مراجع قديمة وأحيانًا مفقودة لا أجدها في كبرى المكتبات في لبنان. لذلك أذهب إلى مصر لشراء الكتب القديمة ولا سيما تلك التي يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر. أمّا سؤالك عن الشغف فربما يعود إلى أجواء بيتي ووالدي. أذكر طفولتي حين كانت أمي تحتفظ بمجلات وجرائد الأسبوع بأكمله لأقرأها جميعها في عطلة نهاية الأسبوع. وبصراحة كان يصعب عليّ أنا التلميذة الصغيرة أن أقرأ كل المواضيع، لذلك كنتُ أختار المواضيع الأدبية التي تهمّني أكثر. فالقراءة شغف، هي الانفتاح على الآخر وتقبّل الآخر على اختلافه. هل تعرفين بأنه لدي في مكتبتي نسخًا من جميع المجلات القديمة من المقطم والمقتطف والهلال والأديب والأهرام وغيرها الكثير.

 

(*) نحن نعلم بأنّ الأديب المصري "وديع فلسطين" أهداك مكتبته، ماذا يعني لك ذلك؟

منذ زمن كنتُ تلميذته في كلية الإعلام في الجامعة الأميركية في القاهرة، وقد ربطتنا علاقة صداقة أصيلة بعائلته وبابنته، والحقيقة شرّفني بإهدائي مكتبته وأنا وفية لهذا الإرث.

 

(*) اليوم وعلى الرغم من كل الأحداث التي مررت بها، هل ما زال شغفك في البحث متقدًا؟

على طاولة مكتبي، أوراق وكتب عن شخصية أدبية جديدة وهو حبيب جاماتي والتي تعود جذوره إلى منطقة ذوق مكايل (جبل لبنان) وقد كان من أبرز الصحافيين في "دار الهلال"، أنا أبحث اليوم في مؤلفاته ومقالاته مركزة على كتبه المتعلقة بـ"تاريخ ما أهمله التاريخ". هذا هو شغفي، الإضاءة على أدباء أهملهم التاريخ.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.