}

عارف الساعدي: الشعر العربي يشكو الآن من غياب المسؤولية

علي لفتة سعيد 6 مايو 2022

 

أعرب الشاعر والأكاديمي ومدير أكبر دار نشر عراقية حكومية، الدكتور عارف الساعدي، عما يمكن تسميته بخيبة الأمل فيما وصل إليه الشعر بسبب التأثيرات السياسية التي تهيمن على الواقع الأدبي والاجتماعي بشكل عام، معتبرًا أن تخصيص يوم للشعر في العالم لا يعني وصول الشعر إلى منطقة التأثير على الذائقة القرائية، وأنه بعد أن كان يستجيب لرهانات الحداثة، فإنه الآن في الزمن الحالي هو مشهد مختلف ولا تجارب كبيرة يشار لها ووجودها لا يشكل فارقًا إبداعيًا والسبب في ذلك أن الشعر الآن يعاني أزمة الأسئلة وممتلئ بالإجابات، ويقيني في معظمه.

الساعدي من مواليد بغداد 1975. يحمل شهادة دكتوراه في الأدب العربي الحديث ونقده، من الجامعة المستنصرية 2011.. أصدر "رحلة بلا لون" عام 1999 و"عمره الماء" عام 2009 و"جرة أسئلة" عام 2013 و"مدونات" عام 2015 و"آدم الأخير" عام 2019 وصدرت له رواية "زينب" عام 2021 وكتاب نقدي، "شعرية اليومي".

حصل على عدة جوائز منها جائزة مسابقة "المبدعون للشعر" التي أقامتها مجلة "الصدى" في دورتها الأولى في دبي عام 2000 والجائزة الثانية في مسابقة سعاد الصباح في الكويت عام 2004، وجائزة الدولة للإبداع الشعري عن وزارة الثقافة العراقية عام 2014، وجائزة الأمير عبد الله الفيصل عن كامل منجزه الشعري عام 2021.

هنا حوار سريع معه:

 

(*) العالم خصص يومًا للشعر من أجل الاحتفاء به.. هل هي مناسبة عالمية لأهمية الشعر أم فرصة للمراجعة لما وصل إليه؟

إنه مناسبة مهمة للاحتفاء والتذكير بأهمية الشعر في حياتنا، ولكن الأهم أنه فرصة مناسبة للمراجعة الحقيقية لواقع الشعر العربي ومستقبله، ولنظرة موضوعية للمشاكل والمعوقات التي تقف بوجهه، وهو موضوع واسع لأن أزمات الثقافة العربية ترتبط دائمًا بالأحداث السياسية والاجتماعية التي تعصف بالبلدان، ودائمًا الثقافة تتبع هذه التحولات، فلم نحظ بثقافة حقيقية تبادر لفعل سياسي، أو اجتماعي، إنما دائمًا نجد الأثر السياسي أكثر ضوءًا من غيره على الثقافة، والشعر أكثر تجليات الثقافة في العراق، لأسباب عديدة يعرفها أكثر المشتغلين في هذه الحقول، وبما أن الشعر حقلنا الأصيل، ووجهنا الثقافي المهم، لذا فإن مراجعته بين مدة وأخرى واجب ثقافي - كما أظن - بوصف العراق نافذة مهمة من نوافذ الحداثة الشعرية العربية، وله إرثٌ عظيمٌ منذ الحضارات الأولى ومنذ أول نص قيل في هذا العالم وأول ملحمة كتبت على وجه الأرض وأول شاعرة أنشدت الشعر.

 

(*) كيف ترى الراهن الشعري وهل هناك فارق مهم فيه يختلف عن المرجعيات الشعرية؟

للأسف هو مختلف الآن عن كل المشاهد السابقة، وهذا لا يعني عدم وجود تجارب كبيرة ومهمة، إنما وجودها لم يشكل فارقًا مهمًا، ولم يؤثر في بقية المشهد الشعري الذي اختلط فيه الجيد بالرديء، وأصبح ممتلئًا بالحصى الكثير، وبالقليل من الدر واللؤلؤ، فالمشهد الشعري الموجود حاليًا ليست له علاقة بالشعر العراقي الحداثي الذي انبثق نهاية الأربعينيات، واستمر حتى أجيال ما بعد الستينيات. الشعر العراقي ذو المرجعيات الفكرية والمعرفية والجمالية، الذي شكل عصبًا مهمًا ومغذيًا من مغذيات الحياة المعاصرة، ومن المهم طرح الأسئلة من مثل: كيف تراجع ذلك الشعر؟ وما هي أبرز أزماته؟ وهل فعلًا يعيش أزمة كبيرة؟ وحين يتأثر الشعر العراقي، ويعيش أزمة ما، هل يعني هذا أن الشعر العربي في أزمة كبيرة أيضًا؟ أم إننا معزولون عن بعضنا البعض؟ ونعيش في جزرٍ متباعدة، وتجمعنا اللغة فقط؟

 



(*) هل هناك مظاهر محددة لما عبّرت عنه بالأسف؟

نعم. إنه يتجلى في مظاهر متعددة، أولها في المهرجانات التي تُقام، وفي المجاميع الشعرية التي تطبع، وفي الصفحات الثقافية الفقيرة في الصحف والمجلات، وفي التجمعات والمنتديات الكثيرة، من حيث عدد الشعراء، ولكنها الفقيرة من حيث النوعية، الشعراء كثرٌ جدًا في هذا البلد، ولكن الشعر عملتهم النادرة، كذلك غياب الحركات الأدبية والمدارس الشعرية التي تحرك الراكد في الشعرية العراقية، وحين نتناول هذه الجزئيات سنرى أن العراق من أكثر البلدان العربية شغفًا بإقامة المهرجانات والملتقيات الشعرية، ولكنها للأسف مهرجانات يغلب على معظمها الطابع الاجتماعي وليس الثقافي، لأن الجمهور نفسه هم الشعراء.. ويمكن إضافة الكثير من المظاهر، منها التقليديون الذين يتناسلون يوميًا، والغنائيون جدًا في الشعر العراقي الذين يعالجون قضايا كبرى يمر بها البلد بسذاجة عالية للأسف. العراق من أكثر البلدان العربية ظهورًا للمدارس الشعرية، فمنه تنطلق موجات الحداثة والتجديد، وفي كل جيل تنطلق البيانات الشعرية والحركات المجددة، ولكنه منذ سنين طويلة قاربت العشرين عامًا دبّ الكسل في مفاصله الشعرية، فلم نسمع عن جيل شعري جديد، أو حركة إبداعية مغايرة.

 

(*) ألا ترى أن هناك قلقا معرفيا أصاب المنظومة الكلية للمجتمع؟

الشعر العراقي ممتلئ بالإجابات كونه يعاني أزمة الأسئلة، شعرٌ يقيني في معظمه، يصف الحياة من الخارج، شعرُ قشورٍ لا يغوص في الروح والعقل، وثقافة الشعراء لا تتعدى قراءة البوستات اليومية في الفيسبوك، دون أنْ تتغذى بالجديد من المعرفة والأدب العالمي، لهذا فالشاعر يلجأ إلى بئر ذاته يمتح منه إلى أنْ يجف سريعًا، فتخرج في النهاية قصائد ممتلئة بحواف تلك البئر، من طينٍ يابسٍ وماءٍ راكدٍ،  ويمكن لنا القول إن المهرجانات والمسابقات الشعرية والجوائز التي تُفصّل على قصائدَ معينة وأغراضٍ محددة قد حولت عددًا من هؤلاء الشعراء إلى ببغاوات تردد وتكتب ما يُطلب منها، بوصف الشاعر الآن نجارًا وعدتُه النجارية هي اللغة، فتخرج النصوص باردة ومصنوعة صناعة لا روح فيها.

 

(*) ألا يرجع السبب أيضًا لوجود أزمة نقد وأزمة أكاديميات؟

نعم ربما شكل غياب النقد العراقي أزمة أخرى من أزمات الشعر هنا، فقد ابتعد عن متابعة ما يحصل من تدهور شعري وعدم تأشير ذلك التدهور بوضوح دون لف أو دوران، فقد بقي النقد الأدبي يعجن بالمصطلحات النقدية التي لا يفهم منها شيءٌ إطلاقًا، فلم نر ناقدًا إلى الآن يتحدّث عن مشكلات وأزمات الشعر العراقي المعاصر، فيما نجد عددًا من النقاد ما زال منشغلًا بالرواد وما بعدهم بقليل، بينما انشغل عدد آخر من النقاد بمجاملات يومية لا تشكل ثقلًا يضاف لرصيد المعرفة الإبداعية. كذلك تقف الأكاديمية العراقية أيضًا سببًا من أسباب تردي الوضع الشعري في العراق، وذلك بسبب تكلّس الدرس الأكاديمي، وعدم انفتاحه على المشهد المعاصر، بل إن معظم الأكاديميين الآن يعيشون عزلة كبيرة عن الوسط الثقافي، وبهذا فقد تراجع الدرس النقدي الأكاديمي واختفت ملامح النقد المباشر للتجارب الشعرية.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.