}

علي نوير: ثمة "أيدٍ ضامرة" تستسهل قصيدة النثر

صدام الزيدي صدام الزيدي 14 يونيو 2022


في مفتتح سبعينيات القرن المنصرم، بدأ الشاعر العراقي، علي نوير، المولود في البصرة (1950)، تجربته مع الشعر كتابةً (ونشرًا في الصحافة الأدبية)، لكن المسافة كانت طويلةً (ثلاثة عقود ونيف)، ليرى كتابه الشعري الأول النور. وقبل ذلك وبعده، نشرت قصائده في عدة صحف ومجلات عراقية وعربية. كُتِبت عن تجربته الشعرية قراءات ووقفات من قبل نخبة من النقاد والأكاديميين. دُعِيَ إلى مهرجانات وملتقيات شعرية داخل العراق وخارجه، وتُرجِمت قصائد له إلى اللغة الإنكليزية.

في أثناء ترؤسه اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة (في الفترة من 2007 إلى 2010)، ترأس اللجان التحضيرية لـ"مهرجان المربد الشعري"، كما ترأس تحرير مجلة "فنارات"، وهي الفترة التي قال إنها عرّفته إلى أدباء وكتاب أكثر، هناك.

تراتبت لنوير أربعة إصدارات شعرية: "هل أبدل عتمة هذا البحر" (2005)؛ "خيول بلا أعنّة" (2011)؛ "حجر الليل" (طبعة أولى، 2018. طبعة ثانية، 2021)؛ "احمل فأسك" (2022). وإلى ذلك، صدرت له كتب مشتركة مع شعراء آخرين.

متحدثًا، عن مسيرته الشعرية، يقول نوير لـ"ضفة ثالثة": "نوعان من الظلال رافقا تجربتي: ظلال الطبيعة، وظلال الحياة المُعتمة، ولا غرابة إذ تجدهما يتبادلان المواقع حتى في القصيدة الواحدة". ومبديًا رأيه في منصات التواصل الاجتماعي، وفتوحاتها على صعيد الأدب والشعر، قال إن ثمة "أسماك نافقة"، تخرج إلى الشاطئ، في هذا الخضمّ من الوسائط التفاعلية، لكنه يؤكد: "هذه المنصات تهبنا من وقت إلى آخر بعض اللؤلؤ الثمين".

وعن قصيدة النثر (العربية عمومًا)، التي تكتب اليوم، يعتقد نوير، أن ثمة "نظرة قاصرة" في فهم حقيقة هذا النوع من الشعر، سببها استسهال كتابة قصيدة النثر، مما جعل فضاؤها ضاجًّا بالكثير من النصوص الرديئة: "إنها محنة الجمال عندما تلهو به يدان ضامرتان"، على حد تعبيره.

هنا حوار معه:

(*) خمسة عقود مع الشعر.. كيف عشتها؟

هذه العقود الخمسة التي أمضيتها لم تكن خالصةً لكتابة الشِعر للأسف، فقد تخلّلتها فترات من الانقطاع لأسباب مختلفة، إلّا أنّ تواصلي مع الشِعر بقي مستمرًّا على صعيد القراءة ومتابعة ما هو جديد. ومع مطلع الألفية الثالثة نشطت مرة أخرى في كتابته والمشاركة في نشاطاته، ساعيًا إلى ردم الهوّة التي خلّفتها ورائي.

(*) كيف هي أحوال المشهد الثقافي في العراق، اليوم؟

ما زال المشهد الثقافي العراقي حافلًا بما يُغري القارئ والمتابع والدارس. ما زالت المطابع ودور النشر في العراق وخارجه تزفّ إلينا، سنويًا، مئات العناوين في الشعر والقصّة والرواية والنقد والفكر، بعضها حظيَت بالجوائز واهتمامات النقّاد والمختصّين، فضلًا عن وجود العديد من المهرجانات الأدبية والملتقيات الشعرية في مخلف المدن العراقية. ولكن هل في ذلك كلّه ما يمنحنا انطباعًا كافيًا عن أهمية ذلك المشهد أم أنّ الأهمية الحقيقية تتجلّى في ما ستتركه لنا تلك الإصدارات والفعاليات الأدبية من أثر حقيقي في وجدان المتلقّي وعقله...؟

(*) منذ كتابك الأوّل "هل أبدل عتمة هذا البحر"، 2005، وحتى مجموعتك الأخيرة "احمل فأسك"، 2022، أين هو علي نوير، شعريًا؟

ما زلت أجدني على مسافة أراها بعيدة إلى حدٍّ ما عن القصيدة التي أنشد، وما كتبته إلى الآن قد لا يصمد منه إلّا القليل أمام عثّة الزمن. لكن أقصى ما أستطيعه هنا، هو أن أحيلك إلى الإشارة الموجزة في إجابتي على سؤالك الأوّل، وإلى عدد من المقالات والدراسات التي تناولت تجربتي أو جانبًا منها، وبعضها بأقلام نقاد وشعراء معروفين، منهم: الراحل يعرب السعيدي؛ منصف الوهايبي؛ سامي مهدي؛ ياسين النصير؛ حاتم الصكَر؛ جميل الشبيبي؛ رياض عبدالواحد؛ حميد حسن جعفر.. وآخرون.



الفضاء الأزرق..

(*) فضاء منصات التواصل الاجتماعي، هل أضاف شيئًا للأدب والشِعر، برأيك؟

لا يمكن إنكار الدور المهم لهذا الفضاء الذي هيّأ الفرصة أمام النصّ الأدبي لأن يكون في قلب العالم بكبسة زرّ، وأن يكون الكاتب ملء البصر ومقصد الآلاف من القرّاء والمتابعين، وهذه الفرصة لم تكن متاحة يومًا ما لشاعر أو أديب. فالنصوص التي كانت تحظى بعدد محدود من القرّاء، في هذه الصحيفة أو تلك المجلة، أصبحت الآن تحظى باهتمام الآلاف من الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء في أنحاء المعمورة، وهذا بحدّ ذاته مكسب كبير للأدب والشِعر والثقافة، مع الإقرار بأنّ هذا الفضاء سمح لأعداد أخرى كبيرة جدًا من المتطفلين وأنصاف الموهوبين لأن تحتلّ جانبًا كبيرًا من المشهد، وما هذا الفضاء سوى البحر المحيط إذ يطرح على سواحله المديدة باستمرار المزيد من الزبد والأسماك النافقة والأشنات، إلّا أنها لا تخلو من بعض الأصداف التي تهبنا من وقت إلى آخر بعض اللؤلؤ الثمين.

(*) ما رأيك في قصيدة النثر العربية التي تُكتَب اليوم؟

لقد قطعت هذه القصيدة شوطًا مهمًّا، إلّا أنّ الطريق ما زال أمامها طويلًا، وقد جاءت بداياتها الحقيقية بعد عقد تقريبًا من بدايات (الشعر الحرّ) أو ما أصطُلِحَ عليه فيما بعد بشعر التفعيلة، واستطاعت خلال هذه الفترة القصيرة من الاستحواذ على الجانب الأكبر من المشهد الشعري العربي، واستطاعت من خلال نماذجها المتقدّمة أن تكون محطّ اهتمام النقاد والدارسين الأكاديميين كذلك، وأصبح لها شعراؤها المميّزون، ولكن كما أشرت في ملاحظتي السابقة بخصوص استسهال النشر في مواقع الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، نجد كذلك العديد ممّن آمن بقدرته على كتابة هذا النوع من الشعر، بعد أن خُيّل إليه أن سياجه قصير وأنّ الفرصة أصبحت مواتية لكل من يعرف الكتابة.

هذه النظرة القاصرة في فهم حقيقة هذا النوع من الشعر، جعلت هذا الفضاء ضاجًّا بالكثير من النصوص الرديئة، إذا صحّ القول بأنها نصوص فعلًا.

إنها محنة الجمال عندما تلهو به يدان ضامرتان.

(*) في واقع مُلغّم بالحروب والأوبئة والكوارث، ما الذي يُشغل المبدع العربي اليوم؟

لا يمكن النظر إلى المبدعين العرب كما لو أنهم مجموعة متجانسة أو منضوية في حركة أو فريق أو شركة.

الواقع العربي الآن مُتشظٍّ بفعل ما مرّ ويمرّ به، يوميًّا، من حروب وأوبئة وكوارث، والكثير منها لها أسبابها الداخلية بالتأكيد.. هذه الوقائع الكارثية كان لها التأثير الحاسم في تخريب النسيج المجتمعي، وفي إفساد أجيالنا في العقود الأخيرة، والمبدع بما يمتلكه من وعي مغاير ومشاعر استثنائية قد تلقّى بدوره هذه الصدمات بدرجة مُضاعَفة، أقول المبدع وأعني المبدع العربي الحقيقيّ، وأيّة مراجعة جادّة وأمينة للنتاج الإبداعي العربي للعقود الأخيرة، ستشكّل، حتمًا، الإجابة المطلوبة على هذا السؤال.

تجربة نقابية

(*) ترأسّت اتحاد الأدباء والكتّاب في البصرة (للفترة من 2007 إلى 2010)، وهي الفترة التي ترأسّت فيها اللجان التحضيرية لـ"مهرجان المربد الشعري"، كيف كانت هذه التجربة النقابية؟

لا أخفيك سِرًّا أنّ هذه الفترة بالنسبة لي هي فترة مُربكة إلى حدّ كبير، فهي، من جهة، قد أتاحت لي فرصة التعرّف على العديد من الشعراء والأدباء والفنّانين إذ لم تكن لديّ الفرصة المناسبة للتعرّف على هذا العدد الكبير من قبل، وإلى الآن أعتزّ بصداقة العديد منهم. ومن جهة أخرى، أجدها قد سرقت منّي أوقاتًا ثمينة، كان من المفروض أن أكرّسها لما هو أهمّ: تجربتي الشعريّة. ومع هذا، لي الحقّ، كما لغيري، في أن أتباهى، وفي ظروف استثنائية قد مرّ بها هذا البلد، ببعض الإضافات المضيئة، على تواضعها، والتي أظنّها قد تركت أثرًا جميلًا، سيتذكره بعض الأصدقاء الذين عملوا معي، وكذلك بعض المنصفين من أصدقائي الشعراء والأدباء العراقيين.

 (*) لنعد إلى البدايات، حدّثنا عن قراءاتك وعن البيئة الأولى التي شكّلت انطلاقة تجربتك الشعرية؟

ولدت في أسرة فقيرة، ذات أصول فلّاحيّة، وفي بيت قريب من النهر. دخلت المدرسة الابتدائية متأخّرًا سنتين عن موعدها، وكان الكتاب المدرسيّ أوّل كتاب وقعت عليه عيناي، إلّا أنّ مسيرتي الدراسية شهدت تفوّقًا ملحوظًا على الرغم ممّا مرّت به أسرتي من ضيق مادّي انعكست ظلاله على كتاباتي إلى الآن، خاصة بعد سلسلة الكوارث والحروب التي ابتليَ بها هذا البلد.

ويمكن اعتبار الطبيعة الريفية في قرية آبائي، والتي عشت في ظلالها سنوات طفولتي الأولى، هي المؤثّر الآخر الذي رافق مسيرتي الشعرية والحياتية. إذًا، نوعان من الظلال رافقا تجربتي: ظلال الطبيعة، وظلال الحياة المُعتمة، ولا غرابة إذ تجدهما يتبادلان المواقع حتى في القصيدة الواحدة.

والرافد الآخر المهم هو قراءاتي، منذ البدايات الأولى، إذ كنّا مجموعة من الأصدقاء في مطلع حياتنا الأدبية وجدنا في قراءة الكتب الأدبية وتبادلها، السلوى الوحيدة في مدينة جنوبية تكاد تخلو من مغريات أخرى، هذا إذا استثنينا متعة الذهاب إلى السينما لمشاهدة آخر الأفلام، وكذلك مزاولة بعض الألعاب الرياضية.

وقراءة الكتب قادتنا من حيث لا نحتسب إلى الكتابة. كان دفتر الإنشاء المدرسي هو البداية التقليدية في تلك الأيام، ومنه خرج الشاعر والقاص والروائي والمسرحي والناقد والمفكّر.

الآن، وبعد عقود خمسة، ما زلت أدين لتلك الظلال البعيدة بما وصلت إليه، وبما أنا عليه.. شاعرًا وإنسانًا.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.